الكلمة التي ألقاها في حفل الإفطار الذي أقامه حزب الله لمناسبة يوم القدس للفعاليات البيروتية والفلسطينية، حيث كان حشدٌ من المخيمات الفلسطينية في الضاحية الجنوبية وشاتيلا ومار الياس، إضافة لحشد من فعاليات الجبل من المشايخ العرب ووفود من إقليم الخروب.
نحن نرفض الفتنة وندعو إلى تجنبها، ونواجهها بكل أشكال المواجهة، ولكننا نسمع من الأطراف الأخرى بأنهم لا يريدون الفتنة، ولكن كما تعلمون أن لكل شيء إجراءاته وللفتنة إجراءاتها ولمنعها إجراءات أيضاً، أما إجراءات الفتنة فثلاثة: أولاً التحريض المذهبي واليومي، الذي يثير النعرات وينطلق من الأكاذيب والتهم والادعاءات. ثانياً مذهبة المواقف بحيث يُحال كل موقف خلافي إلى العنوان المذهبي، في الوقت الذي لا يكون فيه للمذهب إي علاقة لا من قريب أو بعيد. ثالثاً انقطاع الحوار بين الاطراف المختلفة، مما يسهل التباعد، والتباعد مسرح للتراشق وتبادل الاتهامات. أما إجراءات منع الفتنة والاستقرار السياسي والأمني فهي الاجراءات المضادة لإجراءات الفتنة، وهذا ما ندعو إليه: أولاً الاقلاع عن التحريض والشتم والكذب والتدليس والخطب الحماسية التي تُلهب مشاعر الناس في غير محلها وتوجِّه الانظار نحو الخلاف المذهبي في الموقع السياسي، ثانياً ضرورة قبول الاختلاف السياسي والحق في التعبير من أي فريق أتى من دون أن نُعطي هذا الخلاف اللبوس المذهبي البعيد تماماً عن أسباب الخلافات والصراعات الموجودة في لبنان والمنطقة، ثالثاً البحث عن خيارات التحاور، أكانت خيارات ثنائية أو جماعية، من أجل أن نفتح كوة تمنع التباعد، ومن دون شروط مسبقة، فنحن أبناء بلد واحد ولا بد أن نعيش معاً، ولا يستطيع أحد أن يُلغي أحداً، وبالتالي طالما أننا سنكون معاً على هذه الأرض الواحدة، فمن الأفضل أن نفتِّش عن الحلول العملية من أجل أن نعيش هانئين.
قدَّم حزب الله مساهمتين عظيمتين لمصلحة البلد، وتسجَّلان له في التاريخ والحاضر والمستقبل. الأولى هي التحرير والانتصار الذي أخرج إسرائيل من لبنان من دون قيد أو شرط، وواجه معركة إسرائيلية قاسية في عدوان 2006، وهُزمت إسرائيل واستطاع لبنان معتزاً بقوته للمرة الأولى، وأصبحت المعادلة في لبنان: قوة لبنان بمقاومته وجيشه وشعبه، بدل أن تكون قوة لبنان بضعفه والاتكال على الآخرين، وهذا ببركة الانتصار والتحرير الذي أنجزه حزب الله كرأس حربة فيه مع كل المخلصين من الشرفاء من المقاومين والشعب وأبناء الجيش الباسل. المساهمة الثانية هي دعم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي بمواقفه التي تجنَّبت الوقوع في الأوحال الداخلية، والهروب من جرِّه إلى فتن مختلفة، ومساهماته المتواصلة في بناء الدولة وحملة الإعمار وبلسمة الجراح والجلوس على طاولة الحوار، وتقديم كل الأفكار التي من شأنها أن تعمِّر وتريح البلد، ففي الوقت الذي كان يجرُّنا البعض إلى الفتنة كنا نهرب منها ونمنعها، وفي الوقت الذي كان يحاول البعض أن يجرَّنا إلى التلاسن والشتائم والمذهبة والشارع، كنا نحاول أن نصوغ خطاباً ومواقف فيها الكثير من التضحية من أجل المحافظة على استقرار لبنان.
