مقالات

الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في المجلس المركزي في قاعة سيد الشهداء في الليلة الثانية من محرم الحرام لسنة 1423هـ ، وهي بعنوان"الاسلام دين الرحمة"

السلام على الحسين، وعلى جد الحسين، وعلى أب الحسين، وعلى أم الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى آل بيت الحسين وأصحابه الأبرار، وعلى النساء والأطفال الذين جاهدوا في سبيل الله، والسلام على بقية الله في أرضه الإمام المهدي(عج)، والسلام على محي الدين المقدس الخميني(قده)، والسلام على إمام وقائد المسلمين الإمام الخامنئي (حفظه الله ورعاه)، والسلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته.

السلام على الحسين، وعلى جد الحسين، وعلى أب الحسين، وعلى أم الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى آل بيت الحسين وأصحابه الأبرار، وعلى النساء والأطفال الذين جاهدوا في سبيل الله، والسلام على بقية الله في أرضه الإمام المهدي(عج)، والسلام على محي الدين المقدس الخميني(قده)، والسلام على إمام وقائد المسلمين الإمام الخامنئي (حفظه الله ورعاه)، والسلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته.

قال تعالى في كتابه العزيز:{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} ليقرر بذلك طبيعة هذا الدين، وطبيعة الرسالة التي جاء بها محمد(ص)، فهو رسول الرحمة وهي رسالة الرحمة، وتبرز الرحمة في كل مفردة من مفردات أدائه وحياته وحياة من تبعه، هذه الرحمة الربانية هي طريق السعادة لكل حياة البشرية، من دونها لا يمكن أن نرحم في الدنيا، ومن دونها لا يمكن أن نحقق إيجابية من رحمة الله تعالى في الآخرة، وهذه الرحمة انتشرت في كل الأرض ولم يكن رسولنا الأكرم(ص)قد أتى ليبلغ رسالة الله تعالى إلا بالرحمة لأنها تمثل دين الرحمة، من هنا لاحظنا كيف كان سلوك التبليغ إلى الله تعالى، في الأداء والعمل والكلام والمواقف كلها كانت تنمُّ عن خلقية عالية تجسدت بقول الله تعالى{وإنك لعلى خلق عظيم} ليقول لنا بأن هذا النموذج الكامل هو الذي يجب أن يسود، وهو القادر على أن يملأ حياتكم بالطهر والعفاف، هذا النموذج هو المطلوب من البشرية جمعاء، ونحن نرى أن توجيهات الإسلام كانت تركز على سلوك الإنسان في حياته اليومية وفي علاقاته مع الأمة، وفي محاورته للآخرين على قاعدة الرحمة الإلهية حتى أن رسول الله(ص) عندما دعى قومه إلى دين الله تعالى وعاند من عاند منهم، ووضعوا العراقيل في طريقه قال مخاطباً جبرائيل(ع): اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، فهؤلاء جهلة لو كانوا يعلمون لعلموا السر الكبير في الدعوة إلى الله تعالى، وقد جسد الرسول أعماله بهذا الخلق الذي تحدث عنه بعضهم قائلاً: لقد كان خلقه القرآن، وعن قوله تعالى{خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} فسره رسول الله(ص) هو أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك، هي توجيهات الرقي في العلاقة مع الآخرين، حيث دعا إلى دين الله تعالى بالرحمة، وبالموعظة الحسنة{أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، هذا المنطق ينطلق من قوة وعظمة الإسلام في أن يدخل إلى كل قلب وعقل، فلا حاجة لاختيار الأساليب الضاغطة أو المشينة أو المنحرفة لأنه شرع ينسجم مع فطرة الإنسان، ويدخل دخول النسمات إلى العقل والقلب، من هنا خاف المشركون أن يسمعوا كلام الله تعالى فكانوا يهربون من الدرب حتى لا يتأثروا بكلام الله تعالى ينطق به رسول الله(ص) فنعتوه بالسحر والجنون ومخاواة الجن، وأشياء أخرى كثيرة لأنهم وجدوا أن ما في كلامه كما في سلوكه ما يدخل إلى عمق الروح ويؤثر في شخصية الإنسان، وقد قال رسول الله (ص): ثلاث من لم تكن فيه فليس منِّي ولا من الله عزَّ وجل. قيل يا رسول الله : وما هن؟ قال: حلم يرد به جهل الجاهل، وحسن خلق يعيش به في الناس، وورع يحجزه عن معاصي الله جلَّ وعلا" هذه الصفات التي تتجلى في شخصية المؤمن هي التي تؤكد على معنى الرحمة في دعوة الله تعالى إلى دينه، وتؤكد على المضمون الإنساني الكامل الذي يدعوننا إليه.‏

