الحادثة التي حصلت في برج أبي حيدر بين شباب من حزب الله وشباب من جمعية المشاريع الخيرية هي حادثة فردية لم يكن لها تخطيط مسبق، لا من حزب الله ولا من جمعية المشاريع، ولم تكن هناك أهداف مبيَّتة لديهما، وإنما حصل الحادث وتطور بشكل مؤسف ومحزن ومؤلم إلى مستوى صُدم فيه كلٌّ من الطرفين، ولم نتوقع أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه بل كنا نعمل من اللحظة الأولى للاشتباك الفردي من أجل المعالجة، حتى لا يمتد ولا يتوسَّع، ولا نفسح المجال أمام الدساسين واللاعبين على الفتن في مثل هذه الحالات أن يدخلوا على الخط، إذاً لكل من تسوِّل له نفسه أن يبحث عن ثغرة يدخل من خلالها إلى العلاقة بين حزب الله وجمعية المشاريع، أقول له أن علاقتنا كحزب الله مع جمعية المشاريع علاقة الخندق الواحد الوحدوي، وكل العمى إلى العيون التي تنظر إلى التفرقة بيننا، وستُثبت الليالي القادمة هذا المعنى بمشهد لائق بهاتين الجهتين للتأكيد مجدداً على الخندق الواحد. على هذا الأساس تدخلنا للمعالجة، وبذلنا أقصى جهد للتهدئة، والكل يعلم أن المسألة عندما تُصبح بين الناس ومع الشباب تصبح تعقيداتها أكثر، وبالتالي الظروف الميدانية اضطرتنا إلى أن نبذل جهوداً ضخمة ومضنية، ولكن الحمد لله في الليلة نفسها انتهى الإشكال عند هذا الحد واجتمعت القيادتان، وصدر بيان مشترك وأقفلنا الملف قبل أن يمتد وقبل أن يكون هناك تحاليل غير موضوعية، والتزم الطرفان بتصريحات وتعابير أكدت أن الحادث فردي ولا خلفيات عند الطرفين، خاصة أننا في خندق واحد، بل نحن لا نقبل مثل هذه الخلافات ومثل هذه التعابير حتى في مواجهة الخندق الآخر لأننا نؤمن بحرية الخلاف السياسي والتعبير السياسي، ولا يمكن أن يكون هناك أي حادث مبرر سواء أكان عنوان فردي أو غير فردي، نحن لا نبرر ما حصل ولكن نقول: يجب أن نضعه في نصابه، فهو غير مخطط له، وهو لا يتحمل أكثر من حادث حصل وأُقفل، ويجب معالجة ذيوله حتى لا يبقى له أثر بإذن الله تعالى. هنا تدخل الجيش وتابع الحادثة بمساندة ودعم من حزب الله وجمعية المشاريع، نحن قبلنا وهذا أمر طبيعي لأننا نعتقد أن مسؤولية الأمن في كل لبنان وليس في بيروت فقط هي مسؤولية الجيش اللبناني، لا يوجد لدينا مسؤولية أمنية لأحد، لا لحزب ولا لجماعة ولا لجمعية، المسؤولية الأمنية هي حصراً مسؤولية الجيش اللبناني، ونحن نحييه لأنه تصرف بحكمة، وإن أراد البعض أن يجعله طرفاً وأن يُدخله في ساحة السجالات، نحن نريد للجيش أن يبقى في هذا الموقع الشريف، موقع مقاومة العديسة وموقع ضبط الأمن الداخلي، وهذه وظائف تنسجم تماماً مع الجيش الوطني ومع معادلة الجيش والشعب والمقاومة. هنا أطل المصطادون في الماء العكر، الذين لا نراهم إلا كخفافيش الليل، يبرزون أثناء الفتنة أو يصنعون الفتنة عندما لا تكون، برزوا من أجل المزايدة، وبدأوا يروِّجون للفتنة، ويعملون للاستثمار السياسي الرخيص، أطلَّت أبواق الفتنة برأسها وهي تراهن على محاصرة المقاومة، ظنًّا منهم أن ما حصل يمكن أن يكون معبراً لخيارات سياسية ولضغوطات تُمارس على المقاومة وشعب المقاومة، وبالتالي أُثيرت بلبلة وضجيج إعلامي وسياسي أضخم بكثير مرات ومرات من الحادثة الفردية، أصبحنا أمام حوادث إعلامية تبدأ ولا تنتهي في محاولة التحريض وإثارة المشاعر المذهبية والطائفية، كان الأجدى بهم بدل أن يبذلوا هذا الجهد الكبير من أجل التحريض أن يعرضوا خدماتهم للملمة الجراح، وأن يحاولوا العمل من أجل طمأنة الناس بأنها حادثة، وأن يكونوا جزءاً من الذين يجمعون لا من الذين يفرِّقون، لكنا أشدنا بهم كثيراً لو سمعنا كلمة إيجابية واحدة فيما حصل، لكن لم بتقَ كلمة