بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة السادسة
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنَّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والشكر له دائماً أبداً على نصرته لعباده المؤمنين وتوفيقهم لإعطاء النموذج الإنساني الأمثل في الاستقامة والجهاد والنجاح، والصلاة والسلام على هداة البشرية محمد وآله الأطهار الذين أناروا طريقنا بسلوكهم وتجاربهم.
يتصدر حزب الله اليوم واجهة الأحداث السياسية، بعد الانتصار الكبير في ردع عدوان إسرائيل في تموز 2006، حيث حدث ما هو خارج عن المألوف والمعادلات الدولية، فعلى الرغم من الدعم المكشوف أمريكياً ودولياً "لحرب إسرائيل الثانية على لبنان"، نجح حزب الله في إفشال أهداف العدوان، وارتدَّت نتائج الهزيمة داخل الكيان الإسرائيلي استقالات كثيرة أبرزها لرئيس الأركان "حالوتس" وعدد من قيادات الجيش، وفشل وزير الدفاع عمير بيرتس في تجديد رئاسته لحزب العمال، وأصدرت لجنة "فينوغراد" نتائج تحقيقاتها المليئة بعوامل التقصير والفشل سياسياً وعسكرياً وفي إدارة الجبهة الداخلية أثناء الحرب.
ولا شك بأنَّ هذا الانتصار الإلهي الكبير عائدٌ إلى توفيق الله تعالى أولاً، وإلى سلامة المنهج والإدارة السياسية والجهادية لمسيرة المقاومة الإسلامية ثانياً، ولا يمكن حصر الانتصار في دائرته العسكرية، فهو أشمل وأوسع من ذلك بكثير، إنَّه انتصار للخط، وانتصار للالتفاف الشعبي الواسع حول المقاومة، وانتصار لإرادة التحرير والاستقلال...
من الطبيعي أن تزداد الرغبة عند جمهور واسع من المثقفين والإعلاميين والجامعيين وعامة الناس، للاطلاع على رؤية حزب الله ومنهجه وتجربته وتطلعاته المستقبلية، وبما أنَّ كتاب "حزب الله: المنهج، التجربة، المستقبل" قد وفَّر مادة غنية ومفيدة للباحثين، فقد ارتأت بعض دور النشر الإسلامية والأجنبية ترجمة هذا الكتاب، ليكون في متناول المهتمين، وبهذا أصبح الكتاب متوفراً بسبع لغات: العربية، والانكليزية، والفارسية، والفرنسية، والأندونيسية، والتركية، والأوردية(الباكستانية).
وبما أن الأحداث التي طرأت بعد صدور هذا الكتاب، وخاصة منذ نهاية العام 2004 وحتى يومنا هذا، تقتضي العرض والتحليل وإبراز مواقف حزب الله منها، فقد اخترنا - بمناسبة إصدار الطبعة السادسة - تناول الأحداث التي طرأت منذ صدور القرار الدولي 1559 بحق لبنان بتاريخ 2/9/2004 وحتى نهاية شهر آب 2008، وما رافقها من مواقف للحزب، وذلك لمواكبة أبرز التطورات في هذه المرحلة، وذلك ضمن فصل جديد مستقل وهو الفصل الرابع بعنوان:" لبنان ومقاومته في الواجهة"، حيث كانت هذه الفترة مليئة بالتحديات والأخطار التي أحاطت باستقلال لبنان ودور حزب الله وقوى الممانعة والمعارضة فيه.
تضمن فصل:" لبنان ومقاومته في الواجهة" قراءة موجزة ومكثفة لمجموعة من الأحداث، وما يرتبط بها بشكل مباشر إقليمياً ودولياً، فكان من أبرز الموضوعات:
• لبنان في قلب العاصفة، بسبب القرار 1559 وما تلاه.
• مشاركة الحزب في الحكومة، للمرة الأولى، وأسباب هذه المشاركة.
• تفاهم حزب الله والتيار الوطني الحر، وانعكاسه على تشكيل المعارضة ودورها.
• طاولة الحوار اللبناني.
• حرب إسرائيل على لبنان، في تموز 2006، وقراءة سريعة لبعض نتائجها وآثارها.
• احتدام الصراع السياسي الداخلي، الذي أدَّى إلى شلل المؤسسات الدستورية.
• اغتيال القائد الشهيد الحاج عماد مغنية (رضوان الله تعالى عليه).
• أزمة شبكة اتصالات المقاومة، وتحليل أهداف الحكومة غير الدستورية من هذا القرار، وما أدَّت إليه من أحداث.
• اتفاق الدوحة، ومعالم الطريق إلى الاستقرار السياسي تمهيداً للانتخابات النيابية الجديدة.
• المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية، والثلث الضامن.
• عملية الرضوان التاريخية في الإفراج عن عميد الأسرى سمير القنطار ورفاقه وجثامين الشهداء.
• المفاوضات السورية - الإسرائيلية، ومدى انعكاسها على وضع المنطقة.
ينسجم العرض في الفصل الرابع الجديد مع أسلوب الكتاب، في تكثيف المعلومات، واختصار التحليل، ما يعني أنَّ بالإمكان كتابة مجلدات تفصيلية حول المواضيع المطروحة. وبما أنَّنا نهدف إلى تسليط الضوء على رؤية حزب الله بشمول هذه المرحلة، فما تمَّ عرضه يؤدي إلى الغرض المطلوب. تبقى بعض الأحداث التي جرت بعد اتفاق الدوحة، وكذلك الحدث الإقليمي الأبرز والأهم وهو العدوان الإسرائيلي على غزة في 27 كانون الأول 2008 لمدة 22 يوماً... فلعلَّ الظروف تسمح لمناقشة وعرض هذه الموضوعات لاحقاً.
لم أُعدِّل في الكتاب عمَّا ورد في الطبعات السابقة، وذلك للمحافظة على المتن الأصلي كوثيقة، وهي تساعد أيضاً على الربط بين ما كان يراه حزب الله، وما جرى من أحداث ونتائج لمصلحة تطلعاته، في نجاح المقاومة، والمحافظة على استقلال لبنان، وإيجاد الأرضية المتفاعلة مع رؤيته وسلوكه السياسي. ولذا أضفتُ الفصل الرابع:" لبنان ومقاومته في الواجهة" بشكلٍ مستقل في الطبعة العربية ، وأضفته كمقدمه للكتاب بالعنوان نفسه في الطبعة الثالثة باللغتين الانكليزية والفارسية.
آمل أن يوفِّر هذا الكتاب فرصة هامة للاطلاع والاستفادة من تجربة حزب الله المعاصرة، التي شكلت إلهاماً كبيراً لشعوب المنطقة ومقاوميها، ومدرسة تأسيسية للتواقين إلى التحرر من الاستكبار والاحتلال, وفق نموذج جهادي وسياسي واعٍ وأصيل.
25ربيع الثاني 1430هـ نعيم قاسم
21نيسان 2009م