الوليُّ المجدِّد

الصَّحوةُ واقعٌ وحقيقة

الصَّحوةُ واقعٌ وحقيقة

تأثَّر المشهد الدولي بشكلّ كبير بحركة الإمام الخميني(قده)، وولادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتأثَّرت المنطقة العربية والعالم الإسلامي بهذه الصَّحوة الإسلامية الناتجة عن هذا المنعطف، ولأنَّ تسمية كلّ زمان تتأثر بأبرز حدثٍ فيه، فإنَّه يصحُّ أن نُطلق على عصرنا هذا عصر الصَّحوة الإسلامية. قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "إنَّ تزامن انعقاد هذا المؤتمر مع الذكرى السنوية لميلاد الرسول الأعظم (ص), في السنة التي شرفها الشَّعب الإيراني باسمه المبارك, يجب أن يشكِّل لنا جميعًا منبعًا ملهمًا للجهاد والاتحاد والعزم الراسخ والوثوق بالوعد الإلهي, وموفرًا لأرضية نزول الرحمة والنَّصر الإلهيين إن شاء الله تعإلى. إن العصر الحاضر هو عصر الصَّحوة الإسلامية, وفلسطين تحتل قلب هذه الصَّحوة"(42).

نحن لا نحتاج إلى بحثٍ وتدقيق لاستكشاف الصَّحوة الإسلامية المعاصرة وآثارها، فهي واقع يتنامى بين الشعوب وشبابها، ويسطع كالشمس في رابعة النهار.

وقد لَفَتَ وليُّ أمر المسلمين إلى الواقع الراهن في العالم, "معتبرًا تنامي الصَّحوة الإسلامية, والعودة إلى الإسلام, وإحياء التمسك بالقرآن الكريم, وتشكيل الأُمَّة الواحدة, بأنَّه من جملة هذه الحقائق والواقع الراهن. وقال: إنَّ هذه القضايا كانت تشكلّ أهدافًا بعيدة المنال, وتُطرح بين بعض الخواص والمصلحين في العالم الإسلامي منذ سنوات متمادية, لكنَّها أصبحت اليوم حقيقةً وشعارًا حيًّا بين شرائح المسلمين, خاصة بين الشريحة الشَّابة والمثقفة, ومما لا شك فيه أنَّ لانتصار الثَّورة الإسلامية في إيران وتضحية الشَّعب الإيراني في بثّ روح الأمل بين الأُمَّة الإسلامية، دورًا بارزًا للغاية في هذا المجال"(43).

وقال الإمام الخامنئي(دام ظله): "موجةُ الصَّحوة الإسلامية اليوم واقعٌ جادّ وحقيقةٌ لا تقبل الإنكار. يشعر المسلمون اليوم أنَّهم قادرون على التأثير في العالم, وفي وضع البشرية، وفي مصيرهم. حينما يصل هذا الشعور لدى الشعوب إلى نقطةٍ معينة فسوف يتبلور ويتجسَّد ويتحوَّل إلى واقع"(44).

هذا الواقع لا يعني بأنَّ الصَّحوة الإسلامية قد أعطت ما لديها، ولا يعني نهاية المطاف، فما زلنا في بداية الطريق، وما نراه اليوم ما هو إلَّا بداية إشعاع النور الذي سيتنامى ويكبرُ بإذن الله تعإلى، وعلينا أن نُخطِّط لمئة سنة قادمة. قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "الثَّورةُ حصلت، وانبعث التحرُّك العظيم وتحقَّقت الصَّحوة والشعور بالاقتدار, وبدأت حركة مهمة أثمرت تطورًا وافرًا. وعلينا أن نذعن ونعترف بأنَّ هذه الحركة ما زالت في بدايتها, فنحن في بداية الطريق.

