مقالات

الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في مجمع القائم(عج)، في حفل تخريج محجبات جامعيات

من حق كل واحدة من الأخوات المحجبات اللواتي أقدمن حديثاً على هذا اللباس الطاهر، والذي يحمل تعابير عميقة جداً حول الالتزام بالإسلام، من حق كل واحدة أن تكون فرحة ومسرورة لأن الله تعالى كرمها بحجاب فاطمة(عها)، ويجب أن نعلم أن المسألة لا ترتبط بهذا الستر الشرعي الخارجي إنما الحجاب حجابان:.....

من حق كل واحدة من الأخوات المحجبات اللواتي أقدمن حديثاً على هذا اللباس الطاهر، والذي يحمل تعابير عميقة جداً حول الالتزام بالإسلام، من حق كل واحدة أن تكون فرحة ومسرورة لأن الله تعالى كرمها بحجاب فاطمة(عها)، ويجب أن نعلم أن المسألة لا ترتبط بهذا الستر الشرعي الخارجي إنما الحجاب حجابان:.....

حجابٌ ظاهر وحجاب باطن، الحجاب الظاهر يستر الجسد وحجاب الباطن يستر من المعاصي، وحجاب الظاهر من أجل حجاب الباطن حتى تتقوى الأخت على مواجهة الصعوبات والمغريات، وتقف صامدة أمام تحديات الإغراء وأمام ما يشكل جذباً للمرأة في هذه الحياة الدنيا، من هنا قيمة الحجاب لا ننظر إليه على أساس المظهر، وإنما ننظر إليه على أساس التطبيق الشرعي، ونحن نفهم من الحجاب ظاهرة إسلامية لها علاقة بالنظرة إلى المرأة كإنسان وليس لها علاقة بتلك التصنيفات التي يقررونها بين الرجال والنساء أو بين الصبيان والفتيات، إذا فهمنا قاعدة الإسلام التي ينطلق منها لينظر إلى الأنثى فإنما نفهم لماذا قرر الله تعالى الحجاب ونفهم كل الأوامر الإلهية التي ترتبط بواقع المرأة، ليس الأمر مجتزأ، فمن الخطأ أن نأخذ موضوع على الحجاب على حدى، وموضوع الأسرة على حدى، وموضوع التفاعل مع المجتمع على حدى، إنما يجب أن نأخذ المشروع ككل متكامل حتى نفهم كيف ينظر الإسلام إلى الأنثى وكيف يتعامل معها، قاعدة الإسلام أن الأنثى إنسانة كاملة في هذه الحياة ولها دورها ومكانتها، وهي لا تختلف في هذا الأمر عن الشاب لأن ما يشتركان فيه هو التكليف وما يختلفان فيه هو بعض الأشياء التي خلقها الله تعالى لإعمار الكون، وهذا يترتب عليه بعض الضوابط التي لها علاقة بالإختلاف الجسدي وبإختلاف الأدوار، لكن في النهاية الجميع يدورون حول دائرة واحدة، قال تعالى في الكتاب العزيز:"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، أي أن المقياس الذي يدور حوله التقويم هو مقياس التقوى، فإذا كانت المرأة تقية فهي أعظم من كل الرجال، وإذا كان الرجل تقياً فهو أعظم من كل النساء،وإذا أردنا أن نقارن بين الرجال والنساء فإننا لا نقارن بينهما على أساس الجنس، وإنما نقارن بينهما وفي داخل كل مجموعة على أساس " إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وهذا يؤكد على النظرة الإنسانية للفتاة، والنظرة الإنسانية لطريقة التعاطي معها في الحياة، فالإسلام لا ينظر إليها مميزة ومختلفة وبنمط له قواعده وضوابطه في تقييم العمل، وإنما تشترك في العمل مع الرجل وبالتالي تفوز إذا تقدمت وتسقط إذا تراجعت.‏

