في البداية لا بد ان نوجه تحيةًً إلى الأحرار الذي اجتمعوا في هذه القاعة من كل أنحاء العالم ليعبروا عن عنوانهم الانساني في مواجهة الظلم والتسلط والحروب المفروضة، وليقولوا بصوت واحد بأنهم يرفعون لواء العودة إلى أنسنة الانسان.
ما الذي جمعنا من أقاصي الدنيا؟ احساسنا أنَّ معاناتنا واحدة وإن تنوعت صورها، فمن صور المعاناة: تلويث البيئة، نهب الثروات، الإرهاب المنظم، الظلم، الفساد، الاعتداء، الاحتلال، الهيمنة، اقتصاد السوق، أو بكلمة موجزة، كل ما له علاقة بأمريكا وإسرائيل ومفاعيلهما. وأما طموحاتنا فمشتركة لا تتخطى حدود انسانيتنا وحريتنا وحياتنا العزيزة ومستقبل أجيالنا.
بكل وضوح، من حقنا أن نصرخ أمام العالم، وان نقول بأننا نريد أن نحيا مرفوعي الرأس. ليعلم القاصي والداني بأننا لن نكون عبيداً لأحد، قال أمير المؤمنين علي(ع):" ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً". وستكون مقاومتنا هي الموقف وهي الرد.
من نصّب أمريكا لتسيطر على العالم وتتدخل في شؤونه؟ من أعطاها الحق في أن تقتحم وتقتل وتحتل وتصادر الثروات؟ من جعل أمريكا سيدةً على العالم، وحوّل الناس إلى عبيد عند أمريكا بإرادة بعض الحكام الظلمة المستسلمين، الذين آثروا كراسيهم على شعوبهم، فأعطوا لأمريكا بينما كان يجب أن يعطوا لشعوبهم الحرية والاستقلال والكرامة.
دعونا لا نضيِّع البوصلة، إذا أردتم أن تعرفوا الطريق فتشوا عن أمريكا، فهي العدو الأول في العالم وكل مصائبنا من أمريكا. فقد سمّاها الإمام الخميني(قده) بالشيطان الأكبر بسبب مستوى سمومها التي تبثها على مستوى البشرية، وسيطرتها على حقوق الناس في حياتهم وبلدانهم. أمريكا هي التي ترعى إسرائيل، هي التي تعطيها السلاح لتقتل وتدمر، هي التي احتلت العراق، هي التي احتلت أفغانستان، هي التي عملت لخلخلة النظام العالمي المالي، هي التي حاولت أن تزيد سيطرتها عبر جورجيا، هي التي قامت بكل المصائب. أي جريمة اليوم أعظم مما يرتكب في غزة؟ من حقنا أن نقول أوقفوا الوحوش البشرية الإسرائيلية التي تعتدي على المدنيين، هؤلاء ليس فيهم ذرة من الانسانية، هؤلاء لم يعرفوا يوماً لا رباً ولا ديناً ولا انسانيةً ولا أخلاقاً، هم يرون الأطفال ويقتلونهم، ويرون النساء ويقتلونهن، ومع ذلك يدعون أنهم ديمقراطيون! وأن مجلس النواب في أمريكا يدعمهم ويؤيد حقهم في الرد وفي الدفاع! من يدافع عن من !! إسرائيل تدافع عن نفسها في مواجهة الأطفال أم أن الأطفال هم الذين يدافعون عن أنفسهم في مواجهة الوحشية الإسرائيلية الأميركية.
لقد أخذت كل الشعوب في العالم علماً حول شكل وأداء الصهيونية. الصهيونية تعني اتلاف الحرث والنسل، الصهيونية تعني الاعتداء والاحتلال وإقلاق منطقة الشرق الأوسط ، الصهيونية تعني إقلاق العالم بأسره.علينا أن نوقفها عند حدها.
لقد انفضحت إسرائيل اليوم وتبين أمام العالم كيف أن صورتها بشعة. لا يمكن أن تذكر إسرائيل إلا وتذكر بشاعتها واعتداءاتها وهمجيتها التي تمارسها في كل مكان، لكن اعلموا يا أهل غزة الشرفاء، انكم أنتم صورة الانسان العظيم الذي يقول لا للعبودية ولا لإسرائيل ولا لطموحات أمريكا، غزة ستبقى قبلة الأحرار.
