الوليُّ المجدِّد

نتائجُ الصَّحوة

نتائجُ الصَّحوة

أول نتائج الصَّحوة الإسلامية اختلال توازن الظالمين، فالمارد بدأ يتحرك, ولم يعد الاستعباد سهلًا، والشعوب انتفضت على جلَّاديها. قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "إنَّ الصَّحوة الإسلامية العظمى في مصر وتونس وسائر البلدان تدلُّ على أنَّ التوازن الظالم والمذل الذي فرضه الغربيون السلطويون والحكام التابعون لهم, في الأعوام الـ150 الأخيرة على شعوب المنطقة, قد اختل, وبدأ فصلٌ جديد في تاريخ المنطقة"(63).

وقد بدأ الإسلام يأخذُ مكانه ودوره في الأُمَّة وبين الأمم، وهذا ما وضَّحه الإمام الخامنئي(دام ظله) في المؤتمر العالمي لعلماء الدِّين والصَّحوة الإسلامية: "موضوعُ الصَّحوة الإسلامية الذي ستتناولونه في هذا المؤتمر هو اليوم في رأس قائمة قضايا العالم الإسلامي والأُمَّة الإسلامية.. إنَّه ظاهرةٌ عظيمة, لو بقيت سليمة وتواصلت بإذن الله لاستطاعت أن تُقيم الحضارة الإسلامية في أُفقٍ ليس ببعيد, للعالم الإسلامي, ومن ثَمّ للبشرية جمعاء.

إنَّ البارز أمام أعيننا اليوم، ولا يستطيع أي إنسان مطَّلع وذي بصيرة أن ينكره, هو أنَّ الإسلام اليوم قد خرج من هامش المعادلات الاجتماعية والسياسية في العالم، واتَّخذ مكانةً بارزة وماثلة في مركز العناصر الفاعلة لحوادث العالم، ليقدم رؤية جديدة على ساحة الحياة والسياسة والحُكم والتطورات الاجتماعية. ويشكِّل ذلك، في عالمنا المعاصر الذي يعاني بعد هزيمة الشيوعية والليبرالية من فراغٍ فكري ونظري عميق، ظاهرةً ذات مغزى وأهمية بالغة. وهذا أول أثر تركته الحوادث السياسية والثورية في شمال أفريقيا والمنطقة العربية على الصعيد العالمي، و يبشِّر بدوره ببروز حقائق أكبر في المستقبل.

إنَّ الصَّحوة الإسلامية التي يتجنَّب ذكرها المتحدثون باسم جبهة الاستكبار والرجعية، بل يخافون أن يجري اسمها على ألسنتهم، هي حقيقة نرى معالمها اليوم في أرجاء العالم الإسلامي كافة. وأبرز معالمها تَطلُّع الرأي العام وخاصة فئة الشَّباب إلى إحياء مجد الإسلام وعظمته، ووعيهم لحقيقة نظام الهيمنة العالمية، وانكشاف الوجه الخبيث والظالم والمستكبر لحكومات ودوائر أنشبت أظفارها الدامية لأكثر من قرنين في المشرق الإسلامي وغير الإسلامي، وجعلت مقدرات الشعوب عرضة لنزعتها الشرسة والعدوّانية نحو الهيمنة، وذلك بنقاب المدنية والحضارة.


أرى من المناسب أن أُبيِّن عدة نقاط ضرورية حول قضايا الصَّحوة الإسلامية:

الأولى:‌ إنَّ الأمواج الأولى للصَّحوة في بلدان هذه المنطقة، والتي اقترنت ببدايات دخول الغزو الاستعماري، قد انطلقت غالبًا على يد علماء الدِّين والمصلحين الدِّينيين. لقد خلَّدت صفحات التاريخ وللأبد أسماء قادة وشخصيات بارزة, من أمثال: السيد جمال الدِّين الأسدآبادي, ومحمد عبده, والميرزا الشيرازي, والآخوند الخراساني, ومحمود الحسن, ومحمد علي, والشيخ فضل الله النوري, والحاج آقا نور الله, وأبي الأعلى المودودي, وعشرات من كبار علماء الدِّين المعروفين والمجاهدين والمتنفذين من إيران ومصر والهند والعراق. و يبرز في عصرنا الراهن اسم الإمام الخميني العظيم مثل كوكب ساطع على جبين الثَّورة الإسلامية في إيران. وكان لمئات العلماء المعروفين وآلاف العلماء غير المعروفين في الحاضر والماضي دورٌ في المشاريع الإصلاحية الكبيرة والصغيرة على ساحة مختلف البلدان. وقائمة المصلحين الدِّينيين من غير علماء الدِّين: كحسن البنا, وإقبال اللاهوري, هي طويلة أيضًا وتثير الإعجاب.

