مقالات

الإمام الحسين(ع):النموذج الحي المتجدد

عندما نحيي ذكرى سيد الشهداء الإمام الحسين(ع)، فإننا نتعاطى معها على أساس أنها تمثل النموذج القدوة للإنسانية جمعاء وليست قدوة خاصة محصورة في دائرة ضيقة، فالإمام الحسين(ع) للبشرية جمعاء، بناء عليه فإننا ندعو لمناقشة سيرته والإطلاع على أدائه وحياته والتعرف على أفكاره ومواقفه، حتى تهتدي البشرية إلى هذا النموذج القائد الذي يصلح للإنسانية جمعاء.

عندما نحيي ذكرى سيد الشهداء الإمام الحسين(ع)، فإننا نتعاطى معها على أساس أنها تمثل النموذج القدوة للإنسانية جمعاء وليست قدوة خاصة محصورة في دائرة ضيقة، فالإمام الحسين(ع) للبشرية جمعاء، بناء عليه فإننا ندعو لمناقشة سيرته والإطلاع على أدائه وحياته والتعرف على أفكاره ومواقفه، حتى تهتدي البشرية إلى هذا النموذج القائد الذي يصلح للإنسانية جمعاء.

هو سيد الشهداء لأنه الأبرز في كيفية عطائه واستشهاده، ولأن الظروف التي أحاطت بشهادته لا تشبه أي ظروف أخرى، ولأن الأهداف التي سعى لتحقيقها هي الأهداف الإلهية لمصلحة الإنسان، إنها الأهداف الأنبل والأسمى. ويتجاوز سيد الشهداء مسرح الشهادة في كربلاء ليصل إلى مفاعيلها في الآخرة، فهو سيد شباب أهل الجنة كما ورد عن رسول الله (ص):" الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"(1). إنه الإمام القدوة للشباب وللبشرية ، والقدوة لجميع المتقين والعارفين والباحثين عن الحقيقة في العالم. إنه نموذج حيُّ متجدد، لا يتوقف عند اللحظة التي حصل فيها الاستشهاد، وإنما يتجاوزها إلى كل الحياة عبر الزمن، فهو الذي قاد الإصلاح داخل المجتمع الإسلاميّ ولم يخشَ في الله لومة لائم، ولم يبحث عن منصب أو دور، ولم تمنعه الاعتبارات التقليدية التي حاول الخليفة إشاعتها في وجوب طاعة الحاكم ، أو تخاذل الأمة عن التحرك. من هنا كانت نهضته (ع) نهضة إصلاح حقيقية في داخل المجتمع، فلا رتابة مع الانحراف، ولا تسليم للواقع ولا قبول به.‏

لقد أعلنها في المدينة المنورة ويهمُ في الخروج مكاتباً أخاه محمد ابن الحنفية:" إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي(ص) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"(1)، فهو إذاً يريد الإصلاح، لا يريد المرح في خروجه فهو ليس أشرا، ولا يريد إزهاق النعمة فهو ليس بطراً، ولا يريد ظلم أحد فهو ليس ظالماً، ولا يريد تخريب شؤون الناس فهو ليس مفسداً، إنما هو المصلح الذي يريد تغيير الواقع، هذا التغيير مطلوب من خلال مفردتين أساسيتين: الأولى تتعلق بالحاكم، والثانية تتعلق بالناس، فهو يريد الإصلاح في الأمة.‏

وقف الإمام الحسين(ع) بوجه الحاكم الظالم ليقول للناس: الحاكم ليس مقدساً ولو حمل شعار الإسلام، والحاكم ليس مطاعاً عندما يكون منحرفاً، والحاكم لا يستطيع استخدام قوته لفرض شروطه فهناك من يقف ليرفض تسلطه ولا يحصل التغيير بالسكوت عن الحاكم الظالم، فالأمر الأول الذي توجه له بالإصلاح هو كشف وفضح الحاكم الظالم ورفض الاستسلام لبيعته.‏

