بسم الله الرحمن الرحيم والحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين حبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى يوم القيا
السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته.
كل التحايا في بداية لقائنا إلى الشهداء الأبرار الذين جمعونا في هذه المنطقة أعزة رافعي الرؤوس، شهداء فلسطين، وشهداء أكناف بيت المقدس، والشهداء الذين قدموا من مختلف أنحاء العالم على أرض فلسطين وعلى طريق فلسطين، والتحايا للأسرى والمعتقلين وكذلك للجرحى الذين أناروا طريقنا وجعلونا نفهم معنى العزة والتحرير والثبات، تحية إليكم في هذا الملتقى الرابع حيث قدمتم من أنحاء العالم لتقولوا كلمتكم من أجل فلسطين، ولكلمتكم قيمة كبيرة لأنها نابعة من القناعة والقلب والإيمان، أفتخر أن أكون مع أخي في الإنسانية في مختلف أنحاء العالم نرفع شعارًا واحدًا ولواءً : الحق يجب أن يعود لأصحابه وفلسطين هي الحق، وعلينا أن نعيد فلسطين لأهلها بالتعاون مع أهلها.
أولًا: فلسطين حق للشعب الفلسطيني.
فلسطين اليوم هي النموذج ومقياس للحق الإنساني الدولي في زماننا ومقياس الحق في زماننا ومقياس حقوق البشر، من ادعى أنه يريد حقوق البشر فلا يتباكى من أجل جريح في نقطة نائية في العالم بينما يرى شعبًا بأكمله يُقتل ويشرد ويعذب ويسجن ثم يدعي أساطير الانحراف، فالعالم يعرف أنهم يدعمون حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، أين العدالة وأين حقوق البشر؟
إذا اردتم أن تعرفوا أين هو الحق فانظروا إلى فلسطين، والمقاومة هي استرداد للحق، أما
النظام الدولي القائم على مصالح الدول الكبرى فهو نظام ظالم وجائر، وهو نظام فرعوني بلبوس معاصر، نحن علينا أن نعمل كشعوب لنحطم هذا الصنم لنقول بأن فلسطين ليست انتصارًا لأرض وشعب، بل فلسطين انتصار للحق والإنسان، فلسطين إسقاط لطواغيت العصر، فلسطين أن يحل الطفل على أرضه عزيزًا كريمًا يستردها من دون منَّة من أحد ليقول: بأني أنا الحق والحق فلسطين وهذا ما يجب أن نكون عليه.
ثانيًا: أما أمريكا فقصتها قصة الشيطان الذي ما ترك زاوية في العالم إلا وخربها، التدخل الأمريكي خرَّب المنطقة واضر بأهلها، وزاد من غطرسة الاحتلال الصهيوني وساعد على التوسع والعدوان،أمريكا احتلت العراق, واستقدمت التكفيريين إلى سوريا فخربت سوريا, ودعمت السعودية في عدوانها على اليمن, وحمت حكام البحرين في قمعهم لشعبهم وخربت من خلال بصماتها عندما دخلت في داخل الربيع العربي الذي أُريد له أن يكون تحررًا فخربوا ما خربوا باسمه ومن خلاله، كل هذا من أجل حماية إسرائيل، كل هذا من أجل إبقاء الاحتلال لفلسطين، أما إعلان القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي فهو إنحياز كامل لإسرائيل، وانكشاف للادعاء الأمريكي المزيف بأنها تعمل لمصلحة التسوية ولمصلحة الحل.
أمريكا ليست بوابة للحل بل هي المعبر لتثبيت الاحتلال، ولذا نقول بالفم الملآن: لا لأمريكا رائدة للحل، نعم لتسليط الضوء على جرائمها حتى تعرف شعوب منطقتنا أن أمريكا هي الأزمة وليست الحل.
إعلان ترامب القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي لا يجعلها كذلك، فالقدس ملك الفلسطينيين وهم يعلنونها وقد أعلنوا مرارًا وتكرارًا أن القدس عاصمة لفلسطين، كانت كذلك وستبقى إلى الأبد رغم كل قراراتهم.
إن صفقة القرن التي تريدها أمريكا لإنهاء فلسطين ورسم حدود إسرائيل لا يمكن أن تمر، لا يوجد فلسطيني واحد يقبل طوعًا أو يتجرأ على التنازل عن فلسطين فمن يتنازل عنها يفقد جنسيته الفلسطينية حتى ولو كان فلسطينيًا ففلسطين ليست للبيع ولا للمتاجرة, فلسطين للتحرير والكرامة.
ثالثًا: الشعب الفلسطيني قال كلمته: هو مع المقاومة وعودة اللاجئين وتحرير الأرض والقدس، ونحن ندعو إلى تعزيز الوحدة الفلسطينية بكل أشكالها ولو كانت بأدنى مستوياتها، ونقول للعرب وللمسلمين ولكل العالم: من كان عاجزًا أن يكون منكم مع الشعب الفلسطيني فسكوته أولى من مناصرة العدو، وإلَّا يكون قد أضر بفلسطين مرتين: مرة بعدم النصرة، ومرة أخرى بالتواطؤ.