في قاموس التحريض إلا واستعملوها بأسلوب يُبرز الحرص لكن هو أبعد ما يكون على الحرص، وبكلمات تبدو معسولة لكنها مليئة بالسم، ما هكذا تورد القضايا من مثل هذه القضية الكبرى التي لها علاقة بمستقبل الناس وأمن الناس. للأسف هناك من حاول أن يطل بشبح الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، وأراد أن يستهدف المقاومة بعنوانها وخصوصيتها وإن وضع بين معترضتين "ما عدا المقاومة"، وهذا استثناء لا ينفع في مثل هذه الحالات، وهذه الحملة المنظَّمة المدروسة الموزَّعة ضد المقاومة أنها لمزيد من حماية شهود الزور، ولمزيد من إبعاد التهمة عن إسرائيل، وصرف الأنظار إلى قضية أخرى في الساحة بدل أن تكون الأنظار موجهة إلى كشف الحقيقة وإراحة ساحتنا من مصائب إسرائيل وعملاء إسرائيل وشهود الزور التابعين لإسرائيل وكل ما تصنعه إسرائيل في ساحتنا. كنا نتمنى لو أننا نرى اجتماعاً أو بياناً في كل يوم لانتهاكات إسرائيل لأرضنا وأجوائنا، كنا نتمنى أن نسمع مواقفاً تؤكد على تثبيت الوحدة والتهدئة بشكل عملي، لا من خلال كلمات ظاهرها تهدئة وباطنها تهويل وتخويف للناس. ليكن معلوماً أن الحلول السياسية لأي قضية من القضايا لا تمر خلسة ولا تمر انتهازاً، وبالتالي من كان يراهن أن هذه الحادثة تشكل معبراً للضغط على المقاومة ومحاصرتها ببعض المواقف أقول له: أنت واهم، فقد مرَّت المقاومة بأصعب من هذا بمئات وآلاف المرات وتخطته بحمد الله تعالى لأنها صادقة مع ربها وشعبها ومجاهديها ولا تقول إلا الحق.
من أحرص على بيروت منا نحن: أهل بيروت وأحبة بيروت وأبناء بيروت، بيروت ليس فيها فريقان، بيروت فيها فريق واحد هو أهل بيروت الوطنيون الشرفاء الذين جعلوا من عاصمتهم عاصمة العروبة والمقاومة والتحدي والتصدي، وبرزت في كل الأمة أنها فخر الجميع من دون استثناء، بيروت هذه نريدها أن تبقى عزيزة شامخة، هي بيروت المقاومة، هي بيروت شعب لبنان، هي بيروت أهل بيروت، ليست لجماعة دون أخرى، ليست للسنة دون الشيعة، ولا للشيعة دون السنة، ولا للمسلمين دون المسيحيين، هي لكل من حافظ عليها وأحبها ودخل إليها وعمل من أجل حمايتها وصانها ودافع عنها ورفع شعارها، لتكون مسالمة بين أبنائها ومحاربة في مواجهة أعدائها.
نحن كحزب الله أحرص الناس على السلم الأهلي ليس في بيروت فقط وإنما في كل لبنان، ونحن في حزب الله مع توفير الأمن لكل الناس في كل بقعة من لبنان، وبالتالي نؤيد توفير كل الظروف المناسبة ليتمكن الجيش اللبناني من ضبط الأمن، على قاعدة القيام بالواجب ليعيش الناس بأمن وسلام واستقرار. نحن مع التهدئة السياسية والإعلامية، إلا إذا كان البعض أن حملتنا على شهود الزور واتهمام إسرائيل كانت خلاف التهدئة، فهذه مشكلة لأننا نحتاج إلى تصويب البوصلة مجدداً، راجعوا ما قلناه خلال كل الشهر الماضي، لم نتعرض لفريق سياسي في البلد ولو كان من أشد المخالفين لنا، ولم نرد على تصريحات مسيئة ومهينة واجهتنا، وإنما كنا نقول صباحاً ومساءً: لعن الله إسرائيل وعلينا أن نحاكم شهود الزور، ما الذي فعلناه ولم يكن في إطار التهدئة، بينما كنا نسمع إساءات للمقاومة ومحاولات لتشويه صورتها، وادعاءات بمواقف تربطها بقضايا لا علاقة لنا بها لا من قريب ولا من بعيد. حزب الله واضح تماماً، يقول ما يريده أمام الملأ، نحن واضحون: نواجه إسرائيل ونعاديها، ولا نقبل بإسرئيل حتى لو قبل العرب بها من شرقهم إلى غربهم، ولو اعترفت الدنيا بإسرائيل فنحن لن نقبل بإسرائيل الغاصبة. نحن نقول أمام الملأ ونتحدث عن مواقفنا وقناعاتنا، ونحن نؤمن أن لبنان لكل أبنائه وطوائفه ومذاهبه، ليس لنا ولكنه ليس لهم، ليس لنا بقعة وليس لهم بقعة، لبنان