الموقف السياسي

الكلمة التي ألقاها في حفل الإفطار الذي أقامه حزب الله وجبهة العمل الإسلامي في فندق الكورال بيتش في 23/9/2008

الفتنة السنية الشيعية ليست صناعة لبنانية بل هي صناعة إقليمية أو دولية

وأبرز ما جاء فيها:

الناطقة باسم الحكومة الصهيونية أعلنت بشكل رسمي أمس أن إسرائيل اعترضت على "جفري فيلتمان" الذي جاء يناقش في إسرائيل إمكانية تزويد الجيش اللبناني ببعض الأسلحة، ولم ترضَ إسرائيل بإعطاء الجواب سراً والوصول إلى ما تريد إليه كما هي العادة مع أمريكا، ولكنها أعلنت ظناً منها أنها تذل اللبنانيين بهذه الطريقة في منع تسليح الجيش اللبناني من قبل أمريكا، نحن نعلم أن هذا الكلام يزيدنا قناعة في منهجنا المقاوم ولا نتأثر بهذا الكلام بل بالعكس إنما أعطونا دليلاً إضافياً لصوابية استمرار المقاومة، لكن أرغب أن انتظر ليومين أو لثلاثة أيام وأحب أن أسمع السياسيين ما هو تعليقهم على هذه الإهانة؟ وماذا سيقولون لأمريكا بمنع التسلح عنَّا؟ مع العلم أن بعض التفاصيل الأخرى التي لم تقلها الناطقة الرسمية تقول بأن إسرائيل اعترضت على إعطاء الجيش اللبناني مقاتلات وصواريخ أرض أرض وصواريخ أرض جو، وبالتالي المطلوب أن يبقى الجيش اللبناني مجرداً من القدرة حتى تبقى إسرائيل هي القادرة.

نحن نستنتج من خلال هذا الكلام أموراً أربعة:

أولاً: تريد إسرائيل إبقاء الجيش اللبناني ضعيفاً بحجج مختلفة كي لا يقوى في يومٍ من الأيام على مواجهتها، وهذا يعني إضعاف لبنان.

ثانياً: لو مدَّ الأمريكي جسراً جوياً ليل نهار للبنان، وعلى مدى سنوات وسنوات ليحصل لبنان على جزءٍ من قوة إسرائيل لما استطاع مع هذا الجسر الجوي، فكيف ببعض الأسلحة القديمة التي يطلب من بعض العرب أن يرسلوها بعد الاستخدام والصيانة إلى الجيش اللبناني، لكن هذا يؤشر بأن إسرائيل في تفكيرها الاستراتيجي ترفض البداية التي هي صاروخ أو طائرة، ولا قيمة لصاروخ أو طائرة اليوم ولكن تفكر إسرائيل بأنه يمكن أن يصبح لهذا الأمر قيمة بعد خمسين سنة أو مئة سنة وتفكر بطريقة إستراتيجية. عجباً لمن يريد تعرية لبنان من قوة مقاومته وهي الحد الأدنى للصمود ولولاها لما استطعنا أن نقف بوجه إسرائيل ولوجدناها اليوم في قلب العاصمة بيروت وفي أقصى لبنان، لأن المقاومة وحدها هي الشرف التي يستطيع أن يواجه إسرائيل بالتعاون مع الجيش اللبناني.

ثالثاً: زادتنا قناعة هذه الناطقة الرسمية الإسرائيلية بأن منطق المقاومة هو المنطق الصحيح، على الأقل هذه المقاومة قدَّمت إنجازات، أنجزت إخراج إسرائيل من قسم من لبنان سنة 1985، وأنجزت تفاهم تموز سنة 1993، وأنجزت تفاهم نيسان سنة 1996، والتحرير سنة 2000، والانتصار سنة 2006، وعملية الرضوان سنة 2008 ، وشارك فيها كل القوى من أحزب وشخصيات وفعاليات لبنانية وفلسطينية لأن المقاومة صلة متكاملة لا يفصل بينها تاريخ، هي منهج ورؤية فيمكن أن نعمل اليوم وعمل غيرنا سابقاً ويعمل معنا أو بعدنا آخرون، هذه مسيرة لا نملكها نحن هي لمصلحة لبنان، وقد أثبتت المقاومة أنها أهم إنجاز رادعٍ لإسرائيل، فإسرائيل لا ترتدع لا بالأمم المتحدة ولا بالخطابات هي لا ترتدع إلاَّ بصواريخ المقاومة وصليات الكاتيوشا.

