ومما جاء فيها:
يواجه لبنان تحديين كبيرين: خارجي وداخلي، أما التحدي الخارجي، فهو يتمثل بالمنظومة الأمريكية الإسرائيلية، والتي تتجسد أخطارها من خلال أمور ثلاثة: فرض الوصاية على لبنان، تعميم الاحتلال، ورسم خطوات التوطين في وطننا، وهذه الأخطار هي الدافع لكل الأعمال والسياسات والمؤامرات والضغوطات التي مورست على لبنان خلال عشرات السنين السابقة ولا زالت حتى الآن. لاحظوا كيف وضعوا أيديهم على لبنان لفترة طويلة من الزمن، لأن لبنان ساحة تحمل قابلية التأثير على محيطها وعلى منطقة الشرق الأوسط، فمورست الوصاية على لبنان بأشكال مختلفة، وللأسف ساعد اللبنانيون بحركاتهم السياسية وطوائفهم ومذاهبهم لاستدراج العروض من كل حدب وصوب. أما الاحتلال فقد رأيناه من خلال الأداء الاسرائيلي المتنوع، تارة من خلال الاحتلال الجزئي وأخرى من خلال الاعتداءات المتكررة وكذلك من خلال الاجتياح الشامل وأيضاً من خلال الحروب المتنقلة وآخرها ما حصل في تموز عام 2006، إذاً إسرائيل تحاول دائماً أن تحتل لبنان أو أجزاءاً من لبنان، لتستثمر لبنان في مشروعها، وتحاول أن تغري بعض من في لبنان ليكونوا أدوات لها بمسميات وطنية ولكن بواقع العمالة والانجراف وراء رغبات اسرائيل، إما مباشرة أو بشكل غير مباشر، هذا الاحتلال هو خطر خارجي جاثم يهدد لبنان، وهو مستمر طالما أن اسرائيل موجودة على الحدود، وهي تعبِّر دائماً عن رغبتها بالسيطرة والاحتلال. أما التوطين، حيث يحاول البعض أن يطمئننا من خلال بعض الخطب الرنانة أو الوعود في الكواليس أنه لماذا تخافون من التوطين؟! إسرائيل تريد أن توطن الفلسطينيين في لبنان لأنها ترفض حق العودة لهم، ولأنها لا تريد عدداً فلسطينياً ينافس عدد الإسرائيليين في الداخل الفلسطيني، ولذلك فإن التوطين خطر حقيقي.
أما التحدي الداخلي فيتمثل بالحسابات الطائفية ومحاولات الاستئثار، وهذا التحدي له علاقة بتركيبة لبنان وطبيعة التوزيع الطائفي والقوى السياسية الموجودة فيه والتاريخ الذي أسس واقعاً معيَّناً. نحن كحزب الله أعلنا بوضوح أننا نقبل بالطائف والميثاق الوطني ونحتكم للدستور، وندعو جميع اللبنانيين إلى الاحتكام إلى قواعده في تنظيم العلاقات الداخلية وتوزيع السلطات ومحاسبة المرتكبين والقايم بأعمال الحكومة وكل الأنشطة والمؤسسات المختلفة في إطار القوانين المرعية الإجراء. أتحدى أن يأتوا لنا بدليل واحد قمنا فيه بمخالفة عمل المؤسسات أو بمواجهة خطوات دستورية بطريقة أو بأخرى تخالف ما تسالمت عليه القوانين والإجراءات المعروفة، لكن طبعاً هم دائماً يحاولون اتهامنا بالكلام والشتائم، أما الدليل فليس هناك أدلة لديهم. نحن قلنا بأننا منفتحون على كل حوار، ولو أدى هذا الحوار إلى نقاش مسلِّمات موجودة في الدستور، وليمتلكوا الجرأة إذا أرادوا أن يطرحوا بعض النقاط للنقاش، لماذا هناك حرمة على نقاش بعض بنود الدستور؟ أحياناً تمر أشهر وتكون القاعدة أنه يحرم مسُّ الطائف، وبعد عدة أشهر تأتي قاعدة أخرى أنه نريد إجراء تعديلات ونريد أن نناقش، هل أنتم من يقرر متى يكون نقاش ومتى يكون غير مسموح، النقاش مسموح في كل ساعة، وطبعاً له آلياته. نحن لا نقبل القمع الفكري والسياسي في ترتيب البيت اللبناني، وقد أعلنا مراراً وتكراراً بأننا مع المناصفة، وقال غيرنا بالمناصفة أضعافاً مضاعفة عما قلناه إلى درجة أنهم تفوقوا علينا بالحديث عن المناصفة بمراحل، لكن كنا نقول بالمناصفة ونعمل لها ونقدم مقترحات تنسجم معها، وكانوا يعلنون المناصفة، ومن فلتات ألسنة بعض أفرادهم كانت تخرج التعابير المتململة من المناصفة بحجة العدد في لبنان والمنطقة، الناس تسمع والناس ترى. المناصفة ليست أغنية بل سلوك، المناسفة ليست خطبة رنانة بل مشاريع، وهي ليست عبارة عن كلمات ودية مع الطائفة الأخرى بل اتفاقات تُترجم على المستوى العملي في القوانين والمراسيم والإجراءات التطبيقية. نحن طمأنا المسيحيين بما لا يقبل الشك، وكانوا دائماً يعتبرون أننا نحن الذين نخيفهم، فتبيَّن أننا نمطئنهم أكثر من أي فريق في داخل البلد لأننا صادقون فيما نقول، ولأننا لا نقول شيئاً ونخفي شيئاً آخر. نحن أعلنا ونعلن بأننا لا نمثل الطائفة القائدة في لبنان ولا نمثل المذهب القائد في لبنان، ولا نقبل أن تكون هناك طائفة قائدة أو مذهب قائد في لبنان، لبنان للجميع، ونتساوى بحسب القانون، ولنا حقوق وواجبات متعادلة ومتكافئة. إذا رأيتم قوة حزب الله في الساحة، فقوته السياسية ناشئة من تأييده الشعبي، قوة حزب الله من أطروحته السياسية والقناعات التي يطرحها، نحن مثَّلنا الناس في المجلس النيابي من خلال صناديق الاقتراع، وقبلنا نتائج هذه الصناديق عندما ربحنا كما قبلنا نتائجنا عندما خسرنا لأننا نعتبر أن هذه البوابة هي البوابة الصحيحة للتمثيل الشعبي، وليختر الناس ما يريدون وهم يتحملون مسؤولية خياراتهم، ولا يستطيع أحد أن يقرِن هذا الحضور السياسي في الداخل لا بالمقاومة ولا بسلاحها ولا بعناوين أخرى، لأننا قررنا طائعين أن نُبقي المقاومة في مسار وأن تكون الخطوات السياسية في مسار آخر. قالوا لنا كثيراً: لو كنتم تتصرفون كما تصرف غيركم في العالم لبرحتم في السياسة، قلنا: وكيف تصرفوا في العالم، قالوا: أي مقاومة نجحت كانت هي التي تستلم الحكم وتصفي أخصامها، وتُلزم الآخرين تحت عنوان المحاكم الثورية، فلم نقبل، ومن اللحظة الأولى التي حصل فيها التحرير في العام 2000 رفضنا أن نعتقل عميلاً أو عائلة عميل في المنطقة الحدودية، ووقفنا بوجه بعض إخواننا الذين كانوا منفعلين ومتأثرين بما فعله العملاء كي لا يُسجل علينا أننا من موقع القوة حصلنا على نتيجة أو ربعنا موقعاً أو عدَّلنا معادلة، واسمحوا لي أن أقول لكم: لا يوجد مقاومة في الدنيا فعلت ما فعلناه، فلا يوجد مقاومة في الدنيا بذلت وأعطت وقدمت وفي لحظة الانتصار لم تستثمر في السياسة، وهذه مفخرة نعتز بها ولسنا نادمين عليها، لأننا في نهاية المطاف أصحاب مشروع يريد أن يطرح رؤية سياسية ومقاومة، من موقع فهم إيماني أصيل لا يشابه الآخرين ولا يقلدهم، وإنما يطرح مشروع نهضوي يساعد على نقل الناس من حالة الإحباط والفوضى إلى حالة الاستقامة والعمل الصالح.
