خلق الله الإنسان، ومنحه قدرة الاختيار بين الإيمان والكفر، " فَمَنْ شَاء فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاء فَلْيَكْفُرْ"(1)، وجعله خليفة له على الأرض مخاطباً ملائكته، " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً"(2)، وكانت صورة حياة الإنسسان التي أرادها الله حاضرة في انتصار الحق على الباطل، وإنتشار الإسلام مقابل الطواغيت، وإقامة العدالة العالمية في آخر الزمان على يد الإمام المهدي(عج).
باسمه تعالى
مقالة افتتاحية مجلة بقية الله-العدد 156/ شهر أيلول
ليظهره على الدين كله
خلق الله الإنسان، ومنحه قدرة الاختيار بين الإيمان والكفر، " فَمَنْ شَاء فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاء فَلْيَكْفُرْ"(1)، وجعله خليفة له على الأرض مخاطباً ملائكته، " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً"(2)، وكانت صورة حياة الإنسسان التي أرادها الله حاضرة في انتصار الحق على الباطل، وإنتشار الإسلام مقابل الطواغيت، وإقامة العدالة العالمية في آخر الزمان على يد الإمام المهدي(عج).
فإذا أردنا استشراف المستقبل من خلال انحراف البشرية وازدياد الظلم، وحسبنا الاحتمالات بطريقة مادية، فلن نصل إلى إمكانية سيادة الحق على الباطل، لكن عندما نعود إلى الله تعالى، ونقرأ آيات القرآن الكريم، ونتأمل في خطاب العليم القدير الخبير، نسلِّم بانقلاب المعادلة بحسب الآيات والروايات، بطرق لا نعلم خطواتها الكاملة، لينتصر الإسلام في نهاية المطاف مهما كانت التعقيدات والصعوبات والمخاطر، وهذا وعد الله للمؤمنين.
إنَّ قيادة وسيادة الإسلام حتمية، قال تعالى:" يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ"(3). وقد رُوي أنَّ علياً(ع) تلا هذه الآية وسأل الحاضرين:" هل ظهر الإسلام على الدين كله بعد أن أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق؟ فقالوا:نعم؟ فقال لهم: كلا والذي نفسي بيده، حتى لا تبقى قرية إلاَّ ويُنادى فيها بشهادة أن لا إله إلا الله، محمداً رسول الله، بكرة وعشياً"(4). وعندما سئل الإمام أبي جعفر الباقر(ع) عن تفسيرها قال:"ان ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد، فلا يبقى أحدٌ إلاَّ أقرَّ بمحمد(ص)" (5).
وها نحن اليوم نرى عودة الصحوة الإسلامية بعد غياب طويل، على الرغم من كل الإساءات للإسلام والمسلمين من المستكبرين والمستعمرين والجهلة، ونرى سقوط كل الأفكار المادية التي لم تعمِّر طويلاً في العالم، ونشهد تعطشاً روحياً كبيراً للعودة إلى دين الله، حيث فوجيء المحلِّلون والدارسون بإقبال الناس من جديد على الإسلام الذي يمثِّل البلسم والحل الحقيقي للإنسانية جمعاء.
إنَّه وعد الله الذي لا يُخلف وعده، في أن تتراكم الأمور بطريقة تمهِّد لظهور الحجة(عج) ومعه العدل الشامل، قال تعالى:" وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً"(6)، وقد روى العياشي بإسناده عن الإمام زين العابدين(ع) أنه قرأ الآية، وقال:" هم والله محبينا أهل البيت، يفعل الله ذلك بهم على يدي رجل منَّا، وهو مهدي هذه الأمة، وهو الذي قال رسول الله(ص): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطوَّل الله ذلك اليوم، حتى يلي رجل من عترتي، اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً"(7).
وهو وعد صريح وواضح، قال تعالى:" وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ"(8)، والمروي عن أهل البيت(ع) أنَّ المستضعفين هم أهل البيت وأنصارهم. فالحياة البشرية سائرة باتجاه تحقيق القيادة والوراثة للاستقامة والعدل والصلاح.
هذا الوعد لم يقتصر على وعد القرآن الكريم، وإنما ورد في الرسالات السماوية كافة، فلم تخلُ رسالة من الحديث عن المخلِّص والمنقذ، بل لم تخلُ عقيدة بشرية من الإيمان بمن سيأتي ليخلص البشرية، وهو مستفاد من سعة انتشار الوعد الإلهي من خلال الأنبياء(ع) عبر التاريخ، قال تعالى في القرآن الكريم عن كتاب النبي داوود(ع):" وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ"(9)، قال الإمام أبو جعفر الباقر(ع):"هم أصحاب الإمام المهدي(عج) في آخر الزمان"(10).
تكمن العبرة في إظهار الدين على كل ما عداه ولو كره الكافرون والمشركون والمنافقون، ومهما اجتمعت قوى الكفر والانحراف، ومهما كانت إمكاناتها وقدراتها، ومهما كان تفوقها وتقدمها، فإنَّ لها سقطة مدوّية، كما حصل للظلمة عبر التاريخ، حيث علوا كثيراً، وتجبروا على المجتمع البشري آنذاك، لكنَّ ملكهم لم يدم، وسرعان ما أصبحوا قصة في التاريخ، لا تحمل تفاعلاتها إلى حاضرنا ومستقبلنا، وإنما تحمل العبرة والموعظة منها. أمَّا دين الله فهو الأصل والثابت، الذي لا يخضع للتقلبات في الزوال والانحسار، وإنما ينحسر عن مسرح الحياة بفعل أنصاره الذين تخلوا عنه، ثم سرعان ما يعود قوياً بارزاً ومؤثراً مع عودة المؤمنين إليه، فهو الدين القيِّم الذي لا يعادله أي مبدأ قيمة وفعالية، مع وعد الله الذي لا يخلف وعده، فظهوره على الدين كله حاصل لا محالة.
الهوامش:
(1) سورة الكهف من الآية 29.
(2) سورة البقرة من الآية 30.
(3) سورة التوبة الآيتان 32 و33.
(4) مبادئ الثقافة المهدوية للشيخ مهدي فتلاوي-ص53 عن ينابيع المودة.
(5) المصدر نفسه-ص53.
(6) سورة النور من الآية 55.
(7) مجمع البيان للشيخ الطبرسي-ج7 ص 267.
(8) سورة القصص الآية 5.
(9) سورة الآنبياء الآية 105.
(10) مجمع البيان للشيخ الطبرسي -ج7 ص120.