أما الأمر الثاني فيرتبط بالناس، كان يعلم(ع) أن الثلَّة القليلة جداً هي التي ستكون معه، ولكنه تابع مسيرته وأعلن موقفه وتحمَّل نتائجه، ليحدث الصدمة في الأمة وليقول للناس أنتم مسؤولون عندما لا تقومون بدوركم ولا تتحملون مسؤولياتكم، وقد عبَّر الإمام الحسين (ع) عن إنغماس الأمة بشهواتها بقوله :" الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا محِّصوا بالبلاء قلَّ الديانون "(2). كثير من الناس يسقطون أمام تجربة الحياة وأمام مغرياتها، وكثير من الناس يؤثرون الدَّعة والسلامة على العزة والتضحيات، وكثير من الناس يبحثون عن حياتهم الخاصة حتى لو أدت إلى خسارة مبادئ الحق، وكثير من الناس يسايرون الظلم من أجل حياة شخصية مهما كان الظلم مؤثراً ومهما كان الظلم مدمراً، فالناس هم الذين يتحملون المسؤولية في أي مجتمع من المجتمعات. أمَّا أن نحمل المسؤولية للحاكم وللمسؤولين ونجعلها بعيدة عنَّا فهذا مخالف للواقع، نحن مسؤولون كما الحاكم مسؤول وكما القادة يتحملون المسؤولية، من هنا فالناس في أي مجتمع من المجتمعات لهم دور في تثبيت دعائم الحق، ولهم دور في الانحراف الكبير الذي يحصل في المجتمع، لهم دور في حريتهم كما لهم دور في خنق الحرية التي يرغبونها، لهم دور في مستقبلهم وفي استقلالهم كما لهم دور في تبعيتهم وانجرافهم أمام سطوة المستكبرين، لا يستطيع الناس أن يعفوا أنفسهم من مسؤوليتهم في أي مجتمع كان.‏

عندما تفرَّج أهل الكوفة والمسلمون على صنيعة الحاكم الظالم، بل عندما ساهموا مع الحاكم الظالم لمواجهة الإمام الحسين(ع) بذريعة العجز عن الرفض للمواجهة أو بذريعة الأطماع التي وُعِدوا بها أو لأي سبب آخر من أسبابهم المنحرفة، فهم قد واجهوا الحق و آثروا الدنيا، فكان لا بدَّ من إيقاظهم فكانت نهضة الإمام الحسين (ع) هي المنقذة، لأنها فضحت هؤلاء الناس وكشفتهم، وأثبتت لهم أنهم عندما يسايرون الظلم فالدمار على مجتمعهم بأيديهم. إنَّ مسؤوليتنا من خلال ثورة الإمام الحسين (ع) أن نوضح للناس ونعرفهم على الحقائق، وأن نكشف لهم ما في مجتمعهم، وأن نبين لهم طريق الحق من الباطل، وكل واحد من هؤلاء الناس قادر أن يكون لبنةً بنَّاءةً في رصيد المجتمع الكبير من أجل تحقيق النصر في القضايا الداخلية وعلى الأعداء.‏

الذين يحيون ذكرى عاشوراء إنما يحيونها ليتعرفوا عليها، يحيونها ليرفضوا الظلم، ويحيونها ليقدموا الولاء والبيعة حتى يكونوا في الخط الحسيني مصلحين في مجتمعهم ومغيرين لواقعهم، هذا الإصلاح لا يمكن أن يتم إلاَّ إذا توفرت مفردتان أساسيتان:‏

المفردة الأولى: تتمثل في فهم الواقع، والمفردة الثانية تتمثل في معرفة الطريق الصحيح الذي يجب سلوكه. أمَّا فهم الواقع، فهو عامل أساسي لتشخيص الداء، إذ لا يمكن للطبيب أن يصف دواء للمريض دون أن يشخصّ داءه، ولا يصلح كل دواء لأي داء، فلكل مشكلة اجتماعية طريق للحل ولكل مشكلة سياسية طريق للحل، لكنَّ علينا أن نعرف الداء أولاً وأن نعرف مشاكلنا السياسية والاجتماعية والثقافية التي نعيشها، من أجل تشخيص الأمراض التي تعصف بمجتمعنا ثم بعد ذلك نستطيع المعالجة، ونستطيع تقديم الحلول المناسبة ضمن الخط الصحيح.‏

