لقد انكسر المشروع الأمريكي الإسرائيلي في منطقتنا مرتين، انكسارًا كبيرًا ومؤثرًا، المرة الأولى بعد انتصار تموز سنة 2006، يومها أعلنت كوندليزا رايس في اليوم التاسع بأن ما يجري في لبنان هو آلام ولادة شرق أوسط جديد، تبيَّن أن الشرق الأوسط الجديد لن يولد لأن المقاومة هزمت إسرائيل، والمرة الثانية الذي انكسر فيها هذا المشروع في الحرب على سوريا وفي الصمود والمقاومة التي جرت من قبل الدولة السورية والجيش العربي السوري والشعب السوري وكل المجاهدين الذين قاوموا معهم، كانوا يتصورون أن يغيروا خارطة المنطقة خلال شهر، ها قد مرَّ ست سنوات وثلاثة أشهر وبقيت المقاومة مرفوعة الرأس، وكل الجماعات المعادية تتهاوى رغم أنها اجتمعت من كل أقطار الأرض وحشدت كل الإمكانات المالية والعسكرية، ولكن إرادة المقاومين كانت أقوى بحمد الله تعالى.انكسر مشروع الشرق الأوسط الجديد مرتين في تموز سنة 2006 وفي المواجهة التي جرت عبر مواجهة التكفيريين في سوريا، ومن خلفهم كل العالم المستكبر الذي يحاول أن يقاتل ويغير.
بالأمس عُقدت قمة المأزومين في الرياض، أمريكا والسعودية، وهذه القمة لم يكن لديها عدو إلا محور المقاومة، ولم يكن لها شعار إلا مواجهة الأحرار والشرفاء، السعودية تريد أن تقول للعالم أنها تمثل العالم الإسلامي، حشدت 55 دولة ثم أصدرت بيانًا بغيابهم جميعًا، فالصورة صورة القيادة للجماعة ولكن النتيجة التفرد من دون موافقة أي قوة من القوى المشتركة، وأرادت السعودية أن تقول بأن أمريكا بجانبها، ولكن هل ينفع هذا السعودية في أن تخفي أزماتها وفسادها وظلمها لشعبها؟ ألم تصادر الكثير من المنح التي أعطيت للعمال والموظفين في داخل السعودية، ألم تقفل الكثير من الشركات بسبب الوضع المالي والوضع الاقتصادي عندها، ألم ترفع أسعار البنزين والمازوت لأن هناك ضيق اقتصادي، ألم تنخفض العملة السعودية بسبب إجراءاتها في السنوات الماضية، إضافة إلى ذلك فهي لم تدخل في معركة إلا وخسرتها، في سوريا خسرت، وفي لبنان خسرت وفي العراق خسرت، والآن في اليمن والبحرين تعتدي على الناس، تقتل البشر والشجر وتدمر الحجر ولا تحقق أي إنجاز سياسي، هل هذه هي البطولة، وهل هذا هو الإنجاز، إذًا السعودية كانت تحتاج أن تعطي مظهرًا أن أمريكا معها وأنها واقفة على رجليها في زمن الهزائم التي تعيشه، ولكن هذا اللقاء لن يؤدي إلى شيء.
أما أمريكا، فأخذ "ترامب" ما يريد، هو يريد البقرة الحلوب السعودية لتعطي المال للشعب الأمريكي ويقول لهم أنه أمَّن فرص العمل والاقتصاد بـــ480 مليار دولار من أموال الشعب السعودي، طبيعي أن يكون ترامب سعيدًا، ومع ذلك فهو لم يخجل، وطلب أموالهم وقال لهم: أنتم قاتلوا وأنتم تتحملون المسؤولية ونحن من ورائكم، أليس هذا ظلمٌ للشعب السعودي؟ لو دفعت السعودية 480 مليار دولار للقضية الفلسطينية لانتهينا من إسرائيل وبنيت فلسطين كدولة حديثة تنافس دول العالم، لكن تأخذهم أمريكا لتغالي في اتجاهها وفي تمردها ولتنصر إسرائيل، هذه القمة هي قمة دعم إسرائيل، وليست قمة إنقاذ العرب أو المسلمين، هذه قمة إفقار منطقة الخليج لحساب سلطان يجب أن يبقى على عرشه على حساب الشعب، هذه قمة تبيِّن المستوى المنخفض في متابعة قضايا المنطقة، ولكن أقول لكم: هي لن تغير المعادلات، ولن تصنع المتغيرات، هي صورة انتهت بعد أن انتهى التصوير، فلا قيمة لها إن شاء الله تعالى فالمقاومون بالمرصاد وأصحاب الكرامات لا يمكن أن تؤثر فيهم لا هدايا ولا تصريحات عنترية أثبتت فشلها في الواقع الميداني على الأرض.
لاحظوا المشهد الآخر: مشهد إيران، تجري انتخابات فيها تنافس شريف، ويختار الناس بملء إرادتهم وحريتهم، وإيران دولة متقدمة اقتصاديًا وثقافيًا وحضاريًا واجتماعيًا، ولا رمزية وتأثير في منطقتنا وفي العالم، واضطرت كل الدول الكبرى مجتمعة أن يجلسوا على طاولة واحدة مع إيران لتعقد اتفاقًا وهو الاتفاق النووي، إيران أصبحت دولة كبيرة ومؤثرة لأنها كانت مع الحق، ولأنها دعمت المقاومة، ولأنها احترمت الإنسان، هذه دولة تستقل وتستمر وتكبر، أما السعودية فهي دولة تنحدر وتخسر وتعيش أزمات متتالية.