إن واجب الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم أن يدعموا فلسطين لتحريرها، المأمول أن تكون دول المنطقة بالحد الأدنى إلى جانب الفلسطينيين وخياراتهم، فلا أن تفرضوا عليهم تنازلات وخسران الأرض ومستقبل الأجيال، بالله عليكم كفوا عن فلسطين فنحن لا نريد منكم شيئًا، والله إن أكبر مكسب يكسبه الشعب الفلسطيني أن يتوقف هؤلاء المدعون من الزعماء بأنهم مع فلسطين وكل هذا من أجل كراسيهم.
الدول العربية التي تطبِّع مع إسرائيل هي إسرائيلية الهوى ولو كان عنوانها عربية، والدول العربية التي تبيع من أجل إسرائيل هي لا تستحق أن يكون حكامها على رأس شعوبها، ونحن نعلم أن الشعوب لا ترضى ولا تقبل، نحن نريد فلسطين عربية ليمدها العرب من أجل التحرير، ونريدها إسلامية ليساعدها المسلمون على التخلص من الاحتلال، ونريدها إنسانية ليقف شعوب العالم معها، ولا تعني عروبتها أن يصادرها العرب لمصالحهم، ولا إسلاميتها أن تكون جزءًا من صفقة المصالح بإلغاء فلسطين.
رابعًا: لا حل ولا خيار لاستعادة فلسطين إلاَّ بالمقاومة، والمقاومة المسلحة أولًا وبعد ذلك كل أنواع المقاومة الأخرى، ولن نستبدل مقاومة السلاح بأي مقاومة أخرى حتى يرضخ هذا العدو وسيرضخ، وأساس المقاومة الفلسطينيون ورأس المقاومة الفلسطينيون، لن ينوب عنهم أحد ولسنا نعمل بالنيابة عنهم، ونحن معكم ووراءكم ونساندكم وأنتم في الطليعة، أثبتم عبر التاريخ أنكم الشعب الجدير بأن يقاتل من أجل قضيته، استمروا كذلك ونحن واثقون بأننا سننتصر وإياكم إن شاء الله تعالى.
إذا كان البعض مهتمًا أن يعرف توقيت انتظارنا للانتصار فنقول له: لسنا على عجلة من أمرنا، نريد النصر اليوم أو غدا أو بعد غد ولكن لن يضغطنا أحد بالزمان والمكان ليأخذ بالسلام ما لم يأخذه بالحرب، لسنا على عجلة من أمرنا والحديث عن حل سياسي في ظل الظروف الدولية الراهنة هو لمصلحة إسرائيل التي تخشى المستقبل، فلنعمل وننتظر مع هذا الكيان المستقبل لأن المستقبل لنا ولن تبقى الأمور على حالها فقليل من الصبر والفرج قريب.
لماذا علينا أن نصبر؟ علينا أن نصبر مهما طال الزمن، لأن ثمن الاستسلام خسارة كاملة تتحقق بسرعة، أما المقاومة فلها آفاق مستقبلية واعدة، ولا بدَّ للقيد أن ينكسر (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)، ونحن نثق بوعد الله تعالى.
خامسًا: كانت كامب ديفيد منعطفًا خطيرًا لإنهاء القضية الفلسطينية حتى عدد من الزعماء والدول والحركات بدأوا يعدوا العدة لما بعد انتهاء قضية فلسطين، ولكن ما الذي جرى؟ تغيرت المعادلة في أقل من سنة، فانتصرت إيران الإسلام، وأقام الإمام الخميني(قده) جمهورية إسلامية وقفت أمام العالم لتنزع علم إسرائيل وتضع علم فلسطين مكانه متحدية الشرق والغرب ليقول الإمام: نحن مع فلسطين مهما كانت الصعوبات. ظن البعض أن القصة قصة علم على سفارة، لا، هي قصة مسار، مسارٌ انتقل من العلم إلى الرواق إلى داخل إيران، ثم انتشر إلى خارجها ليطل بأنواره على الشعب الفلسطيني ويدعم المقاومة التي استعادت عافيتها ووقفت مجددًا في ظل ظروف مختلفة سببتها الثورة في إيران، إن انتصار الثورة في إيران أعاد إحياء المقاومة، فوجدت قوية قادرة على تغيير المعادلة، وأعادت البوصلة إلى التحرير، واستعادت شعلة المقاومة قدرتها، بل امتدت وتوسعت، وضُربت كل المنهجية الإسرائيلية القائمة على تحقيق التوسع بالحرب، فانتقلنا من قدرة إسرائيل على التوسع بالحرب إلى توازن الردع الذي جعل إسرائيل تنكفئ عن أراض احتلتها وتخرج منها من دون قيد أو شرط فتحقق التحرير المؤزر عام 2000 ونصر كبير عام 2006، وفي غزة ثلاث مرات صمدوا في وجه التحديات، ثم استخدموا الأيادي التكفيرية ليقاتلوا بالواسطة فجمعوها من كل أنحاء العالم باسم إسرائيل وأمريكا، لكنها سقطت أمام اسم الله والمقاومة التي قاتلت في هذا السبيل، فتحقق انتصار آخر مدوٍّ على التكفيريين الذين يمثلون الأيدي الإسرائيلية، من بوابة لبنان وسوريا والعراق إلى غير رجعة إن شاء الله تعالى، لتقف إسرائيل حائرة لا تعلم متى تقرر الحرب التي لا تضمن نتائجها أو تبقى منتظرة في مقابل قوة تتنامى يومًا بعد يوم.
