الموقف السياسي

نحن ندعو إلى بناء الدولة القوية بجيشها ومقاومتها وشعبها/ الكلمة التي ألقاها في حفل تأبيني في بلدة مجدلون في البقاع في 3/5/2009

نحن ندعو إلى بناء الدولة القوية بجيشها ومقاومتها وشعبها

فتحت الآن أبواب جديدة في منطقتنا بعد هزيمة إسرائيل لا يمكن سدها، وإذ بنا نسمع بين الحين والآخر من يُنَظِّر كيف تُبنى الدولة؟ وكيف تكون الدولة؟ في البداية نريد أن نسألهم: وهل بنيتم دولة نموذجاً حتى نقتدي بها؟ وهل تعريفاتكم للدولة أنتجت خيراً للبنان؟ أي دولة هذه التي تعيش ضعيفة على فتات أمريكا وإسرائيل؟ أي دولة هذه التي تبني مستقبلها على بعضها وعلى أن تمد اليد إلى هنا وهناك؟ أي دولة هذه التي يستأثر فيها من يريد التحكم بمقدراتها دون أن يراعي الحق والإنسانية ومصالح الناس؟ هذا أمرٌ لا يمكن أن نعود به إلى الوراء.

كم هاجمنا العالم وقال عنا أننا إرهاب، وها هو العالم اليوم يخطب ودنا من أجل أن يجلس معنا، ولولا بعض الخصوصيات التي لا أرغب أن أعلنها، منذ أيام اتصل بنا مسؤول كبير في إدارة مهمة على مستوى غربي أن يلتقي معنا فرفضنا أن نلتقي معه، نحن الذين نقرر متى نلتقي ومتى لا نلتقي بحسب ما نقدر، لا تصدقوا أنهم يعتبروننا خارج الدائرة وخارج التعامل العالمين عندما تكون لنا شعبيتنا وعندما يكون لنا حقنا، وعندما نعمل لإثبات وجودنا بإرادتنا لن يستطيع أحدٌ في العالم إلاَّ أن يتعامل معنا من موقع الند لا من موقع العميل، ومن موقع المحترم لحرصه على استقلال بلده لا من موقع الذي يُدار عن بعد بالوسائل الحديثة وبأساليب الإغراء المختلفة.

هذه المقاومة حمت لبنان، ورفعت رأسها في العالم، وجعلته محط أنظار، بل أصبحنا نشعر بقيمة بلدنا بعد جهاد المقاومين وشهادتهم وجهاد الناس وعطاءاتهم وبركة التلاحم بين المقاومة والجيش والشعب، هذه النتيجة لا نفرط بها ، ولا نقبل أن يسلبنا إياها أحد، لأنها من حق كل طفل لبناني، ومن حق كل شيخ وامرأة لبنانية. اليوم يستطيع لبنان أن يرفع رأسه أمام العالم لأنه أخذ بيده ما تواطأت الأمم المتحدة لتسلبه إياه، وأخذ بيده ما تواطأ عليه مجلس الأمن وكان منحازاً إلى جانب إسرائيل.

مجلس الأمن كان نائماً أثناء عدوان غزة، وكانت الدول الكبرى تدعم القتل الإسرائيلي المنظم والممنهج ضد فلسطين ونساء فلسطين، لكن عندما وجدوا حساً عظيماً وأخلاقية كبيرة في مؤازرة المقاومين لبعضهم، انطلق لسان الأمين العام للأمم المتحدة ليتحدث عن خطر كبير ومفاجأة كبيرة، ما هذا الخطر أن يدافع الأطفال عن أنفسهم؟! ما هذا الخطر أن تدافع غزة عن حضورها وعن وجودها؟! أليس الخطر من إسرائيل التي تهدد في كل يوم أن تعتدي على لبنان وفلسطين وإيران وسوريا وأيضاً تعتدي على كل العالم بتهديداتها المختلفة ولا نسمع أن مجلس الأمن أسكتها، على كل حال منذ زمن بعيد قررنا أن نعتمد على أنفسنا ونتوكل على ربنا ، لن نعتمد لا على مجلس الأمن ولا على الدول الكبرى، من كان له الحق يكون قوياً في حقه وينتصر بإذن الله تعالى ولو بعد حين ونحن من الذين لا ننسى أبداً ما أكرمنا به الله تعالى من نصرٍ وتأييدٍ وتسديد وسنستمر في هذا النهج إن شاء الله ولو كره الكافرون ولو كره المنافقون.