لقد كان عنوان خروج إمامنا الحسين(ع) من المدينة المنورة في وصية كتبها إلى أخيه محمد بن الحنفية" أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب(ع)" هذه القواعد هي قواعد الخير وقواعد الصلاح، هي قواعد الفضيلة التي تنتشر بين الناس، وقد قال أمير المؤمنين علي(ع):" عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه" وقد يتصور البعض أننا ندعو إلى الأخلاق على قاعدة لياقة اجتماعية يجب أن يتحلى بها المرء، لكن ما دعانا الإسلام إليه أن نعيش هذه الأخلاق وان نترجمها في حياتنا اليومية، لا كلياقة في العلاقة مع الآخرين، بل كتعبير عن الإيمان والارتباط بالله تعالى، حتى أن هذه القيم قد توسعت لتشمل دائرة أوسع من دائرة الإنسان لتصل إلى كيفية التعامل مع الحيوان، لأن الله تعالى لا يقبل منا أن نكون لبقين لائقين خلوقين في التعاطي المحدود، بينما نتصرف بقسوة وعنف وإيذاء مع الآخرين، حتى لو كانت الحيوانات التي خلقها الله تعالى على الأرض.‏

من هنا تذكر لنا إحدى الروايات قصة تلك المرأة التي دخلت النار لأنها ضيقت على هرتها فلم تطعمها ولم تسقها ولم ترأف بها، وتصرفت بغلظة شديدة تعبر عن خلقية مذمومة في نظر الإسلام، فقال عنها الرسول(ص)" رأيت في النار صاحبة الهرة تنهشها مقبلة ومدبره، كانت أوثقتها فلم تكن تطعمها ولم ترسلها تأكل من حشائش الأرض" وهذا تعبير عن المستوى العظيم الذي أرادنا الإسلام أن نتربى عليه، في كل المواقع وفي كل الحالات. أخلاقنا رحمة بنا في علاقاتنا مع أسرتنا، أخلاقنا رحمة بمجتمعنا في علاقاتنا مع الناس، أخلاقنا رحمة بعدونا كما سأبين لاحقاً في المواجهة الشريفة من أجل التحرير والفداء، أخلاقنا تعبير عن النموذج الراقي الذي يجب أن يتجسد على هذه الأرض، ليست الأخلاق نصائح تُعطى أو مواعظ تلقن من أجل القيام بدور إيجابي على مستوى معين، بل الأخلاق سلوك وتجربة في الحياة، وممارسة يومية يقوم بها الإنسان في كل مفرداته، لقد أُعجب القوم وتعجبوا كيف أن المؤمنين يتميزون وهم مجاهدون بأخلاقية عالية، واعتبروا أن أخلاقيتهم هي جزء لا يتجزأ من أساليب الجذب إلى طاعة الله تعالى، وإن كنا نعتبر هذه السلوكية العظيمة طريقاً للجذب إلى الله تعالى لكنهم عندما يتميزون بهذه الأخلاق وهذه الروحية إنما يعبرون عن ميزة الإسلام وطاعة الله تعالى، لذا نحن نفهم تماماً لماذا يشعر المستكبرون بخطر هؤلاء المؤمنين القلة الموجودين في هذه المنطقة وفي العالم على اطروحاتهم وقناعاتهم لأنهم يعلمون أن نور طاعتهم لله تعالى أقوى من معاصيهم، وأن شرف جهادهم بنمط يقرب من الله تعالى أشرف من كل أدائهم وادعاءاتهم، وأن حقوق الإنسان تنطلق من هذه النماذج الخيرة وليس من أروقة الأمم المتحدة أو غيرها من تلك التي تكتب كلمات على بعض الصحائف دون أن تجد لها تطبيقاً عملياً. لقد انتصر الإمام الحسين(ع) عندما وقف في كربلاء وقبل كربلاء يُسقي اخصامه الماء دون أن يفكر بمبادلة، ودون أن يتصرف بماء تصرفوا به، وهذا تعبير عن النموذج الذي يتحلى به المؤمن ويفرض نوره بإذن الله تعالى على كل العالمين.‏

