نحن ندعو إلى تسوية فيها تبادل للتنازلات والمكاسب من أجل الانتقال من لبنان الشاكي إلى لبنان المتعافي
الكلمة التي في الاحتفال الذي أقامته التعبئة التربوية في حزب الله لمناسبة يوم الشهيد في كلية العلوم- الجامعة اللبنانية- الحدث، 16/11/2015م،
ومما جاء فيها:
لدينا تجربة في الجهاد والشهادة منذ سنة 1982 حتى الآن، ما الذي حصدناه؟ وما الذي حصده أولئك الذين هربوا من الجهاد والشهادة؟ خلال هذه الفترة حصدنا الإنجازات الكبيرة، استطاعت المقاومة أن تحقق إنجازات لم يستطع العرب والمسلمون مجتمعين أن يحققوها خلال عشرات السنين، خلال هذه الفترة، تحرر لبنان في أيار سنة 2000، وكسرنا إسرائيل في سنة 2006، واستطعنا أن نوجد قدرة ردع تمنع إسرائيل من الاعتداء علينا، وتجعلها مرتكزًا في كيفية حماية جبهتنا الداخلية في مواجهة المجاهدين الأبطال والشجعان.
المقاومة اليوم هي اتجاه وإنجازات، هي فكرة وعمل، هي مواجهة وانتصار، هي تأثير وحضور، ولذا لم نعد نتحدث اليوم عن المقاومة لنحاول أن نقنع الآخرين بها، المقاومة هي حياتنا ومستقبلنا وهي التي صنعت كل الإنجازات التي نراها بالتعاون مع الجيش والشعب، ولا إمكانية للعودة إلى الوراء.
أولًا: حرَّرت الأرض من رجز إسرائيل، ولم تستطع كل القرارات الدولية والسياسات والاستجداء والدبلوماسية أن تصنع شيئًا مع إسرائيل لمدة ثمانية عشر عامًا من الاجتياح سنة 1982 إلى سنة 2000، فلم تحل المشكلة كل الدبلوماسيات بينما استطاعت المقاومة أن تحرر.
ثانيًا: كُسر المشروع الإسرائيلي، وتعطلت اندفاعاته ولم يعد حرًّا أن يفعل ما يريد في من منطقتنا فهناك من يوازيه قوة وفعلًا ومستقبلًا.
ثالثًا: تحققت لدى المقاومة جهوزية رادعة ومتنامية تزداد يومًا بعد يوم، وتقوى يومًا بعد يوم وتنافس يومًا بعد يوم على الرغم من كل المواجهات التي تقوم بها.
رابعًا: استطاعت المقاومة أن تحقق السلم الأهلي وأن تئد الفتنة مرارًا وتكرارًا في لبنان، ولطالما أطلت برأسها وقطعنا هذه الرأس بالتضحية والصبر والتحمل، وقد تبيَّن بعد ذلك أن أداءنا كان سليمًا وصحيحًا.
خامسًا: شاركنا كمقاومة في الدولة بأدواتها وقوانينها على الرغم من ملاحظاتنا على هذه الأدوات وهذه القوانين، ولكن لم نرد أن ننصرف إلى فتات بسيط في مقابل المشروع الكبير، ولذا تحملنا تلك الآليات المعقدة والصعبة ومع ذلك كنا شركاء في بناء هذه الدولة.
لولا المقاومة الإسلامية، لولا مقاومة حزب اله لانضم جنوب لبنان إلى فلسطين المحتلة وتوسعت دائرة الاحتلال من فلسطين إلى لبنان وكنا أمام أزمة، ولولا المقاومة لتمَّ توطين الفلسطينيين في القسم الآخر من لبنان وأُقفلت قضية العودة عن الفلسطينيين الموجودين عندنا، ولولا المقاومة لسُلبت قدرة لبنان السياسية والثقافية والاقتصادية لأن إسرائيل ستكون مشرفة عليهم تعين الرئيس وتتابع أعضاء في مجلس النواب وتقرر للبنان ماذا يكون.
