(...)، يجب أن نلتفت أننا في لبنان نعاني في الواقع من المشكلة الصحية بشكل كبير، لأن الصحة في لبنان تحولت إلى مصالح ومنافع شخصية وذاتية، وارتفاع الفاتورة الصحية ليس مرده معالجة الناس وإنما مرده معالجة جيوب الجشعين الذي لا يقبلون بالقليل، سواء كانوا في مواقع المعالجة المباشرة للمريض لينفذوا من خلالها لملئ الجيوب، أو كانوا في المواقع الإدارية التي تسهل بعض الصفقات على قاعدة الوصول إلى مكاسب شخصية وذاتية، ولا يعقل أن يبقى لبنان في هذه الدوامة، وليس صحيحاً أن بعض الناس في داخل الضمان الاجتماعي والضمان الصحي يحق لهم أن يُعالجوا والبعض الآخر خارج هذه الدائرة، ثم تأتي المعالجات المبتورة من خلال مساعدات وزارة الصحة، فبدل هذه المساعدات لتكن البطاقة الصحية بطاقة عامة لجميع المواطنين وفق ضوابط معينة، ولتكن هناك رسوم على هذه البطاقة تنسجم مع توزع هذه الفئات المختلفة حتى لا تكون بعض المداخل المساعدة من أجل تحصيل أموال غير ملائمة لأصحابها وتكون من حساب خزينة الشعب وإمكانات المواطن، إذ من حق المواطن على الدولة أن تحميه وتعالجه كما تأخذ منه الضرائب وكما يقوم بواجباته المختلفة تجاه هذه الدولة.
نحن ندعو إلى بطاقة صحية عامة لجميع المواطنين بالضوابط الملائمة، وإذا كان هناك مشكلة في الفاتورة الصحية فليبحثوا عن هذه المشكلة في الإدارة السيئة التي تنخر في المجتمع اللبناني، فالمشكلة ليس في المريض لأنه يطلب المعالجة ثم يخرج ولا يعلم كيف تخرج الفاتورة وإلى أين تصل؟ ومن الذي يقبض؟ وماذا يقبض؟، وإذاً المشكلة في الإدارة وليست في المريض الذي يحتاج إلى الطبابة.
لذا نحن ندعو إلى إعادة النظر بالإصلاح الإداري في الموضوعات المختلفة الصحية والاجتماعية والتعاونيات وفي المسألة الزراعية وفي كل الموضوعات، فالإصلاح الإداري معدوم في لبنان تقريباً، ونحن نعلم أن دراسات الإصلاح الإداري موجودة في الجوارير، وأن دراسات الجودة يُدفع عليها المبالغ الطائلة ثم تنحى جانباً، فهي دراسات تنفيع من يكتب الجودة وليست دراسات تحضيرية من أجل الجودة الفعلية.
بكل وضوح أي حكومة في لبنان لا يمكن أن تكون ناجحة إذا لم تكن ناجحة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، مهما قامت من أعمال ومهما فعلت من محاولات، لأن المسألة الاقتصادية الاجتماعية هي الأساس، فعندما نرى جيش العاطلين عن العمل يزداد تباعاً في لبنان فهذا يعني الفشل، وعندما نرى حلولاً تخفف من جيش العاطلين عن العمل وتؤمن فرص العمل للمتخرجين الجدد أو للذين بلغت أعمارهم مستوى الدخول في سوق العمل، فعندها يمكن أن نتحدث عن النجاح، نتمنى لو تقدم الحكومة إحصاءً واضحا بعدد العاطلين عن العمل في سنوات سابقة، وعدد العاطلين عن العمل اليوم، وتقول ما هو مشروعها للموازنة للسنة القادمة، وكم فرصة عمل ستهيئها للناس حتى نقول نجحت أو فشلت، وإلاَّ إذا لم تكن هناك معالجات لهذه الأمور وفق قواعد سليمة فهذا أمرٌ لن يؤتي ثماره، ولن نصل إلى النتيجة المطلوبة.
وبصراحة نحن بحاجة إلى تخفيف هذه الأزمة الموجودة في لبنان، لأننا لم نعد نعرف من هي المعارضة ومن هي الموالاة، ولم نعد نعرف إذا كانت الحكومة داخل الحكومة أو خارج الحكومة، ولم نعد نعلم من هو مع العمال ومن هو مع السلطة، فعلى المعنيين في النقابات والأساتذة وفي المواقع المختلفة أن ترى حلاً لهذه المشكلة في أن تكون المطالب النقابية والعمالية والطلابية ومطالب الأساتذة مطالب مطلبية بكل ما للكلمة من معنى، لأن المطالب عندما تصبح سياسية تتقاسمه بعض الأركان في السلطة، فهذا يعني بأن المطالب ستذهب هباءً منثورا، وأن المعالجات لن تكون جدية وفاعلة.
هذه الأمور برسم المعنيين، سواء أكانوا في السلطة أو خارجها من أجل حركة نقابية فاعلة، ومن أجل حكومة تستطيع أن تقوم بواجباتها على أكمل وجه، وإلاَّ إذا كانت الأمور تُدار كما يُدار الوضع الآن من خلال التسويات والمحاصصات والاعتبارات السياسية المختلفة، تارة تحت عنوان طائفي وأخرى تحت عنوان مواقع النفوذ، فهذا يعني أن لبنان سيسير خطوات سريعة إلى الوراء ولن نتقدم إلى الأمام، وسيبقى التقدم وهماً ما لم تصلح الإدارة، وما لم نعيد النظر بطريقة الأداء بشكل عام.
*الكلمة التي ألقاها سماحة نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، في المؤتمر السنوي لمستشفى الرسول الأعظم(ص) في قاعة المستشفى