الآن لم يعد لبنان ساعة للآخرين بل أصبح لبنان وطننا نحن ولن نسمح لأحدٍ أن يلعب فيه. لقد جرّب الأمريكيون واعتقدوا أنه بكثافة تدخلهم يمكن أن يغيِّروا المعادلة في لبنان، فوضعوا كل ثقلهم ابتداءاً من القرار 1559 ومروراً بالحرب على لبنان، وبالقلاقل والأحداث والاغتيالات التي حصلت ومروراً بدعم الحكومة اللاشرعية السابقة، وبكل التدخلات الأجنبية والعربية التي أرادت محاصرة الشعب اللبناني، فماذا كانت النتيجة: خرجت أمريكا خائبة. اليوم أمريكا تستطيع أن تحصل على بعض ورود الموتى من أجل تعزيتها بخسارتها لثلاث سنوات عمل في لبنان، وتستطيع المقاومة والمعارضة ومن سار في هذا الاتجاه أن يرفع رأسه بأنه هزم أمريكا في لبنان وانتصر للبنان لا لغير لبنان، هذا المشروع الأمريكي كان يريد لبنان بوابة، وبعض من في الداخل اعتقد أنه يمكن أن يستفيد من هذا المشروع، وأنا أخاطبهم اليوم وأقول لهم: إذا لم تقرأوا ما حصل لأمريكا ومن معها خلال السنوات الثلاث، ولم تتَّعظوا عِبَراً منها فهذه خسارة كبرى، ومن الجرأة أن يقف الواحد منكم ويقول: مرَّت هذه المرحلة وعلينا أن نعيد النظر في المرحلة القادمة، وثِقوا أن أيدينا ممدودة لكم لنعمِّر لبنان معاً، لا نريد لبنان لنا وحدنا بل نريده للجميع.
ممّاَ تخيفكم هذه المقاومة، هي مقاومة ضد إسرائيل، ولكن عندما نتصرف مع المقاومة بأنها عدو فمن الطبيعي أن تحتاط هذه المقاومة لنفسها وأن تلتفت إلى الحدِّ الأدنى المناسب كي لا تكونوا في الخندق الآخر، لكن ثقوا أن هذه المقاومة هي ضد إسرائيل وضد إسرائيل فقط، أما في الداخل فنحن حاضرون للتنافس الانتخابي والشعبي، وهذه الانتخابات قادمة ولينجح من يستحق أن يختاره الناس، والحمد لله أنهم مطمئنون للنجاح ونحن أيضاً مطمئنون للنجاح، وهذا سبب مهم لنجاح الانتخابات النيابية، وبعد ذلك نرى صناديق الاقتراع ونتفرَّج على نتيجتها.
نحن نعتقد أن كل ما حصل بعد انتصار تموز المشرِّف هو نتيجة هذا الانتصار، وإلا كانت صورة لبنان مختلفة، بمعنى آخر اتفاق الدوحة هو مخاض المعاناة السياسية التي أرادتها أمريكا بعد الخسارة المذلة لإسرائيل وأمريكا في تموز، فكانت شعارات اتفاق الدوحة إعلان الهزيمة السياسية النهائية للمشروع الأمريكي بعد الهزيمة العسكرية والسياسية للمشروع الإسرائيلي في تموز 2006، وفي قناعتنا أن الانتخابات النيابية القادمة مدينة لانتصار تموز بأن تحصل بإذن الله تعالى، وهنا سيختار الناس من يريدون لعلها تكون الانتخابات المميَّزة التي يختار فيها الناس بملء إرادتهم خارج الوصاية الأجنبية، نعم هناك أموال تُدفع لكن باعتقادي أن هذه الأموال تشتري ضعاف النفوس، وليكن ضعاف النفوس مع أصحاب الأموال أفضل من أن يُربكونا في صناديق الاقتراع، لأننا نريد من يُعطي صوته بشرف ولا يبحث عن البدل، وإنما يُعطي المال والصوت والدم في سبيل الوطن.
اليوم ألا ترَون الانتهاكات الصهيونية التي تتكرر بطلعاتها الجوية، حتى أن الجيش اللبناني أصدر بالأمس تحدث فيه عن اختراق 14 طائرة حربية الأجواء اللبنانية في يوم واحد، ألا يستحق هذا اجتماعات من أفرقاء مختلفين في لبنان للإدانة ورفع الصوت في وجه إسرائيل، لم نسمع صراخاً بوجه إسرائيل منذ زمن، إذاً في وجه من يكون الصراخ؟ يطالبنا البعض بأننا دائماً في حالة صراخ في وجه إسرائيل، نحن لا نخترع مشكلة وندافع عنها ونبلبل الساحة من دون فائدة ومن دون ثمرة! نحن لا نشتغل أوهاماً ولا نخدع الناس، إن رأينا إسرائيل تعتدي سنقول للناس، وسنقول لهم أيضاً سنردُّ الاعتداء بالطريقة الصحيحة ولردِّ الاعتداء ثمن، والناس معنا لأننا نصدقهم فيما نقول، ولن نخترع لهم عدواًّ وهمياً، فالعدو إسرائيل وليس لنا عدوٌّ آخر.
