الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في مراسم التعازي بالمدير السابق لثانوية المصطفى (ص) ـ حارة حريك ، المرحوم الحاج مهدي ناصر الدين في قاعة الابرار في ثانوية المصطفى في حارة حريك ، ومما جاء فيها :
الحمد لله الذي أكرمنا بالنصر الالهي ، ونصر على أنه من الله تعالى منحة لعباده المؤمنين ، وإذ رفضه البعض إلهيا لأنه لم يعتد على هذا العطاء الكبير والنظيف الذي ينطلق من القلب والاستقلال والحرية والنزاهة ، فهذه العناوين هي التي ترتبط بالاله العزيز القدير ، وبالتالي فالنصر الالهي نصر لمن أراده وأحبه وللمؤمنين الشرفاء ، وكما قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " ، وعليه فإن الله تعالى قد أنعم علينا هذه النعمة الكبيرة بنصر مؤزر في مواجهة أعتى قوة عدوة في المنطقة ، وهذا له تداعياته بشكل واضح في إسقاط المشروع الامريكي ، وفي إعاقة المشروع الاسرائيلي ، وفي إعطاء حيثية كبيرة لمسيرتنا ولانطلاقتنا نحو الحرية والمقاومة والاستقلال والكرامة والعزة التي نريدها ونبنيها في حياتنا .
من المفروض أن تجري مراجعة لما بعد هذا العدوان ، فهو عدوان كبير جدا ، وعلى جميع المعنيين من المسؤولين والسياسيين أن يراجعوا حساباتهم، لا أن يعملوا بلغة ما قبل العدوان وكأن شيئاً لم يحدث ، ولا أن يستفيدوا من نتائج العدوان استفادات خاطئة سرعان ما تنكشف وتتضح . من هنا ، عندما دعونا إلى حكومة وحدة وطنية لم نكن ندخل في بازار المنافسة مع دعوات أخرى ، وإنما أردنا للبنان بعد هذا الانتصار الكبير وبعد هذه الظروف المستجدة ، وبعدما خاضت هذه الحكومة الحالية تجربتها لأكثر من سنة من دون أن تحقق إنجازات فعلية أو مرضية على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي ، فكان لا بد من إيجاد حيوية جديدة تنهض بهذا البلد بعد الصعوبات التي مرّ بها داخلياً وإقليمياً ودولياً ، وهنا لا يُفترض أن يتوتر البعض عندما نقول بأن الحكومة الحالية لم تنجح في إيجاد استقرار سياسي ، ولم تنجح في نقل البلد إلى مرحلة جديدة ، بل سجّلت إخفاقات عدة كانت بحجم الكارثة منها تلك الملهاة التي أضاعت فيها البلد لفترة من الزمن، مخترقة المؤسسات الدستورية عندما خاض جزء كبير من أركانها معركة رئاسة الجمهورية خارج دائرة الدستور ، وفي إطار من تحريض دولي ساعد في أن يحصل إرباك كبير في هذا البلد من دون فائدة جنيُها ، كذلك علينا أن نلتفت بأن مؤتمر الحوار الذي أنشئ ، وأحدث حالة من الهدنة السياسية ، ومن عنوان من عناوين الاستقرار السياسي المؤقت ، إنما كان نتيجة عجز الحكومة عن القيام بهذا الدور ، وإلا لو كانت الحكومة قادرة على لعب دور توحيدي في البلد لما احتجنا إلى لجنة حوار ، يمكن للحكومة أن تكون هي لجنة الحوار ، ويمكن للحكومة أن تكون هي لجنة تثبيت نتائج الحوار من دون إيجاد هذه الازدواجية التي اضطررنا إليها بسبب عجز الحكومة عن أن تكون مؤهلة لتكون في هذا الموقع ، إضافة إلى ذلك ، لقد مارست هذه الحكومة ممارسات فيها محاولة إلغاء للآخرين ، ولم تكن تعمل لتستثمر الواقع القائم بشكل جيد ، بل نستطيع القول أن هذه حكومة توليد الأزمات . نحن ندعو إلى حكومة إنهاء الأزمات وإلى حكومة إيجاد الواقع الوطني الذي يشعر معه الجميع أنهم شركاء في هذا الوطن .
قد يتساءل البعض ما هي إشكالاتكم التي تطرحونها دائما ً على فريق 14 شباط وما يمثله ، سأختصر الاشكالات بثلاثة كي تكون الأمور محددة وواضحة ، إشكالنا الأول والأساسي جماعة 14 شباط أن يريدون وصاية جديدة على لبنان ، عنوانها دولي ورأس حربتها أمريكية ، وهم يعملون بمستلزمات هذه الوصاية مهما كانت النتائج على لبنان ، نحن نقول لهم أننا لا نريد وصاية جديدة على لبنان ، ولا تستقووا علينا بالأجانب ، إذا كنتم تعتقدون أنكم ممثلون لجزء مهم من هذا الشعب فاعتمدوا على شعبكم لتكونوا في المواقع الأساسية وفي إدارة البلد ، ولا تعتمدوا على الاجنبي ، نحن ندعوكم لأن تحموا استقلال هذال بلد ، علماً أن بعضكم قد يكون معذوراً في عدم ترك هذا البلد يستقل ، لأنه اعتاد على وصاية سابقة ، كان أداة لها وكان منفعاً منها ، فلا يتمكن بهذه السهولة بعد 29 سنة من الأخطاء التي أدت من جملة ما أدت إلى التمسك بوصاية سابقة ، لا يمكن أن يتخلى الانسان على ما اعتاد عليه بسهولة وبسرعة . نحن هنا نقول بأنه لا يكفي أن يعتذر أحد الاركان بأنه أخطأ خلال 29 سنة ، لأنه لو أخطأ بحق نفسه لكانت النتائج عليه ، ولكن عندما يخطئ بحق لبنان بأسره ، ويأخذه إلى المجهول ويؤدي به إلى النتائج المفجعة بسبب أخطاء ومواقف ، فهذا يعني أن من جرّب 29 سنة من الخطأ أن تُترك له الفرص ليُجرب بنا مجدداً ، نحن ندعوه أن تكون أيدينا معاً من أجل أن نخرجه من التعوُّد على الوصاية الاجنبية لمصلحة استقلال لبنان ، فهذا هو المطلوب في هذا الزمن وهذه المرحلة .