نحن اليوم نشهد حركة صاعدة للمقاومة وفي مواجهة الاستكبار والإمبريالية، وحدها بوصلة الكراهية لأمريكا تزداد، بينما تتهاوى مفاهيم الديموقراطية وحقوق الانسان والطفولة والعدالة واحترام الرأي الآخر، وكل العناوين التي لوثوها بأفكارهم وممارستهم الخاطئة والسلبية.
نحن ضد العولمة التي تصادر حرية الشعوب وثرواتهم واقتصادهم ومستقبل أجيالهم .
من هنا، عندما نجتمع في هذا المنتدى الكريم، لا بد أن نطرح أسساً وعناوين، تبين حقيقة وطبيعة متابعتنا كحزب الله، وكفصيل مقاوم، يرغب أن يمد يده إلى كل فصائل المقاومة في العالم وإلى كل الأحرار وإلى كل الشرفاء.
أما عناوين حركتنا ورؤيتنا في حزب الله فأوجزها بسبعة أمور:
- أولاً: نحن حزب إسلامي عقائدي، نؤمن بالدين كرسالة سماوية إنسانية ولا نؤمن بالعصبية الطائفية، ولا بالتجمعات القبلية الطائفية، وإنما نؤمن برسالات السماء لتعزيز دور الانسان على قواعد ثلاث:
القاعدة الأولى: قاعدة الرحمة، فقد أرسل الله محمداً(ص) رحمة للبشرية، قال تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ "، فهو مرسلٌ بالرحمة ليبلغ الرسالة والناس أحرار في خياراتهم، " فَمَنْ شَاء فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاء فَلْيَكْفُرْ "، وهو لكل العالم وليس مختصاً بمجموعة دون أخرى، فرسالتنا رحمة.
القاعدة الثانية: نسعى لإقامة العدل، والعدل يشمل الجميع ولا يختص بفئة دون أخرى ولا بشعب دون شعب آخر، وقد أمرنا الله تعالى بذلك، حيث قال في القرآن الكريم:" إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ".
القاعدة الثالثة: نحمي ساحتنا في مواجهة المعتدين بالمقاومة، والمقاومة ردة فعل على اعتداء وعلى مواجهة من الآخر، وعلى ظلم منه. فنحن لم نبادر إلى موقف إلا كردة فعل على هذا الظلم الذي رأيناه، فكانت المقاومة الشاملة في أبعادها العسكرية والسياسية والثقافية وبكل المعاني التي تتضمنها المقاومة.
أخلص في هذا العنوان، إلى شعار نرفعه ونعمل له: نريد العدالة لشعوب العالم إلى أي فريق انتموا، ليشعروا بإنسانيتهم ، هذا هو واجبنا، وهذه هي رسالتنا.
- ثانياً: نؤمن بالمقاومة طريقاً للتحرير والتغيير، على قاعدة أن تحرير الأرض والانسان لا يمكن أن يتم في ظل القوة الاستكبارية وربيبتها إسرائيل إلا بالمقاومة التي تواجه بقوة. لم تنطل علينا أكاذيبهم التي يحدثوننا عنها، يضعون القواعد ويجروننا إلى قواعدهم، قواعدهم: الإرادة الدولية، ومجلس الأمن، والأنظمة المعتمدة، فيطلبون منا أن نذهب إلى مجلس أمنهم حيث نعتقل في داخله من دون أن نحصل على حق، ويدعوننا إلى إرادتهم الدولية التي تصادر إرادة شعوب المستضعفين.
أنا أدعوكم وأدعو شعوب العالم أن يختاروا قواعدهم بشكل مختلف عن قواعد المستكبرين. نحن في المقاومة اخترنا قواعدنا ورفضنا قواعدهم، قاعدتنا أن نقاوم بأيدينا لنأخذ حقنا، ولن نلجأ لا إلى مجلس الأمن ولا إلى الدول الكبرى، ببندقيتنا سنحرر أرضنا، هكذا فعلنا وهكذا سنفعل، وهنا، لم تعد المقاومة بعد هذا التاريخ النضالي الكبير في مواقع مختلفة من العالم، وبعد هذا التجلي العظيم الذي حصل في تموز 2006 بقهر إسرائيل التي كانت تدعي أنها لا تقهر، لم تعد المقاومة فعلاً في الخفاء ولا في الاختباء. المقاومة مسار نعلنه بالفم الملآن، وسيكون واضحاً وبارزاً، والمقاومة التي نعنيها هي المقاومة العسكرية، ونقول للعالم سنتسلح وسنزيد من تسلحنا، وندعو لتسليح كل مقاومة تقاتل العدو الذي يحتل الأرض. ليست المشكلة في غزة أن الصواريخ تهرّب، ولو لم تكن الصواريخ تهرّب لسقطت غزة في اليد الإسرائيلية، بل ندعو إلى المزيد من إيصال الصواريخ إلى المجاهدين، بل أكثر من ذلك إلى إعطائها علناً لتواجه إسرائيل الغاصبة.
