نحن نؤمن أن استقرار لبنان مرتبط برعاية التوازن الداخلي بين طوائفه ومذاهبه وأحزابه، ونعتقد أن الانضباط في إطار الدستور واتفاق الطائف هو الحل الموضوعي المتاح والمتوفر خلال هذه المرحلة بعد الحرب اللبنانية التي عصفت بلبنان لخمسة عشر عاماً، ونؤكد على ضرورة عدم الاستقواء بالخارج لنتفاهم كلبنانيين على حل قضايانا ومشاكلنا.
أنتم تعلمون أن المحكمة إنما أُنشأت بقرار فرنسي أمريكي، ومن قرأ واطلع على كتاب سر الرؤساء وكتب أخرى، وتسريبات ويكيليكس يرى بأن أصل نشأة هذه المحكمة هو لضرب النظام السوري بشكل أساس، على قاعدة أن ضربه يؤدي على ضرب حزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين، ويكونون بذلك قد جففوا النبع الأساس وذهبت السواقي، ويتحركون لرسم خارطة المنطقة كما يتلاءم مع الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به رايس آنذاك.
إذاً المحكمة هي محكمة أمريكية فرنسية إسرائيلية بامتياز، بأهدافها ونشأتها وإدارتها وباستهدافاتها، لم تكن يوماً مرتبطة بالحقيقة، وكل عمل المحكمة كان عملاً يتجه إلى الاعتداء على الأحرار والشرفاء، وقد أدان الضباط الأربعة لأربع سنوات ظلماً وعدواناً، وأدان سوريا أربع سنوات ظلماً وعدواناً، والآن منذ سنة ونصف تقريباً، بدأ الاتجاه نحو حزب الله بإدانة من نوع الإدانات السابقة.
فريق 14 آذار يعرف تماماً أهداف المحكمة، ويعرف أنها تستهدف حزب الله، ويعتقد أن حزب الله سيتأذى من القرار الظني ومن نتائجه، ولذلك هم يتمسكون بالمحكمة داخلياً لضرب حزب الله كما يتمسك الأمريكي والإسرائيلي بالمحكمة من أجل ضرب حزب الله أيضاً، هنا في لبنان ينفذون القسم المتعلق بهم، ويريدون المكتسبات التي يحصلون عليها من هذا القسم، وأمريكا لها قسمها وإسرائيل لها قسمها، كل واحد يفتش عن مكسب له من هذه المحكمة.
فاستهداف حزب الله استهداف محلي إقليمي وليس أمراً عابراً، وقد رأيتم كيف اخترعوا شهود الزور الذين انكشفوا لاحقاً، وكيف بُنيت قواعد المحكمة والتحقيقات على شهود الزور والاتهام السياسي والاتصالات الوهمية لنكون أمام منظومة تركيب الإدانة بطريقة سيئة، ولكن كما أن شهود الزور معروفون لدينا المصنعون والملقنون والراعون إلى الآن أيضاً معرفون لدينا، لذلك عندما أردنا محاكمة شهود الزور لأن من أراد العدالة يبدأ من هنا وليس من مجال آخر.
من هنا أقول بأن المحكمة تستهدفنا، وعندما وجدنا أن المساعي السورية السعودية توقفت بقدرة قادر، تمَّ تبليغ السوريين بشكل رسمي الانسحاب من المبادرة السورية السعودية، وتبلغنا أنها انتهت، وهذا الانسحاب في توقيته قريب من توقيت صدور القرار الظني، وكان المقصود أن نكون وجهاً لوجه أمام قرار يصدر بعد التسويف وإضاعة الوقت سابقاً كي لا نفعل شيئاً أو لا نملك الخيارات، لكن كنا في المعارضة قد درسنا سابقاً هذا الأمر ولذلك وبسرعة قصوى أسقطنا الحكومة بالثلث الضامن، من أجل أن نُسقط هذه المسرحية المؤامرة في هذه المحطة من محطات المحكمة الخاصة بلبنان، وهذا الإسقاط للحكومة كان نتيجة طبيعية لأن الحكومة أصبحت عاجزة عن محاسبة من يعمل للتخريب، فهي لم تتمكن من إنجاز تحويل قضية شهود الزور إلى المجلس العدلي، ولم تعد مؤهلة لمواكبة للتطورات المرتبطة بالعدوان الدولي علينا من خلال القرار الظني، ولم يمكن التسليم بإدارة مثل تلك الحكومة لأنها ستكون أداة لتسهيل ما يُحاك ضد لبنان بدل أن تكون أداة مواجهة لما يحاك ضد لبنان، لذلك أسقطناها وهي عاجزة ولم نسقطها وهي فاعلة.
نحن مع تطبيق اتفاق الطائف، ومع المشاركة الوطنية، وتدعيم ثلاثي القوة الشعب والجيش والمقاومة، وعدم ربط لبنان بالوصاية الأجنبية، وتأكيد السلم الأهلي، ورفض الإذعان لمؤامرة المحكمة، وإقفال بوابة لبنان بوجه المشروع الإسرائيلي، والانتهاء من مهزلة إلهاء الناس بعيداً عن معالجة قضاياهم الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية.
في الواقع وانطلاقاً من هذه المطالبة عملنا لمحاولة تكليف رئيس يستطيع أن يقوم بهذه المهمات، ويؤمن بهذه السياسات، فتمَّ تكليف الرئيس الميقاتي بتوافق 68 نائباً، وجاء هذا التكليف بحسب المسار الدستوري، وبالخيار الحر للنواب، وكل نائب من الذين سموا الرئيس ميقاتي الآن يقف أمام الملأ ويعبر عن قناعته بهذا الاختيار، وهو بكل صراحة هو خيار سياسي لمرحلة حساسة، وهو خيار يمنع الاستئثار، ويعزز الاستقرار، ويفتح آفاقاً جديدة لمعالجة قضايا الناس الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية، ولا يسخر البلد لمشاريع غريبة عنه، هذا ما نراه في تكليف الرئيس ميقاتي.