هذه الدعوة إلى الله تعالى تُرجمت بسلوك عملي فالرسول هو القدوة{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} وهذه القدوة مارست أداءها في الحياة اليومية، أنتم تعلمون أن أهل مكة عذّبوا الرسول(ص) وأصحابه وآل بيته، وقاموا بكل الأعمال البغيضة التي تضيق على صاحب الرسالة الذي دعاهم بكل صدق وإخلاص ورحمة وأخلاق، قال لهم : قولوا لا إله إلا الله تفلحوا" فبادلوه بالضغط وقتل الأصحاب والجرح والإيذاء حتى خرج من مكة المكرمة بأمر من الله تعالى لينجو من قتلهم، ثم عاد فاتحاً لمكة المكرمة، فاجتمع القوم وهم الذين آذوه قال لهم: ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال كلمته المشهورة: اذهبوا فأنتم الطلقاء، أفرج عنهم وتركهم ليعيشوا حالة المراجعة للنفس بأنهم آذوا وانحرفوا وفي المقابل تأتيهم الاستقامة، وأنهم جرحوا وفي المقابل هناك من يمد لهم اليد للعودة إلى الله تعالى.‏

هذه الأخلاق العظيمة رأيناها في الإمام الحسين(ع) عندما وصل إلى منطقة شراف وهو في طريقه إلى كربلاء، طلب من أصحابه أن يملؤوا قرب الماء وأن يكثروا من ملء الماء وحمله على الجمال، فقام القوم بما أمر وقد حسب حساباً أن هناك قوماً سيطلبون منه شرب الماء، وإذا بوصوله إلى ذي حُسُم جاء عسكر الحر مُرسلاً من جماعة ابن زياد على رأس ألف فارس، وكانوا عطاشى فأمر الإمام الحسين(ع) أصحابه أن يُسقوا القوم وما معهم من إبلٍ حتى يرتوي الجميع، فشرب القوم، وبقي شخص واحد تذكر كتب السيرة أنه علي بن الطعان المحاربي كان آخر واحد من المجموعة جاء لاهثاً يريد أن يشرب ويُشرب دابته، لكنه من لهفته على الماء لم يتمكن من التصرف فقال له الإمام الحسين(ع) أنخ الراوية أي الجمل، فلم يفهم عليه، فأشار إليه بأن ينخ الجمل، ثم قال له أخنث السقاء حتى تميل القربة من أجل أن يشرب منها فلم يدري كيف يتصرف وإذا بالإمام الحسين(ع) يحمل قربة الماء ويُشرب هذا المحاربي قربة إلى الله تعالى ليعطي درساً في أخلاق الإمام عندما يقابل هؤلاء الذين جاؤوا لقتاله.‏

تذكرون القصة المشهورة عن أمير المؤمنين(ع) وفاطمة الزهراء(ع)، نذر أمير المؤمنين(ع) وزوجته فاطمة(ع) ومعهما فضة صوماً لله تعالى لثلاثة أيام إذا شفى الله تعالى الحسن والحسين بسبب مرض ألم بهما، وشفاهما الله تعالى من المرض فأرادا تطبيق النذر، وكما تذكر الرواية اقترض الأمير بعضاً من الشعير يكفي لثلاثة أيام بأكل متواضع، وهيأت فاطمة خمسة أرغفة على عدد الحاضرين من أجل الطعام في وقت الإفطار، وإذا بمسكين يطرق الباب يسألهم المساعدة فأعطى الإمام المسكين هذه الأرغفة وأفطر القوم على الماء، وتكرر الأمر لليوم الثاني وكان مع يتيم من أيتام المسلمين، وتكرر الأمر لليوم الثالث وكان مع أسير جائع من أسرى المسلمين، فنزل القرآن الكريم بحق علي وفاطمة وهذه الثلة الطاهرة{إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كفورا* عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا* يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا* ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً* إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا}، ما هذه الأخلاقية العالية في أصعب اللحظات وأحرجها وبتنوع ملفت مع المذنبين والمخطئين والمحتاجين ومع أبناء المسلمين، هناك تصرف متنوع في كيفية أداء هؤلاء العظماء.‏

