إنجازات المقاومة في لبنان أصبحت راسخة رسوخ الجبال، ولن يتمكن أحد من أن يهزَّ كيانها أو أن يُسقط منها، لأنها تجذَّرت في العقول والقلوب وفي مستقبل هذه الأمة ببركة إنجازتها وعلى رأس هذه الإنجازات الانتصار الالهي الكبير في تموز 2006. إنجازات المقاومة أذهلت الأعداء، فواجهوها من كل حدب وصوب، بالإعلام والمواقف السياسية والعدوان المحلي والاقليمي والدولي، وبأشكال العدوان كافة، لكن في نهاية المطاف لا بدَّ أن يرتفع صوت الحق ولا بدَّ أن تنتصر رايات الهدى، ولا بدَّ أن يتحقَّق وعد الله تعالى "وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين".
إنجازات المقاومة في لبنان ثلاثية الأبعاد: بعدٌ ثقافي وبعدٌ سياسي وبعدٌ عسكري. أما الإنجاز في البعد الثقافي فهو يتمثَّل في قناعة الأمة وقناعة شعبنا أن المقاومة هي الحل وليس الاستسلام، وأن العزة هي الحل وليس الذل، وأن الوقفة الشجاعة هي المطلوبة وليس الهرب أو الاختباء، وأن الثقة بالله وبالنفس وبالشعب وبالمقاومة أعلى وأرفع من الاحباط الذي يُصيب بعض المتهورين أو الخانعين الذين يستمعون لشرق أو غرب، أو يعودون إلى حسابات مادية بعيدة عن العطاء الإلهي. أما في السياسة فقد أنجزت المقاومة عنواناً رئيساً بعدم الخضوع للإرهاب الدولي مهما طالب يد هذا الارهاب ومهما كانت إمكاناته، وعلَّمتنا المقاومة كيف نصرُّ على تحرير الأرض، وكيف نعمل للاستقلال والسيادة غير المنقوصة، وكيف نأخذ حقَّنا بأيدينا لأن الحق لا يُمنح ولا يوهب من قبل الظلمة والكفرة والمعتدين والمحتلين. وأما في العسكر، فأي حديث نتحدث، عن شباب أبدعوا في المواجهات البطولية، حتى كان وصفهم وصفاً عزيزاً شامخاً لا يتمكن أحد من أن يُعطيهم حقَّهم في ترجمة أعمالهم بعد ما قدَّموا وهزموا الجيش الذي لا يُقهر. إسرائيل تهدد بين الحين والآخر أنها تعدُّ لنا العدة، ونحن نقول لهم: تعدُّون عدتكم ونعدُّ عدَّتنا، ورأيتم تجربة ونموذجاً في تموز، فإن جرَّبتم مرة ثانية فإن النتيجة ستكون مختلفة بكل المعايير، فكفاكم عنتريات وأنتم مهزومون، ولن ننجرَّ إلى مجاراتكم بعد أن وفَّقنا الله تعالى بالنصر، لكننا نشير إليكم أن أسود الله ورجال الله تعالى جاهزون في الميدان عندما ترتكبون أي حماقة.
الآن بعد أن حاولت أمريكا بالعسكر وفشلت في إطفاء شعلة المقاومة، وحاولت بالضغوطات السياسية لثلاث سنوات في لبنان وفشلت، وحاولت في المنطقة من العراق إلى فلسطين إلى أفغانستان إلى إيران وسوريا وفشلت، أصبحت تتعلَّق بوميض أمل لا أمل فيه إن شاء الله تعالى، وهو نتائج الانتخابات النيابية القادمة في لبنان، يعني تصوَّروا أن أمريكا وصلت إلى حدٍّ تنتظر فيه نتائج الانتخابات في لبنان. يُسأل المسؤولون الأمريكيون أن كيف ستعملون في لبنان فيقولون أن السلاح للجيش اللبناني مؤجل لحين معرفة نتيجة الانتخابات، والخطوات السياسية للإدارة في لبنان مؤجلة بانتظار معرفة نتيجة الانتخابات، أي أن أمريكا حائرة لا تعرف نتيجة الانتخابات، وإن كانت دوائرها ترجِّح فشل من تعتمد عليهم، لكن على قاعدة أن يبقى الأمل ولو بسيطاً، خاصة وأن الأموال تُدفع كالشتاء والاعلام يروِّج بطريقة هستيرية والعمل ليل نهار من أجل الحصول على بعض المقاعد للترويج للأكثرية، لكن إن شاء الله تعالى ستكون النتائج كما يرغب الناس وكما يحبون لمصلحة المنهج السليم الذي يحمي لبنان من أمريكا ومن إسرائيل ومن كل الطامعين في هذا البلد بشكل عملي من خلال نتائج الانتخابات النيابية القادمة.
