جئنا الى هذا اللقاء مع التيار الوطني الحر لنؤكد اننا على الدرب معا واننا مستمرين ولو كره الكافرون والمنافقون. لم نعقد تفاهما سياسيا بين حزب الله والتيار الوطني الحر، ولم نعقد تفاهما حزبيا او طائفيا او مناطقيا، نحن عقدنا تفاهماً وطنياً لنقول لكل مواطن في لبنان اذا أردت ورقة تأسيسية على المستوى الوطني العام فها هو التفاهم الذي وضع شمسا مضيئة اعمت بعض العيون التي انزعجت لانبهار الشمس لكنها سرت القلوب التي طالما تاقت الى اللقاء.
نحن نعتبر ان هذا التفاهم هو تفاهم الشجعان الذين يهتمون بالمصالح الوطنية ولا يهتمون بالغرائز الطائفية، ونحن نعلم ان هذه القيادات التي ساهمت في انجاز هذا التفاهم لو أرادت موقعا طائفيا آنيّاً لصفق الكثيرون لها من الجهلة، لكنها أرادت موقعا وطنيا يؤسس للمستقبل فتجاوزت المشوشين لمصلحة الانسان في لبنان. وهكذا كان التفاهم عنوان لم نشهد له مثيلا في لبنان منذ تأسيس دولة لبنان الكبير ليقول للناس جميعا بان ورقته هي ورقة الوطن بأسره وأننا مستمرون لتدعيمها الى آخر المطاف.
هذا التعاون هو تعاون بين شريحتين كبيرتين وتيارين مهمين لبناء الوحدة الوطنية، هذا التعاون أكد أنّ المستفيدين من الفتنة الاسلامية المسيحية سيتعبون كثيرا لانهم لن يجدوا مجالا لها طالما ان حزب الله والتيار الوطني الحر معا في هذا الطريق. وهو بالتالي ليس ربحا لحزب الله وحده وليس ربحا للتيار الوطني الحر وحده، ونحن نعلم اؤلئك الذين يثيرون الارباح والخسائر على قاعدة الشركات الاستثمارية، نقول لهم ما دام حزب الله والتيار الوطني الحر قد ربح الوطن فكل ربح من غير الوطن لا قيمة له. وستثبت الايام ان نتيجة هذا التفاهم ستنعكس بشكل مباشر على منع الفتن الاخرى المتنقلة، ونحن وان كنا اجرينا معا تحصينا من الفتنة الاسلامية المسيحية فنحن حريصون أيضا على إجراء التحصين من الفتنة السنية الشيعية ونرى بشكل واضح أنّ البعض يجول تارة بين فتنة مسلمة مسيحية وفتنة سنية شيعية على قاعدة انه يعيش على الفتن نقول له لبنان مع هذا التفاهم لا مكان لوجود فتن فابحث عن مكان اخر.
هذا التفاهم لا ينشأ ثنائية مقابل ثنائيّات ولا ينشأ انحسارا للعلاقة مقابل العلاقات، انه تفاهم جريء، من اللحظة الاولى فتح قادته المجال لجميع الناس ليكونوا على دربه ومعه ومن منطلقه وليساهموا مساهماتهم التي يريدونها، ولذلك هو تفاهم المنفتح ومن اجل الوطن، سنجعل جميع الذين يطمحون من اجل اعطاء التجربة النموذجية في التلاقح الشعبي بين المواطنين ينظرون الى هذا التفاهم نظرة عملية لا نظرية. في اغلب الاحيان تنشأ تجمعات ولقاءات وتصدر بيانات مشتركة لكنها بكل صراحة تبقى بين القيادات ولا يشعر بها احد، هذا التفاهم نزل الى المواطن الجنوبي والشمالي والبقاعي والبيروتي فجلس ابن التيار الوطني الحر الى جانب عضو حزب الله يتحدثان بلغة واحدة وقد نسي كل منهما من أي منطقة أتى ومن أي تيار أتى وتذكر امرا واحدا انه في لبنان ومن اجل لبنان.
