الموقف السياسي

العبرة ليست بعدد العمليات الجهادية وانما باستمرارية العمل الجهادي بالوتيرة الملائمة

(...)، اليوم العالم هو عالم تسلط على أساس القوة ولا يملك الضعفاء إلاَّ أن يواجهوا هذا التسلط بالاستشهاد والتضحيات والآلام، فكل ألم يتحقق بالشهادة أقل بكثير ممن الآلام التي تتحقق بسبب الاستسلام، وكل مرارة تتحقق بسبب التضحيات من أجل التحرير هي أقل بكثير من مرارات التسليم بالأمر الواقع للمنحرفين والمتسلطين على العالم.

17/1/2003
(...)، اليوم العالم هو عالم تسلط على أساس القوة ولا يملك الضعفاء إلاَّ أن يواجهوا هذا التسلط بالاستشهاد والتضحيات والآلام، فكل ألم يتحقق بالشهادة أقل بكثير ممن الآلام التي تتحقق بسبب الاستسلام، وكل مرارة تتحقق بسبب التضحيات من أجل التحرير هي أقل بكثير من مرارات التسليم بالأمر الواقع للمنحرفين والمتسلطين على العالم.

ها هي إسرائيل تستخدم كل خياراتها، ويواجه الفلسطينيون اليوم أعتى عدو في المنطقة، بل بكل صراحة الفلسطينيون المجاهدون من أبناء الانتفاضة يواجهون إسرائيل والعالم المستكبر والمنافقين فهؤلاء يواجهون كل العالم الذي يتفرج على مأساتهم من دون أن يحرك ساكناً لنصرتهم، لذا هم عظماء ومقدسون لأنهم تمكنوا من التحمل والتضحية والصمود خلال هذه الفترة من الزمن، ولم تستطع إسرائيل .‏‏

نحن نعتبر أن الانتفاضة هي الحل، وأن استمرارها مطلوب مهما كانت وتيرتها، فالوتيرة يحددها أهل الانتفاضة والمعنيون في الداخل، فالعبرة ليست بعدد العمليات الجهادية، وإنما العبرة باستمرار هذا العمل الجهادي بالوتيرة الملائم.‏‏

لاحظوا اليوم أن كل التحركات الدولية والإقليمية تسعى للحصول على أمر واحد وهو وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لماذا؟ لأن وقف إطلاق النار مشروع إسرائيلي يخدم إسرائيل، ويريحها من المقاومين ومن أعمال المقاومة الاستشهادية، بينما لا يتحدث هؤلاء عن حلٍ ينصف الفلسطينيين ويعيد لهم أرضهم ويحرر لهم ممتلكاتهم ويحافظ لهم على هوياتهم، هذا الحل لا يطرح في الكواليس ولا في المشاريع ولا في العلن، إنما يطرح وقف إطلاق النار، لأن إسرائيل تعبت كثيراً من المقاومة، وإسرائيل تعيش انهياراً حقيقياً متواصلاً لو استمر لفترة من الزمن فإننا سنجد التراكم الذي يؤدي إلى ترهل هذا الكيان الإسرائيلي، وإلى مشاكل وأزمات في داخله بين أطرافه، ويمكننا أن نتوقع أن تحصل عمليات بين الإسرائيليين أنفسهم، وأن تحصل تطورات كبيرة ليتهم الواحد منهم الآخر بسبب الفشل الذريع الذي أُصيب به حزب العمل كما أصيب به الليكود في إدارة الأزمة والمواجهة وقد أعادا إسرائيل إلى البداية، فإسرائيل اليوم تبحث عن وجودها وكيانها بينما كانت مطمئنة لفترة من الزمن بأنها انتهت من أراضي 48 وتريد أن تحتل قسماً من أراضي 67، وها هي المشكلة تعود اليوم إلى أصل أراضي 48 وإلى أصل وجود الاحتلال الإسرائيلي وهو مكسب كبير لمصلحة الفلسطينيين.‏‏

نحن نؤكد بأن الأزمة كبيرة ومعقدة ولا يمكننا أن ننتظر حلها بشهورأراضي أراضي ، يمكن ان تستمر سنوات ويمكن أن تستمر لعشرات السنين، وهذا أمر لا يمكن قياسه بحسابات مادية محدودة، يجب أن نؤمن بضرورة الجهاد والاستمرار والصبر والتحمل، فالمهم أن لا تتوقف شعلة الجهاد، والمهم أن لا نقبل بتسويات تؤدي إلى إبطال القوة الفلسطينية في مواجهة إسرائيل، وكل ما عدا ذلك يمكن ان يكون خطوات على الطريق من أجل أن نحافظ على أرضنا وكياننا ومن أجل أن نحررها من المحتل في أي بقعة من الأرض.‏‏

نحن اليوم بحاجة إلى المزيد من رص الصفوف ومن التعاون، ولكن لا بدَّ أن نعبر عن موقعنا وموقفنا في لبنان بشكل واضح فيما يتعلق بتطورات مناقشة الموازنة وما فيها، صحيح أننا مع القوى الفاعلة والخيرة والمؤثرة استطعنا أن نعدل في بنود الموازنة بما يخفف من وطأتها على الفقراء والمساكين، لكن لا زالت الأزمات مستفلحة ولا زالت المشاكل كبيرة ولا يوجد الحل الحقيقي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، كنا نتمنى أن نسمع من الحكومة حلاً شاملاً يُجزأ لسنوات ويكون مندرجاً في إطار برامج عمل واضحة المعالم تحدد الأهداف والنتائج التي يمكن الوصول إليها، لنتعرف من الحكومة على مشروعها وبرنامجها، لكننا ننجد في كل يوم فكرة مجتزأة عن الأفكار كلها لتنفذ بمعزل عن خطة متكاملة مما يؤدي إلى تورمات وانتفاخات اقتصادية واجتماعية لا تمت إلى الحل المتكامل بصلة.‏‏

نحن اليوم في إطار وضع صعب على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، لكن في آن معاً يجب أن نتذكر دائماً هذه الأولوية في الخطر الإسرائيلي الذي يجب أن نثبت أمامه، واعلموا أن إسرائيل ستكون ضعيفة عندما نكون أقوياء على المستوى المعنوي أولاً، ونثق بأننا صامدون وثابتون ونتعاون مع إخواننا وأشقائنا بما فيه خير القضية الفلسطينية ومستقبل تحرير الأرض بكاملها ومن عمل لا بدَّ أن يجد نتائج عمله ولو بعد حين.‏‏

*الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم، في الاحتفال التأبيني الذي أقيم في حسينية البرجاوي، بمناسبة ذكرى أسبوع والد الدكتور أحمد ملي، 17/1/2003م‏‏