الثانية: ضرورة رسم هدفٍ بعيد المدى للصَّحوة الإسلامية في البلدان المسلمة, يوضع أمام الجماهير ليكون البوصلة في حركتها للوصول إليه. وبمعرفة هذا الهدف يمكن رسم خارطة الطريق, وتحديد الأهداف القريبة والمتوسطة. هذا الهدف النهائي لا يمكن أن يكون أقل من إقامة "الحضارة الإسلامية المجيدة". الأُمَّة الإسلامية، بكلّ أجزائها في إطار الشعوب والبلدان، يجب أن تعتلي مكانتها الحضارية التي يدعو إليها القرآن الكريم.

الثالثة: في إطار حركات الصَّحوة الإسلامية يجب الاهتمام باستمرار بالتجربة المرّة والفظيعة التي تركتها التَّبعية للغرب على السياسة والأخلاق والسلوك ونمط الحياة.

الرابعة: إنَّ أخطر ما يواجه حركة الصَّحوة الإسلامية اليوم، إثارة الخلافات ودفع هذا الحِراك نحو صدامات دموية طائفية ومذهبية وقومية ومحلية.

الخامسة: إنَّ سلامة مسيرة حركات الصَّحوة الإسلامية يجب أن نبحث عنها فيما نبحث في موقفها تجاه قضية فلسطين. منذ ستين عامًا حتى الآن, لم تنزل على قلب الأُمَّة الإسلامية كارثة أكبر من اغتصاب فلسطين"(64).


كما شكلّ الإسلام حافزًا للشعوب للتَّقدم في المجالات الثقافية والاجتماعية والعلمية، ولتستعيد بعضًا من تاريخها الذي سما بالإسلام، وتُنجز حاضرها ومستقبلها على وقع الصَّحوة الإسلامية. اعتبر قائد الثَّورة الإسلامية "الصَّحوة الحالية في العالم الإسلامي والرغبة المتزايدة لدى مختلف شرائح الشعوب بالقضايا والأهداف الإسلامية السامية بأنَّها تحقَّقت نتيجة المسيرة الظافرة للجمهورية الإسلامية لدى الرأي العام في العالم الإسلامي، موضحًا: أنَّ أي نجاح أو إنجاز علمي تحقِّقه الجمهورية الإسلامية، وكذلك الإنجازات الاجتماعية العظيمة للشعب, مثل إجراء الانتخابات بشكل ملحمي, أو صمود الجمهورية الإسلامية الإيرانية أمام عجرفة وأطماع الاستكبار، كلّ ذلك يشكِّل حافزًا للشعوب من أجل متابعة استقلالها في إطار الإسلام, ومن هذا المنطلق فإنَّ القوى المتغطرسة حشدت كلّ طاقاتها لعلها تتمكن من إخماد هذه الحركة وضرب هذا القطب الرئيسي"(65).

القضيةُ الفلسطينية أبرز تطبيق عملي ميداني وإنجاز مهمٌ من بركات الصَّحوة، فقد استفادت القضية الفلسطينية من الصَّحوة وأفادتها، وحرَّكت المسلمين والعرب والأحرار باتجاهها لرفض العدوّان والاحتلال والظلم، فأضاءت طريق الجهاد والعدل والاستقلال، وهو طريق الصَّحوة. قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "إنَّ الانتصارات التي تحققت في فلسطين في الأعوام الأخيرة, وحتى جانب من أسباب الصَّحوة الإسلامية المنتشرة بالمنطقة، جاءت نتيجة صمود الشَّعب وفصائل المقاومة الفلسطينية, كما أنَّ النَّصر اللاحق وتحقُّق الوعد الإلهي رهنٌ بهذه المقاومة والصمود"(66).

وقال: "هذه الصَّحوة الإسلامية التي عمّت کلّ المنطقة، وفتحت فصلًا جديدًا حاسمًا في تاريخ الأُمَّة الإسلامية. هذه الحرکة العظيمة التي يمکنها بلا شك أن تؤدي إلى إيجاد منظومة إسلامية مقتدرة ومتقدمة ومنسجمة في هذه المنطقة الحساسة من العالم، و تضع بحول الله وقوته وبالعزيمة الراسخة لروّادها نهايةً لعصر التخلف والضعف والهوان الذي عاشته الشعوب المسلمة، استمدَّت جانبًا مهمًا من طاقتها و حماسها من قضية فلسطين"(67).

فيا أيَّها الشَّباب، لا تسمحوا لشبكة الاستبداد العالمي من أن تخطف النتائج المهمة للصَّحوة الإسلامية، وهذا ما قاله الإمام الخامنئي(دام ظله) في مؤتمر الشَّباب والصَّحوة الإسلامية الدولي: "إنَّ العدوّ يخطّط للتآمر, ويجب على الشعوب المسلمة وخاصة شباب الأُمَّة الإسلامية الذين هم محرّك الصَّحوة الإسلامية أن لا يسمحوا لشبكة الاستبداد العالمية من خطف ثوراتهم، والانحراف عن مسارها في الحاضر والمستقبل, من خلال توخي اليقظة والحذر والاستفادة من تجارب الآخرين"(68).


63- 30/6/2011.
64- 29/4/2013.
65- 27/6/2012.
66- 12/2/2012.
67- 1/10/2011.
68- 30/1/2012.