ومما جاء فيها:
نحن اليوم في الذكرى السنوية السادسة للانتصار الإلهي الكبير في مواجهة إسرائيل في عدوان تموز سنة 2006، هذا الانتصار دوَّى في الآفاق وقلب المعادلة في المنطقة، وأوجد مساراً جديداً لم يكن موجوداً قبل ذلك، استبدل الانتصار الإحباط بالأمل، والضعف بالقوة، والتخاذل بالثبات، والاستسلام لإرادة الدول الكبرى بالدعوة إلى الاستقلال والتحرير، استطاع هذا الانتصار الكبير أن يُسقط مقولة "الجيش الذي لا يقهر"، عندما واجهته المقاومة التي قهرته بسم الله وفي سبيل الله.
هذا النصر الكبير شكل صدمة كبيرة لأمريكا وإسرائيل وأعوانهما الإقليميين والمحليين، هذا الانتصار الكبير فاجأ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي سقط على أبواب الجنوب وفي وادي الحجير ومدينة بنت جبيل وقرى الجنوب الصامدة، هذا الانتصار الكبير أوجد معادلة جديدة في المنطقة تقوم على الاستقلال الذاتي بالتوكل على الله والاعتماد على القوة الذاتية من دون الاستماع إلى قرارات مجلس الأمن أو إلى إملاءات الدول المستكبرة، انتصارٌ هزَّ الكيان الإسرائيلي وهزَّ الفكر الغربي الاستعماري، وهزَّ النفوس المستسلمة التي لم تعتقد يوماً بإمكانية وجود ثلة مؤمنة قادرة على التغيير وعلى التحرير. كان انتصاراً كبيراً ونحن نستلهم منه ونبني على أساسه ونعتبر ثباتنا ومشروعنا وقدراتنا متأثرة بهذا الانتصار، وتنطلق منه لانتصارات أخرى بإذن الله تعالى لو فكرت إسرائيل أن تعتدي أو أن تهاجم.
صحيح أننا لا زلنا نستبعد اعتداءً إسرائيلياً واسعاً وحرباً إسرائيلية على لبنان في هذه الفترة القريبة، ولكننا نبني كل احتمالاتنا على جهوزية دائمة ثابتة وقوية ومستعدة للمواجهة لو حصل الاعتداء، وهذا سبب وجود التوازن في الردع، وهذا سبب أيضاً لمنع إسرائيل من الاعتداء خلال السنوات الست الماضية.
تأكدوا لولا قوة المقاومة وثباتها لكنا سمعنا في كل يوم محاولة اغتيال إسرائيلية، وهدم بيت في قرية من قرانا، وتهديد جماعة في اجتماع أو في لقاء، ولكان لبنان مسرحاً لاعتداءات يومية وعلنية من قبل الطيران والموساد الإسرائيلي، لكن ما يردع إسرائيل من القصف الجوي على كوادرنا وبيوتنا وأهلنا وشعبنا هو خوف إسرائيل من ردة الفعل التي يمكن أن يقوم بها حزب الله، وهم يعلمون أننا جدّيون في الدفاع عن أهلنا وأرضنا وشعبنا.
أعتقد أن الكثيرين استمعوا إلى تصريحات نائب وزير الخارجية الإسرائيلية "ايلون"، وليت جماعة 14 آذار يستمعون ويفهمون، ألا تقرأون في مواقفه رؤيته ومشروعه وأعماله المباشرة وغير المباشرة من خلال الدول الكبرى وأدواتها من أجل تفتيت سوريا ثم بعد ذلك لبنان، ثم جر العرب إلى الصلح مع إسرائيل بالشروط الإسرائيلية لإلغاء وجود فلسطين من الخارطة؟ كيف تنظرون إلى هذه التصريحات وإلى هذه المواقف؟ في الواقع نحن عندما نعلن دائماً عن جهوزية المقاومة وضرورة المواجهة، لأنه ثبت لنا بالدليل القطعي أن لا إمكانية للتحرير أو للاستقلال أو البقاء بعيداً عن سيطرة الاستكبار وإسرائيل إلاَّ إذا كان لدينا قوة متمثلة بالمقاومة والجيش والشعب ليواجه التحديات المختلفة.