من هنا كانت السيدة الزهراء(عها) تمثل الإنسان الكامل، كما ورد عن الإمام الخميني(قده) فقد استخدم هذا التعبير الرائع عن السيدة الزهراء(عها) وقال بأنها تمثل الإنسان الكامل، أي أن النظر إلى الكمال لم يكن لأنوثتها كما لم يكن لرجولية محمد وآل محمد(ص)، وإنما النظر إلى الكمال كان بملاحظة الأداء الذي ارتقى إلى أعلى المستويات، فكان محمد معصوماً وكان علي معصوماً وكانت فاطمة معصومة أيضاً، لتكون العصمة في مرتبة واحدة من حيث آثارها ومن حيث مقدماتها، وإن اختلف التقييم بناء على الدور الذي أعطاه الله تعالى لكل منهم، لكن العصمة واحدة، سواء كانت عصمة عند الرجل أو عصمة عند المرأة، أو إمتناع عن النسيان والخطأ والوقوع في الانحراف وما شابه، مما يعصم الله تعالى هذا الإنسان أو هذه الإنسانة، وهذا يؤكد أن مكانة فاطمة(عها) التي هي إنسان كامل لم يخلّ بها في أنها أنثى بل بالعكس هي استطاعة أن تصل إلى هذه المرتبة العليا:" إن أكرمكم عند الله أتقاكم".‏

من هنا نلاحظ أن قاعدة الإسلام ركزت على إنسانية الفتاة، ولم تركز على أنثوية الفتاة، والفرق بين الإنسانية والأنثوية كبير جداً، الإنسانه حضورها في الحياة ودورها كمربية، وعاملة وإنسانة وكفرد في المجتمع يرتقي ويعطي ويأخذ ويتفاعل.. عندما تكون إنسانة يعني أنها تقوم بأدوارها المختلفة في كل مواقع الحياة بدون إستثناء، لكن عندما تكون أنثى فقط، هذا يعني أن يُركز على دورها الجمالي الذي له علاقة بالإغراء والإغواء وتُعطل الجوانب الإنسانية الأخرى، وهذه القاعدة المادية والغربية التي يعتمد عليها، القاعدة الغربية تنطلق من أن الفتاة أنثى وليست إنسانة، والدليل على ذلك هو الطريقة المعتمدة في التعاطي مع الفتيات في العالم الغربي، لاحظوا معي كل التربية تركز على أنثوية الفتاة، أي أنها أنثى يجب أن تهتم بجمالها وبشكلها ومباريات الجمال، وبمحاولة التحلل من الثياب لإبراز الجمال، السير في المجتمع لإغواء الرجال على أساس الجمال.. التنافس بين النساء على أساس الجمال.. استخدام المرأة في الدعاية والإعلام كعنصر جميل جذاب يؤدي إلى التسويق.. حشد كل الإغراء في الأفلام والمسلسلات من أجل الجاذبية التجارية التي تؤكد على إبراز مفاتن المرأة من أجل أن يصل الأمر إلى مزيد من الأرباح لكثرة عدد الحضور، فإن كان الحاضر رجلاً فلأنه منجذبٌ بالجمال، وإذا كانت امرأة فلأنها تحاول أن تقارن ما تراه من أساليب وجمال وإغواء وإغراء وترى إذا كانت في مصاف التنافس مع ما تراه أمامها، مما يجعل الجميع يشترك في إعطاء هذه المكاسب المادية لمصلحة الشركات التجارية. هذا هو المنطق الذي ينطلقون منه، يعني أن المرأة جاذبية جسد، بينما المرأة في الإسلام إنسانة بكل ما للكلمة من معنى، وهذا لا يعني أن جاذبية جسدها منكر، لكن المطلوب أن تكون جاذبية جسدها في محلها الطبيعي، في إطار الزواج وليس خارج هذا الإطار، حتى لا تتحول بجاذبية جسدها إلى عنصر إفساد في المجتمع فتفسد هي وتُفسد غيرها، ولذا طلب منها أن تتحجب حتى تحمي هذه الجاذبية الموجودة في الجمال لتسلط الضوء على الإنسانية، وتستخدم جاذبية الجمال في محلها الصحيح وليس خارج دائرتها، وبهذا تكون قد اكتملت في أدوارها واكتملت في أدائها وعبرت عن إنسانيتها، بمعنى آخر الفتاة تمتلك مقومات إنسانية، والفتاة تمتلك مقومات الإغواء والجاذبية الجسدية، جاء الإسلام ليستخرج قدرتها على الإنسانية ويبرزها للعالم، وجاءت الأنظمة المادية لتستخرج قدرتها على الإغواء وتبرزها إلى العالم، وهذا يؤكد أننا عندما نبرز إنسانيتها لا نعطل شيئاً عندها، إنما نأخذ إيجابيات موجودة في خلقها وفطرتها وفي قدرتها، ونحاول أن نصعدها لتعطي النتائج العظيمة في المجتمع، بينما الماديون اختاروا جانباً واحداً فقط وحاولوا أن يبرزوه بطريقة خاطئة في المحل غير الصحيح وهذا أسقط قدرة المرأة على أن تعطي النتائج الإيجابية العظيمة.‏