أشار الأصدقاء إلى التَّخطيط لمئة سنة. بالطبع إنَّني لا أعتقد بالتَّخطيط لمئة سنة, لكنَّني أستحسن هذا التفكير وهذه الروحية التي نشعر معها بأنَّنا ما زلنا نخطو الخطوة الأولى رغم مرور ثلاثين سنة, حتى إذا أردنا أن نخطو عشر خطوات, فهذا يعني ثلاثمائة سنة. علينا أن نعلم أنَّنا في خطواتنا الأولى، ويجب أن نعلم أنَّنا نستطيع أن نخطو خطوات أكبر, يجب أن نخلق هذا الشعور"(45).

لقد أيقظت الصَّحوة الإسلامية شعوب الأُمَّة الإسلامية بعد الويلات التي مرَّت عليها، وبدأت تدخل عميقًا في ضمائر النَّاس وحياتهم. قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "يواجه العالم اليوم حدثًا عظيمًا، ألا وهو الصَّحوة الإسلامية، وهذه حقيقة. لقد استيقظت الشعوب والأُمَّة الإسلامية تدريجيًّا، ولم يعد التسلّط على الشعوب المسلمة بالسهولة التي كان الأمر عليها بعد الحرب العالميّة الأولى, أو في فترة القرنين التاسع عشر والعشرين. إذا أراد مستكبرو العالم في الوقت الحاضر السيطرة على الشعوب المسلمة فسيكونون أمام مهمّة عسيرة, لقد تغلغلت الصَّحوة في الأُمَّة الإسلامية ونفذت وترسّخت فيها، وفي بعض البلدان تحوّلت هذه الصَّحوة إلى ثورةٍ غيّرت الأنظمة الفاسدة العميلة، لكن هذا جزءٌ من الصَّحوة الإسلامية وليس كلّها, الصَّحوة الإسلامية واسعةٌ وعميقة"(46).

وهي التي نبَّهت الشعوب إلى ثروة الإسلام العظيمة في حياتهم. قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "مع أنَّ منطقة غرب آسيا كانت منذ سنين عرضة لهيمنة الاستكبار وصولاته وجولاته، ولكن في مثل هذه الظروف وقع حدثٌ كبير هو الصَّحوة الإسلامية, الذي جاء خلافًا لإرادة الاستكبار.
التصوُّر بأنَّ الصَّحوة الإسلامية قد اندثرت تصورٌ خاطئ، لأنَّ الصَّحوة الإسلامية ليست مجرّد حدث سياسي يزول بمجيء بعض الأفراد ويزول بزوالهم، إنَّما الصَّحوة الإسلامية حالة تنبُّه وثقة بالذات واعتماد على الإسلام انتشرت في المجتمعات الإسلامية"(47).

وقد برزت عناوين الصَّحوة بمؤشراتها في بلدان عديدة، وتجلَّت بإنجازات واضحة للعيان، وحقَّقت بعض أهداف وتطلعات شعوبنا المظلومة، قال الإمام الخامنئي(دام ظله) في المؤتمر الدولي الأول للصَّحوة الإسلامية: "إنَّ أصول الثورات الحالية في مصر وبقية البلدان تتجلّى بالدرجة الأولى بما يلي:

1- إحياء وتجديد العزّة والكرامة الوطنية التي انتُهكت على يد الهيمنة الدكتاتورية للحكّام الفاسدين والسلطة السياسية لأمريكا والغرب.
2- رفع راية الإسلام الذي يُمثّل العُمق العقائدي والعاطفي للشعب, وتوفير الأمن النفسي والعدالة والتَّقدُّم والتفتّح ممّا لا يتحقّق إلَّا في ظلّ الشريعة الإسلامية.
3- الصمود أمام النفوذ والسيطرة الأمريكية والأُوروبية التي أنزلت خلال قرنين أكبر الضربات والخسائر والإهانات بشعوب هذه البلدان.
4- مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب ودولته المُصطنعة التي غرزها الاستعمار كخنجرٍ في خاصرة بلدان المنطقة, وجعلها وسيلةً لاستمرار سلطته المتجبّرة، وشرَّد شعبًا من أرضه التاريخية.

