المقاومة انتصرت في عدوان تموز، وخرجت أقوى مما كانت عليه ، واسرائيل انهزمت هزيمة استراتيجية ، وخرجت أضعف مما كانت عليه، أما انتصار المقاومة استراتيجياً فيمكننا أن نراه في ثلاثة أمور : أولاً أثبتت المقاومة القدرة على حماية الارض والانسان ، على الرغم من عدم التوازن في القوة العسكرية ، ثانياً أعطت المقاومة زخماً معنوياً أعاد الثقة للأمة بالقدرة والأمل ، وألهم كل الاحرار في المنطقة والعالم بإمكانية التغيير ، ثالثاً أوجدت المقاومة عائقاً جدياً أمام المشروع التوسعي الاسرائيلي الذي اصطدم بحائط الجهاد ، وهو لن يتمكن من تجاوزه بسهولة ، هذه مؤشرات الانتصار الاستراتيجي للمقاومة ، أما مؤشرات الهزيمة الاستراتيجية لإسرائيل فتتمثل بثلاثة أمور أيضاً : أولاً ضُربت قوة الردع الاسرائيلية ضربة أثرت على معنويات هذا الجيش ، وأبرزت أن هذا الجيش الذي لا يُقهر هو دعاية كرتونية ، وأن جيش اسرائيل يمكن قهره في كل مرة يتوفر فيها أمثال هؤلاء المقاومين الذين قاتلوه في لبنان ، ثانياً انكشاف نقاط الضعف في المجتمع الاسرائيلي والجيش الاسرائيلي ، ومنها عدم استعدادهم لتقديم التضحيات ، هؤلاء الجماعة يريدون الحياة التي يدعو إليها البعض في لبنان ، يعني يريدون الحياة التي تُقدّم إليهم حتى لو كانت ذليلة بل هم لا يستطيعون الحياة العزيزة ، ثالثاً لم تعد الطريق ممهدة أمام المشروع الاسرائيلي لرسم حدود اسرائيل ، فالصراع عميق جداً ، وبالتالي فرص التسوية في المنطقة تضاءلت كثيراً ، وربما ذهبت هذه الفرص لعشرات السنين إلى الامام ، ويمكن أن تتغير المعادلات بكاملها فلا يعود هناك تسوية في المستقبل وإنما أمر آخر ، ونسأل الله أن يكون التحرير الكامل للأرض المحتلة .
المقاومة انتصرت ـ اعترف البعض أم لم يعترف ـ مشكلة البعض أنه لا يتحمل الانتصار ، نحن نقدِّر لهؤلاء ضعفهم من أن يتحملوا الانتصار، فالحقيقة أن الذي يعتاد على الهزيمة وعلى أن يكون تابعاً للآخرين وأداة لهم ، يستصعب العزة . مع العلم أن اسرائيل اعترفت بالهزيمة ، وكل يوم من 14آب إلى اليوم واسرائيل تقول تارة على لسان مسؤوليها ، وتارة على لسان إعلامييها وعبر شعبها أنهم انهزموا في لبنان ، وأن حزب الله والشعب اللبناني انتصر على اسرائيل ، هذه حقيقة لا يؤثر عليها اعتراف البعض أو عدم اعترافهم ، فنور الشمس يضيء حتى لمن أقفل عينيه عن رؤيتها ، فإذا لم يرها بعينيه فستحرقه بنورها ، وسيشعر أن الشمس ساطعة ولو لم يعترف بسطوعها . من هنا نحن نرى أن النقاش في لبنان يجب أن يكون حول العدوان ، وكيفية صد العدوان ، ومنع اسرائيل من أن تخترق أجواءنا ، وأن تستمر في الانتهاكات لسيادتنا ، لا أن يكون النقاش عن المقاومة ، لا يجوز أن نبرر للعدو أعماله العدوانية لأن المقاومة موجودة ، بالعكس ، يجب أن نبرر للمقاومة وجودها لأن العدوان يتحرك ، الآن أصبح الحق علينا لأننا قاتلنا اسرائيل التي تعتدي علينا ، ومبرر لاسرائيل أن تعتدي وعلينا أن نسكت وأن ننسحب وأن نقبل بالاحتلال ، حتى ترضى اسرائيل فتخرج وحدها ، وأن لا نزعجها لأنها يمكن أن ترجع في أي لحظة ، إذاً علينا أن نعيش الرعب من أن اسرائيل لا تُمسّ ، ولا يمكن أن يتحدث معها أحد ، أقول لكم أننا لن نفعل هذا ، فإذا كان البعض قد اعتاد على الهزيمة ويقبل مثل هذه الاعمال فنحن لم نعتد إلا على رفع رؤوسنا ، ولذا ستبقى المقاومة عزيزة قوية منيعة ، وسنزيد من قوتها ومن صلابتها لتتحدى اسرائيل وتمنعها من أن تعتديَ على أرضنا وبلدنا ، فنحن أناس نريد العزة والسيادة بكرامة ، ولا نريدها منحة من أحد فمهما كانت الاسباب ستبقى المقاومة هي الحل .