من هنا يجب أن تنظرن إلى الحجاب على أساس هذه القاعدة، فقديماً كان الحجاب تقليداً فكنت تجد هناك الكثير من "الأحجبة" في السابق ليس لها علاقة بالتصميم على الالتزام، وإنما كان هناك اعتياد معين وتقاليد مجتمعية معينة، وعلى أساسها كن يلبسن هذا الحجاب، طبعاً جزء من هذا الرصيد هو رصيد إسلامي، لكن اليوم نلاحظ أن الفتاة التي تتحجب تتحجب مصممة ومتحدية ،وتتحجب وكل الوسائل الاستكبارية والمنحرفة تعمل لإقناعها بعدم الحجاب، وتستفزها من أجل أن تخلع حجابها، وتحاول أن تحشرها في زاوية مجموعة من الأسئلة تحبطها في بعض الحالات حتى تحاول أن تتمرد على الحجاب ولا تلبسه، فتكون المحجبة في هذا المجال إنسانة عظيمة تحدت ووقفت وقالت: سأختار قاعدة الإنسانية ولن أختار قاعدة الأنثوية، من هنا للحجاب معنى آخر، نحن نفهم الحجاب في هذه الدائرة وهو جزء من المشروع الإسلامي، فعندما نقول بأن الإسلام يريد قاعدة الإنسانية للمرأة وجزء من تركيز الإنسانية والوصول إلى الإنسانية أن تتحجب، لأنها عندما تتحجب تتوقف عن الإغواء المفتوح للآخرين، فمنهن من تقول حتى مع الحجاب منهم من ينظر إلينا بعين الجمال أو ما شابه؟ لا نريد أن نخفي ما خلقه الله تعالى، فعندما نقوم بالحجاب ليس المطلوب أن نعمل الجميل قبيحاً فالجمال جمال، وحتى لا نعيش عقلية الجمال المحرم فهذا خلق الله تعالى، لكن المطلوب أن نمنع الإغواء، فالإغواء محرم فإذا أردنا أن نمنع الإغواء نمنعه بواسطة الحجاب، لكن تبقى هناك عوامل أخرى، فهذه العوامل طبيعية وموجودة في الحياة وهذه مسؤولية الأشخاص الآخرين كما مسؤوليتنا أن لا نخرجها عن دائرتها الصحيحة بالتطبيق العملي.‏