رابعاً: المقاومة وسلاحها لهما وظيفتان: التحرير والدفاع، وليست المقاومة هدفاً بحد ذاتها إنما هي طريقٌ للعمل لتحقيق الهدف بالتحرير وبالدفاع، وبما أن المقاومة في لبنان حقَّقت هذه الإنجازات أصبحت لصيقة بالتحرير والدفاع، وبالتالي علينا أن نُبقي هذا الخيار المتاح أمامنا موجوداً وقائماً وقوياً وفاعلاً ما لم يقدِّم الآخرون خيارات أخرى يمكن أن تنفع ويمكن أن تصلح.

من هنا من يريد التحرير والدفاع بغير المقاومة وسلاحها فليقل لنا كيف، وإذا كان لا يريد أن يتحدث عبر وسائل الإعلام فنحن سنستمع إليه إن شاء الله على طاولة الحوار، وسنرى هذه الأفكار المبدعة التي تؤدي إلى إلغاء المقاومة وسلاحها لنسير معاً في التحرير والدفاع إذا كانت هناك من فكرة أخرى، أما من لا يريدهما فالبعض لا يريد المقاومة ولا سلاحها لأنهم لا يريدون التحرير ولا الدفاع، وإذا كانت إسرائيل تأخذ 10 أو 20 % من لبنان وتنتهي المشكلة فهم حاضرون أن يعطوها، وإذا كانت تنتهي المشكلة بالتوطين فهم حاضرون أن يوطنوا الفلسطينيين في لبنان، لكن لا يريدون التحرير ولا يريدون الدفاع، أقول لهؤلاء الذين لا يريدون التحرير ولا الدفاع فليسمعوا جيداً: لبنان ليس مزرعة لأحد، والدماء التي سقطت فيه لتحرره لن تذهب هدراً، وسنبقى أمناء على هذه الدماء حتى تسقط دماؤنا وترتفع إلى بارئها، ونحن أبناء هذا البلد، شركاء مع كل من ولد فيه، لا نسمح لأحد أن يفرط في شبرٍ واحدٍ من الأرض، هي السفينة التي إن خُرقت في مكان غرقنا جميعاً، فسنضع اليد على من يريد إغراق السفينة ويمنعها من أن تكون آمنة بمقاومتها وشعبها وجيشها ووفق المنطق ووفق الدليل الذي نقدمه للآخرين.

من هنا لن نقبل بأي مشروع أو تبرير أو قاعدة أو تنظير تجعل لبنان مكسر عصا، أو بوابة للوصاية الأمريكية أو خطوة على طريق مشروع إسرائيل الكبرى، هذا أمر محسوم ليس لأننا نريد السلاح، وليس لأننا نريد المقاومة، بل لأننا نريد الشرف والكرامة والعزة وتحرير الأرض، فالمقاومة وظيفة وليست هدفاً، الهدف هو أن نرفع رؤوسنا أمام العالم، وانظروا اليوم، كل لبناني كائناً من كان حتى أولئك الذين أساؤوا إلى المقاومة لو ذهبوا إلى أي مكان في العالم وعرف الناس أنهم من لبنان لكرَّموهم وقبَّلوهم لأنهم حققوا انتصاراً حقيقياً على إسرائيل، هذه مكرمة يتباهى بها الناس جميعاً فالأولى أن نتباهى بها نحن أيضاً.

