بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق على مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه الأبرار المنتجبين، السلام عليكم أيها السادة العلماء أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.
مباركٌ لنا جميعًا ولادة النبي الأكرم محمد(ص)، وولادة حفيده الإمام الصادق(ع)، وأسأل الله تعالى أن نبقى في دائرة النعم الإلهية في الهداية على طريق الإسلام والوحدة التي أرادها لنا رب العالمين لنعيش العزة والانتصار على هذه الأرض والسداد والنجاح والثواب في الآخرة.
الوحدة ومتطلبات الحضارة الإسلامية الحديثة، سأنطلق من هذا العنوان لأطرح فكرة ضرورة تعريف الحضارة الإسلامية التي نريدها، فلطالما علق في الأذهان أن الحضارة ترتبط بقيام دولة محددة تحكم بالإسلام، ولكني أرى أن نتحدث عن الحضارة الإسلامية بما هي انتماء المسلمين إلى الفكر الإسلامي الأصيل،
وتطبيقه في حياتهم على المستوى الإيماني والثقافي والسياسي والجهادي، أكان ذلك من خلال إقامة الدولة الإسلامية أو كان ذلك من خلال الحركات الإسلامية أو كان ذلك من خلال المجاميع المختلفة التي تلتقي في بلدان لا يتاح فيها أن يُقام الإسلام ولكن يمكن لهم أن يمارسوا قناعاتهم والتزاماتهم.
من هنا أعتبر أن هذه المتطلبات تقتضي منها أن نتحدث عن عناوين ثلاثة:
أولًا: الاهتمام بإبراز النموذج الإسلامي، أكان نموذج الدولة أو نموذج الجماعة، وهذا النموذج هو الذي يشكل الجاذبية الحقيقية لباقي المسلمين، وأمامنا اليوم نموذج الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي أطلقها الإمام الخميني(قده)، ويرعاها اليوم الإمام الخامنئي(دام حفظه)، ويسير على هديها هذا الشعب الإيراني المعطاء الباسل، هذه الجمهورية قدمت تجربة إسلامية في إدارة الدولة، وطرحت أفكارًا مهمة لا بد أن تصبح محل تداول للتأثير في الأمة، فمثلًا طرح الإمام الخامنئي(دام ظله) مشروع "السيادة الشعبية الدينية"، وهي التي تؤسس لقيام الإسلام بإرادة الشعب، وطرح قبله الإمام الخميني(قده) بأن " كل ما لدينا من عاشوراء"، لنتزود من تجربة الإمام الحسين(ع) آفاقًا واسعة يمكنها أن تحقق لنا الكثير في الأمة، قال إمامنا الخميني(قده): "فالإسلام تَمَكَّنَ في أسوء المقاطع التاريخية وأشدها ظلمة من بناء أرقى حضارة وأشدها نورانية، مؤهِلًا أتباعه للتَّربُّع على ذروة العظمة والمجد"، هذه المنطلقات للنموذج يجب أن تكون حاضرة من أجل أن تعم الحضارة الإسلامية، ومن أجل أن تؤثر في المسلمين، وكذلك لا بدَّ أن يكون نموذج حزب الله كحركة وجماعة حاضرًا وجاهزًا لأنه استطاع خلال حقبة زمنية قصيرة أن يقدم نموذج المقاومة التي هزمت أعتى قوة في المنطقة إسرائيل، وأعادت الأمل للأمة في أن تنطلق جماعة باسم الله وفي سبيل الله لتحرر الأرض وتقيم العزة من منطلق إيمانها، فشباب حزب الله يسجدون لله ثم يرفعون رؤوسهم لقتال العدو، ويتمتعون بأخلاق الإسلام ثم يكونون أشداء على الكفار "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ"، في تجربة أدَّت إلى رفع سيد المقاومة شعارًا رائعًا أصبح منتشرًا في الأمة "ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات"، فالهزائم التي ولَّت هي هزائم الفكر والاحباط وسوء الأخلاق والفساد فضلًا عن الأعداء، وأما الانتصار فهو انتصار الحق والإيمان والصلاح والمؤمنين على الكفار والمنافقين، هذه التجربة كفيلة أيضًا أن تشكل تعبئة حقيقية للأمة وتساهم في حضارتها.
هل تعلمون اليوم لماذا يواجه العالم المستكبر تجربة إيران وتجربة حزب الله ويواجه هذا الإسلام المحمدي الأصيل؟! لا لأنه ربح قطعة من الأرض، ولا لأنه هزم مجموعة من الأعداء، بل لأنه أوجد نموذجًا إسلاميًا يستطيع أن يشكل قطبًا يجب إليه العالم من المسلمين ومن غيرهم ليعيشوا عظمة الإسلام وسعادة الإسلام.
