نحن نعتبر أن اتفاق الدوحة طوى صفحة الرهانعلى أمريكا من قبل البعض في لبنان، وأنجز انتصارات هامة للمعارضة منها انتخاب رئيس توافقي وقيام حكومة وحدة وطنية، وإنجاز قانون للانتخابات وبداية التنافس الانتخابي، بانتظار هذه الانتخابات التي ستجري إن شاء الله تعالى في شهر حزيران 2009. إذاً نحن الآن في مرحلة مختلفة عن المرحلة التي سبقت اتفاق الدوحة، بل نستطيع القول أن ثلاث سنوات صعبة ومعقدة بدأت بالقرار المشؤوم 1559 قد أُقفل الباب عليها، وانتقلنا إلى مرحلة جديدة هي مرحلة ما بعد اتفاق الدوحة، حيث أدلى كل فريق بما عنده واستعان بمن استعان به ووصلنا إلى النتيجة التي تقول بأن على اللبنانيين أن يفتِّشوا عن أمورهم بحسب جمهورهم، وأن لا يكون اتكالهم على الاجنبي واعتمادهم على الدعم الخارجي، لأن هذا الدعم لن يغيِّر المعادلة ما دامت هناك قوى جماهيرية وازنة ترفض هذا التدخل الأجنبي، وبالتالي نحن نعتبر أن ضربة كبيرة قد سُدِّدت إلى الوصاية الأمريكية في لبنان في هذه المرحلة. وعندما ندعو إلى التوافق، ودائماً تسمعون كلمة توافق، وعلى الطريقة اللبنانية بسبب التعقيدات الموجودة في لبنان، من التنوُّع الطائفي إلى العصبية المذهبية إلى الخصوصيات التي تجعلنا أشبه بمجموعات تحاول أن تعيش مع بعضها بحدٍّ أدنى من التفاهم، لذا يأتي هنا التوافق كخطوة من خطوات الحل، حتى لا تكون القرارات استفزازية يفسِّرها فريق أنها ضدَّه من الفريق الآخر. هذا التوافق في رأينا يحمي المؤسسات الدستورية ويُبعدها عن الشبهة في أنها منحازة، خاصة إذا كانت مؤسسات تفصل في الأمور وتحكم بين الناس كما هو حال المجلس الدستوري، والهيئة العليا للإشراف على الانتخابات أو أي موقع من المواقع يتطلب حسماً وقراراً وجهة فوقية تستطيع أن تأخذ القرار وأن تحسم الجدل، أما وقد اختاروا في المجلس النيابي على طريقتهم اللعبة الديمقراطية كما يقولون، وانتخبوا بالأكثرية مقابل الأقلية في ميزان المجلس النيابي، فإذاً عليهم أيضاً أن يحترموا هذه اللعبة الديمقراطية في مجلس الوزراء، فيختار المعارضون الطريقة المناسبة لإنجاز المجلس الدستوري وفق ما أعطاهم إياها الدستور، أي أن يمنعوا الآخرين من اتخاذ القرارات إلا بأغلبية الثلثين، وبما أن أغلبية الثلثين ليست عندهم فهم بحاجة إلى توافق، وهم يتحمَّلون مسؤولية النتيجة على قاعدة أن يكون في مجلس الوزراء ما كان في مجلس النواب من اختيار كل طرف ما يراه مناسباً وفق اللعبة الموجودة في هذه المؤسسات. يُخطئ من يظنّ أننا نختبئ وراء التوافق لنحمي أنفسنا، نحن نختبئ وراء التوافق لنمنع حالة التشكيك المتبادلة، ولنطمئن الناس بخطوات تساعد على أن ننجز ما هو مطلوب منا في لبنان.
وضعنا مرتاح جداً على كل الأصعدة، لا نشعر بقلق ولا نخاف من نقاش أي موضوع، ولسنا في حالة توتر من أي احتمال يمكن أن يحدث في هذه المنطقة، ولا ترعبنا تهديدات اسرائيل التي يغلب عليها الطابع الانتخابي، خاصة وأن اسرائيل جرَّبت حظَّها وكان متعثِّراً وفاشلاً، إذاً سنتابع في لبنان على قاعدة المتاح وبما تسمح به الظروف، متأملين أن يرتفع الجميع إلى المستوى اللائق، فيحفظون التهدئة ويتناقشون على قاعدة الخلاف السياسي وليس على قاعدة الشتائم والتهم، وعلى كل حال هذا مسار لا بدَّ أن نتحمَّل كل ما يُحيط به.