النقطة الثانية لها علاقة بالفتنة المذهبية، الرياح المذهبية السنية الشيعية مستوردة إقليمياً ودولياً إلى لبنان وليس لها لا نبتة ولا شجرة ولا زرعة ولا أهل، هذه الرياح المذهبية الفتنوية أتتنا خلال السنوات الأخيرة من الخارج، وإلاَّ منذ تأسيس لبنان لم نسمع بفتنة مذهبية سنية شيعية فيه، والعائلات السنية الشيعية بالتزاوج تصل إلى عشرات الآلاف، يعني أعداد كبيرة والبيوت فوق بعضها البعض في المباني، والسكن في الأماكن الموحدة، هذا يعني أن الفتنة السنية الشيعية ليست صناعة لبنانية بل هي صناعة إقليمية أو دولية، طبعاً في الفترة الأخيرة أخذت الختم الأمريكي لأن أمريكا تريد أن تلهب الساحة بعنوان الفتنة السنية الشيعية من أجل أن تدخل إليها، خاصة أنها وجدت في الالتحام بين السنة والشيعة قوة لا يمكن مواجهتها، بالله عليكم قولوا لي: هل يمكن مواجهة قوة تمثلها حماس وحزب الله سنة وشيعة في مواجهة إسرائيل. ما الذي يجمعنا مع حماس: هم يخافون الله ونحن نخاف الله، هم يؤمنون بالله ونحن نؤمن به، كتاب واحد، ودين واحد ونبي واحد، ومشروع واحد في مواجهة المشروع الإسرائيلي، حتى عندما نتحدث عن تحرير لبنان هم يستفيدون من تحرير لبنان، ونحن نقول لكم إذا هم فلسطين نحن نستفيد لأننا نرتاح من إسرائيل فالعدو مشترك.

ولذلك يجب أن نفهم أنه لن يربح أحدٌ من الفتنة ومن دونها يربح الجميع ويرتاح الجميع، ولأنها طارئة فإن سد الأبواب عليها بوحدة وقوة لبنان وأكبر دليل هذه الوجوه الطيبة التي عبَّرت عن الوحدة السنية الشيعية، وبالتالي نحن معاً نبني لبنان البعيد عن الفتنة والذي فيه وحدة سنية شيعية ووحدة وطنية أيضاً تمتد إلى الجميع لأننا نؤمن بأن هذه الوحدة هي خيار لبنان وهي نصر لبنان إن شاء الله تعالى وسنكون معاً في مواجهة إسرائيل ، وسنكون معاً في رفض الشرق الأوسط الجديد الأمريكي، وسنكون معاً في بناء لبنان، وهنا تحية لكل من عمل من أجل أن يجمع المسلمين على طاعة الله ببركة هذه الليالي المباركة في العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك.

النقطة الثالثة: يتحدثون عن قانون الانتخابات، ويحصل التجاذب: متى يُقرر هذا القانون؟ ومتى لا يقرر؟ وهل سيقرر؟ نحن لا نتكلم كثيراً عن قانون الانتخابات لأننا مقتنعون بأن قانون انتخابات الدوحة مسارٌ إلزامي مهما تأخر، وبالتالي سيحصل إن لم يكن اليوم فغداً، وإن لم يكن غداً فبعد غدٍ، فكل الأموال الطائلة التي بدأت تتدفق لشراء الضمائر يمكن أن تشتري البعض ولكنها لا تغير النتائج، ولذلك نحن بانتظار الصناديق ومطمئنون بأن من سيصوتون لهذا الخيار لا يزداد عددهم بالمال ولا ينقص عددهم بالمال لأنهم أصحاب موقف، وكل أصحاب الموقف في لبنان لن يلجأوا إلى الأموال ليصوتوا سيلجؤوا إلى الموقف الحق الذي نأمل أن يكون انتصاراً لهذا المنهج الأصيل.

النقطة الرابعة مرتبطة بالحكومة فعلى الرغم من العمر القصير لهذه الحكومة لكنها تحمل عنوان حكومة الوحدة الوطنية، وهذا العنوان ليس لتقطيع الوقت، نحن لم ندخل كمعارضة إلى الحكومة من أجل أن يمر الزمن، إنما دخلنا لتتكاتف أيدينا معاً لنعمل على بناء لبنان بقدر استطاعتنا، ولذا أما هذه الحكومة ثلاثة أمور ضرورية ومستعجلة:

أولاً: عليها أن تعالج الملفات العالقة وتسرِّع إنجازها وخاصة ملفات الأضرار في حرب تموز أو في مخيم البارد أو في الأماكن المختلفة من أجل الإقفال على هذه الملفات المختلفة وإراحة الناس.