أية قواعد هذه يريدون أن يجرونا إليها؟ أصبح من حق إسرائيل أن تتسلح وتأخذ بالمليارات وتنقل السلاح وتتحرك بالطائرات، ثم إذا تسلحت المقاومة هذه علامة استفهام! لا، هذه ليست علامة استفهام، المقاومة ستأخذ مجالها وحيزها للدفاع المشروع، ومن لا يعجبه ذلك فليحاور كما يريد أن يحاور، وليقنعنا وليعطنا البدائل، لكن لن نصبح ضعفاء أمام قوة المستكبرين والمحتلين، اعطونا قوة بديلة لتقنعونا، وربما أضفنا قوتكم إلى قوتنا لنواجه المستكبرين بدل ان نقف ضعفاء أمامهم.
هذا ا هو عنواننا الثاني: المقاومة طريقنا إلى التحرير، ولن يكون لا مجلس الأمن ولا القرارات الدولية طريقاً إلى التحرير، بكل صراحة قرارات مجلس الأمن طريق إلى الإستسلام ودفن القضية الفلسطينية ونحن نريد انقاذها. بارك الله بحماس وبالمقاومة الفلسطينية التي أخرجت المقاومة من جوارير مجلس الأمن إلى السواعد البطلة التي تقاتل في غزة من أجل التحرير، وسينتصرون إن شاء الله تعالى.
- ثالثاً: يجب أن تتشابك أيدينا في كل العالم لنشكل قوة ضغط فاعلة ومؤثرة من دون النظر إلى اللون أو العرق أو اللغة أو الدين أو المبدأ، أقول بتعبير مختصر: يا أحرار العالم اتحدوا. في لبنان اجتمعت المعارضة فكان فيها اليساري والعلماني والمسلم المتدين والوطني والقومي، تشكيلتهم ترونها في هذا التماسك العظيم في لبنان. لقد هال المستكبر ومعه الأنظمة المتداعية كيف اجتمعنا مع بعضنا، واحد يسجد لله تعالى والثاني ينتظر والثالث يقرأ ترانيمه كما يؤمن بها والرابع يؤمن بإنسانيته، كلنا معاً اجتمعنا في المعارضة. اجتمعنا لاننا فهمنا معنى الحرية, ولأننا آمنا بأن نعيش انسانيتنا. وبكل وضوح نحن بحاجة الى أن تتماسك أيدينا معاً لننجز على الأرض. فالساحة تسع الجميع، والكل سيربح إن شاء الله تعالى.
- رابعاً: تختلف قضايانا في العالم وهي كثيرة، لكنها قضايا مشتركة في مواجهة الظلم العالمي الذي تمارسه أمريكا اليوم، ليكن لكل بلد أشكال تحركه وبدائله وقضاياه، وليدعم كل منا ما يريده الآخر من حقوق مشروعة، ولا تخجلوا ولا تخافوا وكونوا مستأنسين في تلاحمنا مع بعضنا . لقد ظن بعضهم أنهم اذا وصمونا بالعلاقة مع ايران وسوريا وحماس اننا نزعج، أقول لكم أضيفوا الى هؤلاء تشافيز وبوليفيا وكل الأحرار في العالم، نعم سنكون صفاً واحداً في وجه أمريكا وإسرائيل، وليكن شعارنا فلنسقط الإمبريالية الأميركية وهذا الاستكبار العالمي.