فإذاً عندما حجَّبها الإسلام منع إغواءها للآخرين، ومنعها هي من أن تفكر أن جسدها الأساس في إبرازه للآخرين، فأصبح العنوان مع الحجاب الاستقامة والتفكير بالالتزام الإسلامي والمحافظة على المنهج، إذاً هي لم تعد تركز على جمالها لإبرازه في المجتمع، إنما هي تركز على إيمانها والتزامها في المجتمع، وتأتي العناصر الأخرى كعناصر مساعدة وكعناصر موجودة بشكل طبيعي في خلق الله تعالى، إذاً هي تحمي المجتمع وتحمي نفسها وتسير في الاتجاه الإنساني، وتصبح المنافسة على أساس إنساني لا على أساس أنثوي، فالمنافسة بالعلم والوعي وبالتربية والتشجيع على الجهاد، هذه هي المنافسة المشروعة والمطلوبة والتي تأتي من هذه النتيجة التي وضعتها القاعدة الإسلامية.‏

لكن لو ركزنا عليها كأنثى كما يفعلون في الغرب أو كما هي النظرة المادية، هذا يعني أن يتركز التنافس على الجسد ومعطيات الجسد، وهل نحن نتوقع واحدة مثل هذه تقدر أن تقوم بتربية عظيمة، أو عمل ممتاز في المجتمع له علاقة بالأمة وبالمستقبل وبعظمة الإسلام!؟ فهي متلهية بجمالها وليس عندها وقت لهذه الأمور على قاعدة أنها وحدها وستنافس كل المجتمع لتبرز أنها أجمل إنسانة وأكثر ثباتاً من الجميع بالإطار المادي وليس بالإطار الإنساني الذي أراده الله تعالى لها.‏

من هنا الحجاب هو جزء من القاعدة الإنسانية وليس خارج هذه القاعدة، ونحن نعتبر أن الإسلام حفظها وكرمها وعظمها ورفع من مكانتها لأنه حماها، ثم ما هو الذي ينقصنا عندما تتحجب نساؤنا، قديماً ومع بدايات الحجاب وظهوره بالشكل الشرعي الحالي كانوا يقولون إن الحجاب "يكبِّر" الفتاة ويعقدها وتصبح غير محترمة في المجتمع وينقطع نصيبها الخ... وهذا كله نوع من أنواع الدعايات التي يبثونها حتى يُسقطون قوة الحجاب بالإشاعات التي يبثونها، لكن عندما تبين لهم أن المحجبات يملكن الفهم ويخضن في المجتمع ويبنون حياة وعندهن أسر، وبالعكس كل الأمور مسهلة وأفضل مما تكون مسهلة للآخرين، إذاً لم يعد هناك عقبة حتى ندعي أن هناك عقبة أو أسباب تمنع من الحجاب. لا توجد أسباب عملية ومنطقية واجتماعية تمنع من الحجاب بل بالعكس الأزمة في المجتمع، يعني إذا ركزنا في المجتمع أن ينتشر التدين يصبح الحجاب مطلباً، لكن إذا كان المجتمع غير متدين طبعاً ستعيش المحجبات وضعاً آخر وليس المحجبة فقط، حتى المتدين إذا كان المجتمع متديناً فإن المتدين يعيش حالة مرتاحة ومطمئنة، واليوم أكثر من هذا تجد أن هناك محلات يضعون على محلاتهم لافتة مكتوب عليها الفروج المذبوح على الطريقة الشرعية، أو الفروج الشرعي، وهل كل الذين يضعون هذه اللافتة مقتنعون بالذبح الشرعي لا، لأن السوق لا يسير إلا بالذبح الشرعي لأن المجتمع عندنا هكذا، فمعنى ذلك أننا نستطيع أن نصل إلى أفضل المستويات والمواقع وأفضل الآثار بالحجاب ولا ينقص عنا شيء.‏