لقد قرأت تقريرًا منذ سنوات قاله سفير أمريكي في جنوب أفريقيا، وذلك في سنة 2004، قال في التقرير: لقد اتفقت أمريكا والسعودية على مواجهة إسلام الخميني بإسلام ترعاه السعودية، وصرفت 83 مليار دولار خلال 25 سنة لإقامة المدارس ودفع الأموال ومحاولة مساعدة الناس، كل ذلك من أجل مواجهة إسلام الخميني، هذا يُبيِّن أهمية النموذج الذي يجب أن نعمل له، وثقوا لن يستطيعوا مواجهة النموذج، بإمكانهم أن يقتلوا الأجساد، وبإمكانهم أن يحتلوا قسمًا من الأراضي ثم تتحرر، ولكن ليس بإمكانهم أن يواجهوا رمزية وصدق وعطاءات فكر الثورة الإسلامية المباركة وهذا النموذج الذي تقدم أمام العالم.
إمامنا الخامنئي(دام حفظه) يقول: "لم يأتِ الأنبياء لوعظ النَّاس فقط، بل الوعظ والتبليغ يعدّان جانبًا من عمل الأنبياء، جميعهم بُعثوا لبناء مجتمعٍ أساسه القِيَم الإلهية" ولو بنينا على أساس القيم الإلهية لا يمكن أن يهزها أحد على مستوى العالم.
الأمر الثاني: من الضروري أن نواجه التحديات في جبهة واحدة ومحور واحد، كفانا أن نختبئ ويتصرف كلٌ في بلده وكأنه غير معني بالآخرين، المحور الواحد هو الذي يعطينا القوة، اليوم يوجد محور اسمه محور المقاومة تقوده وترعاه إيران، كل انتصاراتنا التي تحققت بسبب محور المقاومة، من انتصارنا على إسرائيل في لبنان وفلسطين، إلى انتصارنا على التكفيريين في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان، إلى صمود اليمن، إلى كل الأصوات التي ترتفع في مواجهة التحديات، كل ذلك من خلال محور المقاومة، محور المقاومة هو الذي هزم دولة التكفير، وهو الذي سجل في التاريخ وفي الحاضر أن هذه الأفكار الخاطئة لا يمكن لها أن تستقر ولا يمكن لها أن تستمر في الأمة، وهذه المواجهة ليست مواجهة عسكرية هي مواجهة فكرية وسياسية وثقافية، وأعتبر أن سقوط داعش في سنة 2017 هو سقوط عسكري من ناحية ولكنه بداية السقوط المدوي ثقافيًا حيث أصبح العالم الإسلامي يرى أن لا أمل بهؤلاء وبالتالي سيفتش عمن أنقذه منهم فيعود إلى الإسلام الأصيل ويستهدي به.
اليوم مهما تقوَّى الاستبداد السعودي بالإرهابيين فهو لا يستطيع أن يغير المعادلة، ومهما تقوت إسرائيل بالإرهابيين فلا يمكن أن ينتصروا في المعادلة. أمامنا اليمن هو صامد لأكثر من ألف يوم رغم الدمار والخراب والقتل والجرائم المرتكَبة، وإذا ظنَّ أحد أن بإمكانه أن ينجح في اليمن فهو خاطئ، فمن الأفضل أن تتركوا اليمن لأهله قبل أن تروا نتائج غير محمودة لأن هذا الشعب مظلوم والله مع المظلومين.
لن نتفرج في محور المقاومة على أمريكا وإسرائيل يقودان محور الشر للسيطرة على منطقتنا، وتفتيتها وإنهاء القضية الفلسطينية، هم يجتمعون على باطلهم ثم يقولون لنا تفرقوا، لماذا يتعاون حزب الله مع إيران؟ ولماذا تتعاون سوريا مع العراق؟ ولماذا يتعاون اليمن مع شعوب المنطقة؟ أما هم فمن حقهم أن تتعاون أمريكا وإسرائيل ودول الخليج وآخرين من أجل أن يقتلوا الأطفال والشيوخ والنساء، نحن نتعاون من أجل استقلالنا ومن أجل مستقبلنا، ولذا نحن أحق أن نجتمع على حقنا، خيارنا أن نكون في محور المقاومة، فبلدنا يحتاج إلى دعم هذا المحور، وبهذا الدعم حررنا، تحرير لبنان من الاحتلال، وتحرير سوريا والعراق من الإرهاب التكفيري كان بدعم وحضور القيادة في إيران، ومن المهم أن نكون معًا فننتصر، من المهم أن نكون معًا مع إيران، من المهم أن نكون معًا مع الحرس الثوري الإسلامي المبارك، من المهم أن نكون معًا كيدٍ واحدة من أجل أن نواجه التحديات، وسننتصر إن شاء الله.
نحن اليوم في مرحلة صياغة مستقبل المنطقة، وليسوا هم الذين يصوغونها، نحن الذين نصوغها، ونجاحات هذا المحور على ائتلاف الشر الدولي مؤشرٌ على قدرتنا لحماية خياراتنا.
النقطة الثالثة: ضرورة ترجمة الوحدة بعناوين الوحدة، فلسطين هي عنوان الوحدة الأساس، وعلى أساس أنها قضية مركزية، نحن نرفض التطبيع ونؤيد الوحدة الفلسطينية، ومع استمرار المقاومة وحق العودة، ولا يمكن على الإطلاق أن نقبل بأن تكون إسرائيل هي التي تفوز في نهاية المطاف، فمن كان مع المقاومة ومحورها كان مع الله ومن كان مع الله فسينتصر "وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ".