الكلمة التي ألقاها في ذكرى أسبوع الشهيد حسن عبد الله في مجمع المجتبى (ع).
ومما جاء فيها:
السمة العامة اليوم للمنطقة هي عدم الاستقرار، ويبدو أن عدم الاستقرار سيطول كثيرًا وربما لسنوات، والسمة العامة للاعبين الإقليميين والدوليين هي الارتباك وعدم الحسم، أي أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون. أمريكا نفسها لا تعرف ماذا تفعل، والدول العربية لا تعرف ماذا تفعل، والدول الإقليمية ضائعة لأن التطورات سبقتهم والتعقيدات لاحقتهم، وتداخل الأمور يصعِّب عليهم تفكيكها بحيث أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من مطحنة الواقع بما لا يمكِّنهم من أن يأخذوا خيارات واضحة.
ونستطيع القول أن المشروع الأمريكي في سوريا فشل، ولا يحتاج إلى دليل، وكل مشهد في سوريا يدل على فشل أمريكي، وكل واقع تأتي به الأخبار يدل على فشل أمريكي، وخطر المجموعات التكفيرية تجاوز المنطقة ليصل إلى العالم، ولم يعودوا مجرد أدوات يستخدمونها ضدنا بل تحولوا إلى أدوات تؤذيهم هم، لأن هؤلاء لا دين لهم ولا مسلك واضحًا لهم، وبالتالي يمكن أن يأكلوا بعضهم وهذا ما نراه في محطات كثيرة.
يشرفنا كحزب الله أننا ساهمنا في حماية مشروع المقاومة الذي نجح في التصدي لهذا الخطر التكفيري الإرهابي، هذا الخطر الذي عبر الدول. اليوم الإرهاب التكفيري عابر للدول، وليكن واضحًا هو لا يملك مقومات النجاح، ومن نعم الله تعالى أن لدينا خطرًا كبيرًا لا يملك مقومات النجاح، وقد أُصيب بنكسات فادحة وكثيرة في سوريا والعراق ولبنان. والعالم كله يكتشف يومًا بعد يوم أن هؤلاء الجماعة وحوش من ورق يكثرون الضوضاء ويرعبون الناس، ولكنهم لا يملكون مشروعًا ولا قابلية للاستمرار ولا حسًّا إنسانيًا حتى يستقروا على هذه الأرض.
والملفت أن الجميع يقرُّون بهذا الخطر ولكن بعض الدول الإقليمية والدولية لا زالت تراهن على أجزاء من هؤلاء التكفيريين، فهم يميزون بين القاعدة وداعش، وبين داعش والنصرة، يميزون بين جماعة خراسان والتابع لفرع القاعدة وبين فرع القاعدة مثلًا إقليم سوريا، لا يوجد فرق بينهم كلهم في الدم سواء، وكلهم في قطع الرؤوس سواء، وكلهم في معاداة البشرية سواء، لكن هم يعتقدون إنهم إذا عملوا مع فريق دون آخر يمكن أن يكفيهم شرًا آخر ويمكن أيضًا أن يحصلوا على بعض المكتسبات، أقول لهم: ستكتشفون أنكم تربُّون وحشًا سينقلب عليكم أولًا وستدفعون ثمنه أولًا قبل غيركم.
ثانيًا: ما قمنا به في سوريا وعلى المقلب الآخر للحدود مع لبنان، حمى لبنان من كارثة تكفيرية، لأن هؤلاء كان من الممكن أن ينتشروا في الأزقة والقرى والمدن وفي أماكن مختلفة إذ أننا مع كل هذه السدود التي وضعناها، ومع كل هذه المواجهة التي حصلت، ومع الآلاف الذين قتلوا منهم مع ذلك آثارهم لا زالت موجودة ولا زالوا يشكلون خطرًا بنسبة من النسب. فكيف لو لم يكن هناك سد يمنعهم، وكيف لو لم يكن هذا التحرير الذي حصل لبعض القرى في المقلب الآخر!
لقد نبَّهَ سماحة الأمين العام إلى تهديد حقيقي يواجه لبنان بعد ذوبان الثلج, وهذا ليس شعارًا، هذه حقيقة، لأن الجماعة لا حل ولا مشروع لديهم إلاَّ أن يقاتلوا ويقتلوا ويتمددوا في أي دسكرة أو زاروب أو قناة أو ملجأ يلجؤون إليه. لذلك على لبنان الرسمي الشعبي أن يدرس خياراته جيدًا، فهذا المشروع يمس لبنان من المنطقة المحتلة في عرسال، وإذا لم تتم المواجهة كما حصل في منطقة الشمال فإن الخطر موجود. نحن نتحدث عن خطر على لبنان وإلاَّ أطمئنكم: لسنا خائفين وسنبقى نطاردهم وسنوقع القتلى فيهم وإن شاء الله لن يحققوا شيئًا، نحن نتكلم مع أولئك الذين لا يرونهم حتى يتبَّهوا قبل أن يدخلوا إلى ديارنا.
من هنا لا بدَّ أن نسجل للجيش اللبناني والقوى الأمنية إنجازاتهم الكبيرة في الشمال، والتي تحققت بعد الإجماع السياسي في البلد، ولولا هذا الغطاء لما أقدم الجيش على ما أقدم عليه في الشمال، وحصلت حوادث كثيرة ولم تحل إلاَّ بعد الغطاء السياسي. اليوم في البقاع هذا الأمر يتطلب إجماعًا سياسيًا على الشاكلة نفسها، وإذا كان أحد يتوقع أنه يستفيد من الواقع في البقاع فهو واهن، هؤلاء لم يخدموا أحد ولم ينفعوا أحد.