لا بد من توجيه التحية الخالصة لرئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون الذي تعرض للتحديات الكبيرة لانه أسّس لمنهج لم يعتد عليه الزعماء ولم يعتد عليه أولئك الذين اعتادوا على المحاصصة والمبادلة، لقد قرر ـ ونحن سمعنا منه مباشرة وفي كل الاوقات ـ أن يكون هذا التحالف او هذا التعاون والتفاهم بين الناس ولذا كانت اللقاءات التي جعلت الانسياب طبيعيا، بكل صراحة بعض من في تيار حزب الله لم يزر منطقة مسيحية منذ فترة طويلة وبعض من في التيار الوطني الحر كان يخشى ان يدخل الى المنطقة الاسلامية اما الان فحمياتنا منهم وحمايتهم منا.
وعلى كل حال بدل ان نتحدث عن الانشائيات فلنرى تجربة هذا التفاهم في مدته القصيرة جدا ما الذي صنعه في بلدنا : لقد احدث انقلابا حقيقيا في الرؤى والمفاهيم، لقد اوجد شعارات جديدة لم تكن موجودة، لقد حقق ازعاجا لبعض الذين لا يريدون للبنانيين ان يلتقوا، كل تهمتنا اننا اجتمعنا ولكن لو افترقنا وتقاتلنا لصفق لنا البعض، اما ان نتعانق ونتفاهم فهذا ممنوع نقول لهم سنتعاون رغما عنكم من اجل لبنان.
الم ينطلق مؤتمر الحوار وناقش ما ناقش في جلساته التسع وتعب المتحاورون كثيرا حتى يتفاهموا على بعض الكلمات والعناوين، أدعوكم الى المقارنة بين ما وصل اليه مؤتمر الحوار وما هو في الوثيقة فستجدون ان الوثيقة ملئ بنقاط للتفاهم استطاع مؤتمر الحوار ان يحصل على جزء بسيط منها فلو نظر القوم الى وثيقة التفاهم لكان لبنان بالف خير.
اما على مستوى الحكومة فلنكن واضحين، لا يمكن ان ينسب كل حديث عن تقصير الحكومة او عجزها بانه خرق للميثاق الاعلامي، فالميثاق الاعلامي إنّما وضع لايقاف الشتائم لا لتصويب مسار الدولة، وبالتالي لم نعتد على الشتائم واعتبرنا انه من البداية ينسجم مع رؤيتنا فكان التزامنا به هو تاكيد على التزام لطالما اخترناه لاننا اذا تحدثنا عن الدولة وعن مجرياتها انما نتحدث عن امر يهم الوطن. على هذا الاساس جربت هذه الحكومة حظها لاشهر عديدة وتبين انها ضعيفة عاجزة غير قادرة على انجاز كبير على مستوى الوطن ليس عيبا ان تعترف بانها قاصرة ومقصرة، وليس عيبا ان تكون الظروف اقصى واصعب من ان تديرها هذه المجموعة التي تصدت لحكم لبنان، وليس عيبا ان نقول بان الناس يصرخون من الجوع والمعاناة ومن المحسوبيات وطريقة الادارة والفساد المستشري والاخطاء التي تراكمت، ان تعترف بالخطأ فهذه فضيلة، لكن يجب ان نبحث عن الحل، لا نريد ان نبكي على الاطلال ولذا نحن نقترح ترجمة عملية تخلصنا من هذا الواقع الاليم، الم تكن السعادة بادية على الكثيرين إن لم أقل على الجميع بمؤتمر الحوار الذي جمع اطيافا متعددة في هذا المجتمع وبقيت أطياف أخرى يمكن ان تجتمع بشكل او باخر في يوم من الايام وكان العنوان البارز هو هذا الجمع لهذا الحشد من المواقع المختلفة من اجل التفاهم؟ إذا كرروا صورة مؤتمر الحوار بالشكل الاوسع وقوموا بإنجاز حكومة انقاذ وطني هي اشبه بحكومة الوحدة الوطنية لان الحكومة التي ليس فيه التيار الوطني الحر لا يمكن ان تكون حكومة اتحاد وطني.
وهذا لا يعني ان نكتفي بفريق دون آخر، فنحن لا نفكر ولم نفكر يوما ان الحكومة توزيع للجوائز، الحكومة توزيع للمسؤوليات فمن لم يستطع ان يقم وحده بلبنان، ولن يقوم احد وحده في لبنان، يستطيع مع اخوانه ومع القوى المختلفة ان يقوم بنهضة لبنان. ما ندعوا اليه ان نحمل لبنان معا فلا يبقى احد من القوى خارج هذه المسؤولية لمصلحة لبنان ومستقبله.