أقول لكل أولئك الذين ما زالوا يراهنون على أمريكا: أما آن لكم أن تتوقفوا، اسمعوا "انديك" منذ أيام ماذا يقول؟ يدعوا اللبنانيين إلى عدم المبالغة بالحديث عن مصلحة لبنان الاستراتيجية في العقل الأمريكي، لأن أمريكا تفكر بغير هذه الطريقة، تفكر بالاستحواذ على لبنان لا بمصلحة لبنان، وأما فيلتمان السفير السابق فهو يدعو جماعة 14 آذار أن يقولوا في اجتماعاتهم مع الإدارة الأمريكية ماذا فعلوا وماذا قدَّموا؟ لا أن تكون اللقاءات عبارة عن سؤال للإدارة الأمريكة: ما عندها وماذا ستفعل؟ هو يريد أن يقول لهم أننا فعلنا لكم الكثير، لكن الآن مسؤوليتكم أنتم أن تقدموا وأن تعتمدوا على أنفسكم، ثم يأتي الأمريكي ليستثمر.
نحن اليوم نصر على أن يكون العمل لمصلحة استقلال لبنان في نتيجة الانتخابات النيابية، ولنكن واضحين، الانتخابات النيابية القادمة ليست مقاعد أكثرية وأقلية، الانتخابات النيابية القادمة هي خيارات سياسية يختلف عليها الفرقاء، فمن نال الأكثرية حمى خياره السياسي، واستطاع أن يقدِّمه كخيار قادر على الاستمرار وأنه هو الأولى في مقابل الخيار السياسي الآخر، نحن واضحون بأن خيارنا السياسي له دعائم نصرِّح بها ونجاهر بها، من دون أن نتحدث بطريقة ملتوية، أولاً نرفض ربط لبنان بالوصاية الأمريكية ونؤكد على استقلاله وسيادته بكامل الأرض اللبنانية إلى الحدود وليس إلى الخط الأزرق، ولخروج اسرائيل بالكامل من دون قيد أو شرط. ثانياً ضرورة الاستعداد الدائم لبناء الجيش القوي والمقاومة القوية والشعب القوي لمقاومة الاحتلال والخطر الاسرائيليين، ورفض التوطين والعمل بشكل دؤوب من أجل مواجهة الاستحقاقات التي تفرضها اسرائيل بعدوانها على لبنان. ثالثاً نؤكد على لبنان الموحَّد، ونرفض الفدرلة والتقسيم تحت أي عنوان وتحت أي شعار وضمن أي مبرِّرات، لأن التقسيم والفدرلة مشاريع اسرائيلية وليست مشروع لبنان الوطن. رابعاً نرفض المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين لبنان وإسرائيل، ونحن نعلم أن المساعي الأوروبية والأمريكية في هذه المرحلة تركز على الضغط على لبنان لعقد مفاوضات مع إسرائيل، لأنهم يريدون صورة من صور التطبيع مع لبنان، من دون إعادة حق لبنان ومن دون تحرير الارض، نحن نرفض هذه الضغوطات الأوروبية والأمريكية، ولا نقبل بفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل لأنه ليس عندنا ما نناقش به هذا العدو الاسرائيلي، عليه أن يخرج من الارض المحتلة وأن يتوقف عن اختراق الأجواء، وليس لدينا ما نعطيه أو نبادله، وبالتالي لا حاجة للمفاوضات مع إسرائيل، وإذا كان الرئيس الفرنسي سيأتي إلى لبنان من أجل الضغط على الرئاسة والحكومة لعقد مفاوضات مع إسرائيل، نقول له لا تتعب نفسك لأن الأمر غير وارد. أهلاً بالزائرين الذي يريدون مساعدة لبنان، ويريدون إعانته لكن لا نقبل هذه الاتجاهات الأمريكية المتكررة التي تفكر أن تأخذ من لبنان لما فيه مصلحة إسرائيل. خامساً نؤكد على ضرورة تمتين العلاقات اللبنانية السورية كما وردت في اتفاق الطائف بأن تكون علاقات مميزة بين دولتين، تحقِّق مصالح الدولتين في مواجهة التحديات المختلفة في كل المسائل التي تعني البلدين. سادساً ندعو إلى الاهتمام بقضايا الناس المعيشية والاجتماعية والاقتصادية. سابعاً ندعو لمواجهة الفساد والهدر والاحتكار واستغلال الموقع على قاعدة أن من يكون في موقع رسمي يجب أن يكون لمصلحة الناس وأن يكون مسؤولاً أمام الشعب. هذه هي دعائم الخيار السياسي الذي اخترناه.