بكل براعة فصل حزب الله وبقناعة بين مواجهة التحدي الخارجي عن طريق المقاومة ومواجهة التحدي الداخلي عن طريق التمثيل الشعبي، لم نستخدم موقعنا المقاوم لتحسين تمثيلنا الشعبي، ولم نستغل إمكاناتنا وقدراتنا المقاومة لإيجاد غلبة في الداخل السياسي، وهذا مكشوف أمام الجميع. طبعاً لن يصدق البعض أن حزباً متديناً صادقا مخلصاً يكون له هذا الشرف في الريادة في بلد تسود فيه الاحتيالات والمواربة والعمالة، لقد هالهم ذلك، لكن نحن نريد أن نثبت معادلة أن الصدق هو الذي يصنع المستقبل والدماء هي التي تصنع الأوطان، والعمل السياسي الشريف هو الذي ينهض بالبلد، خلافاً لكل الأطروحات الأخرى التي يضحون بها على الناس ويبتزونهم من خلالها.
دور السلاح بأنه جزء من المقاومة، والمقاومة بنشأتها واستمراريتها مقاومة دفاعية في مواجهة العدو الاسرائيلي، نحن ندافع عن أنفسنا وعن بلدنا، نحن من يجب أن نسأل الآخرين لماذا لا يدافعون، وأين تضحياتكم في حماية الحدود وطرد المحتل. راجعوا حساباتكم وانظروا كيف تعملون.
نحن مستمرون بمواجهة التحدي الخارجي والتحدي الداخلي اللذين يواجههما لبنان بهذه المنهجية الصادقة والمضحية، والمستقبل هو الذي يبيِّن والآتي أفضل إن شاء الله تعالى.
يريد البعض أن يحسِّن موقعه الداخلي بالاستقواء الخارجي، ظنًّا منه أن العلاقات مع الدول الكبرى والدعم الذي يأتي منها سيؤدي إلى تغليب قوى سياسية على قوى سياسية أخرى، هذا وهم، فقد ولى الزمن الذي تؤثر فيه القوى الخارجية في تغيير المعادلة الموجودة في لبنان، فحصة كل جهة سياسية هو مقدار تمثيلها الشعبي في البلد، بل البعض لن يستطيع استثمار هذا التمثيل الشعبي عندما يُخطئ في كيفية توجيهه والتعاطي معه. ومن أجل أن يحسِّن البعض موقعهم السياسي قاموا بعدة أمور: انخرطوا في الأزمات الإقليمية طنًّا منهم أنهم بذلك يحققون أرباحاً، ولكن هذه الأزمات كلها خسائر عليهم، وراهنوا أن الأزمة في سوريا ستؤدي إلى تغيير المعادلة في سوريا مما ينعكس على لبنان، فتبيَّن أن الأزمة السورية طويلة وأنهم لم يجنوا إلا الخيبة من الموقف من هذه الأزمة، كفاكم انخراط في هذه الأزمات فأنتم أصغر منها، وهل تعتقدون أنكم قادرون على مواجهة هذه الرياح الدولية الكبرى التي تأكل الأخضر واليابس، اهتموا بوطنكم ومواطنيكم ومشروعكم الداخلي، حاولوا أن تنجحوا بدون الاتكاء على التطورات الخارجية، واعلموا أن المعادلة السياسية في لبنان هو أمر محليٌّ بامتياز أولاً، وإذا كان البعض يظن أنه يستقوي بالخارج ليعدِّل موقعه السياسي فهو مخطئ. جرت محاولات كثيرة لإسقاط المقاومة وتعطيها وإفشالها، لكن هذه المحاولات فشلت، وأقول لهم: إذا كان العدو الأصلي قد فشل في مواجهة المقاومة فهل سيتمكن بعض اللاهثين وراء بعض المنافع من عدو أن يحققوا ما عجز عن تحقيقه. هذه المقاومة وقفت لتبقى واقفة، ونجحت لتبقى ناجحة، وستستمر في مواجهة كل التحديات مهما صعُبت أو كبُرت، وسنبقى في الميدان بكل قوتنا وطاقتنا، وواثقون أننا منتصرون في كل مواجهة مع العدو الإسرائيلي إن شاء الله تعالى.