ثالثًا: أولوية حزب الله لا زالت كما هي في المقاومة وهذا ما جعله جاهزًا للمواجهة في الوقت المناسب، هذه الجهوزية من نتائجها: أن إسرائيل مردوعة ولا تستطيع السير قدمًا لتحقيق أطماعها التوسعية من بوابة لبنان، وأصبحت تحسب حسابًا لكل حركة أو عمل لأنها أمام جهة لا تخشى إلاَّ الله تعالى، وقررت أن تستعيد كرامتها وأرضها بأيديها بمعزل عن كل الترتيبات التي تسمى دولية أو عربية من خلال مجلس الأمن أو ما شابه ذلك.
اليوم لا يوجد حياد في العالم، كل العالم اليوم مصنف، إذا ليس بين حقٍ وباطل بين مصلحة ومصلحة، لأن الكلام عن الحق والباطل على المستوى العالمي غير مقبول كثيرًا، كان شعار حياد لبنان لازمة سياسية للسياسيين وهو المعنى الآخر للاعتراف بضعف لبنان وتبعيته لدولة من الدول الكبرى وأن التكفيريين حصدوا مجموعة من الهزائم, وهم لا يستطيعون السيطرة والاستقرار, ولكنهم يملكون قدرة التخريب.
أما اليوم فقوة لبنان بثلاثي القوة الجيش والشعب والمقاومة ودليل قوته أن العالم بأسره من الشرق إلى الغرب من الدول الكبرى إلى الدول الإقليمية أجمعت كما لم تجمع على أمر بأن المطلوب هو الاستقرار في لبنان، فهم لا يريدون الاستقرار في لبنان كرمى لعيون اللبنانيين، لا، هم يريدون الاستقرار في لبنان حتى لا يتحرك مارد المقاومة خلافًا لإرادتهم ويعتقدون أن هذا المعنى من الاستقرار يطمئن حزب الله فلا يتحرك خارج الدائرة التي يتوقعونها. المهم أن هذا الاستقرار حصل بفعل هذه القوة، قوة لبنان منعت من فرض أي وظيفة عليه، وألزمت القوى الإقليمية والدولية بالتوافق على استقراره، واستمرت قوته رصيدًا يحميه سياسيًا في مواجهة الأخطار.
أما اللاموقف في السياسة فهو يضيِّع كل شيء، البعض يقول: لا نريد المقاومة حتى لا نستفز إسرائيل وندافع بطرق أخرى، من لا يريد المقاومة ضد إسرائيل كيف يحمي لبنان؟ يقولون: من خلال الجيش! أين التسليح وتوفير القدرة للجيش اللبناني وهم يقترون عليه ويحسبون حساب المصروف الأسبوعي من الذخائر والأسلحة فإذا كانت أكثر بقليل يتوقفون ويمتنعون حتى يبقى في دائرة الصرف اليومي من دون أن يمتلك قوة كافية ليبادر في عمليات يمكن أن تكون نوعية في البلد! بكل وضوح وقلناها مرارًا وتكرارًا: المقاومة ليست بديلًا عن الجيش، هي مساعد ولكنها لن تترك الساحة لفراغ يملؤه الاحتلال الإسرائيلي أو الإرهاب التكفيري.
رابعًا: ندعو إلى عدم تعطيل مجلس الوزراء، بل ندعو إلى تفعيل دور المجلس النيابي ونوافق على معالجة مشكلة آلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء بما يتناسب مع طمأنة الأطراف، ولتكن أزمة الآلية التي نشأت سببًا مباشرًا لتحريك إضافي وعملي جدي لمصلحة انتخاب رئيس للجمهورية فهذا أمرٌ إيجابي،لكن تحت عنوان رئاسة الجمهورية يتم تعطيل مجلس الوزراء كما تم تعطيل المجلس النيابي وتعطيل البلد وهذا أمرٌ خاطئ، فالرئاسة شاغرة منذ تسعة أشهر، راجعوا قبل تسعة أشهر الخيارات المطروحة، ستجدون أنها نفسها، خير لكم أن تنجزوا خيار الرئاسة، فإذا خشيتم أن يكون هناك رابحٌ بهذا الخيار فاعلموا أنه يمكن الاتفاق على خيارات تعيشون معها ربحًا فيكون الجميع رابحًا في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب وفي رئاسة الجمهورية، وبالتالي الخيار يمكن أن يدفع الجميع بدل أن نضيِّع الأوقات من دون الوصول إلى نتيجة.
أصبح معلومًا بأن الحزب لا يرد على الشتامين والمتوترين، لدينا قرار بعدم الانجرار إلى المهاترات الإعلامية والسياسية. وتأكدوا أن صراخ البعض يأكله، ومن يحاول أن يستقطب ساحته بشتيمتنا سيكتشف أنه خسر ساحته كما خسرنا، ومن يريد أن يرتفع بقلة الأدب ليس معلومًا في قوانين العالم وما خلق الله تعالى أن هؤلاء ينجحون في حياتهم، يتوهمون النجاح لساعات أو أيام ثم بعد ذلك يسقطون السقطة العجيبة، وقد أثبتت التجربة أن الحل الوحيد المتاح في لبنان هو الحوار والتفاهم مع الآخر، ومن يخالف يحصد الفشل والخيبة.