نحن اليوم بحاجة إلى فهم واقعنا، لماذا نحيي ذكرى الإمام الحسين(ع) بينما ينظر الكثيرون بأنهم غير معنيين بهذه الذكرى. نقول لهم: ادرسوا شخصية الإمام الحسين(ع) تعرفوا عليه، اقرأوا قصته، لماذا يفترض بالمسلم أن لا يفهم شيئاً مما عند المسيحي وبالمسيحي أن لا يفهم شيئاً مما عند المسلم، وأن توضع الحواجز الثقافية بمجرد أن فلاناً ينتمي إلى طائفة معينة، هذا مرض نعيشه في لبنان يمنع التلاقح الفكري، ويمنع تشخيص الأمراض الحقيقية. يجب أن نفهم الواقع وأن نعمل لمعالجته لنحدد الصديق من العدو والخطأ من الصواب، والاستقلال من التبعية، والعمل السليم من العمل الفاسد، ويجب أن نفهم طريق الخط الصحيح الذي نسلكه من أجل المعالجة. نحن نعتبر أن الخط السليم هو الخط الإلهي، أوليس الله خالق البشر؟ ألم يرسل الرسالات السماوية ليعلمهم ويدربهم ويثقفهم ويوجههم؟ هل قرأ الناس هذه الرسالات السماوية بدقة وتعرفوا على مضمونها وعلى حقائقها؟ البعض قرأ رسالته السماوية من خلال بعض الزعماء والمسؤولين وبعض التقليديين، وكل من يقرأها بهذا المعنى وبهذا المنطق لن يقبل بها ولن يتفاعل معها بطريقة تطور حياته. بمعنى آخر لسنا مضطرين لنطلع من خلال الأشخاص الذين أساؤوا وأضروا بل يجب أن نطلع من التجربة الحقيقية.‏

هذا الخط السليم الذي عبَّر عنه الإمام الحسين(ع) هو تعبير يصل إلى محمد(ص)"حسين مني وأنا من حسين"(3) ومحمد(ص) يصل إلى الله " وما ينطق عن الهوى إن هو إلاَّ وحيُّ يوحى"(4)، والله يقول {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}(5)، هذا الاتجاه الحسيني هو اتجاه إلهي موجه للبشرية جمعاء{وما أرسلناك إلاَّ رحمة للعالمين}(6) وليس موجهاً للشيعة فحسب أو للمسلمين فحسب أو لفريق من الناس ، بل هو موجه لكل العالم حتى يتعرفوا ويقرأوا ويدرسوا. نأسف لأولئك الذين يعيشون عقدة التعليب للأفكار، ويعيشون ما نشأوا عليه في أجوائهم، فإذا كان منذ طفولته قد عاش في أجواء طائفية أو حزبية أو ثقافية أو روحية معينة، فإنه ينشأ على هذا الأساس ويرفض مناقشة ما يحيط به دون أن يُحكِّم عقله الذي أعطاه الله تعالى إياه، مع العلم أننا يجب أن ننفتح للتعرف على رسالة الله وعلى رسالة الإسلام التي تبني قواعد الحياة الإنسانية الفضلى. هذه الرسالة لا تعني أننا أمام طائفة تحمل لوناً معيناً، فالطائفة تجمع مَن ينتسب إليها بالولادة، ويُسجَّل في دائرة الأحوال الشخصية بانتسابه إليها، من دون أن يعني ذلك التزاماً بتعاليم طائفته، أمَّا الرسالية فتجمع من آمن بالإسلام وتبنَّاه كمنهج للحياة في مجالاتها كافة على المستوى العملي. تعودنا في لبنان أن تقاس الأمور بالحصص الطائفية، ولذا يقولون مباشرة بأن الحسين لمذهبٍ معين ولا علاقة له بالآخرين، لماذا؟ اطِّلعوا وتعرفوا. نحن نعلم أن هذه الدعوة اليوم تزعج البعض لأنهم يعتبرون أن المطلوب هو المحافظة على تلك الأطواق المذهبية أو الحزبية أو الثقافية التي تحصن الناس من أن يفهموا ما هو موجود عند الآخر، كي لا يختاروا اختياراً عُقلائياً سليماً ليتجردوا من عصبية عمياء إذا وجدوا الحق في مكان ما ؟!‏

