(...)، الوضع لا زال على حاله منذ فترة طويلة تصل إلى وقت اغتيال الرئيس الحريري حتى الآن، وهذا بسبب التراكمات والتعقيدات الموجودة في الساحة اللبنانية، بكل صراحة لا داعي للتشاطر ولا للتذاكي في ذكر الروايات التي تتحدث عن المبادرات العربية أو العربية الإسلامية أو الأجنبية في محاولة معالجة الوضع في لبنان، لأن كل الروايات التفصيلية هي محاولة لتبرأت النفس في مقابل الطرف الآخر لا تعبر بدقة كافية عن الحقيقة، كل واحد يريد أن يظهر بأنه كان مستجيباً للمبادرة العربية الأخيرة للسيد عمر موسى، سيعطي رواية تفصيلية جزئية ونضيع في مناقشة التفاصيل والجزئيات في الوقت الذي أعتبر فيه أن المشكلة قائمة بسبب وجود منهجيتين في لبنان: منهجية المعارضة قائمة على الدعوة إلى المشاركة كحل طبيعي ومدخل لحل كل القضايا العالقة، والمنهجية الثانية تتبعها الموالاة وقوى السلطة والمبنية على الاستئثار والتمسك بالسلطة وأخذ كل مقومات الدعم الدولي مقابل الالتزامات السياسية التي أعطاها هؤلاء ويعطونها للمجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا. فالمشكلة هنا وليس في مكان آخر.
عندما أتت المبادرة العربية الأولى وكان الحديث يومها يدور حول نقطتين مركزيتين: الأولى هي المحكمة والثانية هي الحكومة، وهناك اتبع لهما إقرار قانون الانتخابات ، وتكلمنا سابقاً كثيراً بأنه يوجد ثلاثي للحل: الحكومة والمحكمة وقانون الانتخابات، قال فريق السلطة: المحكمة أولاً ، فجاء الحل المبدع يومها للرئيس بري حيث اقترح أن يكون هناك لجنة تناقش المحكمة وتصل إلى نتيجة نهائية وعندها تشكل الحكومة وتقرر النتيجة التي تحصل عن المحكمة في هذه اللجنة ثم تبادر الحكومة بعد ذلك إلى قانون الانتخابات، فرفضوا رفضاً قاطعاً وقالواك لا نريد ربط الحكومة بالمحكمة وأن المحكمة لا مقايضة عليها، وكان هناك تجاذب كبير إلى أن أُخذت المحكمة إلى الفصل السابع، أي إلى المشروع السياسي الذي تريده أمريكا من المحكمة، إذاً لو كان هناك نية حقيقية للحل مع انتقال المحكمة إلى محلٍ آخر من المفروض أن يبقى الحل لقضية الحكومة في مسألة المشاركة وبعدها لقانون الانتخابات، لكن هذا لم يحصل، والسبب في ذلك أن المشكلة لم تكن في ترتيب المحكمة قبل الحكومة ، ولا في إنجاز المحكمة وإنما المشكلة كانت ولا زالت في إعطاء الثلث الضامن الذي يؤدي إلى المشاركة وبحسب النسب المئوية الموجودة في المجلس النيابي للكتل النيابية المختلفة.
ثم جاء السيد عمر موسى وطُرح في المبادرة ثلاثة عناوين: الحكومة والرئاسة والأمن، وكان الجواب واضحاً، ما الذي أدخل العنوانين الثاني والثالث في الوقت الذي يجب أن ننتهي فيه من مشكلة الحكومة! مع ذلك إذا تشكلت حكومة الوحدة الوطنية فإنها هي التي تكون مدخلاً طبيعياً ومنطقياً من أجل التهيئة لانتخابات الرئاسة وتعالج قضايا الأمن كسلطة تنفيذية ، إذاً عدنا إلى قضية الحكومة ورفض الطرف الآخر أن يعطي إلتزاماً بحكومة المشاركة واكتفى بالعبارة الطنانة وهي حكومة الوحدة الوطنية فأعلن التزامه بها بتفاسير لا علاقة لها بالمشاركة وإنما لها علاقة بإبقاء العنوان مفرَّغ من المحتوى، فحكومة الوحدة الوطنية التي تريده السلطة هي حكومة الاستئثار التي لا مشاركة فيها وإنما فيها نكهة مشاركة غير فعالة وغير حقيقية.
والآن أقول لكم لو كانوا جادين في الحل يوجد عنوان واحد في لبنان هو المدخل وهو حكومة الوحدة الوطنية ، هل هم مستعدون لهذا الثمن الذي يمكن أن ينقذ لبنان وهو ثمن بسيط لأن من حق المعارضة أن تشارك ، أو أنهم غير مستعدين لأن حجم الالتزامات التي قدموها للامريكي هي كبيرة جداً وقد صرف عليهم الأمريكي الكثير بحيث لم يعودوا قادرين على التراجع، وقد تناهى إلى سمعنا أن ما حصل في الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة إلى فرنسا واللقاءات التي عقدت مع الإدارة الأمريكية لم تكن مشجعة كما في الظاهر لأنه طُولب بضرورة الوفاء بالتزاماته بعد أن قدَّمت الإدارة الأمريكية والدول الأخرى كل شيء ولم تستطع الحكومة المحنة التي هي فيها والتي وضعت فيها لبنان في المأزق.