ثانياً: هذه الحكومة مسؤولة عن الإنماء المتوازن كي تعطي شيئاً من العدالة بين المناطق المختلفة.

وثالثاً: عليها أن تضع مقترحات وأن تبني خطوات تؤدي إلى معالجة الوضع الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي اليومي للناس ، وبالإمكان تحقيق بعض الإنجازات بالكهرباء أو الرغيف أو الماء أو الأمور الحياتية المختلفة من أجل أن يطمئن الناس بأن دولتهم بدأت تسير عجلتها بانتظار أن نصل إلى الانتخابات ثم تقوم الحكومة القادمة بمتابعة هذه المسيرة.

أخيراً: الإرادة الدولية مصطلح أصبح شائعاً ، ويقصدون به ما تُلزم به أمريكا العالم، هذه الإرادة الدولية ظالمة، ونحن لن نقبل بها مقياساً بيننا، لأنها ليست مقياساً للحق، في نظر هذه الإرادة الدولية إسرائيل مقبولة والفلسطينيون يجب أن يقتلوا، في نظر هذه الإرادة الدولية احتلال العراق شرعي وخروج الاحتلال من العراق فيه نظر، بنظر هذه الإرادة الدولية السلاح النووي الإسرائيلي يغض النظر عنه بينما النووي السلمي ممنوع على إيران، بنظر هذه الإرادة الدولية احتلال مزارع شبعا طبيعي ولكن المقاومة في لبنان أمر مستنكر، هل نخضع لهذه الإرادة الدولية؟ لن نخضع لها، يريدون أن نسلم بمقاييسهم لنصبح أدوات بأيديهم، لن نسلم بمقاييسهم، ونقول بأن مشروع المقاومة هو مشروع صعب ومعقد واستراتيجي، ولكن على الأقل قمنا بتجربة خلال هذه السنوات ونجحت هذه التجربة إذاً لماذا لا نتابع في هذه التجربة؟ وهذه التجربة صالحة ليست للبنان فقط إنما للبنان وفلسطين والعراق وفي كل منطقة فيها احتلال واعتداء، نحن لا نتحدث لا عن أفراد ولا عن جهة نحن نتحدث عن نهج، وبالتالي نحن نؤمن بأن هذه المقاومة هي الحل الوحيد للمحافظة على حقوقنا ولعدم قلب المقاييس التي يقلبونها، بإمكاننا أن ننجح وهذه التجارب أمامنا، واطمئنوا والحمد لله أمريكا تعاني من فشل في كل الميادين، تعاني من فشل عسكري من عدم قدرتها على التحكم والسيطرة، وفشل سياسي في عدم قدرتها على إدارة الأنظمة كما تريد، والآن فشل مالي بهذه الكارثة المالية الموجودة في أمريكا، وفشل طبيعي بالرياح التي يرسلها الله تعالى عليهم وعلى شواطئهم، وإن شاء الله تعالى يأتيهم من فوقهم ومن تحتهم ما يؤدي إلى نتيجة تريح المؤمنين.

وقد تحدث الشيخ فتحي يكن فحذر من الفتنة بين السنة والشيعة. واعتبر أن من أخطر ما تجرّعناه من كؤوس هذا الأسبوع كأس مذهبية كادت أن تكون قاتلة قدمها إلينا عالم عزيز علينا (في إشارة الى الشيخ القرضاوي) كنا نربأ بأن يخوض في ما خاض وكنا نتمنى لو أن العالِم أشار في كلامه إلى تزايد عدد الوافدين من اليهود إلى أرض الكنانة.

ورحب الداعية يكن بالمصالحات التي جرت وتجري وستجري. ورأى أنه لابد من طاولة حوار في كل طائفة.

واستخف الداعية يكن بالتصريحات التي تتحدث عن اجتياح للقوات السورية للبنان, مشيراً إلى أن المأزوم والمهزوم هو الذي يلجأ إلى خطوة كهذه أما سوريا فقد انفتح العالم عليها الآن بعد أن عزلها.