فإذن الحجاب عنوان فخر وكرامة، من حق كل واحدة منكن أن تقول بأن حجابها أعطاها قوة إضافية وعملية من أجل أن تواجه التحديات، ولنثبت للجميع بأن هذا الحجاب غير في الأسرة وفي المجتمع وفي العلاقات، ولمعلوماتكم نساؤنا المحجبات يزعجن الاستكبار أكثر من شبابنا المؤمنين، لأنه طالما أن المحجبة سائرة في الشارع وتحتك بالمجتمع يعني أنها رافعة لعلم التحدي طالما هي تسير في المجتمع، لأن الحجاب تحدٍّ وإحراج ويكشف نمطاً من النساء في مقابل النمط الآخر الذي يجب أن يسأل نفسه لماذا لم يصل إلى هذا المستوى. في الخطوات الأولى من الحجاب تكون صعبة فتأتي الخالة أو العمة وترمي كلمة على الحجاب فتضوج أخلاق المحجبة وتتمنى أن يكون هناك أحد يشجعها، فعندما يقول أحد لي لماذا أنت محجبة فحجابك كبرك فأقول لها أنا كبرت عند الله تعالى، وأحسست بروحانية كبيرة، وعلى الأقل أهيّء أجوبة إذا سألني الله تعالى يوم القيامة حتى أعلم كيف أجيب، فهل هيأت أجوبة لتجيبي عن الأسئلة عندما تقفي أمام الله تعالى يوم القيامة، فنحن لا نقوم بشيء خطأ ونحن الذين يجب أن نقول لهم أنتم لماذا لا تتحجبون، في عملية المواجهة للالتزام يجب أن نكون أقوياء بديننا، نحن لم نلتزم بضغط من أحد، فكل واحدة منكن اختارت حجابها بعد فترة من سن التكليف، هذا يعني أن الاختيار كان في أصعب مرحلة يمكن أن تعيشها الفتاة حيث كل الإغراءات تدعوها لترك الحجاب وهي تقول أنا سأتحجب، فهذا قرار جريّء .إذاً دافعي عن قرارك ولا تدعي أحد يشعرك بأنك ارتكبت خطأ أو تراجعت عن الواقع الاجتماعي، على الأقل أنت ضمنت اليوم أن صومك وصلاتك وحجك وأعمالك العبادية مع هذا الحجاب يؤهلك أن تكوني مقبولة عند الله تعالى، وأن تكوني في خط النبي(ص) والأئمة(عم)، وهذا أمر يجب أن نحرص عليه فالموضوع ليس موضوع مقارنة مع الآخرين إنما هو موضوع تكليف شرعي، ماذا يهمني لو كان كل العالم غير ملتزم و رب العالمين سيسألني يوم القيامة عن نفسي وليس عن كل العالم، ألا يقول تعالى في القرآن الكريم:" يوم يفر المرء من أخيه* وأمه وأبيه* وصاحبته وبنيه* لكل امرء منهم يومئذٍ شأن يغنيه" فعندما تنتهي من الحساب وتدخلين الجنة عندها اسألي عما بدا لك وعمن تريدين.‏

ونحن نعلم أن هذا الحجاب هو جزء من المسيرة الإسلامية التي عززها وسددها وخطط لنهضتها الإمام الخميني(قده)، وهذه المسيرة الإسلامية العظيمة تتكامل أدوارها بين جميع أفراد المجتمع المقاوم عندما يحمل سلاحه، المرأة عندما تلبس حجابها، الطفل عندما تربى على حب أهل البيت، الشيخ عندما يدعو الله في صلاته، العالم عندما يقف واعظاً وموجهاً، كل هؤلاء جزء من المسيرة التي تعطينا القوة، والتي تؤدي إلى هذه النتائج العظيمة التي حصلنا عليها.‏

