الحمد لله جرت الانتخابات بكل هدوء وإتقان على الرغم من كل التشويش الذي كان عليها، إنْ لجهة التخويف من إمكانية الظروف الأمنية أو لجهة تدخل بعض الدول الكبرى والإقليمية، أو لجهة احتمال أن تحصل أحداث غير متوقعة فتبطُل الانتخابات أو ما شابه ذلك، ولكن الحمد لله تبين أن الانتخابات جرت على أفضل وجه، ورغم انتقاد البعض لقانون الانتخابات لكن تبيَّن أن قانون النسبية هو أفضل من كل القوانين السابقة لأنه في الحقيقة جعل الفرصة متاحة لتمثيل من يمثلون الناس ومن يستحقون أن يُمثلوا الناس بما أن لهم حيثية في مناطقهم وفي قراهم وبلداتهم.
لقد عبَّرت هذه الانتخابات عن نبض الناس وقناعاتهم, وهذا التأييد الواسع لحزب الله وحلفائه هو حصانة لمشروع لبنان الوطن الحر والمستقل، وهو مؤشر على الخيارات التي يجب أن تتبناها الحكومة، لأن الشعب قال كلمته وأعطى لنظافة الكف, ومواجهة الفساد, ورفض التبعية, وحماية لبنان. الشعب أعطى لنحمي ونبني معًا, أعطى لبناء الدولة العادلة التي تهتم بمواطنيها واقتصادهم وتأمين فرص العمل لهم.
نحن ندعو إلى الإسراع في تشكيل الحكومة, وأن يكون على رأس أولوياتها وضع خطة تستهدي بها في أعمالها ومشاريعها بدل أن تعمل خبط عشواء من تُصب، وأن يكون محور اهتمامها ثلاثي: تحسين الوضع الاقتصادي, وانصاف المناطق المحرومة بالتنمية والخدمات, وتوفير فرص العمل. هذه أمور حساسة وجوهرية.
وأول تحدٍ أمام الحكومة هو التوظيف في جميع الأسلاك العسكرية والمدنية على أساس الكفاءة والمباريات, نحن ندعو إلى سد أول باب من أبواب الفساد وهو التوقف عن التوظيف بالمحسوبيات والواسطة, لأن الكثيرين ممن لا يملكون الكفاءة ولا الجدارة ولا الأهلية يتربعون على مواقع ومناصب، وهؤلاء يؤثرون في
بنية الفساد المستشري في الدولة، أما لو كان الاختيار على معايير الكفاءة والمباريات فهذا يعطي فرصة لجميع المواطنين اللبنانيين أن يكونوا متساوين أمام الاختبار وأمام القانون، عندها يُوظف من نجحوا في مباريات الخدمة المدنية أو غيرها من المباريات بحسب الدستور والقوانين.
أؤكد على أهمية أن ننفذ نتائج مباريات الخدمة المدنية، لأنها مؤشر على احترامنا للقوانين، ومؤشر على احترامنا للناس ومساواتهم في هذا البلد، بدل أن نبقى في التوظيف العشوائي من دون أسس ومن دون قواعد.
لقد قرر حزب الله مكافحة الفساد بكل أشكاله ومسمياته, بالوقاية والعلاج, فالوقاية تكون بالوقوف بوجه مقدماته مثل الاعتماد على المناقصات بشفافية بدل التراضي, وإصدار المراسيم التي تمنع التهرب الضريبي, وملاحقة آليات العمل في الجمارك لإيقاف الهدر قبل حصوله، هذا عملٌ وقائيٌ.
وأما العمل العلاجي فيكون بالتصدي للفساد سرًا وعلنًا بما يحقق الهدف من منعه وسد الأبواب في وجه الفاسدين والمفسدين، وبإمكاننا أن نحقق إنجازات كبيرة في هذا المجال، وقد انطلقنا بحمد الله تعالى وإن شاء الله تظهر بعض الآثار قريبًا.
أما في المنطقة، فالذي يغلب على الوضع في المنطقة بشكل عام هو كثرة الضجيج السياسي وعدم جدية الحلول لأزمات المنطقة، وأساس المصائب في عدم وجود الحل هو أمريكا، أم الفساد وأم الظلم، التي لم تتمكن من تحقيق انجازات ميدانية من خلال عدوانها الإسرائيلي، وعدوانها الداعشي، ووجودها المباشر، واستخدام أدواتها في المنطقة، وعدوانها السعودي على اليمن، كل هذه الأشكال من العدوان الذي جرى بأوامر وإدارة أمريكية إسرائيلية لم تتمكن معه الإدارة الأمريكية من تحقيق أي إنجاز، بل بالعكس حقَّق محور المقاومة انتصارات كثيرة هنا وهناك.
وإنما تريد أمريكا الحلول التي تخدم المشروع الإسرائيلي، ففي سوريا يتقدم النظام وحلفاؤه, وفي فلسطين لا صوت إلا صوت الحراك الشعبي ومواجهة التهويد والحلول الاسرائيلية, وفي لبنان فشلت كل محاولات اضعاف خط المقاومة وكانت نتيجة الانتخابات صفعة لأمريكا واسرائيل واعوانهم الخليجيين, وفي اليمن صمود أسطوري ضد العدوان السعودي.
لكل هذا، الأمور تتطلب مزيدًا من الوقت, ولكن إذا كانوا يفكرون باختبار صبرنا فإننا صابرون ومحتسبون عند الله، وفي آنٍ معًا جاهزون وحاضرون في الميدان، لا تنفع معنا التهديدات ولا المؤامرات، سنبقى بعطاءاتنا والتفاف شعبنا وقتال مجاهدينا في الساحة التي تتطلب أن نكون مرفوعي الرأس، وسنبقى مرفوعي الرأس إن شاء الله تعالى، نحن نعمل ليل نهار لنُسقط هذه المخططات من أجل أجيالنا وشعبنا ومستقبلنا.