أمام تلك الاختلافات السياسية، وأمام تلك الدعايات التي يطلقها البعض في الداخل والخارج، لو لم تكن المقاومة الإسلامية موجودة في لبنان لوجب إيجادها، لأننا لا يمكن أن نواجه العدوان الإسرائيلي إلاَّ بالمقاومة، أمَّا وقد وُجدت فالمطلوب أن نحافظ عليها، وأن نقويها وأن ندعمها شعبياً ومادياً وبكل المقومات، لأن العدو لا زال موجوداً يهدد ويرعد، ولا يمكن مواجهة تهديداته إلاَّ بالاستعدادات الكافية التي تواجه غطرسته وتذله بشكل مباشر فيما لو فكر بالاعتداء علينا في لبنان.
أمَّا لماذا المقاومة؟ لأن دول المنطقة مكبلة بظروفها، لن نناقش إذا كان المطلوب من الدول العربية والإسلامية أن تقاتل إسرائيل أم لا، سنقدِّر بأن الظروف السياسية والموضوعية ربما تكون عائقاً أمام هذه الأنظمة في أن تواجه إسرائيل لألف سببٍ وسبب من دون أن نبرر لها هذه الأسباب، إذاً ماذا نفعل؟ هل نستسلم لإسرائيل! المطلوب أن نفكر بالطريقة العملية لمواجهتها، تبيَّن أن أسلوب المقاومة هو الذي يفتح آفاق الحل والنصر، وهو الذي يشق الطريق من أجل استقلالنا وعزتنا وكرامتنا، وهو الذي يعيد الأرض والكرامة، وهو الذي يمكننا من أن نكون أحراراً في بلداننا. والكل يعرف بأن المقاومة نشأت كردة فعل، وكحالة دفاعية، لو لم تكن إسرائيل الغاصبة المعتدية موجودة لما كان هناك حاجة للمقاومة، ولكن بما أنَّ العدوان مستمر منذ أكثر من 61 سنة فإن المقاومة حاجة كردة فعل وكعمل دفاعي في مواجهة هذا المشروع الإسرائيلي.
لم تهدد المقاومة يوماً بافتعال حرب، وإنما كانت دائماً تتوعد بالرد على الحرب الإسرائيلية، وبمواجهة العدوان الإسرائيلي، لم تختر المقاومة يوماً أن تبادر في إيجاد حالة توتر أو قلق في المنطقة، وإنما كانت دائماً تعد لمواجهة القلق والتوترات التي تنشئها إسرائيل، لم تهدد المقاومة وإنما كان التهديد دائماً من إسرائيل، إسرائيل هي التي تهدد بالحرب، تارة على الجبهة الشمالية يعني لبنان وسوريا، وأخرى في مواجهة إيران، وثالثة في مواجهة غزة، ورابعة في مواجهة الأربعة مجتمعين، تهديدات إسرائيل لم تتوقف بالحرب والعدوان والقتل ولا نسمع في كل العالم المستكبر أي ردة فعل على هذه التصريحات الإسرائيلية وكأنها أمور طبيعية.
استغرب من أولئك الذين يعطون تطمينات للبنان وهم لا يملكون قدرة ضبط إسرائيل بل هم يتزلفون لإسرائيل حتى ترضى عنهم، لسنا بحاجة إلى تطمينات من أحد نيابة عن إسرائيل، الذي يطمئننا هو سلاحنا وجهوزيتنا واستعدادنا، وإذا كانت إسرائيل تريد أن تفعل شيئاً فهي تعلم تماماً مستوى الرد وهذا ما يطمئننا وغير ذلك لا يعنينا من قرب ولا من بعيد.
لطالما أُرسلت تطمينات إلى غزة قبل يومين من العدوان على غزة، ومن عدد من الدول العربية والإسلامية لأن إسرائيل طمأنتها، وإذ بهم يخوضون الحرب على غزة على حين غفلة من أجل أن يوقعوا عدداً أكبر من الخسائر، ومن أجل أن يطوعوا المجاهدين هناك، لكن غزة صمدت وانتصرت.