منذ أيام تمَّ الإفراج عن الضباط المظلومين المعتقلين ظلماً وعدواناً بعد أن مكثوا في السجن حوالي ثلاثة سنوات وثمانية أشهر، وعبَّرنا عن موقفنا المؤيد لهذا الإفراج، كما عبَّرنا سابقاً عن اعتراضاتنا في محطات مختلفة على الاعتقال، وقلنا مراراً وتكراراً هذا اعتقال سياسي وليس اعتقالاً قضائياً، لأن أضخم اعتقال قضائي يمكن أن يستمر لشهر أو شهرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة، أما هذه المدة الطويلة فهي تعبير عن اعتقال تعسفي سياسي لحسابات محلية وإقليمية ودولية لا علاقة لها بكشف حقيقة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، نحن نريد كشف حقيقة الاغتيال، والآن نريد أيضاً كشف من ضلَّل التحقيق، وكشف من ورَّط لبنان بأزمات متنقلة خلال أربع سنوات بسبب هذا الأداء السيء في التعاطي مع التحقيق.

اليوم هناك اتهام بأن بعض القضاة ارتكبوا جرماً، لن نتحدث عن أسمائهم، ولن نحكم عليهم مسبقاً، ولن ندينهم كما كان البعض يدين يميناً وشمالاً، ما نطلبه هو المحاسبة للقضاة الذين ارتكبوا وأخطأوا أو فلتبرئهم التحقيقات بعد مسار محاكمتهم، لن نبحث عن النتيجة ولكن نريد أن توضع الأمور على السكة الطبيعية، حاسبوا القضاة الذين أخطأوا بحق الوطن، وكادوا يدخلوه في فتن مختلفة، ولتكن النتيجة أياً تكن فنحن نقبل بها، ولكن يجب أن نشرع في هذا الأمر، هذا حماية للقضاء وحماية لقدسية القضاء، وعندما يُدان البعض هذا لا يعني أن القضاء كله قد أُدين، وإنما هذا حماية لهذا المسلك الذي يجب أن يكون فوق هذه الشبهات من خلال معاقبة المذنبين ومن خلال حماية الفاعلين بطريقة صحيحة.

فريق 14 آذار متورط في اعتقال الضباط لأن أغلبهم تحول إلى قضاة ومحققين عبر وسائل الإعلام، وكنا نسمع المرافعات ولكن من دون مدعٍ عام ومن دون محام، التي تُطلق من هنا وهناك حول تفاصيل دقيقة يعتقدون من خلالها أنها سبب للإدانة، وأصدروا الأحكام التي يريدونها وفق مخيلاتهم وما يرغبون، تبين أن كل هذه المقولات انهارت وكان كاذبة، وكانت مجانبة للحقيقة، وغروا الناس وشوشوا أفكارهم وبنوا على قواعد ومعطيات ومعلومات غير صحيحة وغير حقيقية، فكان الأولى منهم أن ينتظروا نتائج التحقيق، ما الذي سيقولونه للناس في كذبة عمرها ثلاث سنوات وثمانية أشهر؟ ما الذي سيقولونه للناس عن كل التداعيات التي حصلت بسبب هذا الاعتقال التعسفي الظالم؟ ماذا سيقولون عن شهود الزور؟ ماذا سيقولون عمَّن غطى وعلَّم وبرَّر حتى اللحظة الأخيرة؟ ماذا سيقولون عن أولئك القابعين في هولندا الذين أرادوا تأخير الإفراج عن الضباط؟ هذه إدانة واضحة لهذا الفريق فيما فعله خلال هذه الفترة الماضية.

على كل حال في قناعتنا أن الإفراج عن الضباط الأربعة هو الخطوة ما قبل الأخيرة من خطوات انهيار المباني السياسية التي اعتمد عليها فريق 14 آذار، أمَّا الخطوة الأخيرة فهي الانتخابات النيابية التي ستُبعد الأكثرية عنهم، وهذا تعبير شعبي عن رفض مساراتهم السياسية التي اختاروها، وبالتالي نكون أمما مشهد يُعبِّر عن رفض الشعب اللبناني بأغلبيته لكل المسار السياسي الذي اعتمده فريق 14 آذار ، والذي انهار تدريجياً مع انهيارات إقليمية ودولية ليتبيَّن أن الدعم الخارجي للداخل لا ينفع إن لم تكن هناك إرادة شعبية، ونحن كمعارضة بالإرادة الشعبية تحدينا سياسياً كل هذا الاتجاه السياسي مع كل الدعم العربي وكل الدعم الدولي، لنثبت أن شعبنا الأبي الذي يريد استقلاله وحريته وكرامته هو الذي انتصر ولبنان هو الذي انتصر ، أمَّا الآخرون الذين أرادوا أن يبيعوا لبنان لمصالح آنية أو مؤقتة فقد فشلوا وانهزموا وبقي إعلان الهزيمة في اللحظة المناسبة عند الانتخابات النيابية إن شاء الله تعالى.

