كلمة نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم بمناسبة: مؤتمر القدس الثاني للشباب الفلسطيني (المزة)، تحت شعار " الإنتفاضة، المقاومة..التحرير" بتاريخ 12/12/2001 في مدينة الشباب الرياضية بدمشق.
مقدمة :
إن إعلان الإمام الخميني(قده) ليوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك يوماً عالمياً للقدس، هو إعلان للنهضة والجهاد ورفض الذل والاستسلام، إنه يوم المستضعفين لمواجهة اعتداءات المستكبرين، إنه يوم فلسطين لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، إنه يوم الوحدة في مقابل التفرقة، إنه يوم إنتصار الدم على السيف. وقد مثّل هذا الإعلان الموقف الواضح من أخطر وأعقد قضية تواجهها منطقتنا تحديداً للإتجاه برفض الظلم ومقاومة الاحتلال.
سنة ونيف مرت على إنتفاضة العز الفلسطينية، والشهداء يرتفعون إلى الملأ الأعلى، دفاعاً عن أقدس قضية في فلسطين المحتلة ورمزيتها القدس الشريف، معبرين عن العطاء الجهادي في درب التحرير للأرض والإنسان. وهم يواجهون كياناً عدوانياً محتلاً، إختار القتل والمجازر والتدمير سبيلاً لتثبيت احتلاله وفرض مشروعه الصهيوني الإرهابي العدواني والتوسعي. كل هذا يحصل على مرأى من العالم، وفيه دعاة الحرية وحقوق الإنسان والدول المتصدية لتصدير الديمقراطية والمطالِبة بالعيش الكريم، دون أن يحركوا ساكناً لنصرة الشعب الفلسطيني المظلوم سواء كان ذلك بالكلمة أو الموقف أو الإجراء العملي، مما يُبرز تحيزاً إلى هذا الكيان، مع كل جرائمه، وإعطائه الفرصة الكافية لتغيير المعادلة الميدانية، ولفرض واقع يتحول إلى خيار غير قابل للتعديل أو يكون منطلقاً لتسوية ظالمة، بل نسمع الأصوات ترتفع إلى جانب هذا الكيان مبررة جرائمه، ومنتقدة للجهاد والشهادة والكفاح من أجل التحرير، ومطالبة الفلسطينيين بالركون إلى مطالب الصهاينة والإرادة الدولية المؤيدة للظلم والاحتلال.
حدود المشروع الإسرائيلي:
والسؤال الملح؟ إلى متى سيستمر هذا الواقع؟ وما هي حدود المشروع الإسرائيلي؟ إن المراقب للتصريحات الأساسية للساسة الإسرائيليين، وللخطوات العملية التي جرت منذ سنة 1948، وللإجراءات الميدانية التي تصاحبها تعابير عن الوجهة المستقبلية. يستنتج ما يلي:
" إن مشروع إسرائيل يتمثل في إعطاء أصغر بقعة جغرافية ممكنة يسكن فيها الفلسطينيون، بأقسى شروط تعطل إمكانية نهوض دولة فلسطينية كاملة الصلاحية، وذلك بكونها منزوعة السلاح ومحرومة الحدود المفتوحة ومسلوبة الأجواء الحرة وتحت وصاية وزارة المخابرات الإسرائيلية، أي أن تكون ضمن دائرة التحكم الإسرائيلي، وتلبي احتياجات الكيان في إقفال هذا الملف مقابل إعطاء مشروعية دولة لإسرائيل، وتحميل السلطة الفلسطينية المسؤولية الكاملة عن أي خلل أمني يصيب الصهاينة، مما يعني أن الدولة الفلسطينية التي يوافق عليها الإسرائيليون، هي مجرد مخيم كبير يخضع للضوابط الصهيونية ويؤدي دور الشرطة لها ويخفف من أعباء الكيان الأمنية ومستلزمات استقراره ووجوده، ولو أمكن للصهاينة تحقيق هذه المطالب وتحمل أعباء تثبيت كيانهم المحتل دون الحاجة إلى هذا المخيم الفلسطيني لأنجزوا هذه المهمة، لكنهم عاجزون بغير هذه الطريقة الوحيدة لتحقيق مشروعهم".
عندما يجري الحديث عن فرص لتحقيق السلام المزعوم، فالمقصود سلام إسرائيل لا سلام الفلسطينيين، والدور الذي يراه الصهاينة للسلطة الفلسطينية هو القيام بوظيفة حماية الأمن الإسرائيلي حصراً، ولا وجود لمفاوضات أو شريك مفاوض، لذا فإن التهديدات المتكررة بإغتيال رئاسة السلطة هي تهديدات جدية عندما تنضج القناعة بالكامل بعدم قدرتها على تلبية مطالب الاحتلال على قاعدة عدم تحقيق أيّ مطلب للشعب الفلسطيني ينسجم مع آماله وطموحاته.