إلتقيت بمجموعة من اللبنانيين كانوا يعيشون في أمريكا، في لقاء دام نحو ساعتين، وقالوا في اللقاء: رغبنا المجيء للتعرف عليكم ولكن قبل ذلك لم نكن نتجرأ أن نلتقي معكم خوفاً منكم.‏

قلت لهم: الحمد الله، أصبحنا الآن في وضع يسمح لنا أن لا نخيفكم.‏

قال أحدهم: ولكن لي عليك شرط.‏

قلت: ما هو؟‏

قال: أتمنى أن تترك الإسلام جانباً وأن تترك مسيرتكم الشعارات الإسلامية، وعندها لا يكون عليكم أيُّ غبار وتكونون مقبولين محلياً ودولياً، لأنكم بذلك تنزعون الخوف والخشية من قلوب الناس جميعاً، فتكونون قدوة حقيقية.‏

قلت له: فلأكن صريحاً معك، ما الذي جعلك تنتقل من الخوف منّا إلى الرغبة باللقاء معنا؟ قال: تجربتكم في المقاومة.‏

قلت: ولماذا حملتم صورة سيئة عنّا في السابق وكنتم تخافون منّا؟‏

قال: لا أعلم، ولكن أشعر وكأن الإعلام والأحاديث التي كانت تجري حولكم كانت مخيفة. قلت له: إذاً تبين لكم أنها دعايات مغرضة.‏

قال:نعم.‏

قلت له: ولماذا تشترط علينا أن نترك الإسلام جانباً طالما أنك أحببتنا ووثقت بنا على الرغم من كل الدعايات والمؤامرات، فتحولت المقاومة المنبوذة في نظركم إلى مقاومة شريفة عظيمة! ما الذي يدريك إذا ما تعرفت على شبابنا وهم يسجدون لله تعالى ببركة هذا الإسلام أنك لن تؤمن بهم أكثر؟ ولولا هذه التعاليم الإلهية لما كانوا ولما كانت تجربتهم المشرقة، فما الذي يمنعك من التعرف على هذه التعاليم قبل أن تحكم عليها؟! كفانا وضع الحواجز الطائفية التي تمنع الشخص أن يتعرف على الآخر، وبما أننا استطعنا أن ندخل إلى قلوبكم من خلال مقاومة آمنت بالله تعالى حق الإيمان، فأتوقع أن ندخل إلى قلوبكم عندما تتعرفون على هذا المحرك العظيم الذي علَّمنا كيف نكون شهداء على درب الإمام الحسين(ع). لا تلتفتوا للدعايات التي تمنع الإنسان من التفكير وتقيده، فلنناقش ونحاور قبل أن نرفض، لا نريد أن نتذكر الجاهليين على عهد رسول الله والذين كانوا يمنعون جماعتهم من سماع النبيّ محمد(ص) لأنه يؤثر فيهم بسحره! إنه لا يؤثر فيهم بسحره بل بمنطقه وبما يتكلم عنه. أمّا التجارب الإسلامية التي حصلت في أمكنة مختلفة من العالم، فهناك تجارب سيئة نرفضها وننبذها كما توجد تجارب إيجابية نحترمها، أمَّا أن يتم نعت الإسلاميين في العالم بصفة موحدة، ويُحمَّل الجميع مسؤولية البعض ومسؤولية التصرفات التي لا يقرُّها الإسلام الأصيل، فهو جزء لا يتجزأ من الدعاية البغيضة التي تريد أن تخلط الحق بالباطل، وأن تسقط القدرة العظيمة للعطاء الإسلامي الصحيح بذريعة أولئك الذين أساؤوا أو أخطأوا، وهو هدف استكباري لئيم يريد تحطيم الصورة التي أثبتت نفسها ودخلت إلى القلوب،تمهيداً لعزلها مجدداً عن واقع الحياة.‏