أما إمامنا زين العابدين(ع) فقد جاءه أحد الأقرباء وسبب مشكلة وخصومة وشتم وتكلم أمام القوم عن الإمام زين العابدين(ع) وترك السوق وعاد إلى مكانه، جمع الإمام بعض من أهله وأصحابه وذهب إلى بيت هذا الرجل، طبعاً التصور الأولي على الطريقة اللبنانية مثلاً أو العربية النخوة تستدعي أن يجمع القوم ويذهب ليلقنه درساً قياماً وقعوداً حتى يتعلم كيف يحترم هذا الإمام، لكن الإمام تصرف بطريقة أخلاقية راقية وتصرف بتعاليم الإسلام، جاء إليه مع الجماعة والرجل وقف خائفاً لأن الجو كأنه جو ضرب وأذية، فقال له: يا أخي إنك وقفت عليَّ وقلت ما قلت، فإن قلت ما فيَّ فأنا استغفر الله منك، وإن كنت قلت ما ليس فيَّ فغفر الله لك، يعني أن الإمام(ع) طلب المغفرة من الله لنفسه إذا كان مخطئاً بحسب ادعاءه وطلب الغفران من الله تعالى لهذا المدعي لأنه أخطأ مع الإمام، وإذا بهذا الرجل يستغفر ربه ويشكر الإمام ويتوب إلى الله تعالى بسبب هذه الأخلاق العظيمة، ما هذه الأخلاق التي تسحر الألباب وتغير المعادلة، هي ليست أخلاق مصطنعة هي جزء لا يتجزأ من تعاليم ديننا.‏

فهذا إمامنا الحسين(ع) في طريقة إلى كربلاء، وعندما يجعجع به الحر على الطريق حتى يمنعه من إكمال المسير، يقف قبل آذان الظهر ويخطب في القوم فيقول لهم: وإني لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت عليَّ رسلكم، أن أقدم علينا فليس لنا إمام، ولعل الله أن يجمعنا بك على الهدى، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فاعطوني ما أطمئن به من عهودكم ومواثيقكم، وإن كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم، لاحظوا هذا الخطاب في هذه اللحظة المصيرية، هو يحدث مشاعرهم ويثير ضمائرهم، هو يبين لهم أنه عامل من أجل القيام بالواجب ولا توجد أي حسابات شخصية في طريقة الأداء والعمل، إذا كان البعض يتصور أن هذه الأخلاق هي أخلاق مصطنعة فهو واهم، نحن نرى أخلاقاً في مجتمعنا وفي مجتمعات كثيرة نراها على درجة كبيرة من الرقي لكنها كما يسمونها أخلاق المصلحة، بعض الأحيان يدخل شخص إلى متمول كبير مثلاً أو إلى شركة محترمة أو ما شابه، فإذا علموا أنه مليء بالمعنى الاقتصادي (أمواله كثيرة) بجلوه واحترموه وأجلسوه على الكرسي طمعاً بأن يكسبوا من ورائه، أما إذا علموا أنه إنسان عادي تصرفوا معه بغلظة وبشدة وبنكران له وبأسلوب لا ينسجم أبداً مع أبسط قواعد الأخلاق الإنسانية، هذه أخلاق المصالح.‏

أما بالنسبة لنا فسلوكنا واحد في كل المواقع والمحطات اقتداء بنبينا و أئمتنا(ع)، ليكن معلوماً أن واحدة من نتائج 11 أيلول والتي كانت بسبب أداء الإدارة الأمريكية مباشرة أن أطروحة الأخلاق الأمريكية المصطنعة سقطت في الهاوية لأنهم كشروا الأنياب واستخدموا العنف والقوة، وتصرفوا بلؤم في مواجهة الشعوب، وسجنوا الأبرياء بدون محاكمة، وأعلنوا موقفهم الذي أسقط الحريات والديمقراطيات المزعومة وكل المواقف التي يدعون أنهم يؤمنون من خلالها بحقوق الإنسان، لأنهم عند الامتحان والاختبار انكشفوا بشكل واقعي، أما نبينا وأئمتنا(ع) وكل المجاهدين والمجاهدات من أتباع هذا الخط فهم على نمط ولون واحد في كيفية الأداء والتصرف والسلوك.‏