- خامساً: في اعتقادي ان العالم اليوم يتجاذبه معسكران، معسكر أمريكا ومن معها ومعسكر المقاومة ومن معها. المهم أن هذا المعسكر الأميركي الذي معه إسرائيل والفساد والعدوان والاحتكار هو معسكر معادي، يجب أن نقف كمعسكر مقاومة بشدة وقوة في مواجهته، أما معسكر المقاومة فهو الذي يحمل عناوين المناهضة للاستكبار وعناوين الرفض للظلم وتحرير الأرض ويحمل عناوين العودة إلى الاستقلال وإلى الرصيد الذاتي، هذه كلها عناوين مقاومة، وهو المعسكر الذي سينجح، معسكر الكرامة الإنسانية.
هذا عصر المقاومة، ولا عودة إلى الوراء، فمواجهاتنا تنجح ومؤمراتهم تتهاوى، ها هو النصر الإلهي في تموز 2006 يسطع في سماء العالم، وها هو صمود غزة يثبت حق المستضعفين، وعدونا في مسار السقوط الإنساني.
- سادساً: لا يوجد تضامن من دون دعم للمقاومة، ومن أراد أن يتضامن مع المقاومين عن بعد وفي الخفاء سيكون عطاؤه محدوداً وقليل. يجب أن نجاهر بتضامننا وبدعمنا أمام العالم من أجل أن نهزمهم بمواقفنا وبنادقنا عندما يتطلب الأمر أن نحمل السلاح، فلنعمل للحريات السياسية، وعدم استعباد الشعوب، وحرية الاختيار الشعبي لأنظمتها وحكامها، ولنعمل لتكون الحرية لنا جميعاً.
- سابعاً وأخيراً: غزة اليوم هي الرمز والقضية والمقاومة والكرامة الانسانية، غزة اليوم تناشد جميعاً أن يكونوا معها، نحن مع غزة ومع خيارات شعبها ومقاومتها وهي ليست وحدها، علينا جميعاً ان نجتهد أقصى وسعنا لنكون معها، بكل أشكال الدعم والتضامن والتأييد، لنبدد ظلمة الإمبريالية والصهيونية. غزة اليوم عنوان عزتنا وعنوان مستقبلنا الحي الواعد، غزة اليوم هي التي تجسد المقاومة، من كان مع غزة هو مع المقاومة ومن لم يكن مع غزة كان ضدها أي مع اميركا واسرائيل .
غزة اليوم لا تحتاج إلى نصائح عن بعد وإنما تحتاج إلى دعم حقيقي، من أراد من الدول أن يكون مع غزة، عليه أن يقطع العلاقات وأن يرسل المؤن ويفتح المعبر وأن يكون له موقف مؤثر، ولا يكفي التباكي. وهنا لا بد أن نرسل تحية إلى القمة العربية التي انعقدت في الدوحة، وإلى جميع من حضرها، لأنهم شكلوا الصوت المساعد للخط المقاوم، وثقوا كما كان عدوان تموز بداية الهزيمة الإسرائيلية، فإن عدوانهم على غزة سيكون الطريق الذي يُسقط صورة اسرائيل على مستوى العالم وعلى مستوى الشعوب وهذا مؤشر من مؤشرات انهيارها.
نحن نرى شعب فلسطين المجاهد الطيب الطاهر العزيز يقاتل ويضحي ويصمد، نرى في عيون اطفالهم هذه القوة وهذا الصمود، هؤلاء هم أصحاب الأرض، أصحاب الارض منتصرون والمحتلون منهزمون، وستعود الارض إليهم، وان شاء الله ستعود فلسطين من النهر الى البحر كاملة إلى أهلها.
من خلال كلمتي أردت أن أطرح سبعة عناوين ألخصها بعد أن تكلمت عنها:
أولاً، نريد العدالة لشعوب العالم. ثانياً, المقاومة طريقنا للتحرير. ثالثاً، يا أحرار العالم اتحدوا. رابعاً، فلنسقط الامبريالية الاميركية. خامساً، نعم للكرامة الانسانية. سادساً، الحرية لجميع شعوب العالم. سابعاً،مع غزة ضد أعدائها.
آمل أن يترجم هذا المنتدى الدولي هذه العناوين وغيرها من العناوين التي يختارونها، وأحي جميع المشرفين والعاملين الذين سهّلوا لنجاح وإقامة هذا المنتدى الدولي فرداً فرداً ومؤسسة مؤسسة، وأحييكم جميعاً أيها الحضور الكريم فإن لحضوركم في هذه اللحظات بالذات معناً كبير، فليسمع العالم: أحرار العالم مع غزة ضد الصهيونية .