1. بعد الانتصار الكبير الذي أنجزه لبنان في مواجهة المخطط الاسرائيلي الأمريكي العدواني من خلال الاعتداء الصهيوني الهمجي ، أصبح لبنان أمام مرحلة جديدة ، تحمل في طياتها الكثير من المستقبل الايجابي اذا احسن اللبنانيون استغلالها بوحدتهم وتضامنهم وحسن ادارة شؤونهم واستقلالهم. لأن الانتصار الذي حققته المقاومة وشعبها قد منع السيطرة على لبنان بتعطيل اندفاعة الشرق الأوسط الجديد ، ووضع لبنان في دائرة تنفيذ التوطين ، واستخدامه معبراً لسياسات الوصاية الأمريكية لتصفية حساباتها مع دول المنطقة.
2. لا يمكن أن يستثمر لبنان هذه النتائج بالعقلية القديمة التي تصطف حول الطائفية والمذهبية ، ولا يمكن الاستئثار والغاء الآخر ، ولا بتسهيل الوصاية الأمريكية التي تريد ابتلاع لبنان ، ولا بتوجيه الأنظار نحو تصفية الحسابات الخاصة على حساب التعايش والوحدة الوطنية ، اننا بحاجة الى التفاهم من موقع احترام آراء بعضنا بعضاً ، ونقاش قضايانا بروح منفتحة تأخذ بعين الاعتبار مصلحة لبنان المستقبل لنبنيه معاً ، والاسراع في معالجة التوتر السياسي وازمة الثقة المستحكمة بآليات عملية تنقل الاستعراضات السياسية في الكلام عن الوحدة والتعاون إلى التطبيق الفعلي الذي ينعكس ايجاباً على واقع البلد .
3. إن التصريحات التي تحمل شكلاً إيجابياً ، مسبوقاً أو ملحوقاً باتهامات واساءات وتعنُّت لا تؤدي إلى أي نتيجة بل تزيد الأمر سوءاً ، فلا تكفي كلمات الحوار والوحدة والتعاون بل لا بدَّ من ترجمتها سياسياً من خلال الموقف وإدارة شؤون البلاد ، ولا بدَّ أن يقترب الأطراف من بعضهم في أي حلٍ يناقشونه ، ليجدوا القواسم المشتركة ، التي لا تعطي كل طرف كامل ما يريده ، ولكن توصل إلى الحد المعقول من التغيير والتخلص من الجمود.
لقد سمعنا تصريحات رايس حول خطة عمل امريكا في لبنان ، ثم أكدها سفيرها في لبنان ، وكلاهما يريد بقاء كل شيئ على ما هو عليه يريدون بقاء الحكومة ويكيلون لوجودها المدائح! ويريدون للحكومة ان تدخل في مأزق مع المقاومة ، وان يحصل خلاف شيعي شيعي ، وأن يكون للفتنة دور تحت عنوان مواجهة الاعتدال للتطرف، وأن يصفُّوا حساباتهم مع بعض دول المنطقة عبر التزام لبنان بمشروعهم . وهذا يعني ان الانسياق وراء هذه المطالب الامريكية المعلنة هو نحر للبنان، وضرب لاستقلاله ووحدته الوطنية ، وعندما تتناغم بعض القوى مع هذه الطروحات مجتمعة أو مع جزء منها ، تكون بذلك مجرد أدوات للمشروع الأمريكي مهما استخدمت عبارات القناعة الذاتية والتعاون مع أمريكا ، فأمريكا وحش يأكل من معه ومن حوله ، ولا قدرة لأحد في لبنان أن يكون في موقع التعاون إن لم يُرسم حدود الاستقلال بجدية في اطار وحدة اللبنانيين .