الأمر الآخر، أمريكا خسرت في لبنان وفي العراق وفي سوريا وفي إيران وغيرها، أمريكا هذه يتكلم رئيسها المشؤوم "بوش" ويقول: إن إخفاق الاستخبارات في العراق هو مبعث للندم الشديد بالنسبة لهذه الإدارة. بعد اجتياح بلد بكامله وقتل وجرح مئات الآلاف، وانعكاس الاحتلال الأمريكي للعراق على كل المنطقة، والأثمان الاقتصادية والسياسية التي دُفعت يقف "بوش" ليقول أنا نادم، أنا أقترح لو أن بعض القانونيين يستطيعون إيجاد مدخل لمحاكمة بوش وسوقه إلى العدالة، أما بالنسبة لنا فـ "بوش" مجرم حرب دولي وأول إرهابي في نظر كل الناس وكل المؤمنين بقضيَّتهم. ولا بدَّ أنكم سمعتم بالخبر الآخر: أكثر من مئة دولة تجتمع في أوسلو لتوقِّع على حظر القنابل العنقودية، فترفض أمريكا وإسرائيل، وفي تبرير أمريكا تقول: أمريكا لا تريد أن توقِّع معاهدة حظر القنابل العنقودية لأنها تعتقد أن هذه الأسلحة ضرورية، وهي من الجرائم الكبرى، وحدها أمريكا عندها حوالي مليار قنبلة عنقودية في مخازنها، وهي التي تعطي إسرائيل منها، فأين هي العدالة الموجودة في الغرب. ثِقوا أنه من يجبن مع أمريكا تستأسد عليه أما من يقاومها فتحترمه وتأتي غصباً عنها لتبحث عن طريق لتصل إليه، نحن سنكون هنا مقاومين شرفاء وسنرفض الإملاءات الأمريكية، ونعلم أنه في يوم من الأيام ستبحث عن كل السبل لتتحدث مع المقاومين الشرفاء، وإذا لم نجد ما ينفعنا لن نسمح لهم حتى بالكلمة الواحدة، لنقول لهم: لسنا بحاجة إليكم، فمن كان معه هذا الشعب الطيب الطاهر الأبيّ لا يحتاج لا لأمريكا ولا لأوروبا. المطلوب اليوم من الإدارة الأمريكية أن تُثبت أنها صاحبة ضمير، لأن صورتها وسمعتها سيئة، أما المقاومة صورتها طيبة وشريفة في قلوب أحبتها، حتى عندهم في الغرب يحترمون المقاومة لأنهم رأوا شرفاً قلَّما رأوه في عالم متخاذل يتراجع أمام سطوة أمريكا.
الأمر الآخر، زيارة العماد عون إلى سوريا زيارة تاريخية، وهذه الزيارة تفتح الأبواب لإلغاء الحواجز المصطنعة بين الشعبين اللبناني والسوري وليس بين البلدين على الصعيد الرسمي، وبالتالي نحن نعتبر أن خيار العماد عون هو خيار استراتيجي وليس مجرد زيارة عادية أو بروتوكولية، هو يشقُّ طريقاً سيؤثر على تغيير التحالفات ومعالم القوى في المنطقة، وأيضاً سيؤثر على بناء لبنان المستقبل، لأنه بهذا الموقف الشجاع والاستراتيجي يُنشئ ما لم يتجرأ الكثيرون على إنشائه، على الأقل هناك الكثيرون ممن ذهبوا إلى دمشق سرَّاقاً وطالبين للمواقع أما هو فذهب ندًّا ليُعطي ويأخذ من موقع وطنه لبنان الذي يريده شامخاً عزيزاً. أنا لا أستغرب الحملة الكبيرة على الجنرال عون، فكلما ازدادت الانتقادات للجنرال عون كلما كان يعني ذلك أن عون يتقدم بشكل سريع جداً، فإذا سمعتم صراخاً يعني أنه أصبح في العلياء. مباركة خطوة العماد عون وإن شاء الله إلى الأمام، وبالتالي هذا موقف شريف سيترك آثاره. يتكلم البعض أنه هل ازداد عدد الناخبين للعماد عون أو نقص بعد الزيارة؟ من يصنع لمستقبل لبنان لا يفتش عن عدد الناخبين، هؤلاء الناخبون سيعطونه إن شاء الله أكثر مما تتوقَّعون وسينجح إن شاء الله في الدوائر التي لا تتوقَّعونها. لقد ذهب الجنرال عون إلى سوريا من موقع الزعيم المسيحي الوطني الذي يحمل قضية وجود مسيحيي الشرق من خلال مسارهم وسياساتهم وهذه قيمة الزيارة. وهنا لا بدَّ أن نحيي رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي كانت له زيارة مفصلية إلى سوريا صوَّبت العلاقة بين الدولتين وفتحت أوتوستراداً يسع الجميع، ونحيي أيضاً قائد الجيش العماد قهوجي الذي حفظ عقيدة الجيش المقاوم في وجه إسرائيل، وحدَّد مهمَّته في حماية السلم الأهلي والدفاع عن لبنان، وذهب إلى سوريا من هذا الموقع ليتعاون مع الأشقاء السوريين لمصلحة لبنان ولمصلحة سلمه الأهلي ودفاعه ضد إسرائيل وهذا أمر عظيم ومهم.
ويجب أن نذكر بأن اقتراح قانون سن الاقتراع في سن الثامنة عشرة موجود في أدراج المجلس النيابي، ونحن ندعو النواب الأفاضل أن يُسرعوا ويقرُّونه لأنه من حق الشباب أن ينتخبوا إلا إذا كان البعض يخاف، على كل حال من يخاف من هؤلاء الشباب لن يربح من الذين هم أكبر منهم، هؤلاء الشباب هم روَّاد المستقبل وحق الانتخاب حقٌّ طبيعي لهم.
أما في مسألة مداخيل الحكومة، يبدو أنهم استأنسوا بفروقات الأسعار في البنزين، وبدأ يدخل عن كل تنكة بنزين حوالي عشرة آلاف ليرة وهي قابلة للتصاعد، نحن ندعو إلى تخفيض سعر تنكة البنزين لما لها من آثار كبيرة على كل شيء، ولتخفِّف الحكومة من الرسم الذي تأخذه.