الكلمة التي ألقاها في حفل تأبين أربعة من شهداء الدفاع المقدس في بعلبك.
ومما جاء فيها:
نحن شاركنا كحزب الله في القتال في سوريا بعد سنة ونصف من بدء القتال هناك، وأعلنا ذلك أمام الرأي العام ولم نخجل للحظة واحدة فيما نقوم به، بينما هناك من لا زال إلى الآن يدافع أن لا علاقة له بالتدخل في سوريا، ولا علاقة له لا بالتمويل ولا التسليح، هذا شأنه، لكن بالنسبة إلينا تدخلنا عندما أصبح الخطر داهمًا على المقاومة وعلى لبنان، وعندما تدخلت دول العالم من أجل أن تُسقط وتدمر سوريا المقاومة، وعندما رأينا أن سكوتنا وعدم تدخلنا سيؤدي إلى أن يصبح لبنان مسرحًا لهؤلاء التكفيريين ومن وراءهم، قرأنا هذا المشهد قبل أن يتبلور، قرأنا هذا المشهد قبل أن تتعاظم الأمور وتتفاقم، وكانوا يقولون لنا: ما يجري في سوريا هو مطالبة ببعض الإصلاحات، أية إصلاحات داخلية في بلد تتطلب أن يأتي المسلحون من ثمانين دولة ومعهم دول إقليمية وعالمية ومجلس الأمن من أن يدعموهم لهذه الإصلاحات!
الحمد لله ميزة حزب الله أنه لم يتكلم يومًا إلاَّ بالحقيقة حتى ولو كانت مرَّة، كنا نعلم أنه إذا قلنا أننا نتدخل في سوريا ستأتي السهام من كل حدبٍ وصوب لتنتقدنا ولكن آثرنا الانتقاد في موقع الشرف على أن نختبئ ثم بعد ذلك ينكشف الآخرون.
هؤلاء المجاهدون، مجاهدو الدفاع المقدس وفروا الكثير من المخاطر والبلاءات على لبنان وأهلنا وعلى المنطقة، هؤلاء المجاهدون هزوا البنية التكفيرية مقابل شرف لبنان، وبذلك لم يعد هناك قدرة كافية تنطلق من سوريا باتجاه لبنان لتغيير المعادلة، نعم هناك اعتداءات ستحصل بين الحين والآخر وهذا أمر طبيعي، ولكن ألا تذكرون الإنجاز الكبير الذي تحقَّق في ضرب معقل الإرهابيين التكفيريين في القلمون وفي يبرود، ما منع وألغى مجيء السيارات المفخخة التي انطلقت من تلك المنطقة خلال عدة أشهر وآذت لبنان بأسره من أوله إلى آخره، هذه إنجازات كبيرة، وهذا دليل رؤية متقدمة، إذ لا يمكن قتال هؤلاء بشكل صحيح والنجاح في قتالهم ونحن ننتظر أن يأتوا إلى ديارنا!
ها أنتم ترون كيف دخلوا من دون طلقة واحدة إلى الموصل، ماذا كانت النتيجة؟ اهتز العراق من أوله إلى آخره بل اهتز العالم، لو سكتنا ولم نتحرك ولم نبادر لأهتز لبنان واهتز معه العالم أيضًا قبل الموصل بكثير، ولذلك نحن نعتبر أن هذا القتال قد وفر الكثير على لبنان وعلى كل اللبنانيين وليس على حزب الله فقط، وفر على المسلمين والمسيحيين، سنة وشيعة، ومن كل الأطياف، لأن داعش ليس لأحد، إذا كان البعض يظن أنه يستفيد منها فهو مخطئ. على هذا الأساس نحن عملنا وتدخلنا والآن نقول: إن هذه المواجهة للتكفيريين بكل وضوح هي جزءٌ لا يتجزأ من مشروع مواجهة إسرائيل، فالتكفيريون نتيجة من نتائج الاحتلال الإسرائيلي، لأن الاحتلال الإسرائيلي هو الذي خرَّب على العرب، والاحتلال الإسرائيلي هو الذي أوجد الفتن والمؤامرات، والاحتلال الإسرائيلي هو الذي أدَّى إلى أن تدعم أمريكا جماعة التكفيريين في أفغانستان وبعد ذلك في مناطق مختلفة من أجل أن يخربوا على الآخرين فتستنزف القوى بعضها بعضًا.