إذاً كل هذه الإدعاءات بلا معنى، لسنا بحاجة لتطمينات، ثم من الذي يطمئننا؟ أولئك الذين يخوضون مع إسرائيل! وأولئك الذين يقدمون الدعم لإسرائيل ويبررون عدوانها! وإذا تحدثوا مع بعض المسؤولين عندنا نصحوهم بأن لا نوتر إسرائيل، وأن لا نزعج إسرائيل وأن نكون عند خاطرها، لأن إسرائيل تتأثر بأبسط الأمور حتى بالتصريحات، ولذا أطلبوا من جماعتكم أن لا يقلقوا إسرائيل حتى لا تتوتر وبالتالي تغضب عليكم وتخوض الحرب في كل مناطقكم، هذه إدعاءات ومطالب سخيفة ولا معنى لها، لن نتصرف إلاَّ بما يطمئن الناس عندنا وهذا يعني أن نكون على جهوزية وعلى استعداد حقيقي.
ولقد أثبتت التجارب أن إسرائيل لا يمكن أن تواجه بالاستجداء الدولي، إسرائيل لا تُواجه إلاَّ بالمقاومة، وإسرائيل لا يمكن أن تخضع إلاَّ بالمقاومة، أثبتت ذلك تجربة التحرير عام 2000 حيث خرجت إسرائيل ذليلة من لبنان بفضل ضربات المقاومة وليس بأي شيء آخر، بقي القرار 425 في الجوارير 22 سنة، وبقيت النصائح الأمريكية والأوروبية والعالمية لنا بأن نقبل ضربات إسرائيل وطائرات إسرائيل وقتل إسرائيل حتى لا تغضب إسرائيل أكثر من 22 سنة، في النهاية لولا هؤلاء المجاهدين الأبطال الشجعان الذين اقتحموا المواقع وقتلوا الجنود الإسرائيليين حتى أصبح هؤلاء يخافون من ذكر اسم حزب الله، لولا هذا لما انتصرنا ولما استطعنا أن نُخرج إسرائيل من هذا البلد بتسديد وتوفيق الله تعالى.
وتجربة عام 2006 ماثلة أمامنا، ثلاثة وثلاثون يوماً من الحرب المدمرة على لبنان، ولولا صمود المقاومة وشعب المقاومة والجيش لما استطعنا أن نحقق هذا الانتصار العظيم بأن تخرج إسرائيل ذليلة من لبنان. يحدثوننا عن الخسائر التي وقعت في عدوان تموز، أحدثهم عن الخسائر التي يمكن أن تقع لو استسلمنا لإسرائيل، عندها لن يبقى لنا لا معنويات ولا سياسة ولا اقتصاد لأن إسرائيل ستتحكم بكل مقدراتنا، وستجعلنا خدماً عندها، ولكن هيهات منَّا الذلة، لا يمكن أن نقبل ونحن حاضرون لأي ثمن من أجل العزة، فأي ثمنٍ ندفعه للعزة هو أقل بكثير من الأثمان الباهظة مع الذلة التي تريدها إسرائيل في منطقتنا.
نحن لا نتعاطى مع المقاومة في لبنان على أنها مقاومة مذهب، ولا مقاومة طائفة، ولا مقاومة جماعة، هذه المقاومة لكل لبنان، وهذه المقاومة غير خاضعة للمحاصصة الطائفية، وهذه المقاومة ليست أقساماً لتوزع على الطوائف والمذاهب، وبالتالي لن نقبل أن تُناقش المقاومة على قاعدة أنها يجب أن توزع على الطوائف الموجودة في لبنان ، من أراد أن يقاوم يعرف الطريق تماماً، وعليه أن يدفع الثمن، لسنا نحن الذين نمسك بالأيدي من أجل البذل والتضحية، فكما بحثنا وفتشنا ودفعنا الأثمان الباهظة حتى تعرفنا على الطريق، من أراد ذلك عليه أن يفعل كما فعلنا، وليس أن نأتي بالمقاومة حتى نناقش كيف تكون حصصاً للطوائف، بمعنى آخر كيف ندخلها في المحاصصة التي تقتلها قبل أن تتحرك كما تُقتل كل المشاريع تحت عنوان المحاصصة والتوازن الطائفي.