هذه المقاومة هي التي أسقطت كل هذا المشروع الإسرائيلي، ونقلت لبنان من لبنان الضعيف إلى لبنان القوي، فبدل التغني بقوة لبنان في ضعفه أصبحت الحقيقة اللازمة أن قوة لبنان في جيشه وشعبه ومقاومته، وهنا أصبح لبنان محط أنظار العالم ينظرون إليه باحترام وهيبة، ولا يتمكنون من تقرير المصير فيه سواءً أكانوا أجانب أو كانوا إسرائيليين.
لقد طرح سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تسوية داخلية نعتبرها ضرورية ليتلقى المواطنون والمسؤولون هذه المبادرة بإيجابية، هذه التسوية الداخلية اليوم لا بديل عنها لسببين: الأول أن انتظار التطورات الخارجية عقيم، لأن من كان يتوقع أن يربح في الخارج ليربح في الداخل تبيَّن أن هزائم الخارج تتالى وستتالى أكثر فأكثر، والثاني أن الفرصة لا زالت سانحة في ظل استقرار أمني معقول ومناسب فنستطيع أن نلملم أوضاعنا وأن نناقش ونتحاور ونصل إلى النتائج المطلوبة. ليكن معلومًا أن التسوية فيها تنازلات ومكاسب، لا يوجد تسوية بمكاسب فقط، أي علينا نحن أن نتنازل مقابل ما نربح، وعليهم هم أن يتنازلوا مقابل ما يربحون، لا يوجد في التسوية ربح خالص وخسارة خالصة. نحن ندعو إلى تسوية فيها تبادل للتنازلات والمكاسب من أجل انتهاز الفرصة والانتقال من لبنان الذي يشكو إلى لبنان المتعافي. هذا الأمر يتطلب شجاعة وإقدامًا، نحن نملك هذه الشجاعة ونتمنى أن يملكها كل القادة في لبنان.
الجهات التي عملت في أفغانستان هي نفسها الجهات التي تعمل في سوريا، التدريب والقدرة العسكرية والمال من السعودية ومن معها من بعض دول الخليج، وكل التسهيلات تُعطى لهؤلاء الإرهابيين من أجل أن يفتتوا منطقتنا العربية والإسلامية، ومن أجل أن يسهِّلوا على إسرائيل مشروعها. إن مواجهتهم بالنسبة إلينا هي جزء من مواجهة إسرائيل، يجب أن نحرمهم من أي بيئة حاضنة، وأن نجعلهم منبوذين بأفكارهم وأعمالهم، لأن هؤلاء يحملون مشروعًا واحدًا هو مشروع قتل من عداهم على هذه الأرض، لا يقبلون أحدًا حتى أنهم لا يقبلون بعض من ينشقون عنهم، وبالتالي هؤلاء أعداء للإنسانية وليس للمسلمين فقط.
رأيناهم يقتلون في برج البراجنة التجمع البشري، ورأيناهم يقتلون في فرنسا التجمعات البشرية، هم لا يبحثون عن جهة سياسية يواجهونها هم يبحثون عن تدمير بنية حضور الإنسان في أي منطقة من العالم. هؤلاء التكفيريون هم خطر حقيقي، يجب أن نواجههم، وعلينا أن لا نبرر أعمالهم، وبكل صراحة: كل من يبرِّر أعمالهم هو صديقٌ لهم، وهو معهم، لا تقولوا أنهم يتصرفون بردة فعل، أي فعلٍ يستحق أن يقتلوا على أساسه الأبرياء؟ ولا تقولوا أنهم يدافعون عن أهل السنة، هم قتلوا من السنة أضعافًا مضاعفة ممن قتلوا من جميع المذاهب والطوائف الأخرى، ولا تقولوا بأن علماءهم يطمئنونهم فهؤلاء مساكين ومضللون، هم جميعًا شركاء ويتحملون المسؤولية، فتبرير أعمالهم هو مشاركة في آثامهم وجرائمهم.