السيد الحر المستقل هو لكل أبنائه ونحن من أبنائه، نحن شركاء ولا نريد الاستئثار ولكن لا نقبل بالاستئثار، نحن نصرِّح ليل نهار بأننا قبلنا بالمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية مع كل الالتباسات التي أثارها علينا بعض الإسلاميين وبعض المنظِّرين، لكننا قبلنا وقلنا بأن مصلحة لبنان أن نكون في حكومة وحدة وطنية معاً، حكومة وحدة وطنية يعني تنازلات، نعم يشرِّفنا أن نتنازل لأبناء وطننا من أجل أن نكون موحَّدين، لكننا لن نتنازل لإسرائل مهما كلفنا ذلك، ولن نتنازل للوصاية الأمريكية مهما حاولت أن ترعبنا، هذا موقف ونحن واضحون في مواقفنا، لماذا يحاول البعض الالتفاف على المعاني وعلى العناوين؟ لماذا تُثيرون مشاعر الناس؟ من استهدف في بيروت مشاعر الأطفال والنساء والعجزة؟ نحن أحرص على ذلك، فقد أًدميت قلوبنا عندما حصل القصف الإسرائيلي ودُمِّرت البيوت وجُرح من جُرح، سعينا بكل إمكاناتنا وطاقاتنا من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، إلى الجبل والضاحية، أن نبنيَ البيوت، وأن نساهم في بلسمة الجراح ونساعد عوائل الشهداء، ولم نترك واحداً من الناس مهما كانت طائفته أو مذهبه. هذه هي الروحية التي نعمل على أساسها، لا نبيع الناس كلاماً ولا نحاول أن ننظِّر على الناس.
نحن ندعو مجدداً إلى التهدئة، ولكن التهدئة لا تعني أن نُشتَّم ونسكت، ولا أن يسيئوا إلى المقاومة ونتفرج عليهم، ولا يعني أن تكون هناك تعابير تخدم المشاريع والمواقف الإسرائيلية ثم نتفرج عليهم، على كل حال راجعوا مواقفكم جيداً وأين تصب بعض المواقف، الحمد لله كل مواقفنا تصب في خدمة مشروع تحرير لبنان، وتصب في خدمة الوحدة بين مقاومة لبنان وجيش لبنان وشعبه.
نحن نريد الوصول إلى الحقيقة، والوصول إلى الحقيقة أصبح مرتبطاً بشكل حاد بمسألتين كبيرتين: الأولى كشف شهود الزور ومن وراءهم، والثانية اتهام إسرائيل بناء على القرائن التي قدمها سماحة الأمين العام، أما شهود الزور فنحن سنتابعه إلى النهاية، ولم نطرح الموضوع في مجلس الوزراء كرفع عتب، نحن ننتظر ما سيأتي به وزير العدل من أجل أن نبني على الشيء مقتضاه، وسنتابع قضية شهود الزور ونعتبر أن القضاء اللبناني مسؤول عن متابعتها، والحكومة اللبنانية مسؤولة عن وضع الآليات المناسبة لكشف شهود الزور، لا من أجلهم بل لكشف المتآمرين الذين فبركوهم وأداروهم وحموهم، لأن هؤلاء هم سبب المشكلة، أما شهود الزور بأنفسهم هم أدوات رخيصة لا قيمة لهم، لكن من الذي فبركهم ولماذا؟ من الذي لقَّنهم وماذا أراد من ذلك؟ لماذا أراد إخفاء وتضليل الحقيقة؟ إذا عرفنا ما الذي كان يريده هؤلاء المفبركون لشهود الزور يمكن أن نكتشف القاتل، أو بالحد الأدنى يمكن أن نعرف الأسباب الدافعة والخلفيات ومن الذي أدار دولياً وإقليمياً ومحلياً هؤلاء الذين أساؤوا إلى البلد وضللوا التحقيق. أما القرائن التي قدمها سماحة الأمين العام فهي بيد القضاء اللبناني، لم يقل حزب الله بأن لديه أدلة كاملة تصلح بأن تُنهي وتُقفل الملف، حزب الله قال أن لديه قرائن وعلى القضاء المختص أن ينطلق من القرائن ليبحث، لا أن ينتظر بأن يطلب منا بين الحين والآخر أدلة، أنت إبحث عن الأدلة فلو كان لدينا أدلة لقدمناها وانتهينا، لكن نحن قدمنا قرائن والقرائن تحتاج إلى متابعة، والمتابعة تعني في مرحلة من المراحل استدعاء مسؤوليين إسرائيليين من أجل أن يشهدوا أو أن يدلوا بإفاداتهم، أو أن يضعوا خطوات تساعد على بلورة القرائن سلباً أو إيجاباً، هذا هو المؤشر وفي كل الأحوال نحن ننتظر وسنرى إلى أين ستصل المتابعة وما هو الأفق الذي سيؤدي إلى اتهام إسرائيل من أجل أن تعرف الناس الحقيقة.