هدف وقف إطلاق النار:
هذا الواقع يفترض أحد حلين لا ثالث لهما:
1- وقف إطلاق النار، وهو المعنى الآخر لوقف الانتفاضة، وبالتالي إيقاف وتعطيل أسباب القوة الفلسطينية، وإسقاط أي قدرة لحماية الحاضر والمستقبل لهذا الشعب الفلسطيني الأبي. وهو مطلب إسرائيلي بالكامل.
2- استمرار الانتفاضة، وتقديم التضحيات والشهداء، وهي الفرصة الحقيقية لوضع حد للمشروع الصهيوني والتأسيس لكسر قدرته على تماديه وتحقيق أهدافه، وهذه الانتفاضة تجسد قابلية الأمل بالنصر وتحقيق الأهداف.
إذاً وقف إطلاق النار حاجة إسرائيلية لتعطيل أسباب القوة الفلسطينية، واستمرار الانتفاضة حاجة فلسطينية لتعطيل قدرة الاحتلال على فرض مشروعه، وهذه هي اللحظة التاريخية التي تُسقط أو تُبقي أسباب القوة الفلسطينية والتي ستكون مؤثرة على مستقبل القضية الفلسطينية. وما الإلحاح الإسرائيلي على أسبوع كامل لوقف النار وتحميل السلطة مسؤولية هذا الأمر، إلاَّ محاولة لتحميل السلطة مسؤولية أي مواجهة مستقبلية،ودفعها لتعطيل أي قدرة لدى الشعب الفلسطيني، وبدء المفاوضات بإملاءات إسرائيلية كاملة بلا قدرة ردع وبلا صلاحية إعتراض، فإما أن يتم القبول بما تقوله إسرائيل وإما لا شيء.
من الخطأ التعاطي مع ما يجري في فلسطين بوجود مطالب إسرائيلية يتحمل الفلسطينيون مسؤولية تلبيتها، لأن الحقيقة هي وجود مطالب فلسطينية يتحمل العالم بأسره مسؤولية تحقيقها، فإسرائيل هي التي تقصف وتعتقل وتستخدم القوة بطريقة مفرطة وهي التي تدخل المناطق "أ"، وهي التي تقوم بإغتيالات منظمة داخل مناطق السلطة، وهي التي تستخدم الطائرات الأمريكية الحديثة لقصف القرى والمدن، فلا يوجد أي حدود للعدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. والمطالبة ضد إسرائيل يجب أن تصل إلى حدود رفض إغتيالات الأفراد والشخصيات مهما كان التبرير، فهو اعتداء بكل ما للكلمة من معنى، وإسرائيل هي المسؤولة عن إيقاف اعتداءاتها، ولا شيء يعطيه الفلسطينيون لها، إنهم في موقع الدفاع عن النفس، فالإنتفاضة دفاع في مواجهة إلغاء الهوية، والمقاومة دفاع في مواجهة الاحتلال والعدوان، والعمليات الإستشهادية دفاع في مواجهة القوة العسكرية الصهيونية.
الجهاد عمل مشروع وخيار وحيد:
إن من حق الشعب الفلسطيني أن يمتلك كل أسباب قوته، وتعتبر عملياته ضد الاحتلال عمليات مشروعة بكل المعايير الدينية والقانونية والأخلاقية والدولية، ولا غبار على مشروعية وشرف وعظمة العمليات الإستشهادية ضد العدو الصهيوني{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيتِلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والأنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} ، فالشهادة هي السبيل الوحيد المتاح لمواجهة التحديات والعدوان، وهي أسمى ما يملكه الشعب الفلسطيني للدفاع عن ترابه وكرامته ومستقبل أجياله. وإذا كان لا بدَّ من الموت، فبدل أن يكون بمطاردة الطائرات للمواطنين العُزل والاغتيالات المنظمة، فالأولى أن يواجهوهم في أماكن تواجدهم، ليكون الموت خطوة نحو حياة فلسطين، بدل أن يتحول إلى خبز يومي يسحق قدرة ومستقبل هذا الشعب الأبي.