ممّا لاشكّ فيه أنّ تبنّي ثورات المنطقة لهذه الأصول, وسعيها لتحقيقها, لا ينسجم مع رغبات أمريكا والغرب والصهيونية، وهؤلاء يبذلون كلّ ما في وسعهم لينكروا ذلك، لكن الواقع لا يتغيّر بإنكاره. إنَّ شعبية هذه الثورات هي أهمّ عنصر في تشكيل هويتها"(48).

وبيَّن بأنَّها واقعٌ محسوس لا يمكن إنكاره: "إنَّ ما جمعنا هنا هو الصَّحوة الإسلامية، أعني حالة النهوض والوعي في الأُمَّة الإسلامية، التي أدَّت إلى تحوّل كبير بين شعوب المنطقة، وإلى انتفاضاتٍ وثورات لم تكن تستوعبها أبدًا محاسبات الشياطين الاقليميين والعالميين. ثورات عظيمة هدَّمت قلاع الاستبداد والاستكبار وألحقت الهزيمة بحرّاسها.

خلاصة القول: إنَّ الکلام عن الصَّحوة الإسلامية ليس بحديث عن مفهومٍ مُبهمٍ غير مشخَّص ويقبل التأويل والتفسير, إنَّه حديثٌ عن واقعٍ خارجي مشهود ومحسوس, ملأ الأجواء, وفجّر الثورات الکبرى, وأسقط عناصر خطرة في جبهة الأعداء, وأخرجهم من الساحة. ومع ذلك فالساحة لا تزال هشّةً, وتحتاج إلى بلورة, وإلى تحقيق الأهداف النهائية"(49).

وحذَّرَ من الخلافات التي تضر بإنجازات هذه الصَّحوة: "الوصيَّة المهمّة الأخرى, الحذر من الاختلافات المذهبية والقومية والعنصرية والقبلية والحدودية. اعترِفوا بالتفاوت ووجّهوه بإدارة حاذقة. التفاهم بين المذاهب الإسلامية مفتاح النجاة. أولئك الذين يُضرمون نيران التفرقة المذهبية, أو يعمدون إلى تكفير هذا وذاك، هم عملاء الشيطان وجنده, حتى لو لم يعلموا هم بذلك"(50).

هذه الصَّحوة متواصلة ومنتصرة، قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "إنَّ الصَّحوة المتواصلة للشعوب ستطيح بعملاء الاستکبار واحدًا تلو الآخر, وإنَّ شوکة واقتدار الإسلام سيزداد يومًا بعد يوم"(51).

أما "الربيع العربي" الذي تأثّر بإرهاصات الصَّحوة الإسلامية، فهو ناقص، إذا لم يستثمر مقومات الصَّحوة بشكلّ كاف، ومع ذلك فإنَّ المشهد لا يتوقف عند أحداث محدَّدة، فالصَّحوة مسارٌ طويل بآثارٍ متفاوتة، وقد وصف قائد الثَّورة الإسلامية حركة الصَّحوة الإسلامية بالحدث المصيري والمؤثر للأُمة الإسلامية جمعاء، موضحًا: "إنَّ هذه الحركة هي صحوةٌ حقيقية وكذلك إسلامية, وإنها جاءت نتيجة العِبَر الكثيرة والفهم العميق والهمم العالية للشعوب العربية خلال سنين عدة, ومن هذا المنطلق فإنَّ عنوان "الربيع العربي" ناقص لهذه الحركة العظيمة. وأكَّدَ آية الله الخامنئي أنَّ هذه الحركة لا تنتهي, وأنَّها ستتواصل وتُغيِّر تاريخ الأُمَّة الإسلامية إن شاء الله... إنَّ هذه الحركة توحي بحادثة تاريخية كبرى ستترك تطورًا عظيمًا في الأُمَّة الإسلامية"(52).

42- 14/4/2006.
43- مؤتمر الوحدة الإسلامية, 7/4/2007.
44- خطاب الولي 2010, ص: 87.
45- خطاب الولي 2010, ص: 314.
46- خطاب الولي 2012, ص: 614.
47- 5/9/ 2013.
48- خطاب الولي 2011, ص: 384.
49- 17/9/2011.
50- خطاب الولي 2011, ص: 388.
51- 27/11/2011.
52- 7/2/2012.