نحن عرضنا تسليح الجيش اللبناني من خلال التبرعات التي تأتي من الدول العربية والإسلامية، واقترحنا بأن تُشكل لجنة وزارية أو أي طريق آخر يختاره مجلس الوزراء لتتواصل مع الدول المختلفة بعد أن تأخذ مطلب الجيش اللبناني، لتطلب المساعدة من الأسلحة المخزنة في مخازن هذه الدول، والتي بالتأكيد لا تحتاج ثلاثة أرباعها تقريباً، نحن نريد أن يعطونا ما يطلبه الجيش اللبناني، وإذ مع الجرعة الإضافية التي أعطاها سماحة الأمين العام وتكفل أن يتكلم مع المسؤولين في الجمهورية الإسلامية، على أساس وجود الحساسية الخاصة عند البعض في لبنان من الجمهورية الإسلامية، وكنوع من التسهيل كي يكون هناك إمكانية لإعطاء أسلحة من الجمهورية الإسلامية إلى الجيش اللبناني بناء على طلب لبنان، وإذ بنا نرى بعض التصريحات في الساحة تُناقش المساهمة الإيرانية بشروطها ونتائجها وأسبابها ومبرراتها، إلى درجة أننا أصبحنا أمام موضوع متشعِّب ومتفرِّع، ونسيَ هؤلاء الدول العربية. أنا بدأت أشك، وأعتقد أن هذا النقاش حول التسلح من إيران سببه الأساسي صرف النظر عن التسلح من الدول العربية، أنا الآن أقترح عليكم أن تكون الأولوية المطلقة هي التسلح من الدول العربية، إذاً لنشكل اللجان الوزارية التي تذهب إلى الدول العربية، وبعد أن تسمع أجوبة 22 دولة وتسمع النتائج التي تبرز من خلال هذه الجولة وتعرضها على مجلس الوزراء وتقدمها إلى الجيش اللبناني، يرون ما هي النواقص المطلوبة وعندها يطلبونها من إيران، إذا أحبوا أن يبدأوا بالدول العربية وتكون لهم أسلحة غير مشروطة كما يقولون، علماً أننا لا نقبل أسلحة مشروطة لا من الدول العربية ولا الإسلامية ولا من أمريكا ولا من أوروبا، نحن نريد أسلحة للجيش اللبناني بلا قيد أو شرط، نريد أسلحة تواجه إسرائيل في العديسة وغيرها للجيش الوطني الذي يواجه إسرائيل.
نحن أمام مفاوضات مباشرة إسرائيلية فلسطينية، وقد أتعبوا الناس بنقاش هل تكون المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، نسيَ الناس أن المفاوضات على فلسطين بكاملها أو على أراضي الـ 67 أو على جزء من الـ67، لم يعد النقاش عن الأرض وأصبح عن شكل المفاوضات. الآن تقررت المفاوضات المباشرة بقوة الإرادة الأمريكية، وأنا أقول لكم: هذه المفاوضات المباشرة هي صك براءة لإسرائيل، وهي لتمكينها من تحقيق أهدافها بتنازلات مبرمجة بإشراف أمريكي أوروبي كي لا يبقى من فلسطين شيء للفلسطينيين، هذه ليست مفاوضات، هذه محاولة لسرقة فلسطين وإنهاء القضية الفلسطينية، لأنها ليست مبنيَّة على أسس يمكن للفلسطيني من خلالها أن يأخذ حقه أو بعض حقه. على كل حال أصبحتم تعلمون تماماً كيف أن إسرائيل هي عقدة المنطقة بأسرها، فمن أراد الحل في المنطقة عليه أن يبدأ بمشكلة إسرائيل، فهي المشكلة لكل البلدان العربية وكل المنطقة، لا يوجد حل أمام هذه الصعوبة وهذه التعقيدات إلا المقاومة، ونحن نعلم أن المقاومة لها طريق طويل، ولكن في النهاية نقطة الماء تنزل على الصخرة فتفتِّتها بعد حين. نحن نعتبر أن المقاومة ما دامت قائمة وموجودة ولها أهلها وأحبتها فستنتصر في يوم من الأيام بإذن الله تعالى.