ولا خيار إلا بوجود توازن الرعب، فالطائرات لا تواجه بالكلمة، والعدوان لا يواجه بالإستجداء، والاستيطان لا يواجه بالإستنكار، لقد أثبتت الوقائع أن دم الشهادة هو الرد الأبلغ والأفعل، وهو الذي أتى ثماره في لبنان بتحرير القسم الأكبر من الجنوب والبقاع الغربي، وهو الذي يثبت نفسه في فلسطين بوضع حد للتمادي الصهيوني وكشفه وفضح مخططاته، وإن شاء الله سيكون السبيل إلى النصر على الإحتلال.
إن خيار الجهاد والشهادة قد حقق إنجازات هامة خلال الفترة السابقة، فالكيان الإسرائيلي لا زال بلا حدود معترف بها، وهو يعيش أسوأ اهتزاز أمني منذ تاريخ إنشائه، والاقتصاد الإسرائيلي في أسوأ حالاته، وثلث الإسرائيليين يفكرون بمغادرة إسرائيل، وما سقط لهم من قتلى يؤثر على الحسابات الدقيقة للأعداد والتوزيع الديموغرافي، والجو النفسي الذي يعيشه الإسرائيليون أعادهم إلى الحقيقة المرة في أنهم محتلون وطارئون وهم يلمسون صعوبة فرض الاحتلال... هذه الإنجازات مؤثرة على الواقع الصهيوني.
ولا ننسى أهمية إنجازين كبيرين لمصلحة القضية:أولهما: هذه الوحدة الفلسطينية الرائعة التي تعتبر مسؤولية الجميع في المحافظة عليها، والاتكاء عليها، والاستفادة منها كمصدر قوة حقيقية لا يمكن التفريط به. وثانيهما : عودة قضية فلسطين إلى الواجهة على الرغم من الأحداث الدولية المتسارعة ليعلم الجميع أن حرمان شعب من أرضه لا يمر ولا يُشرّع.
التدخل الأمريكي:
ولولا عجز شارون عن إخماد الانتفاضة بعد استخدامه لكل وسائل القوة وإرتكاب كل الأعمال البشعة، لما تدخلت الولايات المتحدة من خلال رؤية باول وإرسال المبعوثين، هؤلاء يحملون هدفاً واحداً هو إنقاذ شارون من مأزقه بدعمه والضغط لإيقاف الانتفاضة، أمّا الحديث عن مشروع لدولة فلسطينية غامضة المعالم وخاضعة للإختيارات الإسرائيلية فهو لذر الرماد في العيون، وأما وصف الانتفاضة بالإرهاب فهو إنحياز كامل إلى جانب الاحتلال ، وتبرير للإعتداءات الإسرائيلية ، كل هذا لإنقاذ شارون وهذا يؤكد على أهمية الخطوات التي حققتها الانتفاضة في إلتفاف الشعب الفلسطيني بكامل فصائله حولها، وفي تعطيل أسباب القوة الصهيونية عن تحقيق أي إنجاز توسعي.
ومهما كانت الضغوطات الأمريكية ولوائح الإرهاب الأمريكية، فهي موجودة أصلاً بكل مفرداتها عملياً من خلال أداء شارون، ولن تضيف شيئاً جديداً، ولا يمكن التعويل على الموقف الأمريكي فهو منحاز للإرهاب الإسرائيلي، وهو يؤيد إسرائيل المعتدية التوسعية في إطار الكيان الذي تريده، وهو مروِّج للخيار الإسرائيلي على المستوى الدولي، ولن تكون أمريكا يوماً منصفة أو عادلة أو تقف حكماً نزيهاً بين الأطراف، فأمريكا منحازة باستراتيجيتها وخطواتها التكتيكية ودعمها الميداني للصهاينة، مهما كان الأداء الإسرائيلي، وبالغاً ما بلغ الحق الفلسطيني والمظلومية الفلسطينية، فأمريكا إلى جانب الإرهاب الصهيوني ضد الحق والشعب الفلسطيني.
نؤيد المقاومة:
إننا نؤيد حماس والجهاد الإسلامي وكل الفصائل الفلسطينية وكل الشعب الفلسطيني في جهادهم لتحرير أرضهم، وهم يمثلون الانتفاضة والمقاومة الشريفة في مقابل الإرهاب الإسرائيلي المدعوم أمريكياً، وهم يمثلون حقهم المشروع في الدفاع عن النفس واستعادة الأرض والمقدسات. إن شعباً قدّم الدكتور فتحي الشقاقي ويحي عياش وأبو جهاد وأبو علي مصطفى والكثير من الشهداء الأبرار والجرحى والأسرى ويتحمل كل هذه المعاناة لأكثر من خمسين سنة، هو شعب جدير بالانتصار وجدير بالحياة العزيزة{وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}.