هنا نؤكد أن لبنان بحاجة لمقاومته من أجل حماية أرضه ومستقبل أجياله، ونحن مستعدون لمناقشة مقاربتنا ومقاربات الآخرين على طاولة الحوار فيما يتعلق بالمقاومة وكيفية الاستفادة منها، وإمكاناتها ودورها وواقعها مع الجيش اللبناني في إطار الثلاثي الموجود: الجيش والشعب والمقاومة، لنصل إلى أفضل النتائج لاستثمار المقاومة التي يحتاجها لبنان، لكن أن يأتي البعض ويقول أنه لا يريد المقاومة لأنها لا تعجبه، فهذا أمر لا يحصل لا بموقف ولا يشبطة قلم، نحن نقدم الأدلة حول سبب وضرورة استمرار المقاومة، فليناقشنا الآخرون بأدلتهم. هذه المقاومة لم تُلزم أحداً بخياراتها ولا تقبل أن يُلزمها أحد بخياراته، وهي تحملت كل الأعباء المترتبة على المقاومة، من الجرح إلى الشهادة إلى الثكل إلى إعادة الإعمار، إلى كل المواقف السياسية والدعم والخطوات التي تؤدي إلى أن تبقى المقاومة واقفة. أما الدولة اللبنانية فهي مسؤولة عن سياساتها وعن قراراتها، فهي تعمل وتدير شؤونها بحسب القوانين والأنظمة، وإذا رأينا أن الدولة تعيش حالة من الإعاقة اليوم، فذلك بسبب الأطراف التي تُسيء إلى الدولة وتُعيق عجلة المؤسسات فيها، ولا علاقة للمقاومة بهذا الأمر لا من قريب ولا من بعيد، صلاحيات الدولة بيد الدولة، القضاء والأمن والجيش والمؤسسات الرسمية، كل هذه بيد الدولة، لماذا إذاً تتعثَّر ولا تقدِّم الانجازات، السبب هو وجود من يحمي الجناة والخارجين عن القانون، ووجود من يركِّز على البؤر الأمنية التي تعمل لتكون عاصية على الناس، ووجود أولئك الذين يُعيقون عمل الأجهزة الأمنية والجيش اللبناني، وهنا كلكم يعلم أن الخلل في إجراء التعيينات في الحكومة السابقة سببه الأركان المختلفة التي لم تتفق، والمحاصصة التي تمنع عجلة الدولة، وتعطيل المؤسسات الذي ترونه أمامكم من خلال من يدَّعون أنهم يعملون للمؤسسات، وحجم الدين الكبير الذي تراكم على البلد. نحن نؤمن أن الإصلاح يبدأ من حماية دور الدولة عملياً، وإطلاق عجلتها عملياً إلى الأمام، ونحن حاضرون لذلك وقد عملنا لذلك مراراً وتكراراً ولكن هناك من يعيقها.
السلاح وسيلة، وهو عنوان للخير والشر، ويمكن أن يكون لمصلحة الدولة وضد مصلحة الدولة، المهم كيف يُستخدم هذا السلاح وما هي أهدافه. سلاح المقاومة لخير لبنان، وقد ثبت ذلك عملياً، وما زال هذا العنوان هو خير محضٌ للبنان لأنه يمنع إسرائيل من أي عدوان ويجعلها تحسب ألف حساب لذلك، لأن في لبنان مقاومة جاهزة لحماية بلدها لا تنام على ضيم. أما سلاح الزواريب فهو لشر لبنان، ومعروف من هم قادة سلاح الزواريب، ومعروف من هم الذين يدربون ويموِّلون ويسلحون ويفتحون الموانئ ويسهِّلون التنقلات بين لبنان وجواره. أما أن يأتي البعض ليقول أن سلاح الزواريب بوجه سلاح المقاومة، نقول له: لا، لست موفقاً بهذه المقاربة، وبعيدة على أولئك الذين يقارنون سلاح المقاومة بسلاح الزواريب ليهزموا سلاح المقاومة، فسلاح المقاومة أرفع وأعلى وأشرف ولن يكون في الزواريب، وستختنق الزواريب بسلاحها ومؤيديها وستبقى المقاومة شامخة بإذن الله تعالى.
نحن نريد تشكيل حكومة في لبنان وحريصون على ذلك، نريد حكومة تنهض بالبلد ولا تقف عاجزة حتى عن إدارة الأزمات، نريد حكومة تتكاتف فيها الأيدي فلا يتنصَّل أحد من مسؤولية إخفاقاتها، ولذلك دعَونا إلى حكومة وحدة وطنية، واجتمعنا مع كل الأطراف في لبنان لتسمية رئيس الحكومة المكلف السيد تمام سلام، لنؤلف حكومة وحدة وطنية. أما أن نخترع عناوين ونبحث عن حلول خارج دائرة حكومة الوحدة الوطنية، فهذا تضييع للوقت وتخريب للبنان، لأنه لا يوجد في لبنان شخص غير مسيَّس، ولماذا يخافون من أعداد التمثيل داخل الحكومة، يقولون بأنهم يخافون أن يختلف الفرقاء داخل الحكومة، ليختلفوا داخل الحكومة ثم يتفقون أفضل من أن يختلفوا خارجها بلا اتفاق ولا يكون لديهم حكومة، ومن قال بأنه لا يوجد قواسم مشتركة يمكن أن نجدها في داخل الحكومة، هناك قواسم مشتركة كثيرة، كل التجارب السابقة التي فشلت فيها الحكومات كانت بسبب عدم العمل على طريقة الوحدة الوطنية، بسبب التفرد حتى عندما سُمِّيت حكومة وحدة وطنية، إذاً عندما نتَّفق نستطيع أن نصل إلى نتيجة. الكل في لبنان يُدار بالخلفية السياسية ومنطلقها خدمة الناس، ولذا نحن ندعو إلى حكومة وحدة وطنية، ومع عدم السير في هذه الطريق، فهذا يعني أنهم يخافون من الرأي الآخر، ولكن من حقنا أن نقول بأن لبنان ليس مزرعة لأحد وهو لنا جميعاً وبالتالي يجب أن تكون هناك حكومة وحدة وطنية، وبغير هذه الطريقة لن يستطيع البلد أن يقوم بأعباء الأزمات المختلفة الموجودة فيه. أدعو المسؤولين ليمتلكوا الجرأة الكافية ليشكلوا حكومة الوحدة الوطنية وهي الحل.