ونحن قلنا بأننا مع المشاركة حتى ولو جاء كل فريق 14 آذار ليدخل إلى الحكومة، ليس لدينا ما نخشى عليه طالما أنهم إذا أرادوا المشاركة فلا بدَّ أن يشاركوا بحسب هذا الخيار السياسي للرئيس ميقاتي في هذه الحكومة. أمَّا العودة إلى المرحلة السابقة فقد انتهينا منها، وأصبحت من الزمن الغابر ولا ينفع البكاء على الأطلال، نحن أمام مرحلة جديدة لها تأييدها الشعبي والسياسي والنيابي وتضم من كل الأفرقاء، وهذه المرحلة لا بدَّ أن تنتج نتيجة جديدة. والحمد لله حصل انتقال سلس للسلطة من يد إلى يد ومن حكومة إلى حكومة، أليس هذا مطلب العالم كله أن يكون الانتقال انتقالاً نظامياً مقبولاً سلساً ليس فيه مشاكل؟ وهذا الانتقال لم تصاحبه فتنة ولا عدم استقرار ولا توتر أمني أو سياسي، أفضل من هكذا انتقال للسلطة في لبنان لم يحصل فيه من قبل.
هذه الحكومة التي ستشكل هي حكومة لبنان، وسواءً شارك الجميع فيها أو رفض البعض المشاركة فهي حكومة لبنان بحسب الآليات الدستورية، وهنا المشاركة خيار ومسؤولية، وعجلت العمل لا بدَّ أن تسير، وكما تشكل كل الحكومات ستكون هناك سياسات معتمدة منسجمة مع ظروف ولادة هذه الحكومة، ولا بدَّ من إثبات فعاليتها بشكل حيوي، وهذه الحكومة هي حكومة سياسية بامتياز ليست حكومة مذهبية أو طائفية ولا حكومة فريق، هي حكومة سياسية لخيارات سياسية واضحة.
سأعود إلى المحكمة من بوابة صغيرة لها علاقة بالحكومة، بدأنا نسمع إدانات مسبقة أنه سيتم التنازل عن بروتوكول المحكمة مع لبنان وهذا أمر خطير، ألم تكن مبادرة الـ س س في رأس أولوياتها إلغاء البروتوكول بين لبنان والمحكمة وسحب القضاة وإيقاف التمويل، وهذا العرض لم نضعه نحن وإنما عُرض علينا للمطالب الأخرى، فكيف يحق للبعض أن يفعل هذا تقديراً منه لمصلحة لبنان ولا يقبل أن يفعله الآخرون كما فعله من قبله، فلماذا التهويل، هذه المحكمة ليست للحقيقة، انتهت المحكمة وأصبحت في مكان آخر وفي وضعٍ آخر. نحن كحزب الله ليست لنا مطامع ولا مطالب، نعم أعبر عن ارتياحنا بأننا دخلنا مرحلة جديدة نعتقد أن فيها مصلحة للبنان، وليجرب اللبنانيون نمطاً آخر بدل تلك الهيمنة التي تضغط بعناوين لا صحة لها ولا أساس لها.
نأتي إلى مصر، مصر الثورة، ثورة مصر ثورة شبابية سبقت التنظيمات والحركات والمؤسسات والجميع، لكن عندما حصل هذا الإقبال الواسع على مستوى كل الأراضي المصرية إنما يدل على الاحتقان المنتشرة عند جميع الشعب المصري بكل فئاته وأحزابه وإلاَّ كيف تنزل هذه الملايين إلى الشارع، ثورة مصر هي ثورة شعبية بكل ما للكلمة من معنى، وهم لم يستطيعوا إلصاق أي تهمة فيها، هذه الحشود المليونية تعبر عن سعة الغضب، ومن حق هذا الشعب المصري أن يطالب بمصالحه وباستقلاله وحماية حرية أبنائه وقراره، وليس مطلوباً أن يكون مسخراً لخدمة المجتمع الإسرائيلي، قرأت لوزير الخارجية البريطاني بأنه قال أن الانتفاضة الشعبية المصرية تعيق عملية السلام، ألم ترى أن الانتفاضة الشعبية في مصر تعبير عن ألم ومرارة 80 مليون إنسان مصري، فذهنهم عند إسرائيل أن تكون مطمئنة، إذا كان يحمي إسرائيل بقتل كل العرب فلا مانع لديهم، إذا كانت حماية إسرائيل تقتضي المحافظة على كل الأنظمة الاستبدادية فلا مانع لديهم، هؤلاء جماعة يعملون لمصلحتهم، والحمد لله الشعب المصري شعب واعي يحتاج إلى بعض الوقت، فلتأخذ الثورة مداها الذي هم يقدرونها، فالمهم التقدم وعدم العودة إلى الوراء، وسياسة الحديد والنار التي كانت تخفي الحقائق لفترة من الزمن برزت من خلال هذا الانفجار الشعبي الواسع، ونحن مع الشعب المصري والشباب المصري، ومع ما يريدونه ومع خياراته أيًّا تكن هذه الخيارات فمن حقه أن يختار حر من دون أي ضغط أجنبي.
هذه الثورة هي ثورة الخيارات السياسية والاجتماعية والثقافية وحرية الرأي، هذه الثورة لها قوة لأنها تضم كل أطياف المجتمع، وكل أحزابه وفئاته، وبالتأكيد سيكون لها إنعكاس على المنطقة وعلى كل الأحرار في العالم.