المفاوضات لم تكن ولن تكون صانعة المستقبل الحر للفلسطينيين، وإسرائيل لا مواثيق ولا عهود لها، وها هي تدخل إلى المناطق" أ "لتقتل وتدمر وتحتل وتتصرف في إطار احتلال فعلي، إذاً أين هي إنجازات المفاوضات وماذا يمكن أن تعطي؟ خاصة أن الإسرائيلي مطلق الصلاحية ليفعل ما يشاء وعنده التغطية الدولية الكافية، مما يجعله صاحب القرار بالحدود والضوابط. وعندما يدعو شارون لعودة المفاوضات بعد وقف إطلاق النار فهي بلا سقف زمني وبلا التزامات حتى لو طالت لمئات السنين، طالما أنها تحافظ على المتطلبات الإسرائيلية. إن الحق بالأرض الفلسطينية من البحر إلى النهر لا يبطله شيء، ولا تؤثر في حقيقته ضغوطات، ولا تمنعه ظروف مرحلية. إن حدود فلسطين لا يمكن إلغاؤها باتفاقات، فهي في قلب كل فلسطيني وكل صاحب ضمير حر وشريف، ونبض الضمائر والقلوب أقوى من حبر الأوراق على السطور.
آثار نصر المقاومة في لبنان:
لقد حقق الله تعالى النصر للمجاهدين في جنوب لبنان، وكان النصر أشبه بالمعجزة لا لأننا لم نكن نتوقع هذا النصر، فنحن نتوقعه ثقة بالله تعالى لا ثقة بإمكاناتنا وقدراتنا، ولا لأنه كان مفاجئاً فهو مفاجئ بالموازين المادية لكنه ليس مفاجئاً بالعطاءات الإلهية، ولا لأنه كان غريباً عنا فبدر الكبرى ماثلة في إنتصار القلة على الكثرة وفي توفيق الله للمؤمنين {وما رميت إذ رميت ولكنَّ الله رمى}. وتحقق النصر بأبهى صوره، نصر لبنان هو نصر نموذجي بكل المعايير ويدعو إلى الإفتخار والاعتزاز، فهو نصر بالمقياس العسكري لأنه طرد الاحتلال، وهو نصر بالمقياس الأخلاقي لأنه لم يجهز على جريح، ولم يُمثل بقتيل ولم يطارد هارباً من درب المجاهدين، وهو نصر سياسي لأنه ثبّت أطروحة المقاومة في مقابل أطروحة المسار الدبلوماسي، وهو نصر ثقافي لأنه عبّأ الأمة بإتجاه الجهاد وأعطاها نموذجاً تطبيقياً تستطيع نقله في تجاربها للوقوف بوجه المستكبرين والمحتلين. من هنا كان الرعب العالمي وخاصة الإسرائيلي من هذا الانتصار لأنه كان متنوعاً بتلاوينه ولأنه كان مؤثراً بما حققه، إنه نصر مفعم بالحيوية، إنه نصر الشباب المقدام ، نصر سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي(رض) وشيخ شهدائها الشيخ راغب حرب وشهدائنا الأبطال.
لم يكن نصراً لإقفال مرحلة من التاريخ، بل هو نصر فتح المرحلة الجديدة للمستقبل ولإنتصارات متتالية على درب هذا النصر، لم يكن نصراً يخدم مرحلة زمنية مرت ويلغي وجودات قامت بل هو نصر عزز هذه الوجودات وأثبت مصداقيتها لتستلهم الأمة التجربة وتكررها حيث شاءت وحيث اختارت. من هنا كان الرعب من هذا النصر، وإذا أراد الإسرائيليون أن يفتخروا يوم الهزيمة فبإمكانهم أن يسجلوا نصراً واحداً يذكرونه لأولادهم أنهم تمكنوا من الهرب خلسة دون أن يصابوا، في فترة زمنية قياسية وفي جزء من ليلة، تاركين الكثير من ورائهم، وهذا ما يقولونه لأبنائهم ويذكرونه في صحفهم ويتباهون به. إبتداءً من هذا النصر لم تعد الساحة مفتوحة أمام إسرائيل لتصنع فيها ما تشاء، فمعادلة فرض المشروع الصهيوني أصبح يواجه معادلة المقاومة والانتفاضة التي تحمل مشروعها وتحمل حقها، فالنصر في لبنان قد أبرز نقاط القوة في أمتنا ونقاط الضعف عند الصهاينة.
