في هذه المنطقة يوجد منتصر واحد ومهزوم واحد، ولا يوجد نصر موزَّع ولا هزيمة موزَّعة، إما أن تنتصر إسرائيل وينهزم العرب وإما أن تنهزم إسرائيل وتنتصر فلسطين ولبنان والعرب، لا مكان في هذه المنطقة إلا لأحد المهزومَين وأحد المنتصريَن، وبالتالي المعادلة واضحة وعلينا أن نعمل لنبقى في الموقع المنتصر في مقابل إسرائيل المنهزمة، ولا يوجد في هذه المنطقة تسوية عادلة، إذ كيف يكون هناك تسوية عادلة وإسرائيل تريد كل شيء من الفلسطينيين وليس لديها شيء لتعطيه للفلسطينيين، كل الأرض للفلسطينيين وتريدها، كل الكيان الفلسطيني للفلسطينيين وتريده إسرائيل، إذاً ماذا لدى إسرائيل حتى تعطي من أجل أن تأخذ وتقوم بالمبادلة، ليس لديها إلا المجازر والاعتداءات، ولديها الفساد والظلم والاستكبار العالمي، وهذا لن يُشيد تسوية مع الفلسطينيين، لذا في اعتقادنا أن لا تسوية عادلة في المنطقة بل أكثر من هذا لا نرى في الأفق ولا في المستقبل إمكانية تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين وبالتالي مع العرب بشكل عام.
هنا لا بدّ أن نعود إلى لبنان ونراقب بدقة ما حصل بسبب الانتصار، لقد أسَّس انتصار المقاومة في لبنان لتحرُّر لبنان من الإملاءات الاسرائيلية والأمريكية، ولم نعد اليوم تحت سقف شروطهم، لأننا نرفضها ولا نقبل لا وصاية أمريكية على لبنان، ولا ضغطاً إسرائيلياً لمصلحة المشروع الاسرائيلي، بل يمكننا القوم أن الانتصار هو خطوة ضرورية على طريق إلغاء مشروع التوطين الذي كان موجوداً في الأدراج، وكان عليه بعض التواقيع وهو يريد أن يأخذ مساره، فجاء الانتصار ليضرب أساساً من أسس التوطين وإن شاء الله نقضي على مشروع التوطين تدريجياً بالقضاء على الحلم الاسرائيلي من البوابة اللبنانية.
نحن نعتبر أن انتصار المقاومة الاسلامية في لبنان وانتصار شعب لبنان وجيش لبنان أدى إلى قدرة حقيقية في مواجهة كل المؤامرات على تاريخ لبنان وعلى حاضره وعلى مستقبله، لقد أنقذنا بانتصار لبنان كل الواقع الذي نعيشه لمصلحة المستقبل، وهنا يمكن أن نسجِّل أن اتفاق الدوحة سجَّل عنواناً لترجمة الانتصار العسكري على إسرائيل بانتصار سياسي في العودة إلى الوحدة وإلى انتخاب الرئيس التوافقي وإلى حكومة الوحدة الوطنية، وهذا انتصار سياسي واضح تسجَّل باتفاق الدوحة ببركة الانتصار في مواجهة إسرائيل، لقد كرَّس اتفاق الدوحة الانتصار السياسي بشكل عملي بعد الانتصار العسكري، وبالتالي استطعنا أن ننقذ لبنان من براثن المشروع الاسرائيلي، وسجَّلت عملية الرضوان النقطة النهائية التي ثبّتت الانتصار فانتهى جدل الانتصار باحتفال الجميع في عملية الرضوان، فلم يعد هناك جدل: هل انتصرنا أم لا؟ كلهم كانوا في المطار ليوقِّعوا على الانتصار من خلال عملية الرضوان، ما يعني أن الانتصار هو بمفعول رجعي من 14 آب حتى 16 تموز 2008، ومن كان عنده نقاش لربما لم تتّضح لديه الصورة، لكن في مطار بيروت كان يقول أنني أعدت النظر وأنا الآن معكم وما فعلتموه كان خيراً وهو لمصلحة لبنان وهذا انتصار عظيم وكلنا شركاء فيه، وهنيئاً للجميع في شراكتهم في هذا الانتصار فنحن نحب أن يكونوا جميعاً معنا في انتصار لبنان وفي عزّة لبنان.