إنَّ الرسالة التي نحملها هي رسالة عالمية، إنها تؤسس للمجتمع الصالح. ما الذي يخيف في أن نقول بأننا مسلمون نعرض الإسلام في لبنان وفي غير لبنان؟ وماذا يصنع الإسلام؟ إنه ينظم المجتمع المدني ويعطي كل ذي حق حقه، إنه يبين البناء الأصيل والمتوازن في الحياة. انظروا إلى الإسلام كيف يتحدث عن الإنسان، يقول تعالى:{ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممَّن خلقنا تفضيلاً}(7) فالإسلام يعطي قيمة كبيرة للإنسان، ويقول أمير المؤمنين علي (ع):"إن آدم لم يلد عبداً ولا أمَةً، وإنَّ الناس كلهم أحرار"(8)، فلا يمكن أن يستعبد أحد هؤلاء الناس، هؤلاء ولدوا أحراراً ولهم حق الاختيار وحق الحياة وحق العيش. في المقابل يمنع الإسلام التبعية السيئة التي يلجأ اليها بعض الناس بذريعة التسليم للمسؤولين، حيث توجد شريحة من الناس يسلمون أمرهم للزعيم وهم يعلمون خطأ مساره أو لا يدققون بتفاصيله، رافضين تحميلهم المسؤولية، لكن هؤلاء يؤدون باتباعهم إلى الهاوية، وماذا سيقولون يوم القيامة عند الحساب، فلا مناص من تحملهم للمسؤولية بأكملها، فلا أحد يتعرف على أحد يوم القيامة،{كل نفسٍ بما كسبت رهينة}(9)، ولا ينفع قولكم: لا علاقة لنا فارجعوا إلى زعمائنا وقياداتنا والمسؤولين عنَّا! ها قد تعرفتم على القيادات الحقة، على النبي والأئمة(ع) وعلى الأنبياء والصالحين والشهداء، وتعرفتم من خلال شخصياتهم على كيفية الوصول إلى المستوى الأرقى في العمل الإنساني،فاعملوا لضمان آخرتكم.‏

عندما ندعو إلى الرسالة الحقـة فإنما ندعو إلى وعيها وإلى وعي آثارها في المجتمع، تعلمنا من الإسلام أن ندافع عن الأرض، وقد روي :" حب الأوطان من الإيمان"(10)، أحببنا وطننا لأن إيماننا وقناعاتنا هي التي علَّمتنا أن لا نفرط بأرضٍ نسكن عليها، فهي رصيد لنا وأمانة في أعناقنا ولا يجوز لنا أن نتخلى عنها لمُحتل أو مستكبرٍ، فهي أمانة بين أيدينا وهي تعبير عن كرامتنا وعزتنا.‏