هنا انطلقت الانتفاضة في فلسطين، كتعبير عن التناغم والانسجام مع المقاومة في لبنان، وكتعبير طبيعي عن الحق الفلسطيني الذي بقي مهملاً وتآمرت عليه الدول الكبرى، والذي لا يمكن إعادته لأصحابه إلاَّ بأيديهم ودمائهم وتضحياتهم. أخذوا تجربة لبنان كتجربة صالحة للتكرار، وعرفوا من خلالها أن الحل في المنطقة لا يكون إلاَّ بالمقاومة والجهاد والشهادة في سبيل الله تعالى. وانطلقت عمليات الانتفاضة في مواجهة إسرائيل وأُربك الكيان وبدأ يتزلزل، فبشّر شارون بأن حزبه يمكن أن يقود إسرائيل إلى أمنها وأمانها لأن بطشه يعوّض التراخي الذي أُصيب به حزب العمل، وحصل له أكثر مما تمنى، فقد أنشأ حكومة وحدة وطنية، أي أنه جمع القوى تحت لوائه وخاض معركته باسم الإسرائيليين جميعاً، وإذ به يسقط في الهاوية، طفل فلسطيني يحمل حجارة مغمسة بدم الشهادة يُسقط مشروع إسرائيل خلال هذه الفترة، ليبين أن الكيان الإسرائيلي لا قابلية له للحياة. فما نواجهه اليوم ليس انتفاضة فلسطينية بوجه محتل إسرائيلي إنما نواجه زعزعة كيان، حاول دعاته أن يبنوه لأكثر من خمسين سنة، وظنوا أنهم قطعوا أشواطاً إلى الأمام، وإذ بهم يعودون إلى الوراء بشكل مريع، ويبدأ الكيان بالإهتزاز نفسياً ومعنوياً ومادياً وأخلاقياً وبكل المعايير.
مع الشعب الفلسطيني:
العالم اليوم لا يحترم إلاَّ الأقوياء، وقوتنا بدمائنا وشهدائنا، فما لم نستخدم هذه القوة في هذه اللحظة فسنراها منهزمة في لحظات يختارها الآخرون، فخير لنا أن نختار شهداءنا بأيدينا وبتوقيتنا وبمشروعنا، مِن أن نذهب نتيجة لإعتداءات إسرائيلية بمشروعهم وبأدواتهم وبقراراتهم.
إننا معكم مع الشعب الفلسطيني مع المقاومة الفلسطينية، مع الانتفاضة بكل قوة وبكل المستلزمات، ونحن نعلم أن الكثيرين يحاولون تفسير كلماتنا، وأن الكثير من الدبلوماسيين والصحفيين يسألوننا كيف تترجمون هذه المسائل عملياً؟ لحسن المسار والمسيرة نفضل ترجمة قناعاتنا بالطريقة المناسبة على الأرض ثم تغطى خبرياً، بدل أن ننشر التصريحات والوعود ونفتح النقاش بعيداً عن حاجات الساحة،وهذا الأمر هو جزء من القوة التي نملكها في المواجهة، نحن لا نبحث عن ضوضاء عسكرية ترضي بعض الأذواق، بل نبحث عن حكمة في الإدارة ترضي أصحاب الحق وتساهم في تحرير الأرض، نحن لا نبحث عن ملفات إعلامية حتى نرفعها للآخرين كي نناقش سلامة اتجاهنا أوعدمه، فلقد قدمنا من الأعمال ما يكفي للتوضيح، إذا كان خطنا واضحاً أم لا، لكننا لن نهجيء مفردات الكلمات حتى لا يفهم الخصم، إلاَّ أن الأخوة والأصدقاء يفهمون تماماً ويعرفون ماذا نقصد، ويكفينا أنهم يشعرون بأننا معهم بالطريقة المناسبة وهذا ما يحقق الانتصار بإذن الله تعالى.
إن موقف سوريا الأسد الداعم للحق في استعادة الأراضي المحتلة، والداعي إلى التمييز بين المقاومة والإرهاب، والعامل من أجل رص الصفوف حول الحق الفلسطيني والعربي، هو موقف قوة ومساندة للإنتفاضة المباركة.وإن موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية المؤيد والداعم لحق الفلسطينيين باستعادة الأرض السليبة والقدس الشريفة، هو تعبير عن المؤازرة والصمود أمام الضغوطات الداعية إلى إسقاط القضية الفلسطينية.
إن من مصلحة العرب والمسلمين أن يكونوا اليوم إلى جانب الانتفاضة المقاومة، فهي درع الحماية للجميع وليس لفلسطين فحسب، وتكون قوتها بالدعم المناسب لها، وتكون قوتكم بقوتها في مواجهة الاحتلال، فالخطر الإسرائيلي هو خطر وإرهاب على المنطقة بأسرها، بل هو خطر على استقرار وراحة وإطمئنان البشرية جمعاء.