في سوريا أرادوا أن يريحوا إسرائيل من سوريا المقاومة ومن كل المقاومة في منطقتنا، فعندما نقاتل التكفيريين وعندما نمنع سقوط سوريا المقاومة، وعندما نعزز مكانتنا كمقاومة قوية ثابتة تمنع أن تؤثر الأزمة السورية بشكل واسع على لبنان هذا جزءٌ لا يتجزأ من المواجهة ضد إسرائيل.
ونحن نواجه مشروعًا واحدًا وليس مشروعين، نواجه مشروعا أمريكيا إسرائيليا تكفيري واحدا، ولكن له شُعَبٌ وأشكال متعددة، ولذلك نحن في قتالنا ضد التكفيريين إنما نقاتل أيضًا ضد إسرائيل ولكن على جبهة أخرى في مقابل الجبهة الجنوبية التي نواجه من خلالها إسرائيل، وسنبقى إن شاء الله جاهزين في كل جبهة تقتضي أن نواجه المشروع الإسرائيلي الأمريكي التكفيري طالما أن النتيجة واحدة عندما نضربهم في موقع تتأثر المواقع الأخرى، وعندما نسكت عنهم في موقع سيصيبوننا في أذًى كبير ونحن نمنع عنّا وعن أمتنا وهذا الأذى.
هنا لا بدَّ من تحية خاصة للجيش اللبناني الوطني وللقوى الأمنية التي واجهت التكفيريين في عرسال، ونستطيع القول أن الجيش اللبناني أسقط خطة التكفيريين للانطلاق من عرسال نحو الإمارة التكفيرية، وهذا إنجاز كبير، وفرَّ على لبنان الكثير، وهذا ما يتقاطع مع إيماننا ومع قناعاتنا.
لقد سبقنا كحزب الله الكثيرين في إبراز خطر داعش المتعدد الجنسيات، وأشرنا إلى أن ما يحصل في سوريا ليس إصلاحًا وإنما هو تدمير لكل الإمكانات والقدرات، وأن الخطر هذا سيتنقل من مكان إلى مكان آخر، التكفيريون ليسوا مأزقًا لحزب الله هم مأزق لكل العالم وللإنسان في لبنان وفي المنطقة وفي العالم والمواجهة أيضًا مسؤولية عالمية، وليست مسؤوليتنا نحن فقط، وعلى كل حال الكل الآن يعيش حالة من الإرباك لأن داعش لم تعرف أحدًا ولم توافق أحد على ما يريد، وإذا واجهناهم سننتصر عليهم بالتأكيد، وسجلوا علينا: وصلت داعش إلى القمة منذ حوالي عشرة أيام تقريبًا، وبدأ العد التنازلي، وهذا العد التنازلي سيستمر إن شاء الله تعالى، هؤلاء كالظلام المنفوخ سرعان ما يفقد مضمونه، هؤلاء لا يستطيعون الاستمرار لأنهم غرباء عن المنطقة، شرط أن نقف وأن نواجه وأن تتظافر جهودنا، وعلى كل حال هذا الذي نراه اليوم هو من نتائج عمل أمريكا وأموال النفط التي ربَّت هذا الوحش ولكنه كبُر على مشغليه وأصبحوا غير قادرين على لملمته ولملمة أساليبه وأصبح يهددهم أيضًا لأنه خرج عن الدوائر المرسومة.
فاليوم إذا قالت أمريكا أنها ضد التكفيريين هذا لا يعفيها أنها سبب من أسباب تربيتهم ودعمهم. وإذا قال بعض دول النفط أنهم ضد داعش فهذا لا يبرئهم من مسؤوليتهم فيما فعلوه سابقًا، ولذا عليهم أن يبذلوا جهودًا إضافية ليحلوا مشكلة هذا الذي رعوه لفترة من الزمن.