أذكركم بما حصل في جنوب لبنان عندما هرب الجيش الإسرائيلي في ليل اليل وبقي عملاؤه منتشرين في بعض المواقع، ودخل المقاومون الشرفاء من أبناء الحسين(ع) إلى تلك المواقع وبدأ هؤلاء بالهرب منهم الجريح ومنهم الهارب، فلم يطلق شباب المقاومة الإسلامية طلقة على هارب، ولم يجهزوا على جريح ولم يقفوا فيه تشويه، حتى استغرب العالم كيف تم التحرير دون أن تسجل نقطة سلبية واحدة مع هؤلاء العملاء ومع الفلول الذين هربوا بعد الاحتلال الإسرائيلي، هذه أخلاق الإسلام وتربيته، البعض اعتبر أنها خطة حكيمة من القيادة وهي كذلك، لكنها قبل أن تكون خطة حكيمة هي تمثل ديناً ندين به في كيفية التعاطي مع الآخري. معلوماتي أن البعض ولن أذكر تفاصيل وأسماء يطلبون من الناس أن يقفلوا تلفزيون المنار ولا يستمعون إلى كلماته ونصائحه، وعندما سألوهم ما هو السبب؟ قالوا هم يسحرون العقول ويتصرفون بطريقة تدخل إلى نفوس الأطفال ، نحن نخشى على أطفالنا مما يقولونه وكأنهم جنٌ يدخلون من هذه القناة إلى قلوب وعقول أطفالنا، لا يوجد سحر ولا شيء غير عادي بالعكس نحن نعتبر أننا مقصرون، والذي نقوم به هو الحد الأدنى الأدنى من عظمة هذا الدين، إذا كان الحد الأدنى بهذا الشكل فكيف إذا كان الحد الأقصى موجود وإن شاء الله يوجد في هذه الأمة الخيرة والطيبة والكريمة، وهذا تعبير عن أن سلوك الرحمة وطريقة الأداء يفرض نفسه على الآخرين.‏

وهنا يطرح سؤال إذا كنتم تتحدثون عن الرحمة وعن دين الرحمة فلماذا تقاتلون أعداء الله تعالى بهذا الشدة والقسوة وبهذه المواقف الشجاعة التي لا تهين ولا تلين؟ ولماذا قال تعالى في القرآن الكريم:{محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}إذا كيف تنسجم الشدة مع الرحمة ، وأنتم تتحدثون عن الرحمة؟‏

اسمعوا كلمات أمير المؤمنين(ع) :" والله لا يزالون حتى لا يدعوا لله محرماً حتى استحلوه، ولا عقد إلاَّ حلّوه" فالكفار والمنحرفين لا يريحون المؤمنين من أعمالهم الفاسدة، نقول لهم ادعوا إلى فسادكم كما تريدون ولكن اتركونا ندعو إلى الصلاح كما نريد، لا فهم يدعون للفساد ويحاولون الإقناع ويضغطون عليك بالقوة العسكرية والضغط السياسي والاقتصادي، ماذا تفعل معهم؟ تتفرج عليهم، لا بدَّ أن تقول لا وأن ترفض وتتحدى، من هنا أشداء على الكفار رحماء بالمؤمنين، وأشداء على الكفار رحمة بالذين سيولدون، وأشداء على الكفار حتى يرتدعوا عن غيهم لأنهم هم المعتدون والمبتدئون، وأما المؤمنون فهم في حالة دفاع عن أنفسهم وعن شرعهم ومقدساتهم.‏