نحن نعلم أن قسماً من جمهور 14 آذار سيسأل، وأقول قسماًَ لأن القسم الآخر لا يسأل بسبب عصبية الانتماء، فهم أحرار فيما يفكرون، ولكن هناك قسم من جماعة 14 آذار سيسألون: لماذا فشلت إدارة الدولة خلال السنوات الماضية عندما كانت الموالاة في سدة الحكم؟ ولماذا تراكم الدين العام إلى خمسين مليار دولار ولم نقدم أي علاج يمكن أن يُنقذ البلد؟ ولماذا أدخلوا لبنان في أتون الصراعات الدولية والإقليمية وكادوا أن يورطوه في وصاية أمريكية جديدة لولا لطف الله تعالى وصمود المعارضة في لبنان؟ لماذا استأثروا بالسلطة وتعثروا بهذه الاستئثار وورطوا البلد في عدم الاستقرار الأمني والسياسي خلال هذه المدة؟ لماذا لم يلتزموا بالقوانين وانتهكوها، واجروا التداخل بين السلطات المختلفة بطريقة أربكت بلدنا وجعلته يعيش المآسي المختلفة؟ هذه أسئلة سيطرحها بعض جماعة 14 آذار.

لفتني أنهم أعلنوا في برنامجهم السياسي عنواناً عريضاً هو "العبور إلى الدولة"، هل استيقظ ضميرهم اليوم فعنونوا برنامجهم بالعبور إلى الدولة بعد أن عبروا بالدولة، ومن سيصدقهم؟ وهم الذين قاموا بعدة تجارب فاشلة، يجب أن نحمي هذا البلد من تجربة جديدة تكون بأيديهم، لأننا لم نعد نتحمل تجارب على حساب الناس ولحياة الناس.

نحن كحزب الله مع المعارضة، لنا برنامج سياسي واضح، لا نستخدم الكلمات الطنانة الرنانة، ولا نتحدث عم الناس بأفكار لا يعرفونها ولا يفهمون منها شيئاً، نسمع الكثير من الآخرين: نريد الدولة، نريد الاستقلال، نريد السيادة، أي دولة يكون فيها فساد مستحكم ومستشري بإرادة منظمة! أي دولة تلك التي تقبل باستمرار الاحتلال ولا تقوم بإجراءات كافية للاستعداد ولردعه! نحن واضحون، برنامجنا قائمٌ على نقاط اربعة وعندما ندعو الناخبين للانتخاب لا نقول لهم انتخبونا لحزبنا أو لتاريخنا أو لأشكالنا أو لمكانتنا، نقول لهم: عندما تنتخبوننا اليوم اسألونا على الرغم مما تعرفونه عنّا لتفهموا ما الذي نريد أن نصنعه في المستقبل حتى اختياركم اختياراً مستقبلي لا اختيار على التاريخ.

أولاً: المشاركة في الحكم، ودعوة الموالاة لأن تكون جزءاً من الحكومة القادمة، إمَّا أن تأتي بمجموعها أو أن يأتي بعضٌ منها على قاعدة تغيير الاصطفافات السياسية، وإذا رفضوا نهائياً على مستوى البعض أو الكل، الدولة ستستمر والحكومة ستنشأ، وبالتالي لن يتوقف شيء طالما أن الرفض جاء من الآخرين الذين لا يريدون القيام بواجبهم ونحن عرضنا عليهم وهذه مسؤوليتهم.

ثانياً: نريد معالجة ومكافحة الفساد والرشاوى وهدر المال العام، والعمل للإصلاح الإداري والسياسي، والاقتصاد والمالي بما يساعد على تحسين الوضع في لبنان.

ثالثاً: نحن ندعو إلى بناء الدولة القوية بجيشها ومقاومتها وشعبها لمواجهة الاستحقاقات المختلفة ومنها استحقاقان كبيران: استحقاق تحرير الأرض، واستحقاق مواجهة الخطر الإسرائيلي. وهذا لا يمكن أن يتم على ضوء المقدرات الموجودة إلاَّ بقوة المقاومة والجيش والشعب بالطريقة المناسبة وبالتفاصيل المناسبة.

رابعاً: يجب أن نعمل للتنمية بمختلف أبعادها على قاعدة أن الإنسان هو المحور وليس الطائفة هي المحور، ولا المنطقة هي المحور، وإنما الإنسان هو المحور لأن من حقه أن يعيش كريماً مساوياً لأخيه في أي مكان في لبنان.