إضافة إلى ذلك ، نحن رفعنا شعار المقاومة ، والمقاومة ليست لفظة ولا تسمية ، هي شرف في الميدان ، المقاوم هو من يُثبت الميدان أنه مقاوم ، وإلا فلصقة مقاومة يمكن شراؤها بسعر زهيد وبالتالي لا تعني شيئاً في عمل المقاومة وجهاد المقاومة . من هنا نحن الذين قاومنا إسرائيل التي احتلت ، ونحن الذين واجهنا ونواجه أي نوع من أنواع جعل لبنان معبراً للآخرين وسنستمر ، نعم أقولها بكل فخر وبكل اعتزاز ، لنا الشرف أن تكون مقاومتنا مقاومة عيتا الشعب وبنت جبيل وليس أي مقاومة أخرى مهما اختلفت التسميات ، لأن الشرف والجهاد والتحرير من اسرائيل كان في هذه المواقع الشريفة .
ثانياً ، إشكالنا الثاني أنهم يريدون الاستئثار بقرارات البلد ، ويخافون من حكومة الوحدة الوطنية كي لا يفقدوا الثلث المعطّل ، بالله عليكم ، حتى ولو فقدتم الثلث المعطل وبقيت معكم الأغلبية ، ما هي المشكلة ؟ ميزة الثلث المعطل في القرارات المصيرية ، ومن مصلحتكم أن تكون القرارات المصيرية محلّ توافق ، لا يستأثر البعض فيها مقابل البعض الآخر ، نحن نقول أن الجميع يجب أن يعمل في هذا البلد ، والبلد يحتاج إلى الجميع ، هذه العقلية الإلغائية التي تحملونها لا تبني بلداً ، هذه العقلية الاحتكارية التي تريدونها لا تؤسس مجتمعاً ، هذه العقلية المتسلّطة التي لا تراعي حقوق الآخرين ، ولا تقوم بالواجبات المطلوبة لا يمكن أن تؤدي إلى نجاح تجربتنا جميعاً في لبنان . نقول بكل وضوح ، نحن مع دولة المواطنة ولسنا مع دولة المزرعة ، نحن مع الدولة العادلة ولسنا مع المتسلِّطين ، نحن مع السيادة ولسنا مع دولة التوطين ، نحن مع دولة المقاومة ولسنا مع دولة المعبر لسياسات الآخرين .
أما إشكالنا الثالث أن جماعة 14 شباط يريدون دولة ضعيفة ولا يريدون دولة قوية ، يريدون دولة ضعيفة لا قوانين فيها ، بل يكون الشخص هو القانون ، والفئة هي الحاكمة والمؤثرة ، ويسخِّرون كل المقومات لتفسيراتهم وقناعاتهم ، لا يريدون جيشاً قويا ولم يبنوه سابقاً ، ولا يريدون قضاءً مستقلاً بل مسيَّساً ، ولا يريدون أمناً يحمي لبنان بل يكون مدخلاً لخدمات تذهب للآخرين وتشكِّل خطراً على لبنان . نحن لا نتَّهمهم، إنما نتحدث عن تجربتهم التي أمضوا فيها أكثر من سنة ، وتبيَّنت هذه النتائج ، قد يقول قائل: ولكنكم شركاء ، نعم نحن شركاء ، ولكن تعبنا كثيراً في هذه الشراكة حتى نقوِّم ، ونعلن بشكل واضح أننا لم ننجح في التقويم في كثير من المجالات ، وقد كان الأمر يبرز للعيان في محاولة الاستئثار وفي محاولة أخذ الأمور إلى الناحية الخاطئة ، نحن نريد دولة قوية عادلة ومطمئنة ، هذه الدولة العادلة والقوية والمطمئنة فيها جيش قوي وقضاء مستقل وأمن لمصلحة لبنان ، وفيها عمل من أجل المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات .
ألخّص كلامي بأمور ثلاث ، نحن ندعو جماعة 14 شباط إلى ثلاثة أمور:
أولاً ، أوقفوا نظام الوصاية الدولية على لبنان ، ثانياً لا تستأثروا بالبلد وتلغوا الآخرين ، ثالثاً تعالوا نبني معاً الدولة القوية العادلة المطمئنة ، ونضع لها الأسس المناسبة من دون إملاءات من أحد وفق دستور الطائف من دون انتقائية ، والتزاماً بدولة القانون ، عندها يمكن أن ننقل لبنان إلى بر الأمان .