نحن اليوم أمام خطر كبير يُحاك للمنطقة من بوابة القضية الفلسطينية، خاصة أن أمريكا تعمل جاهدة لتبتدع حلاً ظاهره إعطاء بعض الحقوق للفلسطينيين وحقيقته إعطاء كل شيء للاسرائيليين، وعندما نجد أمريكا تنتقد إسرائيل على بناء المستوطنات إنما تنتقدها بلين ولطف وغنج ودلال، وفي المقابل تستمر بدعم حصار غزة وتضغط على العرب ليتنازلوا ويقدموا ما لديهم مجاناً، وهذا يعني أن تأخذ إسرائيل كل شيء وأن لا يأخذ الفلسطينيون أي شيء. اليوم لدى العرب بعض المقومات التي يتمكنهم من أن يستعيدوا فلسطين والقدس، لدينا المقاومة الشريفة الباسلة في لبنان وفلسطين، لدينا هذا الشعب المضحي الذي قدم الكثير من أجل كرامته وعرضه ومستقبله، لدينا حالة الممانعة التي تجعل إسرائيل محاصرة سياسياً وأخلاقياً ونفسياً وعملياً، لدينا المقاطعة للبضائع الاسرائيلية وهذا شكل من أشكال ضرب الاقتصاد الاسرائيلي، لدينا العدد الكبير الذي يُحيط بهذا الكيان الغاصب، وهذا بحدِّ ذاته يعتبر ثورة عظيمة تكتفي بالعدد في مقابل العدد الآخر المتضائل والجبان والضعيف، لدينا امتداد جغرافي يُستفاد منه من أجل منع إسرائيل من أن تحقق أهدافها، هذه كلها موجودات لدينا كعناوين للقوة، والذي تريده أمريكا اليوم أن تسلبنا مقومات القوة، لاحظوا الهجمة العالمية على المقاومة، واعتبار المقاومة هي المشكلة، بينما لإسرائيل الحق في الحياة، مع العلم أن المقاومة ولدت بسبب الاحتلال الاسرائيلي، وهي ردة فعل على الاحتلال، فبدل أن يواجهوا الاحتلال ويُعيدوا الأرض إلى أصحابها يواجهون المقاومة التي هي ردة فعل لإسقاطها من أجل حماية إسرائيل وليس من أجل إعادة الحقوق الفلسطينية. كذلك نجد أمريكا اليوم ترجو إسرائيل في أن تبطِّئ حركتها في بناء المستوطنات، في البداية كانوا يطالبونها بتجميد المستوطنات، وبعدها بتجميد مؤقت لتسعة أشهر للمستوطنات، وبعدها أخرجوا القدس من دائرة المستوطنات، ثم الآن الحديث عن تبطيء البناء في المستوطنات، كل هذا التدرج الرباعي حصل من دون علاقة للعرب ولا للفلسطينيين، إسرائيل تناقش نفسها، وأمريكا تحاور إسرائيل في لعبة بهلوانية، وبعد كل هذا يطالب أوباما العرب بخطوة جريئة، ويطالبهم بالتطبيع وتقديم شيء لتشجيع إسرائيل، مع العلم أن كل ما سلبته إسرائيل منَّا وقدمه بعض العرب طوعاً لها واستسلاماً وذلاًّ كان تحت عنوان تشجيع إسرائيل، وإذ تبيَّن أن هؤلاء يشجِّعون إسرائيل على مزيد من الاحتلال، وحدها المقاومة هي التي تضع حدًّا لإسرائيل، وحدها المقاومة هي التي تُعيق المشروع الاسرائيلي بالحد الأدنى، وحدها المقاومة تُعيد أرضاً سليبة وتمنع هذا الكيان الغاصب من أن يتحكَّم بمنطقتنا بأسرها، وقد أثبتت التجربة كيف نجحت المقاومة الاسلامية في لبنان مع شعبها وجيشها لتُخرج إسرائيل ذليلة من أرضنا في سنة 2000، ثم لتمنع إسرائيل من احتلالها مجدداً في سنة 2006، ثم تعيش إسرائيل حالة من الهزيمة العامة، من طفلها إلى شيخها إلى كل مستوى من مستويات المسؤولية، هذا كله من بركات المقاومة، لذلك نحن متمسكون بهذه المقاومة الشريفة التي تُعيد الأرض، والتي ترفع الرأس وتحقق الكرامة، وكفانا تلك التنظيرات التي تقول بأن العين لا تواجه مخرزاً، فالمقاومة ليست عيناً وإسرائيل ليست مخرزاً، المقاومة حق وإسرائيل باطل، والحق يواجه الباطل ويُسقطه بكل جدارة، هكذا ثبت لنا في التاريخ، وهكذا رأينا بأم العين في لبنان وفلسطين.
