.. للمعارضة الوطنية دور مهم جداً في هذه المرحلة، لأنها مرحلة صياغة لبنان المستقبلي، خاصة بعدما عصف بهذا البلد من أحداث كبيرة وخطيرة آخرها العدوان الإسرائيلي الأمريكي الدولي على لبنان الذي أراد تغيير دور وموقع لبنان في المنطقة، ووضع هذا البلد في معاهدة جديدة، وإيجاد اصطفافات داخلية مختلفة عن الاصطفافات الحالية مما يؤدي خدمة كبيرة لمشروع الشرق الأوسط الجديد. من هنا نحن نرى أن صمود المعارضة وتحركها أساسي جداً من أجل الوصول إلى الحلّ المنشود للبنان الجامع لكل أبنائه للمشاركة الحقيقية الفعلية، وهنا لا بدَّ أن نذكر بمسألة أساسية لها علاقة بالعدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، والذي أعلنه العدو الإسرائيلي كحرب حقيقية بكل مستلزمات الحرب، ما يعني أننا كنا أمام منعطف تاريخي، ولولا هذا النصر الكبير الذي حصل لأصبح لبنان في مهب الريح ولا يمكن بعد ذلك استرداد سيادة لبنان بسهولة، أما اليوم نستطيع أن نفخر كلبنانيين ومقاومين ومعارضة وشعب حرٍّ أبيّ أن الانتصار الكبير الذي حصل باعتراف الصديق والعدو، المحب والمبغض، حمى لبنان وسيادته من أن يصبح في لعبة التركيب الجديد لهذه المنطقة، وما نراه من هزيمة إسرائيلية يومية ومن تداعيات لهذه الهزيمة يبرز الأخطاء التي ارتكبتها قيادات في الداخل ويبرز أيضاً أحقيّة الموقف المقاوم على مستوى المقاومة والشعب اللبناني بشكل عام، وكنا نتمنى الاستفادة من دروس الهزيمة الإسرائيلية لمصلحة إعادة النظر في الرؤى الخاطئة التي حملها البعض ونظَّر لها البعض الآخر، ولكن أقول لكم بكل صراحة: نحن نفهم بعض التحركات الداخلية كمحاولة لصرف النظر عن تداعيات الهزيمة والتي تطال بعض الذين كانوا يتمنون لولا لم تحصل هذه الهزيمة لإسرائيل، لكن ماذا نفعل هذا قدرنا ، وتوفيق الله تعالى لنا وصمود أهلنا وأحبتنا الذي أدى إلى نصر أكبر مما نتوقع وأفضل مما نريد، وعلى كل حال الشكر لله وللشعب الحيّ الصامد والمقاومة البطلة، أننا استطعنا أن نحمي هذا الإنجاز الكبير في عدم توريط لبنان ضمن مشروع الوصاية الأمريكية.
أما في الداخل فلعل البعض يسأل دائماً: ُترى إلى أين ستصل المعارضة بعد هذا التحرك الكبير والذي طال زمانه وتعددت وسائل تحركاته ولم نصل بعد إلى حل ولا إلى نتيجة؟ وهو سؤال مشروع، وبكل وضوح لو تحركنا كمعارضة أقل مما قمنا به بعشر مرات في ظروف لها علاقة بالمعادلة الداخلية بين المعارضة وقوى السلطة لانتهينا من هذا الموضوع منذ زمنٍ طويل، ولَكُنا أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية تراعي المطالب المختلفة لفئات المجتمع اللبناني، لكن لأن المواجهة اليوم هي مواجهة مع الوصاية الأمريكية والتسلط الدولي، فالمسألة معقدة وصعبة وحاولنا كثيراً أن نخرجها من دائرة هذا التأثير الدولي، لكن هناك أدوات في لبنان تأبى إلاَّ أن تربط مصير لبنان بالواقع الدولي المرتبط برغبة أمريكا في أن تحقق انتصاراً في لبنان مع كل الفشل الذي أصابها في مواقع مختلفة مع العالم وأبرزها موقع العراق.