أما النقطة الأخيرة التي أودّ الحديث عنها مرتبطة بالحوار على طاولة الحوار، فنحن لن نناقش جدول أعمال طاولة الحوار عبر وسائل الاعلام، ولن نناقش في نقاط طاولة الحوار عبر وسائل الاعلام، سنترك الأمر لطاولة الحوار ورئاسة الجمهورية، ومن كان لديه أي نقطة وأي نقاش أو أي فكرة فعليه أن يمرِّرها بالطرق الطبيعية عبر رئاسة الجمهورية لنجلس على الطاولة ونناقش، نحن كحزب الله مستعدون لنقاش أي شيء على طاولة الحوار، ولن ننجرّ إلى نقاشات سياسية بهلوانية عبر وسائل الاعلام، وأقول لأولئك الذين يبكون على الاطلال إلى اليوم ويتحسّرون على الماضي إلى اليوم: إذا كنتم تظنون أن بكاءكم على الأطلال يُعطيكم رصيداً زائداً في الانتخابات النيابية فتنجحون وتصبحون نواباً فأنتم واهمون، فقد ملّ الناس من البكاء ويريدون العمل، وملّ الناس من تحميل الآخرين المسؤولية ويسألون عن مسؤوليتكم أنتم ماذا فعلتم؟ أيها الصارخون ماذا قدّمتم لمصلحة الناس؟ ماذا قدّمتم اقتصادياً؟ ماذا قدَّمتم اجتماعياً؟ ماذا قدَّمتم في بناء الدولة؟ ماذا قدّمتم في تأسيس الحكومة؟ ماذا قدّمتم لمصلحة إنعاش البلد؟ هذا هي الأسئلة المطروحة عليكم، وعليكم أن تُجيبوا الناس، كلنا معنيُّون أن نقول للناس اليوم بعد اتفاق الدوحة، وبعد إقفال الملفات السابقة أن نُجيب الناس عن العمل وعن الإنجاز، وليس عن المهاترات ولا عن نكء الجراح، ولا عن التباكي عبر تحميل الآخرين المسؤولية. اليوم الموالاة والمعارضة شركاء في داخل الحكومة، فإذا نجحت الحكومة نجح الجميع وإذا فشلت الحكومة فشل الجميع، لا يحقُّ لأحد من داخل الحكومة أن يخرج ويقول أنني الناجح وزملائي فاشلون، إذاً أنت ماذا فعلت؟ فإن لم تكن قادراً على أن تفعل شيئاً فخذ إجراءات تُخرجك من الجماعة بدل أن تكون في داخلها، تأكل من خيرها ولا تُعطي خيراً للناس ثم تتباكى بأن الآخرين لا يعملون وأنت أول الذين لا يعملون.
نحن اليوم كحزب الله نقول بكل وضوح: نريد الحكومة مكاناً للعمل وليس مكاناً للتجارب، ونريد الحكومة التي تفتح كل الملفات الاجتماعية والاقتصادية والانمائية وتقدّم مشاريع القوانين إلى المجلس النيابي، وتبدأ بورشة الإعمار وبناء لبنان، وسنكون شركاء فعَّالين في مثل هذه الحكومة، لا نريد أن نشكو ولا أن نبكي ولا أن نرمي على الآخرين التهم، إنما نريد أن نعمل، فعلى أولئك الذين لم يتعوَّدوا العمل وتعوَّدوا الصراخ أن يرتِّبوا أوضاعهم لأن الزمن القادم هو زمن العمل وليس زمن التحريض ولا زمن إلقاء المسؤولية على الآخرين. نحن ندعو إلى ورشة تنافس لخدمة الناس، ولينجح من ينجح في نظر الناس، وبالتالي العمل هو الأساس.