هنا انبه، لبنان مفتوح على كل اجهزة المخابرات الاقليمية والدولية، يبدوا ان مناخه الطبيعي مناسب للاصطياف والاشتاء ومناخه السياسي مناسب للمخابرات الدولية والاقليمية وهذه ميزة من مميزات لبنان لن انتقدها ولن اعترض عليها، لكن على الاقل ان لا تكون هذه المخابرات سببا للّعب بضعاف النفوس، علينا ان نفهمهم بان عملهم في لبنان لا يمكن ان يقتص منا، ولذا عندما اكتشفت مخابرات الجيش اللبناني الشبكة الاسرائيلية الخطرة فيما عرف عنه بمفاجأة الفجر كان الامر واضحا حجم التدخل الاسرائيلي والتآمر الاسرائيلي في لبنان.
لقد اعادت هذه الشبكة الى الاذهان توجيه البوصلة الى اسرائيل التي لا زالت خطرا على لبنان وليست فقط خطرا سابقا على لبنان، هي خطر حالي وخطر مستقبلي تريد ارضه ومياهه وشعبه وسياسته، وتريد ان تتدخل في كل مفرداته وأمريكا تساعدها ومن مع امريكا ايضا يساعدها ولذا نقول لاهلنا وأحبتنا وللمعنيين في لبنان : انتبهوا اذا نسيتم خطر اسرائيل وأن تشيروا اليه فان اسرائيل قادرة على ان تدخل الى كل مكان ثم نبحث عن الخطر في مكان اخر فيأتينا من الوراء بدل ان نواجهه من الامام، اما نحن فنقول نحن مصممون على ان نمنع اسرائيل من ان تعبث بامن لبنان او بارض لبنان، وبالتالي فمقاومتنا قائمة حاضرة لم تقف بوجهها تلك النظريات التي لا معنى لها ولا فائدة منها، نحن نؤمن بنظرية واحدة اسمها حماية لبنان آتونا باستراتيجية دفاعية تحمي لبنان ونحن نقبل بها وهذا ما ورد في وثيقة التفاهم قبل الحوار، ولكن اذا كانت الاستراتيجية هي اغنية تتحدث عن الحرية فنحن قد تعلمنا ان اغنية الحرية لا صوت لها الا بالتحرير الميداني وبالشهداء الذين يحمون الوطن.
وها نحن اليوم امام تجربة مؤلمة جدا في فلسطين المحتلة، ها هي اسرائيل تقتل الاطفال والشيوخ والنساء وتقتلع الحرث والنسل وتسجن المسؤولين والشعب وتحاصر فلسطين باسرها، ها هي اسرائيل تدمر وتصنع ما تصنعه مع الشعب الفلسطيني المجاهد ونحن لا نسمع لا من امريكا ولا من الدول الاخرى موقفا يشجب بشكل عملي او يواجه هذه الغطرسة الاسرائيلية . لو جرح امريكي في لبنان لاجتمع مجلس الامن ليضيف قرارا جديدا إلى القرارات الدولية بحق لبنان التي بلغت حتى الان عشر قرارات دولية ولو كان هناك جائزة بعدد القرارات الدولية بين عان 2004 إلى الآن لكان لبنان حصل على الجائزة الأولى في القرارات الدولية... هل هذه التجربة في فلسطين تظهر لنا انه يمكن لنا نعتمد على امريكا او على مجلس الامن بطريقة ادارته هذه تجربة تؤكد اننا اذا لم نكن اقوياء وموحدين ومتعاونين لا يمكننا ان نواجه تلك التحديات الخطرة التي تمارسها اسرائيل، كفانا ان يكون لبنان مسرحا للآخرين يلعبون من خلاله بالآخرين، نحن نريد لبنان لنا لا مسرحا لغيرنا لنصنع من لبنان مستقبله ومستقبل المنطقة حتى نكون اعزاء .
تحية إليكم جميعا، تحية إلى التيار الوطني الحر برئاسة العماد عون، تحية إلى المنبر الوطني برئاسة الدكتور سليم الحص، تحية إلى الحزب الشيوعي اللبناني برئاسة السيد حداده، وإنشاء الله نبقى معا من أجل لبنان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.