عندما ندعو إلى اعتبار الإمام الحسين(ع) نموذجاً وقائداً للإنسانية ، إنما نقرأه من هذه الزاوية وبهذه الطريقة، إنه المصلح الذي انتفض على مجتمعه لمصلحة الاستقامة، إنه الخط الإلهي الممتد عبر التاريخ وعبر الأنبياء، إنه الخط الصحيح الذي يُعالج شؤوننا وقضايانا، إنه العنوان الإنساني في كل مفرداته وكل تفاصيله، هذه امور نلمسها في حياتنا اليومية، فالتجربة الإنسانية لكل الناس وهي تتجاوز كل الاعتبارات. ألا يتساءل البعض عما يجعل هؤلاء الشباب المجاهدين يضحون بهذا المستوى من التضحية بينما لا يقوم غيرهم بهذا الأداء؟ لأنه يوجد فارق تربوي أساسي له علاقة بالإيمان، وله علاقة بالارتباط بالله تعالى، وله علاقة بالاقتداء بالنبي والأئمة(ع)، وله علاقة بكل هذا المضمون الثقافي والروحي الذي يؤثر على حركتنا. إذاً لماذا لا تعيد بعض الجهات النظر في طريقة تفكيرها وأدائها وحياتها؟! لسنا بحاجة أن نبحث خارجاً عن الأفكار والقناعات لمجرد أنهم أضافوا إليها كلمة حديثة( التربية الحديثة، الأفكار الحديثة،..)فهناك أشياء كثيرة حديثة جربوها فينا وبعد فترة اعتذروا لعدم نجاحها، وبعدما تضرر مئات الملايين من الناس بسبب ما يدَّعونه.نحن نحمل فكراً أنقذنا ورفعنا وجعلنا في الموقع الرفيع ببركة هذه التربية وهذا الدعم وهذا التوجه الذي أثر في شبابنا ونسائنا، ودخل إلى كل قلب رغم الحواجز الجغرافية والسياسية، لأنه حاكى ضمير الإنسان ولم يُبرز فئة متعصبة، وإنما مثل رصيداً إنسانياً لا يستطيع معه أي إنسان على الأرض إلاَّ أن يعترف بآثاره الإيجابية. فالرصيد الحسيني هو رصيد عالمي لرفع الاستضعاف إلى مصاف الانتصار، على أساس الحق واستعادة الأرض والكرامة.‏

لقد سما المجاهدون ببركة نموذج الإمام الحسين (ع)، وقدموا أفضل تضحية، وأقول لكم هذه التجربة الإسلامية في لبنان هي تجربة لا تقتصر على المجاهدين الذين يقاتلون في الثغور ويدافعون عن الوطن و المنطقة وعن الإنسانية وعن الحق، بل عن نبض كل إنسان حيّ يريد أن يقول لا للمستكبرين، إنهم يدافعون عن كل فكرٍ أصيل يحاول أن يثبت نفسه أمام الانحرافات الضخمة، ويدافعون عن نظام الإنسانية التي هدرت في نظام العولمة وفي كل خطوات الاستكبار، فهؤلاء ليسوا وحدهم على خطوط المواجهة، إن النساء والأمهات والأطفال يعبرون أيضاً عن هذا الطهر وعن هذا الأداء وعن هذا الرمز، بالرايات التي يرفعونها لتجتمع مع شهادة المجاهدين ما ينتج مجتمعاً مقاوماً متفاعلاً يعطي فيه الصغير والكبير، والمرأة والرجل، والجاهل والعالم، والكاتب والمثقف، وحامل السلاح والداعي لهؤلاء بالنصر والتوفيق، هؤلاء جميعاً شكلوا كتلة رفعها النهج الحسيني لتتحول إلى رمزٍ في عالمنا العربي والإسلامي، بل إلى رمزٍ واستنهاض في كل العالم المستضعف لتكون تجربة رائدة أمام البشرية ليتعلموا منها كتجربة حسينية.‏

--------------------------------------------------------------------------------‏

الهوامش :‏

(1) الفتوح 5/33 مقتل الخوارزمي 1/188.‏

(2) تحف العقول لابن شعبة الحراني -ص 245.‏

(3) الإرشاد للشيخ المفيد - ج2 ص 127.‏

(4) سورة النجم الآية 3.‏

(5) سورة المائدة الآية 3.‏

(6) سورة الأنبياء الآية 107.‏

(7) سورة الإسراء الآية 70.‏

(8) وسائل الشيعة للحر العاملي -ج11 ص 82.‏

(9) سورة المدثر الآية 38.‏

(10) أمل الآمل للحر العاملي - ج 1 ص 11.‏

ألقيت المحاضرة في المجلس المركزي- حارة حريك-محرم 1421ه.‏