إنَّ ظهور الإمام المهدي(عج) خفي في توقيته كخفاء يوم القيامة، وسرعة ظهوره ومفاجأته للناس كسرعة حدوث يوم القيامة، فقد قيل لرسول الله(ص):"يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك؟ فأجاب : مثله مثل الساعة التي " لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَ بَغْتَةً "
بسم الله الرحمن الرحيم
مقالة افتتاحية مجلة بقية الله-العدد 165 حزيران.
يأتيكم بغتة
إنَّ ظهور الإمام المهدي(عج) خفي في توقيته كخفاء يوم القيامة، وسرعة ظهوره ومفاجأته للناس كسرعة حدوث يوم القيامة، فقد قيل لرسول الله(ص):"يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك؟ فأجاب : مثله مثل الساعة التي " لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَ بَغْتَةً "1.
على المؤمن أن يستعد للظهور كما يستعد ليوم القيامة، بأن لا يتهاون، ولا يقيس زمن الظهور بما يراه من أحداث، ولا يستبعد تسارع الأحداث بشكل كبير بحيث لا تترك له مجالاً للتفكير والاختيار، فإنَّ التسويف وأضاعه الوقت، وطول الأمل بوجود وقت متاح للتصميم والعزم، وعدم الاهتمام بتهيئة النفس للالتحاق بجنده(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، يُعتبر مهلكة وخسارة عظيمة للإنسان لا يمكن تعويضها. وقد حذَّرنا أمير المؤمنين علي(ع) من ذلك بقوله:"إنما أخاف عليكم اثنتين: اتباع الهوى وطول الأمل، أمَّا اتباع الهوى فإنَّه يصدُّ عن الحق، وأمَّا طول الأمل فيُنسي الآخرة"2.
ولا تنظر رحمك الله إلى طول زمان الغيبة الكبرى، وما مرَّ على من كان قبلنا، فقد أخبرتنا الروايات بأن الظهور مرتبط بمجموعة مؤشرات وعلامات لا بدَّ من تحققها قبله، وهي عامة لا نستطيع ملاحقتها بالتفصيل، وما كان منها خاصٌ فإنَّه يحصل بسرعة فائقة، أو كما ذكرت الرواية الأولى أعلاه"لا تأتيكم إلاَّ بغتة". فإذا كان الإمام المهدي(عج) قد أوصى سفيره الرابع والأخير علي بن محمد السمري(رض) بالاستعداد وهو المتوفي عام 329هـ أي مع بداية الغيبة الكبرى، فكيف بنا نحن الذين وصلنا إلى سنة 1426هـ وفي زمان تتسارع فيه الأحداث حتى نكاد نشعر بقرب الظهور.وممَّا كتبه أمامنا المهدي(عج) لسفيره الرابع:"بسم الله الرحمن الرحيم: يا علي بن محمد السمري، أعظمَ الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توصِ إلى أحدٍ فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلاَّ بعد إذن الله تعالى ذكرُه، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً"3.
واعلم أن الغيبة الكبرى متلازمة مع اطِّلاع الإمام المنتظر(عج) على مجريات الأحداث، فهو حاضر لا نراه، ومنتظرٌ للظهور في اللحظة المناسبة، ويعيش قضايانا المختلفة، ويعلم تماماً أفراد جنده وكذلك الكافرين والمعاندين. يجب أن لا نميز في عملنا بين حضوره المباشر وغيابه عنَّا، فنحن نؤمن بالإسلام، ما يستلزم الطاعة لله جلَّ وعلا، وهذا مسارٌ يُتوِّجُهُ الإمام الثاني عشر في آخر الزمان عدالةً عالمية للإنسانية، لكننا مسؤولون قبلها واثناءها وبعدها.
في كتاب وصل إلى الشيخ المفيد(قده) في سنة 410هـ من الإمام المهدي(عج) ، ورد التأكيد على محبة الإمام والتقرب منه بالعمل الصالح، وانتظار الظهور بغتة حيث لا ينفع معه توبة بعد ذلك بسبب تفويت كل الفرص المؤاتية في الوقت المناسب للطاعة والاستقامة. مما جاء في الكتاب:"نحن وإن كنا نائين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك، ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنَّا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهوركم كأنهم لا يعلمون. إنَّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللاواء(أي العناء)، واصطلمكم(أي استأصلكم) الأعداء..ثم قال: فليعمل كل امرء منكم بما يقرب به من محبتنا، ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا. فإن أمرنا بغتة فجأة لا تنفعه توبة، ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة، والله يلهمكم الرشد، ويلطف لكم في التوفيق برحمته"4.
كلٌ شيء في فترة الظهور سريعٌ ومنسجم مع الفجأة التي ذكرتها الروايات، كلُّ العلامات المباشرة تحصل في فترة زمنية قياسية، كلُّ الجبروت والطغيان الذي نراه على امتداد المعمورة سينهار بسرعة كبيرة، وعلى الرغم من تواتر الروايات عن راية الضلال للسفياني وما يفعله من مآسٍ في الأمة، فإنَّها تؤكد على سرعة زوال ملكه الذي لا يتجاوز الخمسة عشر شهراً بين خروجه ومقتله وانهياره، فعن أبي عبد الله (ع):"السفياني من المحتوم، وخروجه في رجب، ومن أول خروجه إلى آخره خمسة عشر شهراً، ستة يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس مَلَكَ تسعة أشهر، ولم يزد عليها يوماً"5.
ألا تلاحظ معي تسارع الأحداث؟ تذكر الرواية المشهورة:"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً".
الهوامش:
1- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص: 373.
2- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص: 335.
3- الشيخ الطوسي، الغيبة، ص: 395.
4- الشيخ المفيد، المزار، ص : 7.
5- النعماني، كتاب الغيبة، ص : 300.