ما يجري اليوم في سوريا هو حرب قوى الشر العالمية والإقليمية على الشعب السوري خدمة لإسرائيل، ولو تركوا سوريا شعباً وحكومة للتفاهم فيما بينهم بعيداً عن الإملاءات والأموال والأسلحة الخارجية لأمكن أن يكون هناك حوار، ولوصلوا إلى خطوات إصلاحية تكون في خدمة الشعب السوري، ولكنهم يريدون تدمير سوريا، وهم ليسوا مع الشعب السوري، ثم يريدون بعد ذلك تدمير لبنان، وتدمير أي قوة يتوقعون أن تنشأ أو أن تولد أو أن تكون بعد عشرات السنين كي تبقى إسرائيل مرتاحة أن لا معارض ولا مواجه لها، فتبني كيانها وهي مرتاحة من كل الأغيار الذين يحيطون بها.
نحن لن نقبل أن نكون ثمناً للمشروع الإسرائيلي، ولن نقبل أن نسلم لما تريده أمريكا وإسرائيل، والحمد لله لبنان نجح بالمعادلة الثلاثية: الجيش والشعب والمقاومة، هذه المعادلة كلفت تضحيات، هذه المعادلة بُنيت منذ سنة 1982 حتى الآن بدماء المجاهدين وأرزاق الناس وتضحيات الشباب والنساء والشيوخ والأطفال وعطاءات المجتمع اللبناني وعلى رأسه هذه المقاومة الشريفة والجيش الوطني.
يأتي البعض اليوم ليتخلى عن معادلة الجيش والشعب والمقاومة، معتقداً أنه بتصريحٍ يمكن إلغاؤها، ليكن معلوماً هذه المعادلة الثلاثية أصبحت معادلة ميثاقية، أي أن قيامة لبنان قائمة على هذه المعادلة، وهذه المعادلة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الأعمدة اللبنانية الثابتة التي لا يمكن هزها، هذه المعادلة نقلت لبنان من الدولة التابعة إلى الدولة المحررة، ومن الدولة الساحة إلى الدولة المستقلة، ومن الدولة الضعيفة إلى الدولة القوية، هذه المعادلة اليوم تجذرت بالتضحية والآلام وهي عصية على الاقتلاع، ونحن نعتبر أنفسنا أمناء لحمايتها والمحافظة عليها ولن نفرط بها أبداً، وقد عرفنا الجميع كيف نقدم التضحيات للمحافظة على دماء الشهداء وعلى ما قدموه من تضحيات خلال كل الفترة السابقة، ولن نقبل أن تُكافأ إسرائيل، ولن نقبل أن يكون لبنان بتضحياته ثمناً للمشروع الإسرائيلي الأمريكي. هل يعقل أن تهدد إسرائيل لبنان ليل نهار بالهجوم عليه وبضربه ثم يخرج من يطالب بإسقاط القوة التي بين أيدينا! من يخدم هذا الموقف؟ هل يخدم لبنان؟.
هناك حوار دعا إليه رئيس الجمهورية من أجل مناقشة الإستراتيجية الدفاعية الوطنية، نحن قبلنا هذا الحوار وأبدينا استعدادنا له، ولنا وجهة نظر بيَّناها داخل الحوار وخارج الحوار ومستعدون أن نبيِّنها مجدداً وندافع عنها في داخل لقاء طاولة الحوار، وهي رؤيتنا للإستراتيجية الدفاعية، لكن ماذا يعني الإستراتيجية الدفاعية؟ الإستراتيجية الدفاعية يعني: استخدام كل عوامل القوة الذي يمتلكه لبنان من أجل الدفاع عن أرضه وشعبه ولتحرير ما تبقى من الأرض، ولم يكن هذا العنوان يوماً من الأيام يعني الاستراتيجية الضعيفة للبنان، فعندما نقول إستراتيجية دفاعية يعني إستراتيجية لبنان القوي، وبالتالي هذه الإستراتيجية مبنية على القوة والمحافظة على كل عوامل القوة التي نمتلكها، أعتقد أن جماعة 14 آذار يخافون من الحوار لضعف حجتهم، وهم يخافون أن نقنعهم بالاستراتيجية الدفاعية لأن أدلتنا قوية وأدلتهم ضعيفة، وإلاَّ تفضلوا إلى الطاولة واعرضوا ما عندكم ونعرض ما عندنا، وإذا كان هذا السبب غير صحيح أسألكم أن تجيبوا عبر وسائل الإعلام إذا كنتم لا تريدون الحضور إلى طاولة الحوار:
أولا: كيف تردون على التهديدات الإسرائيلية بالسلاح أو بالرسائل ترسلونها إلى مجلس الأمن؟
ثانياً: إلى أن يصبح الجيش قادراً على الدفاع وحده، ماذا نفعل بصد العدوان وتحرير الأرض؟ أم أنكم تريدون أن نترك العدوان ليأخذ مداه في لبنان تحقيقاً لسياسات إسرائيلية أمريكية؟
ثالثاً: إذا كانت قوة لبنان هي التي حمته خلال الفترة السابقة، فكيف نتخلى عن قوة لبنان بلا أفق؟ وكيف تقبلون استسلام لبنان أمام التحديات؟
رابعاً: إذا كان لديكم مقترحات بديلة عن ثلاثي الجيش والشعب والمقاومة فقدموها بإثباتاتٍ تبيِّن أنها أقوى من هذه المعادلة الثلاثية؟ وليس المطلوب أن تقولوا اقتراحاتكم كيفما كان.