واليوم من الذي يعتدي في العالم؟ قوى الاستكبار المنحرفة هي التي تعتدي، ماذا نقول لهم: أهلاً وسهلاً بكم! إسرائيل تغزو بلدنا ومنطقتنا، ماذا نقول لإسرائيل، الرحمة تتطلب أن لا نتعاطى مع إسرائيل ونتركها إلى الله تعالى، فعلينا أن نقوم بواجبنا وبعدها نتركها على الله عزَّ وجل { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} لكن لاحظوا رب العالمين عندما دعانا إلى الشدة مع هؤلاء ماذا قال{ يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين} حتى أثناء القتال يجب أن تكونوا متقين، يجب أن تنسجموا مع الضوابط الشرعية، يجب أن تلتفوا إلى كل القواعد الإنسانية التي شرعها الله تعالى، وهذه قمة المواقف التي تبين كيف نكون أشداء من أجل مصلحة الإنسانية، إمامنا الصادق(ع) يذكر رواية عن أمير المؤمنين(ع) ذكرها عن رسول الله(ص) عندما أرسله إلى اليمن، قال: قال لي رسول الله (ص) يا علي لا تقاتلن أحداً حتى تدعوه وأيم الله لئن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت ولك ولاؤه يا علي" لاحظوا الروحية، فالمطلب هو الهداية وليس مطلوباً أن نتقاتل مع الآخرين، والمطلب هو الاستقامة ولا نريد أن نرغم الناس على استقامتنا، فالمطلب هو أن يَدَعونا في طاعة الله تعالى، ولا نريد أن نلزمهم فهم يتحملون مسؤوليتهم يوم القيامة لكنهم لا يدعوننا في طاعة الله تعالى، من هنا كان لا بدَّ من الوقفة الشريفة الشجاعة في مواجهة أعداء الله تعالى.‏

نحن عندما نقاتل إسرائيل بشدة اعلموا تماماً أن هؤلاء المقاتلين الشرفاء هم الذين يسجدون لله خضوعاً يبكون في جوف الليل المظلم، يناجون الله أن يتقبل أعمالهم وأن لا تكون طلقاتهم من أجل مكسب أو منصب إنما قربة إلى الله تعالى ليعلو صوت الحق، اعلموا أن هؤلاء الذين خضعوا لله تعالى لن يخضعوا لكافر على وجه الأرض حتى ولو ملك الدنيا بما فيها من أسلحة وقوة، فمن صرخ بصرخة التكبير لا يمكن أن ترعبه أمريكا ومن وراءها، هذه الأخلاقية هي أخلاقية الشدة في طاعة الله تعالى، بعض الذين أتوا ليقوموا بدراسات حول ظاهرة حزب الله، اعتبروها أنها ظاهرة تستحق الدراسة، فإذا قدمنا مساعدات اجتماعية فيقولون إننا نملك عقلاً لجذب العالم{ ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً } قربة إلى الله تعالى والله لا يطعمونهم من أجل أن يسجل في صحائف الناس أو في وسط هؤلاء أنهم أطعموهم، وهم لا يفهمون علينا وهم أحرار، وينظرون إلى الأخوات المؤمنات المجاهدات فلماذا تلبسن على رؤوسكن فنحن أصبحنا تقدميين وفي العصر الحديث ويفترض أن التقدمية بالخلع لا باللباس، وفي المقابل المتدينات عندنا يكثرن ويزددن ويقوون في طاعة الله تعالى، والواحدة منهن مستعدة لتقدم ولدها وزوجها وأن تربي طفلها على طاعة الله تعالى وليذهب الجميع شهداء قربة إلى الله تعالى،فهذا الأمر ليس تعميماً ثقافياً أو سياسياً أو قرار تنظيمي لا، هذا دين ندين به، كل واحد من هؤلاء مدَّ صلة بالله تعالى جعلته متصلاً بقيادته وأئمته وأعماله الشريفة التي يقوم بها على هذه الأرض، وهذا أمر يجب أن يكون واضحاً، خلقية الإسلام هي التي علمتنا. تصوروا الإمام الحسين(ع) عندما جعجع به إلى كربلاء قام زهير بن القين وقال أيها الإمام: اليوم عندنا فرصة جيدة لنبدأهم بالقتال، فقال الإمام الحسين(ع) : ما كنت لأبدأهم بقتال" لا أريد أن أسجل عليَّ بأنني أول من بدأ القتال لأنني لا أريد أن أقاتلهم فهم المعتدون، تكررت الحادثة في يوم عاشوراء مع مسلم بن عوسجة، القوم أصبحوا مستعدين للقتال وبدأ كل واحد يضع السهم في كبد قوسه، فطلب مسلم بن عوسجة من الإمام الحسين(ع) أن يبدأ حتى يقتل شخص أو شخصين أو ثلاثة فهذا يضعضع الخصم، فقال الإمام الحسين(ع):" لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم" هؤلاء مسلمون منحرفون ويجب أن نعطيهم الفرصة كاملة ليعرفوا أنهم منحرفون، هذه هي الأخلاقية العالية، هذا السلوك هو الذي ربانا وعلم المجاهدين، وهذا السلوك هو الذي خرج الأبطال، فلا تستغربوا عندما نقول إنَّ شباب المقاومة الإسلامية هم حسينيون في التربية والولاء والدماء والشهادة فلأنهم تعلموا من مدرسة الحسين(ع) أن يقولوا لا ويقاتلوا في ساحة المعركة، وفي نفس الوقت يعطوا كل الفرص الكاملة من أجل التعبير عن إيمانهم وتبليغ رسالة الحق.‏