أقول لهؤلاء الذين يعيشون الحيرة ، ما الذي يفعلونه بالمقاومة في لبنان ؟ لماذا تبحثون عن وضع المقاومة وعن قوة لبنان ؟ حتى يرضى المجتمع الدولي الذي يريد أن يتحكم بنا ، يجب أن نبحث كيف يكون لبنان قوياً ، كيف يحق لاسرائيل أن تكون قوية ولا يحق للبنان أن يكون قوياً ؟ لماذا يحق لأمريكا أن تكون قوية ولا يحق للبنان أن يكون قوياً ؟ لماذا يحق للاتحاد الاوروبي أن يكون قوياً ولا يحق للبنان أن يكون قوياً ؟ هل هم بشر ونحن لا ؟ إنما نريد قوتنا لنحمي أرضنا ، وهم يستخدمون قوتهم للاعتداء علينا ، فأيهما أولى بالبحث عن قوته ، هم أم نحن ؟ لذا نحن نقول بشكل واضح : سنعمل ليل نهار لنكون أقوياء ، لأن حقنا أن ندافع عن أرضنا ، مع جيشنا وشعبنا ، لنمنع الاعداء من أن يأخذوا حقوقنا وحقوق أجيالنا ، هذا حق طبيعي بالنسبة إلينا . على هذا الاساس ، نقول لمن يبحث عن موضوع المقاومة ، أن المقاومة باقية ومستمرة بشكل قوي إن شاء الله تعالى ، لأننا نؤمن أن لبنان العزيز يحتاج إليها ، ولا نقبل أن يكون لبنان ضغيفاً ، وسنُثبت هذا الامر دائماً عندما يحتاج لبنان من هذه المقاومة أن تكون حاضرة في الميدان . أما المعارضة التي واجهت هذه التحديات بعد عدوان تموز ، فهي معارضة متماسكة ، وقد استطاعت أن تواجه مجتمعة محاولات أمريكا لتعطيل الانتصار ، ومحاولة تحصيل مكتسبات سياسية في داخل لبنان بحيث تعوِّض اسرائيل الخسائر العسكرية ، لكن بحمد الله تعالى بسبب المعارضة في لبنان لم تتمكن أمريكا بتثبيت وصايتها على لبنان ، ولا من أخذ مكاسب اسرائيلية من لبنان ، هذه المعارضة تستحق التهنئة لأنها استطاعت أن تصمد أمام العدوان السياسية الدولي على لبنان الذي استمر من بداية 12 تموز وحتى الآن ، وكل العالم يجتمع من أجل مساندة هذا الاتجاه الامريكي الذي يريد إضعاف قوة لبنان ، والمعارضة تقف وتقول "لا" ، فأكبر إنجاز هو أن تصمد المعارضة أمام هذه الاعاصير الدولية لتحمي لبنان من أن يُسلَّم من بعض الادوات للوصاية الامريكية ، هذا انتصار كبير نعتزُّ به ونفتخر . وهنا نطرح دائماً أفكاراً للحل ، إذا تكلمنا بطريقة إيجابية لا يردُّون ، وإذا حذرنا من المخاطر يقولون أن هناك تخوين وتخويف ، لقد احترنا معكم ! كيف نكلمكم ؟ وبأي لغة ؟ سأكون واضحاً، يوجد مساران للحل بحسب رؤية المعارضة وقوى السلطة ، أما المعارضة فترى أن الحل يكمن بالمشاركة من خلال حكومة وحدة وطنية أو حكومة إنقاذ أو طوارئ ، ومن خلال هذه الحكومة نستطيع أن نهيّئ الاجواء الايجابية لانتخابات دستورية لرئيس الجمهورية في موعدها المقرر ، ونستطيع أن نتفق على القضايا مورد الخلاف لمناقشتها ، وجدولة آلية عملية للمعالجة ، وكذلك نضع نقاط طاولة الحوار التي اتفقنا عليها موضع التنفيذ بشكل مباشر ، هذا هو اقتراح المعارضة ، أما اقراح قوى السلطة ، الآن هم يقولون أن الوقت لم يعد يسمح ، وعلينا أن نفتِّش عن الرئيس التوافقي ، لو افترضنا أن هذين الشهرين مرّا ولم يتم التوفق على رئيس توافقي ، ثم بعد ذلك مرّت المهلة الدستورية ولم نتفق على رئيس توافقي ، تكونون بذلك قد جعلتم كل الحل مرتبط بمسألة واحدة إن اتفقنا عليها انتفتحت الآفاق ، وإن اختلفنا عليها نكون أمام وضع انتهى فيه وضع رئيس الجمهورية وكذلك لا يوجد حكومة