الآن أمريكا والغرب والسعودية وتركيا وقطر هم الذين يرعون الإرهاب التكفيري بشكل مباشر، فاليوم يوجد دولة إسلامية لداعش في الرقة والموصل وها هي تخرِّب العالم من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، وكيف تريدون أيتها الدول الكبرى والصغرى والمتآمرة أن توسعوا دولة داعش لتشمل سوريا بأسرها والعراق بمعظمه. أنتم تدَّعون بأنكم ضد الإرهاب التكفيري، هل يعقل أن تستقر الإرادات والقيادة ومراكز التدريب في الرقة وتسير الحياة لديهم بشكل طبيعي ويصدروا النفط ويكون هناك تبادلات تجارية واقتصادية مع تركيا، وهناك إجازات للسفر يتنقلون من خلالها لمختلف أنحاء العالم، دون أن يزعجوا واحدًا منهم؟! اليوم هم يُصَدُّون بأسباب القوة وبأسباب الحياة، وليكن معلومًا: هؤلاء لا يستطيعون الاستمرار ولا يستطيعون الثبات، نحن لا نواجه اليوم الإرهاب التكفيري فقط وإنما نواجه الإرهاب الدولي والإرهاب الإسرائيلي مندرجًا مع الإرهاب التكفيري.
تأكدوا أن الجهة الوحيدة التي استطاعت وتستطيع أن تواجه الإرهاب التكفيري هي مشروع المقاومة، كل من هو في مشروع المقاومة يستطيع مواجهة الإرهاب التكفيري، ولو رأينا اليوم الإنجازات الموجودة في سوريا ورأيتم في السابق الإنجازات التي حصلت في لبنان في القضاء على الكثير من الخلايا والإرهاب الذي قاموا به بشكل أو بآخر، إذًا هؤلاء في الدول الكبرى غير جادين، حتى في الاجتماع الأخير في تركيا هم لم يخرجوا بتوقيتٍ لمواجهة داعش بل بتوصية من أجل مساعدة فرنسا على سوق المجرمين إلى القضاء.
سيكتشفون بأن داعش سترتد عليهم، وما رأيناه في فرنسا سنراه مرارًا وتكرارًا وسنراه في أمريكا وسنراه في الدول الأوروبية وفي تركيا وفي كل هذه الأماكن، لأن هؤلاء لا صاحب لهم.
نحن نعتبر أننا أمام حربٍ حقيقية، وهي ليست أعمالًا تخريبية عابرة، وهي ليست مجرد موقف فكري أو سياسي، نحن أمام مشروع متكامل، فالإرهاب التكفيري هو فعل وليس ردة فعل، هو إرهاب ومشروع ورؤية قائمة بذاتها تريد أن تنتشر، ألم يفكروا يومًا أن ينشؤوا إمارة إسلامية في شمال لبنان؟ ألم يفكروا بإنشاء إمارة إسلامية في القلمون؟ ألم يفكروا بإنشاء إمارة إسلامية في حلب؟ ألم ينشؤوا فعلًا إمارة إسلامية في الرقة وفي الموصل؟ ألا يعملون الآن في عدن من أجل إقامة الإمارة الإسلامية هناك؟ هؤلاء جماعة أصحاب مشروع. إذا كان عمل التكفيريين في لبنان ردة فعل على تواجد حزب الله في سوريا، إذًا التكفيريون في فرنسا ردة فعل على مَنْ؟ هؤلاء أصحاب مشروع يعتبرون أن الفرنسيين كفار ومشركين ويجب أن يقتلوا جميعًا وهذه النظرة للجميع.
في قناعتنا ليست حربًا سهلة ولكن بإمكاننا إفشالها، وبإمكاننا أن نواجههم وأن نقضي عليهم ونلاحقهم، مع هؤلاء التكفيريين ليس هناك خيار ثالث: إما الفوز وإما الهزيمة، علينا أن نهزمهم وبإمكاننا أن نفعل ذلك، هذه المقاومة التي استطاعت أن تُعطي هذه العطاءات العظيمة، وأن تحيي الأمة بمجاهديها وشهدائها وجرحاها وأهاليهم وبمن التفَّ حولها باستطاعتها أن تصنع الكثير، هي ليس معركتنا وحدنا هي معركة الجميع، ونحن سنبذل أقصى الجهد من أجل مواجهة هذا الإرهاب التكفيري.