لقد انتصرنا في لبنان بمقاومينا الذين حملوا السلاح، وبالمحجبات اللواتي أطعن الله تعالى وشجعن الأولاد والأزواج والأخوة على القتال في سبيل الله تعالى، لقد نجحنا في لبنان عندما حملنا شعار الإسلام وعملنا من أجل الحق، وصدرت أصوات من الرجال والنساء في دعم هذه المسيرة، لقد نجحنا في خطواتنا نحو الاستقامة عندما كانت تسير التظاهرة والبيارق سواء كانت أعلاماً مرفوعة بالأيدي، أو أعلاماً مرفوعة على رؤوس المحجبات، هي التعبير عن الالتزام وعن الخط وعن التحدي للانحراف وللباطل بكل ما يعنيه هذا التحدي، لقد انتصرنا في لبنان عندما وُجدت نساء يعبئن الأطفال والشباب ، ويودعهن من أجل الخروج إلى المعركة، وهذا رأيناه أيضاً في فلسطين هذه الأم التي تودع ولدها وتنتظر خبره بعد وداعه، ليأتيها الخبر بأنه استشهد فتولم فرحة بأن ولدها قد حقق أمنيتها ولأنه سار على النهج الذي آمنت به وارتضته على طريق الإسلام وعلى طريق المواجهة لأعداء الله تعالى، هذا انتصار كبير، وهذه قوة كبيرة، ونحن اليوم في حالة تحدٍّ وهذا التحدي في كل المواقع وليس في موقع دون آخر، نحن في مرحلة التحدي الثقافي والسياسي والجهادي والاجتماعي والاخلاقي كل هذه المواقع فيها تحدٍّ ، فعلينا أن لا نغفل أي موقع من المواقع حتى نتمكن من أن نقدمه، هذه المقاومة الإسلامية عندما انتصرت في جنوب لبنان بواسطة العمل العسكري ظنَّ البعض أن الانتصار سيتوقف عند هذه الحالة، وإذا بهم يفاجئون بأنها انتصرت أيضاً بأخلاقية المقاومين عندما لم تجهز على جريح وعندما لم تلاحق هارباً، وعندما أعطت تجربة للعالم أن حقوق الإنسان موجودة في الإسلام وأن احترام الإنسانية ليس موجوداً عند الآخرين إلا بالكلام، لكن موجود عندنا بالتطبيق العملي، لقد أعطت هذه المسيرة أيضاً نماذج في التكافل الاجتماعي وهذا جزء من الأخلاقية الكبيرة، واعلموا أنه لولا المؤسسات التي ترعى الشهداء والجرحى والأسرى والفقراء لكان عندنا مئات الآلاف من المعذبين المعوزين الذين يحتاجون إلى المساعدة هذه كلها تدخل في نفس الدائرة، وكذلك عندما تحمل نساؤنا هذا البيرق هذا الحجاب فإنهن ينخرطن في هذا الهم العام، فلسن مقتصرات على الهم الشخصي وعلى الهم الفردي وإنما هناك اهتمام بهم الأمة وما يمكن أن نعمله على أساس الأمة.‏

نحن نحيي نساء لبنان ونساء فلسطين، المجاهدات البطلات اللواتي أثبتن أنهن في المعركة، ليس مهماً أن يحمل الإنسان بندقية حتى يُقال أنه دخل في المعركة، لكن المهم أن يحمي هذه البندقية بدعمها الخلفي، وتسديد الشباب الذين يقاتلون وبحمل اللواء وبالدفاع عن الشهادة.‏

لاحظوا كلينتون نفسه وقف يخطب ضد الإستشهاديين لأنه وجد أن هذه المنهجية لا تستطيع أمريكا أن تسيطر عليها وأن تتسلط عليها، لأن الإستشهادي قد وقف أمام كل القوة التي يدعونها ليبرز قوة الإيمان منتصرة أمام قوة الكفر والانحراف، فلم تعد إمكاناته المادية قادرة على أن تُعطل هذه القوة، ومعروف أن مسلك أمريكا هو تعطيل إمكانات القوة عندنا من أجل أن نكون راضخين لمتطلباتهم.‏

