نحن اليوم في لبنان نحتاج إلى فترة من الهدوء والراحة، لأن لبنان يعاني الأزمات المحلية والاقليمية والدولية، لأنه لا يعكس فقط مشاكله وإنما يعكس مشاكل المنطقة ومشاكل العالم، لأنهم في الخارج يطمعون بلبنان كساحة ويرَونها ساحة جذابة، خاصة أن هناك فئات في لبنان مستعدة لأن تبيع ضمائرها من أجل أن تحقق بعض المكاسب حتى لو كان على حساب البلد، وبالتالي لبنان الساحة يؤدي إلى أن يتعب الناس وأن يعانوا كثيراً. على كل حال جرّب الكثيرون كيفية الواقع اللبناني مع هذه التدخلات المختلفة ومع هذه الظروف المختلفة، والحمد لله وصلنا إلى محطة اتفاق الدوحة التي نعتبرها محطة معقولة ومنطقية وسليمة من أجل أن نفتح صفحة جديدة نُلغي من خلالها كل التراكمات السابقة أو نؤجِّلها إلى أجلٍ غير مسمى، على قاعدة أن نفتح صفحة جديدة لمعالجة شؤوننا الداخلية في جوٍّ من الهدوء والنقاش السياسي والتفاعل بين الأطراف، وتقبُّل الطرف الآخر حتى ولو كان مخالفاً. وهنا يحتاج الرأي العام إلى مصارحة، أصبح معلوماً أن توتير الأجواء ومذهبة السياسة ومشاكل الشوارع هي أمور عبثية لا تُعطي فائدة لأحد، وهي تخرِّب على الجميع وأوَّل من تخرِّب عليهم أصحاب الفتنة، وقد اكتشف الناس بما لا يقبل الشكّ أن هذا الوضع المتوتِّر لا يخدم أحد سياسياً، ولا يرفع من شأن أحد على المستوى السياسي، ولا يقدِّم لا منصب ولا موقع ولا خدمة لمشروعه السياسي، إذاً علينا أن نعود إلى الحلِّ، والحل هو ما رُسِم في اتفاق الدوحة، الحلّ هو بالتوافق وبحكومة الوحدة الوطنية وبالانتخابات النيابية، والانتقال إلى انتاج السلطة مجدداً وليختر الناس ما يريدون، لأن الاحتكام إلى صناديق الاقتراع يشكل حلاًّ بينما الاحتكام إلى الشوارع لا يمكن أن يشكل أي حلّ، وهنا يجب التمييز بين المصالحات المتنقلة التي تجري في مناطق مختلفة هي في الواقع تختلف عن التحالفات، فالمصالحات تستهدف تنظيم الخلاف بطريقة سياسية بعيداً عن التوتير، أما التحالفات فهي المشاركة في رؤية سياسية واحدة وانتخابات واحدة وفي مشروع واحد، ليست المصالحات تحالفات ولا توصل المصالحات إلى التحالفات، وأقول لكم أكثر: المصالحات التي تجري اليوم لن تعيدنا إلى التحالف الرباعي السابق، وهذه المصالحات لن تعدِّل من تحالفاتنا كمعارضة ومن خوضها للانتخابات، كمعارضة تشترك جميعها في اللوائح وطريقة إدارة الانتخابات، ولكن بطبيعة الحال هي أمر مطلوب من أجل إراحة الساحة، وأنا أعتقد إنه إذا بقيت الأمور كما نحن عليه اليوم، لا يوجد أي مانع من أن تجري الانتخابات النيابية في موعدها المحدَّد، لأننا يمكن أن نسمع بعد أيام أو بعد فترة من يقول بأنه هل ستجري الانتخابات أم لا؟ ما المانع من أن تجري الانتخابات في موعدها، كل مرة يختارون لنا عنوان لإشغال الساحة، تارة عنوان: هل يقرُّ قانون الانتخابات أو لن يقرّ؟ هل هو معجزة قانون الانتخابات لكي لا يقرّ؟ يدخل إلى المجلس النيابي وتُبدى الآراء فتنجح الأفكار التي تنجح وتسقط التي تسقط ويقرُّ قانون الانتخابات، وكذلك الانتخابات يمكن أن تُجرى في موعدها المحدد ضمن الظروف التي نعرفها حالياً، أما ما يجري اليوم في بيروت من بداية نزع الصور والأعلام والشعارات فنحن كحزب الله ندعم بقوة وبفعالية نزع وكل الشعارات وكل الأعلام وجميع الصور، للشهداء وللأحياء على حدٍّ سواء، لتكون بيروت خالية من أي شعار خارجي وظاهري كي لا يشكِّل استفزازاً للطرف الآخر من أي طرف يضع هذا الشعار، وهذه كانت أمنية بالنسبة إلينا منذ أشهر وطرحناها منذ أشهر وكنا مستعدين كذلك، ولكن الحمد لله أن تنضج المسألة في هذا الوقت أفضل من أن تتأخر أفضل، لعلها في أجواء المصالحت توجد نمطاً من الراحة النفسية والسياسية وفي العلاقات بين الناس نحن جميعاً بحاجة إليه. وهنا نذكر أن الشعارات والصور التي ستُرفع من بيروت إنما تعزِّز مكانة بيروت وأهل بيروت، لأن بيروت العاصمة هي بيروت الثقافة، هي بيروت الشهادة، هي بيروت الحريَّات، وكلنا نعلم أنه عندما كان يريد أي فريق في العالم أن يقوم بمؤتمر فيه حرية من دون قيود، فكان يأتي إلى بيروت ليُقيم هذا المؤتمر، نحن نريد إعادة بيروت إلى موقعها وإلى أهلها وإلى أحبتها وأن نساهم فيها، لأننا نعتبر أنها عاصمتنا، هي جزء منّا ونحن جزء منها، وبالتالي لا يمكن أن نفرِّط بقلبنا ولا يمكن أن نفرِّط بعاصمتنا التي يجب أن ترتفع مجدداً بعناوينها المشرقة في سماء منطقتنا العربية جميعها، هذا هو ديدننا وهكذا سنعمل إن شاء الله تعالى.
وبما أننا نتحدث عن قانون الانتخابات، أخبركم بأننا ننوي تقديم اقتراح قانون إلى المجلس النيابي ليُصبح سنّ الانتخاب سنّ الثامنة عشر، لأنه لا يجوز أن يبقى هؤلاء الشباب لثلاث سنوات حتى سنّ الواحد والعشرين وهم بعيدون عن المشاركة في الحياة السياسية، خاصة أن وسائل الاعلام اليوم وخوض الواقع السياسي جعل الأطفال يفهمون في السياسة ويتَّخذون المواقف، فكيف بالشباب الذين بلغوا هذا العمر، ولعلنا حينما نجعل هؤلاء الشباب يساهمون في الانتخابات، فيختارون من يريدون ويُسقِطون من لا يوافق وجهة نظرهم، نكون بذلك قد ساهمنا في تنظيم الخلاف وساهمنا في إخراج المشاكسة من الشارع، خاصة أن هذا الناخب شاباً كان أو شابة له صوت يستطيع من خلاله يراكم لمصلحة هذا المرشح أو ذاك المرشح، وعندها يلتفتون إلى هؤلاء الشباب أكثر إن شاء الله.
أما بالنسبة لواقعنا مع إسرائيل، أعتقد أنه يجب أن ندرك حقيقة واضحة بأن لبنان لا يستطيع التغافل عن الخطر الاسرائيلي الاستراتيجي، فإسرائيل موجودة على حدود لبنان، وإسرائيل عدوانية منذ تأسيسها، وإذا أردت أن تعرِّف إسرائيل تقول: إسرائيل التي قتلت واحتلت ودمرت وارتكبت المجازر، ولم نسمع يوماً خلال ستين سنة أن إسرائيل طرحت يوماً فكرة يمكن أن تكون قابلة للحوار والنقاش، لأنها دائماً تستخدم قوتها للإعتداء على الآمنين. إسرائيل هذه مدعومة على المستوى الدولي لتفعل ما تشاء، وهذا ما يزيد من خطورتها، يعني لسنا فقط أمام عدو خطر بل أمام تآمر وظلم دولي يدعم هذا العدو ليفعل ما يشاء، فإذا قاتلنا وقتلنا يقف العالم بأسره من خلال مجلس الأمن والدول الكبرى ليعتبر أن إسرائيل تدافع عن نفسها، وهذه مصيبة كبرى، إذاً ماذا نفعل؟ هل نلجأ إلى مجلس الأمن؟ هل نلجأ إلى أمريكا؟ هؤلاء من يلجأ إليهم سيكون خائباً وسيُطلب إليه أن يدعم إسرائيل، حتى ولو كان الثمن أن يخرج من بيته ويدفع ماله دعماً لإسرائيل. نحن قرَّرنا أن لا نلجأ إلاَّ إلى الله تعالى، وأن نعتمد على قوتنا ومقاومتنا لمواجهة هذا المشروع، وقد أثبتت التجربة أن المقاومة فعالة وتستطيع أن تحقِّق الانجازات، وبكل وضوح نحن لا نتعامل مع إسرائيل على أساس أنها انتهكت الحدود أو أنها قصفت بعض البيوت، نحن نتعامل مع إسرائيل على أنها خطر وجودي وليس خطراً حدودياً فقط، هذا الخطر الوجودي فكَّر في يوم من الأيام أن يحتلَّ لبنان، ودخل إلى العاصمة بيروت، بقيَ إلى سنة 2000، يعني اثنين وعشرين سنة وفي يده بالحد الأدنى عشرة بالمئة من مساحة لبنان، ماذا كانت تفعل إسرائيل خلال اثنين وعشرين سنة في لبنان لو لم يكن لها أطماع ، هذا يعني أن إسرائيل لن توفِّر جهداً في هذا الاتجاه، وماذا كانت تفعل إسرائيل في الأردن وفي سيناء وفي الجولان، هذا دليل أنها توسُّعية وتريد أن تأخذ ليس فلسطين فقط بل كل البلدان العربية المحيطة، تمهيداً لتكون قد أقامت دولة من المحيط إلى الخليج، إذاً كيف نواجه هذا الخطر الوجودي، يجب أن نواجهه بالمقاومة والقدرة والقوة، وعلى من يطالبنا أن نتخلى عن مقاومتنا أن يُعطينا البديل الذي يمكنه من خلاله أن يواجه هذا الخطر الوجودي، أما أن يُقال لنا: اتركوا المقاومة ونناقش الأفكار بعد ذلك، نقول لهم أن هذا أمر لا ينفع لبنان، بالعكس فهل يتخلى أحد عن قوته ويُضعف نفسه ثم يفتِّش عن البديل، وفي قناعتنا البديل غير متوفِّرٍ بالأصل ولكن نحن نجاريهم ، ونقول لهم قدِّموا ما عندكم حتى نسمع، أما أن يعطينا أحدهم ضبابيات بأنه يجب أن تكون الدولة سيدة على نفسها وعلى مجتمعها وعلى أرضها، ونحن نقول أيضاً أنه يجب أن تكون الدولة سيدة أيضاً، وأن تكون هي التي تفصل في النزاعات وأن تكون هي التي تقاتل وتدافع عن أرضها، لكنها إذا كانت عاجزة وضعيفة ألا تحتاج إلى مساندة، المقاومة تساند الدولة في واجباتها، من يحقّ له أن يقول: لا نريد المساندة لو احتُلّ لبنان. طبعاً عندما لا يدفع ثمناً أو عندما لا يشعر أن هذا الخطر حقيقي، أو عندما لا يتَّعظ من اثنين وعشرين سنة احتلال عدا عن الاعتداءات، عندها سيكون له موقف لا يُقنع أحداً ولا يسجم مع أدنى الكرامة التي يجب أن تتوفّر لديهز من هنا نحن لم ننتظر حلولاً افتراضية لمواجهة اسرائيل، أمامنا المقاومة، ستستمر كما هي، وستتقوى أكثر فأكثر، وعندما تكون هناك حلول أخرى نافعة، نناقشها على قاعدة التسلُّم والتسليم، يعني نسلِّم القوة إلى قوة أخرى، ولا ننتقل من القوة إلى الضعف ثم نعود فنبحث عن القوة، لأننا إذا عدنا إلى الضعف لن نصل إلى القوة بعد ذلك لأنهم لن يدعونا، وأنا أقول لكم أنه يتوفيق الله تعالى مرَّت المقاومة في لبنان بين انشغالات إقليمية ودولية وظروف معقَّدة وأصبحت بهذه القوة، وإلا لو كانت الرقابة شديدة ودقيقة لما جعلوا المقاومة في لبنان من أن تصل وتُثبت نفسها، وقد حاولت اسرائيل سنة 2006 أن تنتهي من هذه المسألة، وإذ بها تُثبت وجود المقاومة قوية عزيزة أكثر ممَّا كانت في السابق، وستبقى إن شاء الله لعزة لبنان وكرامة لبنان، ومن كان عنده أي حلّ نناقشه فيقنعنا أو نقنعه، وعندها نسير معاً في ما نقتنع به، وعلى كل حال سيأتي الحوار في الاستراتيجية الدفاعية وهناك نتَّفق، وإلى أن نتَّفق المقاومة مستمرة بقوتها ومعنوياتها.