هذه الأخلاقية هي أخلاقية الإنسان المطيع لله تعالى وهي أخلاقية الداعية إلى ما أمر الله تعالى في هذه الحياة، وهي ليست مستوردة أو مصطنعة، ليست أخلاقية وظيفية ولا من أجل المصالح، إنها لله تعالى ليقبلها هو حتى لو رفضها العباد مهما كانوا وفي أي موقع كانوا، اعلموا أننا اليوم في عصر انهيار الأخلاق الأمريكية والثقافة الأمريكية والسياسة والنمط الأمريكي بكل تفريعاته وكذلك النموذج الذي كانوا يصورونه للناس، وهم الآن خائفون مربكون وحذرون ومتوترون من النموذج الإسلامي الذي يقدمه أنصار الحسين(ع) أبناء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وهذا النموذج سيستمر بإذن الله تعالى، سنتحداهم بالفضيلة لنسقط رذيلتهم، وسنتحداهم بإيماننا بالله لنفضح شركهم، وسنتحداهم بالسجود لله تعالى فلا نسجد لأحد من الخونة أو العملاء أو زبانيتهم أو الذين يروجون للمستكبرين، سنتحداهم بصلاتنا وإن تركوا الصلاة، ونتحداهم بطاعتنا لله تعالى وإن جحدوا هذه الطاعة وسنثبت لهم أن الفضيلة والطاعة والإيمان والجهاد أقوى من كل القوى التي يجمعونها لأنها قوى مادية، بينما هذه القوة التي نرتبط بها هي قوة الارتباط بالله تعالى، وهي التي تعطينا الزخم والانطلاقة، لن نقلدهم بأساليبهم بل سنقوم بأعمالنا بأساليبنا وبقناعاتنا، لن نقلدهم بأفكارهم بل سنعبر عن أفكارنا وعن قناعاتنا، لن نبادلهم سيئات أعمالهم بل سنقوم بالأعمال الحسنة الشريفة التي تتخلد في الأرض ويقبلها الله تعالى في السماء {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}فلا نملك شيئاً نخاف منه فهذا الدين متين وعظيم وهو مصدر السعادة والرحمة .‏