أما بشأن الحكومة اللبنانية، فنحن نرى أن تأخيراً كبيراً حصل ثم أعقبه اعتذار من الرئيس المكلف بتشكيل هذه الحكومة، والاسباب التي عقَّدت هذا التشكيل هي الاسباب نفسها التي ستواجه الرئيس الجديد المكلف سواء كان نفسه أم غيره، وسبب ذلك أن لبنان له تركيبة طائفية معقدة، وهذه التركيبة والخصوصية لا يُصلحها إلا الوفاق، والوفاق يتطلب تنازلات مشتركة من أجل أن يُحكم البلد بتعاون جميع الأفرقاء ومكونات الطوائف والأحزاب والقوى، ولا يستقيم أمر البلد في المجالات كافة إلا إذا كنا أمام حكومة وحدة وطنية تراعي التوازن القائم والواقع الموجود في حقيقة قدرة الأطراف ووزنها السياسي والشعبي في البلد. أنتم تعلمون أن القوى الوازنة في لبنان من الموالاة والمعارضة هي قوى شبه متعادلة، فلا يوجد أكثرية ساحقة ولا أقلية مسحوقة، بل يوجد توازن دقيق بين قوى المعارضة وقوى الموالاة، هذا التوازن تُصلحه حكومة الوحدة الوطنية، وتستفيد منه حكومة الوحدة الوطنية، ولا يستطيع أي جناح من الجناحين في الموالاة والمعارضة أن يأخذ البلد على عاتقه ويحكمه كما يريد، هذا التوازن الدقيق بين القوى نيابياً وشعبياً هو الذي يجعلنا نؤكد دائماً على ضرورة تشابك الأيدي لتقوم الحكومة الواحدة. نحن مع الحوار والتنازلات المتبادلة، وحصر لعبة الأسقف المعلنة بالنقاش في داخل الغرف المغلقة بين المعنيين، لأننا أمام واقع أن البعض يعتمد على العنتريات في المواقف المعلنة فيصبح أسيراً لها، ثم بعدها في الحوار يقول أنا أطلقت موقفاً، ولا أستطيع أن أتنازل لأن الناس ستسألني، ما الذي دعاكم لتطلقوا المواقفوأنت تعلموا أن لبنان لا يتحمَّلها؟ ما الذي جعلكم تضعون أسقفاً عالية لا تستطيعون الوصول إليها؟ هذه مشكلتكم، نحن دعونا دائماً إلى أن يكون التحرك تحركاً مدروساً، واعلموا أن المتضرِّرين من حكومة الوحدة الوطنية محلياً وإقليمياً ودولياً سيعملون من أجل منع حكومة الوحدة الوطنية بحجج مختلفة، وسيشجعون الأطراف على التنافس والتناحر والتباعد، لأنهم يستفيدون من لبنان الممزَّق، وليس لهم خبز في لبنان الموحَّد، وأيضاً سيكون الضرر على الجميع، فلا يظنَّنَّ أحد أنه إذا ذهبت الموالاة لتشكيل حكومة منفردة أنها ستربح، أبدا!! بل ستخسر كل رصيدها، والمعارضة أيضاً لن تكون رابحة، الربح ليس في تشكيل حكومة، الربح في أن تستطيع هذه الحكومة العمل بين الناس، والربح ليس بأخذ حقائب ولكن المهم أن تستطيع الحكومة المشكَّلة في أن تقود البلد إلى نهضته، لا أن تكون هي السبب في التوتر السياسي والأمني والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتعقيدات المختلفة، هذا البلد لا يُصلحه إلا حكومة الوحدة الوطنية. جرَّبنا حكومة الاستئثار وحكومة اللون الواحد، ماذا كانت النتيجة؟ كان البلد خراباً لثلاث سنوات، ولم يخطُ بعض الخطوات الإيجابية إلا بعد اتفاق الدوحة، الذي تأسَّس على الوفاق والمشاركة وحكومة الوحدة الوطنية، أما قبل ذلك كل شيء كان معطلاً على الجميع، وكانت الحالة السياسية والأمنية غير مستقرة ومعقَّدة، بل بدأت تنهار الحالة الاقتصادية، في هذا العام شعرنا بتحسُّن إقتصادي رغم أن الإدارة ليست كما يجب، فقط بسبب الاستقرار وعنوان حكومة الوحدة الوطنية.
نحن نؤكد كحزب الله أننا نتحرك في تشكيل أي حكومة قادمة ضمن أربع قواعد: أولاً، الحرص على تشكيل حكومة وحدة وطنية التزاماً بالصيغة التي اتفقنا عليها، وترجمة الاتفاق بالتوافق في كامل مراحل تحديد الحقائب والأسماء وأخذ الثقة والبيان الوزاري، ثانياً المعارضة متضامنة مع بعضها، تدخل إلى الحكومة مجتمعة وترفض المشاركة غير المتوازنة مجتمعة، فإما أن نكون شركاء مع الأفرقاء الآخرين في الوطن، ونتحمل مسؤوليتنا في الإيجابيات والسلبيات، وأن لا نكون شهود زور بسبب رغبة أحد الأفرقاء أن يهمِّش المعارضة، ثالثاً نؤكد على أن الحوار هو الطريق إلى الحل، والحوار المشفوع بالمرونة وتقديم التنازلات، وعدم رفع الأسقف، وهذا يتطلب جهداً مشتركاً، وأن لا نُطيل عمر الأزمة بسبب آلية التعاطي وسوء التصرف، رابعاً الحكومة اللبنانية ليست لإعطاء جوائز لأحد، فهي ليست جائزة لنتيجة الانتخابات، ولا جائزة لفريق دون آخر، الجائزة يأخذ أي فريق منا وأي طرف منا عندما ينجح في إدارة البلاد من خلال حكومة الوحدة الوطنية، فيرى الناس إنجازاته ويدعون له بالخير، كفانا سلباً للوطن، علينا أن نُعطيه.
اليوم استقال الرئيس المكلف، وله أن يُتابع أو أن يستقيل، فهذا خياره في النهاية، لكن يبدو أن هناك حاجة للمزيد من الوقت من أجل إعادة اختيار رئيس مكلف ومن أجل بعض النقاشات، أتمنى أن يستفيد الرئيس المكلف الجديد من تجربة التكليف خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ليأخذ على عاتقه هذه القواعد التي ذكرتها، الحرص والتضامن والحوار والابتعاد عن لغة الجوائز، عندها يمكن أن تُشكَّل حكومة الوحدة الوطنية بأقل من 48 ساعة، لأن مستوى الخلافات الموجودة لا تستحق هذه الإطالة ولا هذا الوقت. على كل حال واجبنا أن نكون حريصين على السلم الأهلي وعلى الاستقرار السياسي، وعلى العمل من أجل أن نعالج شؤون الناس الاقتصادية والاجتماعية، حرام أن نبقى في اللعبة السياسية بعيدون عن هموم الناس.