هل توجد قضية في لبنان صغيرة أو كبيرة تمر عبر مجلس الوزراء أو عبر المحاصصة الطائفية، إلاَّ وتشوه وتحطم وتهشم حتى أننا في نهاية المطاف نيأس جميعاً فنبقى على ما نحن عليه وتذهب الفكرة المشرقة الإيجابية الإصلاحية التي فيها خدمة للناس، كل شيء طائفي في هذا البلد، وعندما تخضع للنقاشات نصل إلى تعقيدات لها بداية وليس لها نهاية.
الآن يُناقش قانون الانتخاب البلدي، وتُناقش التقسيمات الإدارية، لو كنا نريد أن نسير بشكل طبيعي في هذه الأمور كان الواضح أن كل طرف من الأطراف من حقه أن يبدي الاعتراض وأن يُبيِّن المبرر، وأن يطرح البدائل أو أن يقبل، ويناقش أمام الناس وجهة نظره، ثم بعد ذلك نلجأ إلى الدستور والقوانين وتأخذ الأمور مجراها، اليوم أي نقاش حتى من ضمن الدستور يصبح ممنوعاً، البعض يريد العودة إلى الدستور عندما يكون تفسيره ملائماً لما يرضاه، ولكن لا يجوز العودة إلى الدستور عندما يكون التفسير غير ملائم أو أن النتيجة لا تصب في مصلحته. فلنناقش قضايانا الداخلية بهدوء ونجد القواسم المشتركة، لا حاجة إلى هذا التوتر وإلى هذا السجال الذي يربك الجميع.
أمَّا الرئيس الأمريكي "أوباما" الذي قرأ آيات من القرآن الكريم في مصر، على قاعدة أنه يريد أن يتودد للمسلمين والعرب، بأنه يعرف بعض آيات القرآن الكريم، وتحدث بمرونة ولباقة فهذا الرئيس اعترف أخيراً أنه فشل فشلاً ذريعاً في مفاوضات التسوية بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي، ولكنه لم يكن منصفاً عندما حمَّل المسؤولية للطرفين بشكل متساوي، كل العالم يعرف أن العقدة هي إسرائيل، إسرائيل رفضت توقيف الاستيطان، وإسرائيل تهدم البيوت في منطقة القدس، إسرائيل تحفر من أجل أن تبني الأنفاق وتبحث عن الهيكل كما تقول، وتهدد بيت المقدس، إسرائيل تقوم باعتداءات على أهلنا في غزة وتقتل المجاهدين، إسرائيل تصرح أنها لا تريد تسوية، وفي أحسن الأحوال تريد تسوية تخنق الشعب الفلسطيني في سياجٍ إسرائيلي يطوق الفلسطينيين من كل جانب حتى من ناحية الحدود الأردنية،فإذاً إسرائيل هي التي لا تريد الحل.
على كل حال نحن لا نأمل من أمريكا شيئاً، فمن البداية كنا نقول: أمريكا متواطئة مع إسرائيل ونحن نكرر ذلك، ونعتبر أن التسوية أصبحت في خبر كان، وعلى الأمة وعلى كل شعوب العرب والمسلمين أن يعلموا جيداً بأن فلسطين لا تعود إلاَّ بالمقاومة، وأن الأرض المحتلة لا تعود إلاَّ بالمقاومة، نحن على هذا المنهج متوكلين على الله تعالى وسنستمر إن شاء الله.