وأقول للخائفين من فتح جبهة لبنان في مواجهة إسرائيل، تأكدوا أن إسرائيل إذا وجدت مصلحتها وقدرتها أن تفتح جبهة لبنان فستفتحها ولو بإدعاء أن دجاجة لبنانية دخلت خلف السياج منتهكة للإجراءات الأمنية الإسرائيلية، وإذا كانوا حذرين ووجدوا أن مصلحتهم وقدرتهم لا تسمح لهم بأن يفتحوا هذه الجبهة فسيجدون الأعذار الكثيرة لتبريرهم عدم فتحهم لها، وأكثر من هذا أقول إسرائيل بقيت في لبنان 22 سنة ولم يخرجها أحد لا القرارات الدولية ولا الضغوطات ولا اللقاءات السياسية ولا مؤتمر مدريد ولا 17 أيار ولا اجتماعات مجلس الأمن الدولي، لكن عندما شعرت إسرائيل أنها في خطر وأن بقاءها لا يمكن أن يعطيها أياً من المكاسب السياسية التي كانت تسعى إليها خرجت هاربة من لبنان وهي تقول لشعبها: لن نعود بعد اليوم إلى لبنان ، لأن لبنان بلد الرعب والجهاد والشهادة ولا يمكننا أن نقف أمام هؤلاء المجاهدين، وهذا الأمر لن يتغير، إذا كانوا مرعوبين فلن يتجرأوا وإذا كانت سياستهم تقتضي المحاولة فسيتصرفون بطريقة رعناء لكن عندها سيفتحون الصفحة الثانية من الدرس الثاني الذي لم يتعرفوا عليه بعد، لا نقول هذا إدعاءً ولكن من حقنا أن ندافع عن أرضنا وعن شعبنا وكرامتنا وحقوقنا، إذ لا أحد في العالم يحترم المستضعف ويحترم صاحب الأرض، كل المستكبرين يعملون لمصلحة إسرائيل، فماذا نفعل هل نتفرج عليها أبداً، سنعزز أسباب قوتنا للدفاع عن أنفسنا وكرامتنا، ومن حقنا وحق الفلسطينيين ومن حق العرب ومن حق المسلمين أن يكونوا أقوياء في مواجهة إسرائيل، وإلا عجيب كيف تحسب أمريكا حساباً لبعض الدول كإيران وغيرها لأنه يمكن أن ينجزوا صاروخاً سنة 2015 قد يصل إلى أمريكا، فهم يحاسبون على النوايا لبعد 15 سنة، والصاروخ الإسرائيلي موجود والرؤوس النووية موجودة، وهي تعطل الحياة في كل منطقتنا فأين هو موقفكم.‏

أعتقد أن علينا أن نكون ثابتين ولا أحد يخاف ويبدأ ببعض الكتابات والتنظيرات، بالمساءلة عن أنكم تدعمون الإنتفاضة بالسلاح وأنكم مستعدون لذلك؟ هذا شرف وكرامة وبالعكس ونحن نطالب القمة العربية أن لا تضع في جدولها المساعدات الإنسانية للفلسطينيين فقط، هم يريدون مساعدات عسكرية بالطريقة التي ترونها مناسبة من تحت الأسلاك ومن فوقها ومن فوق الحدود وفي البحار وفي كل الطرق المتاحة شرط أن تدعموا هؤلاء لا أن تحسنوا إليهم، فشعب فلسطين لا يحتاج إلى إحسان إنما يحتاج إلى أن يعطي بطاقة الشرف لمن يدعمه في نضاله ضد العدو الإسرائيلي.‏

وكلما حصلت عملية في داخل فلسطين المحتلة، يقولون بصمات حزب الله وروح حزب الله وتجربة حزب الله، ونقول الحمد الله أن هناك شيئاً يذهب إلى فلسطين ويبدو أن الملائكة تسوقه دون أن نكون على علم به، فنحن نملك أن نحرك الأجساد لا نملك أن نحرك الأرواح، نحن نملك أن نضع بصماتنا مباشرة ولكن لا نستطيع أن نوصل هذه البصمات عبر الهواء لتصل إلى أماكن مختلفة، فهذه نعمة ويسعدنا ن تكون تجربة حزب الله برسم الفلسطينيين والعرب والمسلمين، يسعدنا أن تكون روحية الإمام الحسين(ع) مظلة للمجاهدين في هذا العالم، يسعدنا أن لا تتمكن الحواجز المادية من أن تمنع طاعة الله تعالى أن تخترق حواجزهم لتصل إلى إرعاب العدو الإسرائيلي حتى إسقاطه بإذن الله تعالى.‏

سنبقى على هذا الخط، كما بدأت { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، والرحمة للعالمين بالإقتداء برسول الله والأئمة الأطهار والصحابة الأخيار(ع) وهذا يقتضي أن نكون أشداء على الكفار حتى نرحم عباد الله تعالى من غلظتهم وغيظهم وعدوانهم وأن نثق بأن الله تعالى معنا ما دمنا مع الله تعالى {ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.‏