أمام هذا الواقع سيكون تحرّك المعارضة من التحركات التي تحتاج إلى نفس طويل، وبكل صراحة نحن لم نُفاجأ، من اليوم الأول كنا نقول: قد يطول الأمر، وقد تتطلب الأمور شهور عدة، وقد تصل المسألة إلى رئاسة الجمهورية، وتبقى الأمور معلقة، والسبب في ذلك أن الموضوع متداخل من الداخل والخارج، وأن هناك من لا يريد تسهيل الحلول الداخلية، والمعارضة التزمت بسقف التحرك السلمي، ومنع الفتنة الداخلية، والالتزام بضوابط الدستور اللبناني، ولذا لم تقبل أن تكون ميليشيا على الرغم من استخدام قوى السلطة لميليشياتها ، ولم تقبل الاعتداء على المواطنين على الرغم من الاعتداءات التي حصلت من قوى السلطة، وكذلك وقفت المعارضة بقوة ضد الفتنة، واليوم نحن نشعر بارتياح واطمئنان أن عناوين الفتنة تراجعت كثيراً وأن كل أسبابها وُضعت لها ضوابط، وهذا انتصار كبير بالنسبة إلينا لأننا نريد قيامة لبنان ولا نريد أن نأخذ لبنان إلى حيث نحلم بمعزل عن شركائنا في الوطن مما يفعله البعض ويسيء إلى لبنان.
على هذا الأساس عندما تحركنا كمعارضة اتفقنا أن يكون سقف المطالب سقفاً واقعياً، وأنتم تعلمون كشركاء أنه حصل جدل بيننا : هل نطرح مشاريع كبيرة أو أننا نكتفي بالقدر الواقعين واتفقنا على أن تكون مطالبنا مطالب واقعية، لأننا نريد أن ننهض بلبنان ولا نريد أن نعقد الأمور على شركائنا في الوطن، ولا نريد أن يستفرد أحد لا نحن ولا هم، فكان مطلب الثلث الضامن هو السقف الأدنى الذي تنازلنا معه كثيراً ، واعتبرنا أن كل الأمور الأخرى سهلة رغم إثارة موضوع المحكمة بطريقة غير سليمة من قبل الطرف الآخر، والادعاء أنها هي المشكلة وتبين أنها ليست هي المشكلة، أو الأمور التي حاول البعض إضافتها، مع ذلك هذا الحد الأدنى لم يقبلوا به، قلنا سنتابع من خلال النقاشات فانعقدت جلسات التشاور وفشلت في نهاية المطاف، ومع ذلك صبرنا، تحدثوا عن حوار ثنائي وأن هذا الحوار الثنائي هو الذي يحل المشكلة فأعطينا الموافقة المبدئية لحوارات ثنائية يمكن أن تحصل وكان اللقاء الأخير الذي تكرر بين دولة الرئيس بري والنائب الحريري للمناقشة المباشرة حول المشاريع المطروحة، ما الذي تبيَّن، تبيَّن أمران:
الأمر الأول: أن المعارضة كانت إيجابية واستجابت لكل أشكال النقاش، وطرحت أسقفاً دنيا تمكِّن من الاتفاق مع قوى السلطة، وفي المقابل كنا نسمع ردود فعل متوترة تتحدث عن إشكالات وتحاول أن تثير الجو بطريقة عاصفة في البلد إضافة إلى طرح موضوعات لا علاقة لها بنقاط النقاش والحوار.
الأمر الثاني: تبيَّن من خلال هذه اللقاءات أمام الرأي العام، وهذا ما أصبح واضحاً، أن الحل له ثلاثة مسارات: مسار الحكومة، ومسار المحكمة، ومسار الانتخابات النيابية المبكرة، وأن مسار المحكمة أصبح محسوماً وواضحاً عبر النقاش للتعديل ثم يمر عبر الحكومة فيصل إلى المجلس النيابي في أول جلسة لكل منهما بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وأصبح الجميع من الذين سلموا بضرورة النقاش لإبقائها في الدائرة الجنائية، فمسار المحكمة لم يعد عقبة في الأصل، وهو لم يكن عقبة كما نعتقد لكن على الأقل تم التفاهم على هذه الأجواء، ومسار الانتخابات النيابية تحدَّد من خلال بت قانون الانتخابات وعندها تسلك الأمور أيضاً مساراً دستورياً بالطريقة التي يُتفق على تفاصيلها، بقي المسار الوحيد المعلق هو مسار حكومة الوحدة الوطنية في إعطاء إشارة الانطلاق وإشارة الانطلاق هي الثلث الضامن ولا زال الجواب على هذا الموضوع غير نهائي حتى الآن، ونحن صبرنا وأعطينا الفرص وناقشنا وحاضرون لنتحمل أكثر في إعطاء المزيد من الوقت لتتبلور الأمور ذلك أننا نرغب بالحل من موقع القوة وليس من موقع الضعف، لأنهم يعلمون تماماً أن لبنان لا يسير إلاَّ بأجنحته.