نحن آمنا بما قاله رب العالمين:"لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ 13 لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ".
سادسًا: مقاومة حزب الله نموذج في القدرة على التحرير ومواجهة قرارات الدول الكبرى الجائرة، قرروا كثيرًا ضدنا وقرروا كثيرًا لهزيمتنا وقرروا كثيرًا لإيجاد الشرق الأوسط الجديد، لكننا في المقابل قررنا أن نحافظ على أرضنا وكرامتنا ومستقبل أجيالنا، نجحنا بقراراتنا متكلين على الله ونعد العدة التي نستطيع، وفشلت قراراتهم. من هم حتى يقرروا وينجحوا، فأما نحن فأصحاب الأرض وأصحاب الحق وأصحاب المستقبل، نحن الذين نعمل من أجل عزة الإنسان وكرامة الإنسان ولا بد لله تعالى أن ينصرنا لأننا على الحق،لم يوفروا وسيلة لمواجهة حزب الله إلاَّ واستخدموها: محليًا، وإقليميًا، ودوليًا، وإسرائيليًا، لكنهم خضعوا في النهاية لمعادلة الجيش والشعب والمقاومة التي انتصرت في لبنان رغم كل أولئك الذين لا يريدون الاعتراف بالشمس الساطعة ولكن دفئها يصل إليهم ولو لم يروها.
ولى زمن الاستخفاف بخيارات شعوب المنطقة، لقد مرت حربان للشرق الأوسط الجديد من بوابتين: من بوابة لبنان سنة 2006 ومن بوابة سوريا 2011، وفشلتا، ومن جهتين مختلفتين إسرائيل بالمباشرة والتكفيريين بالاستخدام، وبرعاية أمريكية وتمويل خليجي، ولم تتحقق أهدافهم.
نحن نعتقد أننا عندما ندافع عن لبنان ندافع عن فلسطين، وعندما نحرر لبنان نسلك طريق تحرير فلسطين، وعندما ندافع عن فلسطين ندافع عن لبنان، لا فرق بين دولنا لأن العدو واحد وقضايانا واحدة، فحيث كانت المقاومة في منطقتنا هي من أجل فلسطين، وحيث تنتصر المقاومة في منطقتنا فعلى طريق فلسطين، كل النصر لفلسطين ولو كان عنوانه لبنانيا أو سوريا أو عراقيًا أو فلسطينيًا.
يعترضون على تماسك محور المقاومة بسبب انتصاراته وصموده, ويساعد بعضه بعضا، فممنوع علينا أن نساعد بعضنا بالإمكانات المتوفرة، ومسموح أن تساعد أمريكا إسرائيل بالمليارات، ومسموح للدول الأوروبية أن تساعد بالمليارات والإعلام والسياسة، ونحن غير مسموح لنا أن نتعاون فيما بيننا من أجل إنقاذ حقنا، سنبقى متعاونين في محور المقاومة، لأننا نعتبر أننا معًا نصل، وإنا إذا تمزقنا لن يصل أي واحد منا، تأبى الرماح إذا اجتمعنا تكسر وإذا افترقنا تكسرت آحاد، سنبقى الرماح مجتمعة مهما كلفنا هذا الاجتماع، وسيبقى محور المقاومة متماسك إن شاء الله، وسيزيد من قوته وجهوزيته, المطلوب أن لا نتفرج على كل أشكال التسليح الدولي لإسرائيل لتحقق أهدافها، بل أن نعمل دائمًا لنكون الأقوى في الزمان والمكان والاستعداد للمستقبل، فإذا أرادت إسرائيل أن تجرب حظها أظن أن حظها سيكون عاثرًا ونحن بالمرصاد في كل آنٍ وزمان، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا دائمًا من المنصورين، والظاهر أننا في زمن الانتصارات، فلنستفد من هذا الزمن حتى نحقق المطلوب على درب الوحدة والحرية وعلى درب فلسطين أولًا وأخيرًا كهدف نصل إليه.