تدير البلد ، فنقع عندها في الفراغ الدستوري ، أنتم ستحلّونه على طريقتكم كما تعوّدنا عليكم ، ونحن سنحلّه على طريقتنا ، وهذا يعني أن الحل سيكون مزدوجاً، وبالتالي سيعيش لبنان مأزقاً كبيراً لأننا لن نسلّم لحلِّكم ولن تسلِّموا لحلِّنا ، والله أعلم أين يصبح لبنان وكيف ستكون التطورات ومن الذي سوف يدخل على الخط ، لكن لن يكون هناك جو سياسي مستقر ، ولن يكون هناك مؤسسات دستورية قادرة على أن تجمع اللبنانيين ، إذاً أي حلٍّ أفضل ؟ حلُّكم أم حلُّنا ، على الاقل عندما ندخل إلى حكومة الوحدة الوطنية ، إذا تعثرت بعض الامور وتأجلت بعض الامور، يمكن أن نجد طرق للحل ، حكومة الوحدة الوطنية تُثبِّت دعامة من دعامات الدستور ، وتجمعنا معاً ليكون الخلاف في الداخل وليس في الخارج . على كل حال نحن نعلم أنهم يريدون إضاعة الوقت ، كل الكلام عن الحوار ومدّ اليد هي أحاديث لتقطيع الوقت ، هذا الكلام ليس كافياً وليس له كيفية تطبيقية حقيقية تنفع ، سمعنا من قوى السلطة أنهم يقبلون بحكومة الوحدة الوطنية ، نقول لهم تعالوا إلى آلية تطبيقية لحكومة الوحدة الوطنية ، هم لا يقبلون ذلك ، لماذا؟ يقولون لأنهم لا يريدون أن يعطوا الثلث الضامن ، لماذا لا تريدون أن تعطوا الثلث الضامن ؟ هل تعلمون أن الثلث الضامن يعني أن لا تأخذ الحكومة قرارات استراتيجية إلا بأغلبية الثلثين ، يعني أن نكون كلنا شركاء في القضايا الاستراتيجية، وهؤلاء يمانعون أن نكون شركاء في القضايا الاستراتيجية ، أقول لكم أنه في ممانعتكم عطلتم حكومة الوحدة الوطنية ، لكن هل استطعتم وحدكم أن تأخذوا قرارات استراتيجية ، ففي الحكومة يخافون أن يأخذوا قرارات استراتيجية بسبب المعارضة ، فها أنتم الآن لمدة سنة منذ عدوان تموز السابق لم تفعلوا شيئاً في لبنان إلا أننا نشهد لكم أنكم خرّبتم لبنان ، وأسأتم إلى استقراره الامني والسياسي ، وأخذتم اقتصاده إلى الهاوية ، وأنكم افتعلتم معارك مختلفة ، وأنكم توتّرون الاجواء وتُرعبون الناس ، نعم هذه انجازات نشهد لكم بها . ندعوكم إلى التفاهم ، فلا يقولنّ أحد أنه ما زال هناك شهرين ولم يعد هناك وقت لذلك ، أنا أعتبر أن هذه الفرصة فرصة ذهبية ، وإذا لم تستغلّها قوى السلطة لمد اليد بشكل حقيقي، والبدء بالانطلاق فلن نصل إلى حل . نحن واضح لدينا أن السيد الامريكي لا يريد حلاً ، ففي 11/11/2006 يوم فرط التشاور ، وقدم وزراء حزب الله وحركة أمل استقالاتهم ، بعد اللعبة التي لعبها فيلتمن في لبنان ، صرّحنا في وقتها بمعلومات موثوقة مئة بالمئة ، أن يوم الجمعة 10/11/2006 مساءً اتصل فيلتمان بأركان قوى السلطة وقال لهم كيف تقبلون النقاش في التوازن بين الحكومة والمحكمة ، لأن يومها طرح السيد سعد الحريري فكرة التوازن بينهما في يوم الخميس ، لأنكم بهذا تخسرون كثيراً ، قالوا ما السبب ، قال أن المحكمة ستُقرّر وافقوا أم لم يوافقوا ، فلماذا تعطونهم الثلث الضامن . نحن تكلمنا بهذا وكشفناه ، وتبيّن بعد ذلك أن المحكمة ذهبت إلى مكان آخر ، وطارت فكرة الحكومة على قاعدة سيطرة هذه القوى بإدارة وإشراف أمريكي ، العلة أن أمريكا لا تريد حلاً ، أدعو شركاءنا في الوطن أن يلتفتوا إلى مصالح الناس ، عندنا وعندهم ، حرام أن تبقى الامور هكذا ، ويجب أن نضع طريقاً للحل .