لقد حاولوا أن يثيروا أزمة مذهبية ليقفوا بوجه المقاومة، وحاولوا أن يقولوا في لبنان وفي المنطقة يوجد أزمة مذهبية، وهناك هلال شيعي يواجه البدر السني، ماذا كانت النتيجة تبين أن المواجهة في المنطقة مواجهة سياسية وليست مذهبية، هل المواجهة في مصر مذهبية؟ وهل المواجهة بين قطر وتركيا من ناحية والسعودية ومصر من ناحية أخرى مذهبية؟ وهل المواجهة في داخل ليبيا مذهبية؟ وهل قطع الرؤوس في الموصل وتهجير السنة من داخل الموصل مذهبية؟ وهل مواجهة الأقليات وطرد المسيحيين من بلادهم والإيزيديين من مناطقهم مواجهة مذهبية؟ لا، هناك مشكلة سياسية حقيقية، وهناك سلطة يسعون إليها، وتحكم بالعالم يريدونه، ومنابع للنفط يبتغون وضع اليد عليها، هم يتصرفون تمامًا كما تتصرف أمريكا ولكن بشكل آخر، أمريكا تحاول السيطرة على المنطقة وهم يريدون السيطرة على المنطقة ولكل أساليبه في ذلك، المشكلة سياسية وليست مذهبية بأي حال من الأحوال.
وهنا أقدم نصيحة لجماعة 14 آذار: بالله عليكم اجلسوا مع بعضكم وقدموا رؤية سياسية وقولوا للناس ماذا تريدون؟ لأن الناس لا تعرف ما الذي تريدونه، وكفى أن تقولوا ما الذي يفعله الآخرون، فدائمًا يقولون: الفراغ من حزب الله، عدم الانتخابات من حزب الله...، قولوا أنتم ما الذي تفعلونه لمعالجة مشكلة البلد، والذي تقدمونه بشكل إيجابي، وها أنتم الآن تتصدون للتمديد فيما تتهمون الآخرين بذلك، وأنتم الذين عطَّلتم المجلس النيابي في فترات مختلفة بحجج مختلفة، أو على الأقل رسمتم طريق التعطيل في هذا البلد، أتمنى أن يدرسوا رؤيتهم السياسية جيدًا في اجترار الشعارات التي انتهت صلاحيتها، ولا تعتمدوا على إنجازات داعش التي تبين أنها لهم وليست لكم وعليكم قبل أن تكون عليهم.
نحن أمام فرصة فانتهزوها لنتفاهم ونتحاور، نحن نمد اليد وحاضرون لحوار فكري ونقاش بالمبادئ والمسائل المختلفة، ولكن لسنا حاضرين أن تستمروا في إعلاناتهم التحريضية.
لا توجد حلول في لبنان في المدى المنظور ويبدو أننا سننتظر طويلًا، بانتظار تطورات العراق وسوريا وفلسطين وتغير في السياسات الأمريكية والسعودية في المنطقة، وليس معلومًا كم ستطول فترة الانتظار، نعم النقطة الإيجابية الوحيدة أن الجميع على اختلاف مشاربهم يريدون الاستقرار في لبنان ما عدا التكفيريين، والنقطة السلبية أن هذا الانتظار يواكبه عدم انتظام في عمل المؤسسات وتعطيل لها وعدم معالجة قضايا الناس.فلنبحث عن طريقة لتقديم إنجازات معينة ونحن منفتحون على ذلك، بدليل أنا سهلنا تشكيل الحكومة ونسهل لكل منا من شأنه أن يحقق إنجازات، ولكن هذه الفرصة عند الطرف الآخر.
غزة اليوم بكل صراحة انتصرت على الرغم من عدم توقف إطلاق النار، وذلك أنها لم تخضع للشروط الإسرائيلية، والإسرائيليون يقتلون الأطفال والنساء ويهدمون البيوت ولا يقتلون المقاومين ولا يستطيعون الدخول إلى غزة، الإسرائيليون يدمرون ويعتدون بدعم عالمي ولكنهم ليسوا منتصرين في غزة ولن ينتصروا إن شاء الله تعالى. نعم إنما طال الأمر لأن العالم يريد أن يدفع الشعب الفلسطيني الأبي والمقاومة الفلسطينية المجاهدة ثمنًا لتأخذ إسرائيل بعض المكتسبات ولو كانت دموية، وفي النهاية خط المقاومة سينتصر إن شاء الله تعالى.