اليوم يوجد إجماع لبناني على لعن قانون الستين الانتخابي، وجماعة 14 آذار يشاركون باللعن، ولكنهم غير جديين، هم يريدون قانون الستين ولا يريدون غيره ضمن سياسة رفض أي مشروع آخر لتمر المهلة المناسبة لتعديل القانون في داخل مجلس النيابي، أو بإسقاط القوانين التي تُعرض على المجلس النيابي، فعندما تنتهي مهلة التشريع يكون القانون القديم الذي هو قانون الستين هو القانون الذي يُعمل به في الانتخابات النيابية القادمة، لماذا يريدون قانون الستين؟ لأنه يصادر أصوات نصف الشعب اللبناني، ويصادر حريات المعترضين داخل طوائفهم، ويصادر كل القوى الصغرى التي تريد أن تعبر عن نفسها من خلال المحادل الكبرى التي تأخذ كل شيء من دون أن تلتفت إلى الأصوات والمطالب الأخرى. وهم يريدون قانون الستين لأنه يحافظ على مكتسبات أفرقاء طائفيين في هذا البلد، ولا يريدون لا التطوير ولا العدالة ولا سماع الأصوات الأخرى، وإلاَّ تفضلوا هذه النسبية بشهادة كل العالم، هي قانون الانتخاب العادل والأكثر عدالة، نعم يمكن أن نتفق على تقسيم الدوائر، ويمكن أن نتفق على المحافظات، أو على لبنان دائرة كبرى، ليس مهماً كل هذه التفاصيل، ولكن المهم أن تكون النسبية موجودة لأنها هي التي تنصف وتجعل التمثيل تمثيلاً واقعية، للأسف كل الأحاديث عن الوطنية والعدالة تتبخر عند مصالح البعض الضيقة التي لا تأخذ بعين الاعتبار بناء لبنان ومستقبله.
البعض في لبنان يطالب بنشر قوات دولية على الحدود اللبنانية السورية، ومفهوم تماماً لو كانت المطالبة منَّا نحن وليس منهم، لأنهم هم الذين خربوا الحدود اللبنانية السورية، وهم الذين ينقلون السلاح إلى سوريا، وهم الذين حاولوا مراراً وتكراراً إيجاد بقعة آمنة من أجل أن تنطلق منها المجموعات المسلحة السورية، وهم الذين يساهمون بالأفراد وبالإمكانات وبكل العوامل التي تساهم في مشروع ضرب وتدمير سوريا، إذاً لماذا يريدون قوات الطوارئ؟ لتفصل بين مَنْ ومَنْ؟ هل أنهم يريدونها من أجل أن تسهل لهم عملية نقل السلاح انسجاماً مع الوضع الدولي الذي يدعم العدوان على سوريا بدل أن يكون محايداً؟ نحن نرفض نشر قوات طوارئ دولية على الحدود اللبنانية السورية، ونعتبر أنها مؤامرة ضد لبنان وضد سوريا، وعلى أولئك المطالبين بهذا المشروع أن يكفوا عن تخريب لبنان وتخريب سوريا لتعود الأمور إلى ما كانت عليه.