استغرب عندما يجري حديث عن مفاوضات إسرائيلية-فلسطينية، وأتساءل هل هناك مفاوضات بالفعل، من يفاوض من؟ إسرائيل التي تمتلك كل الأسلحة والإمكانات والدعم السياسي الدولي والعدوان والظلم تقف أمام الفلسطينيين الذي لا يملكون هذه المقومات، وتقول لهم سنفاوضكم بعد أن نتفق معكم، من سيتفق مع من؟ كل ما يرفضه الإسرائيلي يستطيع أن ينجزه، وكل ما يرفضه الفلسطيني لا يستطيع أن ينجزه في دائرة المفاوضات، وها هي إسرائيل تقف أمام قرار مجلس الأمن بإرسال لجنة تحقيق، ويرضخ مجلس الأمن بأكمله للمطلب الإسرائيلي، وهذا يعني أن مجلس الأمن لا يستحق أن يقود العالم إذا كانت إسرائيل الغاصبة تتمكن من التمرد عليه وإبطال مفعول قدرته في أن يرسل لجنة للتحقق ولتقصي الحقائق، وإلا هذه الأحابيل التي يضعونها لا تمشي علينا وأصبحنا نعرفها ونعرف خلفياتها.‏

نحن اليوم أمام استمرار التحدي، من اعتقد أن ما حصل في جنين ونابلس وبيت لحم قد انتهى على نتيجة معينة فهو مخطئ لأن الأزمة مفتوحة ومفتوحة على كل الاحتمالات، نعم الإجراء الذي حصل في تسليم الفلسطينيين الستة وفي سجنهم، كان إجراء خاطئاً ولا ينسجم مع تضحيات المجاهدين، ولكن هذه لا تشكل النتيجة النهائية، من المفروض أن يحرص المعنيون على أن لا يعطوا أي التزام أمني يؤدي إلى قمع المقاومين وإلى مواجهتهم تحقيقاً للمطالب الإسرائيلية، لأن إسرائيل لا تخشى من شيء ولا يسقطها شيء إلاَّ الأمن ويجب أن تعلم بأن لا أمن لها مع حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وفي طرد المحتل من هذه الأرض ، هذا أمر يجب أن يبقى ثابتاً ويجب أن نعمل عليه جميعاً.‏

أما فكرة المؤتمر الدولي التي يتحدثون عنها فهي فكرة مفخخة باتجاه التطبيع، وأذكركم أن مؤتمر مدريد قد قرر إلى جانبه مؤتمر متعدد الأطراف يبحث في الاقتصاد والمياه والأمور السياسية بعيداً عن الموضوع الفلسطيني، ويشرك الدول العربية والمعنية في هذا الأمر، وقد حاولوا سابقاً أن ينجحوا مؤتمر المتعدد الأطراف لتحصل إسرائيل على التطبيع وعلى كل المكتسبات السياسية والاقتصادية حتى لو لم تحل القضية الفلسطينية، وفشل هذا المؤتمر لاعتبارات كثيرة، واليوم المؤتمر المزعوم الذي تدعو له أمريكا هو مؤتمر متعدد الأطراف يريد أن يأتي بالعرب والفلسطينيين إلى طاولة تؤكد على التطبيع والتبادل الاقتصادي والتجاري والسياسي دون أن تكون جزءً من حل قضية فلسطين وإن وضعوا لها عنوان هو بحث الموضوع الفلسطيني ، من هنا نحن ضد هذا المؤتمر، ونعتبر أنه خطوة على طريق التطبيع وليس خطوة على إعطاء الفلسطينيين حقهم.‏

أمامنا مسار طويل يفترض بنا أن نعمل ونسعى له وأن نتحمل كل العقبات والتحديات من أجل أن نحقق أهدافنا الكبرى. أجددُ مباركتي للمحجبات، وإن شاء الله تعالى نرى النتائج العظيمة لهذا الشعار الإسلامي العظيم، والحمد الله رب العالمين.‏