من هنا كي تكون الأمور واضحة وصريحة إذا لم تحل مشكلة حكومة الوحدة الوطنية بالمشاركة الحقيقية، لا يوجد انتخابات رئاسة جمهورية قادمة وفق النصف زائد واحد، ولا يمكن للمعارضة أن تقبل إلاَّ أن تكون شريكة باختيار الرئيس، فمن أراد أن يضيِّع الوقت من أجل أن يصل إلى الاستحقاق الرئاسي نقول له : إن إضاعة الوقت هذا لن يحقق لك في الاستحقاق الرئاسي ما تريده لأن البلد سيبقى على حالته، بل قد تحصل إختيارات سياسية عند المعارضة تؤدي إلى المزيد من تعقيد الأمور، وعليه من أراد رئاسة الجمهورية عليه أن يبدأ بحكومة الوحدة الوطنية، ومن لم يقبل بحكومة الوحدة الوطنية بانتظار وقت الرئاسة فلن يصل بهذا الوقت إلى مبتغاه، بمعنى آخر الحكومة هي المعبر لإعادة الثقة بين الأطراف ولنقاش قضية الرئاسة التي قد نصل إليها بالتوافق ومعالجة كل القضايا الأخرى الموجودة في هذا البلد، بغير هذا الطريق لا يمكن أن نصل إلى حل، ولمعلوماتكم فكرة عدم إعطاء المعارضة قدرة المشاركة ليست جديدة ، لأنه من اجتماعات الرياض واجتماعات شرم الشيخ وصلت إلينا اقتراحات من مسؤولين عرب تتحدث عن ضرورة البحث في مسألة الرئاسة وإعطاء هدنة بين المعارضة والموالاة لثلاثة أشهر متجاوزين في ذلك مطلب المعارضة لأنهم يريدون الرئاسة ولا يريدون المشاركة. وهذا أصبح معروفاً وواضحاً، نحن لن نقبل أن يأخذونا بحجة الوقت، وحتى ولو مرَّ هذا الوقت وجاءت انتخابات الرئاسة فمطالبنا في المشاركة لن تتغير وسنبني كل خطواتنا العملية على أساس تحقيق المشاركة ومن دون مشاركة لن يستطيع الفريق الحاكم اليوم أن يقود البلد إلى حيث يريد.
وأريد أن أطمئنكم ، وحتى مع ولو هذا التطور الذي يحصل إلى درجة كبيرة نحن صامدون وثابتون وقدرتنا متماسكة بشكل كبير، وما نعاني منه الآن أقل بكثير مما يمكن أن نعانيه إذا سلمنا لهم البلد وقبلنا أن يقوموا بما يريدون . فهم جماعة ليس عندهم التزامات ولا انضباط، واليوم الفريق الحاكم لأنه لا يستطيع أن يحكم وحده، ولأنه لا يستطيع أن يمسك بالبلد كما يريد يستعين في كل يوم بالوضع الدولي ، وفي كل يوم يطرح مشروع وقرار دولي وتدخل دولي من أجل أن يكون ممسكاً بالوضع الداخلي اللبناني، نحن نقول لهم: إذا كنتم ممثلين لهذا الشعب وتعتقدون بقدرتكم كان من المفروض أن تحكموا في هذا البلد وفق القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، وليس أن تحكموا في البلد وفق القرارات الدولية التي تستدرجونها واحدة بعد الأخرى فهذا دليل عجز وأنكم غير مقبولين على المستوى الشعبي، وهذا دليل أنكم لا تمثلون الناس بشكل حقيقي، وإلاَّ إذا كنتم كذلك هذه القوانين اللبنانية اعملوا بها، خرج عدد من الوزراء وكان من المفروض أن تختاروا وزراء غيرهم أو أن تحلوا هذه الحكومة فلم تقبلوا وخالفتم الدستور، ومع ذلك أخذتم موافقة دولية على عملكم ولم تأخذوا موافقة لا دستورية ولا شعبية في هذا الموضوع، تعملون ليل نهار من أجل أن تمنعوا المشاركة في ديمقراطية توافقية مقررة في لبنان ولا مبرر لكم لمواجهتها ولرفضها مع ذلك أنتم لا تسألون عن هذا التمثيل الشعبي الكبير الموجود للمعارضة، إذاً المشكلة أن الفريق الحاكم اليوم في لبنان إنما يريد أن يسيطر بقوة القانون الدولي وليس بقوة التمثيل الشعبي ولا بقوة الدستور اللبناني، هذا أمر مرفوض بالنسبة إلينا ، ندعوهم إلى الاحتكام إلى الشعب وإلى الدستور وبغير هذا لا يمكن أن نقبل ولا يمكن أن يعيروا المعادلة بهذا الاعتماد الدولي المكثف مهما طال الزمن ، فصبرنا طويل وشعبنا معنا ، ونحن نعلم أن التحديات مهما كانت كبيرة نستطيع أن نواجهها بشكل مباشر.