هنا أريد أن أقول أن التوتير السياسي المفتعل هو توتير بهدف تحسين الشروط الانتخابية عند البعض بإثارة الحساسيات والمذهبيات والنعرات الطائفية، لكن هذه لن تنفع في تغيير الخيارات السياسية للناس، ونحن الآن نسمع ومنذ اتفاق الدوحة خطابات توتيرية لموضوعات غير موجودة، يخترعون الموضوع ويفتِّشون للرد عليه، لاحظوا منذ اتفاق الدوحة وحتى الآن، ما هي الموضوعات ذات الأهمية التي أُثيرت وتم انتقادها من أجل تصحيحها لمصلحة لبنان، كل كلمة تصدر في صحيفة أو في اجتماع مجلس الوزراء أو في أي موقع من المواقع، يأخذون الكلمة ويحوِّرونها ويصنعون موضوع عليها، ثم ينتقدونها ويُظهرون أنفسهم بأنهم يدافعون عن لبنان. هذه فقاقيع سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع، ونحن في أغلب الأحيان لا نردُّ عليها، لأننا نعرف أن الفقاقيع تنتهي في مهدها وفي محلها، أما إذا رددنا عليها سنجعل منها قضية وموضوع من الموضوعات. لاحظوا في مسألة العلاقة مع سوريا، كانوا دائماً يقولون نريد علاقات دبلوماسية مع سوريا، وعندما تقرَّرت العلاقات الدبلومسية مع سوريا بدأوا يتحدَّثون عن تفاصيل لها علاقة بالعلاقات الدبلوماسية ويعترضون على الزيارات التي تحصل إلى سوريا، علماً أنها جزء لا يتجزأ من إعادة العلاقات بين لبنان وسوريا، انتقدوا زيارة العماد عون انتقادات كبيرة جداً، وقالوا بأنها ستخفِّض من شعبيته، فماذا كانت النتيجة؟ زادت شعبيته مسيحياً، رفع من أسهمه في ساحته، ومدَّ جسوراً مهمة للمستقبل. في مجلس الوزراء لم يتحدث أحد عن الثلث المعطِّل، وإذ بنا نجد أصوات ترتفع هنا وهناك، مع العلم أن الأمور سارت بتفاهم وكانت النتيجة الهيئة العليا للانتخابات والأمور تسير بشكل عادي وطبيعي. أعتقد أننا من الآن وحتى الانتخابات النيابية القادمة سنواجه الكثير من الفقاقيع السياسية الاعلامية، إذا دلَّت على شيء فهي تدلُّ على قلق وخوف من نتائج الانتخابات، وتدلُّ على ضعف في إقناع الناس بالمنهج السياسي المتكامل لخوض الانتخابات، نحن ندعوهم إلى طرح منهج سياسي متكامل للانتخابات في مقابل هذا المنهج الذي نقدِّمه، وليختر الناس على أساس المنهج السياسي.
أخيراً، تحية إلى "منتظر الزيدي" الذي حوَّل حذاءه إلى صفعة ذلٍّ سُجِّلت على جبين "بوش" في سجله التاريخي، وسطَّرت موقفاً سيُسجل لأفشل رئيس أمريكي مرَّ حتى الآن، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل أننا نستطيع أن نصنع عزَّتنا بأبسط الوسائل التي نملكها، ولكن المهم أن نملك القرار والإرادة، فهذه المقاومة على قلة عددها وعدَّتها حقَّقت أكبر انتصار على إسرائيل خلال ستين سنة، وهذا دليل أننا نملك الامكانات ولكن نحتاج إلى الإرادة.