طالبنا بحكومة وحدة وطنية لمواكبة المرحلة الجديدة ، ولبناء المستقبل بأيدي جميع أبنائه ، ولتكون الحكومة محلاً للحوار وتطبيق مندرجاته ، وإذا ببعض القوى ترفض الوحدة بأنها خطر على لبنان وترفض التغيير بأنه يخرب البلد! عجيب أمرهم، هل أصبحت الوحدة مشكلة والتفرقة حلاً ؟ وهل أصبح التمثيل الشعبي الحقيقي عقبة أمام مستقبل لبنان ؟ وهل إنصاف الآخرين ليكونوا شركاء ومسؤولين أزمة لأنه لا ينسجم مع ما تريده أمريكا ؟ فلنناقش بكل هدوء وموضوعية ، وما هي ملاحظاتكم على حكومة الوحدة الوطنية ؟ تعتبرون أنها تُحدث فراغاً في الحكم ! وانتم تعلمون أنه يمكن الاتفاق على شكل وتفاصيل الحكومة قبل استقالة الحالية فلا يحصل أي فراغ ، بل تكون حكومة قوية لأنها تجمع القوى المختلفة في لبنان ، وهذا ما يعزز قدرتنا على مواجهة الاستحقاقات المختلفة. ينزعج البعض من الثلث المعطل ! وماذا يعني الثلث المعطل ؟ يعني أن القرارات المصيرية لا تتفرد فيها جهة دون أخرى ، وتحتاج إلى نوع من التوافق الوطني أو على أقل تقدير تحصيل ثلثي القوى الفاعلة في البلد ، وهذه ضمانة لمصلحة لبنان. ومن يعطي الحق لفريق ان يستفرد على حساب الأفرقاء الآخرين بمستقبل لبنان؟ ومن يعطي شهادة للبعض بأنهم أحرص من غيرهم على بلدهم ليديروه كما يشاؤون بإلغاء الآخرين ؟
ثم إذا لجأنا إلى معادلة التمثيل العددي من دون الحديث عن الوضع الوهمي في هذا التمثيل ، فإن عدد نواب الأغلبية النيابية 71 من 128 نائباً أي 55 % ، فهم أغلبية نيابية بكل تحالفاتهم ، وليسوا أغلبية الثلثين ، فإذا عكسنا هذا الأمر على الحكومة ، من الطبيعي أن تكون الأغلبية النيابية أغلبية حكومية ، وبذلك تتمثل كل القوى النيابية والسياسية ، فضلاً عن النقاش حول التباس هذه الأغلبية بلحاظ التحالفات الإنتخابية التي أتت بها ، حيث الأغلبية الشعبية في مكان آخر . علماً ان اختيار الممثلين الحقيقيين للقوى الفاعلة يرفع الغبن الذي تشعر به هذه القوى أو طوائفها وخاصة على المستوى المسيحي ، فلا يكفي وضع من يحمل صفة الطائفة بل من يمثلها.
أما المحكمة الدولية ، فما هو تأثير حكومة الوحدة الوطنية عليها ؟ ولماذا هذا الربط غير الواقعي بها؟ إذ لا علاقة للتعديل الحكومي بإجراءات المحكمة الدولية ، فالأطر الدستورية الحكومية والنيابية لها مساراتها في أي قانون يصدر ، ولا نجد أي معنى لهذا الربط ، سوى استثارة المشاعر من خلال هذه القضية الحساسة التي تتعلق بإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي يريد الجميع أن يصلوا فيها إلى النتيجة النهائية بكشف الفاعلين ، إذاً ما الداعي لاظهار أن الوحدة الوطنية تتعارض مع كشف قتلة الرئيس الحريري ، إنهما أمران مختلفان تماماً ، ولم أجد ايضاحاً حتى الآن يربط قانونياً وعملياً بينهما، كل ما في الأمر استخدامه فزاعة لمنع التغيير الحكومي .
ندعو شركاءنا في الوطن أن يستفيدوا من هذه الفرصة لمصلحة لبنان ، وأن لا يكونوا أدوات لأمريكا في مشروعها الشرق أوسطي ، وأن لا يعيقوا استقلال لبنان وانتصاره ووحدته ، وان لا يضيعوا لبنان في المحور الاقليمي الدولي ، ندعوهم إلى وقفة ضمير لنشبك أيدينا معاً لننهض بلبنان السيد المستقل القوي بوحدة أبنائه.