نحن اليوم أمام حكومة فاقدة للشرعية لا تستطيع إدارة البلد، وقد اعترف رئيسها بالأمس بالعجز عن هذا الموضوع، وبالتالي من المفروض أن نبحث عن حلّ يرضي الجميع، والحل ليس معقداً ، فإذا تطلبت الحكومة ضمانات معينة نحن حاضرون لكل أنواع الضمانات التي تزيل المخاوف، ونقول بكل جرأة : لا نخشى من الضمانات ونحن عند كلمتنا والتزامنا من أجل تسيير الوضع باتجاه إعادة لبنان إلى سكة الحل.
لا حل من دون حكومة وحدة وطنية، ولا إمكانية لأحد أن يدير البلد من دون مشاركة، ونحن حاضرون للمشاركة بكل إيجابية، ومرور الوقت ليس لصالح التسلط، لأن الشعب اللبناني لم يعد يرضى لا بالتسلط ولا برفض المشاركة، يريد المشاركة بشكل فعلي، واطمئن من يريد أن يطمئن أن لنا عينان بحمد الله تعالى : عين على الجنوب وعين في الداخل، عين الجنوب حمته من إسرائيل وانتصرت وهي ما زالت مبصرة بشكل أفضل مما كانت عليه في السابق، وعين في الداخل لأننا شركاء في الوطن ويجب علينا أن نحميه حتى لا يأخذ الأمريكي بالسلم والسياسة وبالأعيب ما لم يأخذه بالعدوان والحرب على لبنان، ومن حق اللبنانيين علينا وكل شركاؤنا في الوطن أن نكون فاعلين بشكل مباشر.
أما الاعتصام في وسط بيروت فهو إعلان يافطة تخبر الرأي العام العالمي والدولي والإقليمي والمحلي أن لبنان في مأزق، هذا الاعتصام هو طريق الضغط من أجل الوصول إلى حكومة وحدة وطنية ومعالجة المسائل الأخرى المرتبطة بها، ومن اعتقد أن الاعتصام هو للتعطيل فهو مخطئ لأن التعطيل يحصل لو كان البلد سائراً باتجاه معالجات معينة، لكن اليوم مع عدم وجود حكومة لا يوجد إدارة سياسية في البلد، وبالتالي هو معطل، نحن نعتصم في وسط بيروت لنقول : حرامٌ عليكم أن يبقى البلد معطلاً ، تعالوا من أجل أن نناقش حلاً تأتي من خلاله حكومة تستطيع أن تحمل وزر تبعات ما يحصل في لبنان لمصلحة الحل ولمصلحة المعالجة.
سمعتم بالأمس وستسمعون في الأيام القادمة الكثير من التوتر من قوى السلطة، ونحن نفهم لماذا هم متوترون لأن الرأي العام في لبنان أصبح مدركاً تماماً إيجابية المعارضة الكبيرة في المعالجة ،ووضع العراقيل أمام الحلول من قبل قوى السلطة، وكذلك يستمع الشعب اللبناني جيداً إلى التصريحات الدولية التي لا تريد حلاً، وإذا كان البعض يراهن على تطورات العراق أو أحداث إيران أو تطورات المنطقة ويريد أن يعلِّق الأمور لمدة أشهر من أجل أن يرى ما هي النتائج التي ستحصل في الخارج فنقول له: هذا إضاعة للوقت ولحق لبنان ولحق اللبنانيين في الحياة الحرة الكريمة، تعالوا نتفاهم من غير التفاهم لا يوجد حل في لبنان ولو طال الزمن ، فلا يراهنن أحد على أن الإخضاع الدولي يمكن أن يحل مشكلة في لبنان ، التفاهم الداخلي هو الذي يحل كل المشاكل وبغير التفاهم لا يوجد حلّ.