بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وقائدنا أبي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين .
السلام عليكم أيها الاخوة والأخوات ، أيها المجاهدون والمجاهدات ورحمة الله وبركاته ، هذا يوم فرح ، ومن حقنا أن نفرح ، بل يجب أن يبقى الفرح بيننا في كل لحظة وفي كل آن . ربما تعودنا بسبب ثقافتنا وما درجنا عليه أن نعيش الحزن ، لكننا نسينا بأن رسول الله (ص) قال : "كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد " ، واليوم نحن في أداء يُطاع الله به ، وفي كل أيام المجاهدين والمجاهدات طاعة وإيمان واستقامة وصلاح ، ولذا عيدنا في كل يوم وفي كل آن . أما اليوم فزينة العيد أننا نزف المجاهدين إلى المجاهدات ، نزف الصالحين إلى الصالحات ، نزف السائرين على درب الله إلى السائرات ، فهنيئاً لكم أيها العرسان ، هنيئاً لكم بطاعة الله ، وإن شاء الله يبقى الفرح في لبنان وفي كل الديار ببركتكم وبركة الجهاد والعطاء ، ببركة كل الاحباء الذين شرّفوا في هذا اللقاء .
هذا الفرح مستمدٌّ من فرح النصر ، والنصر عزيز وعظيم ، هذا الفرح مستمد من توجيهات الاسلام باتجاه الزواج ، هذا الفرح منسجم تماماً مع الصيغة الكونية التي حدثنا الله تعالى عنها فقال : سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون . فعندما نجتمع في نظام الزوجية ننسجم مع خلق الله للسعادة على هذه الأرض ، وأقول السعادة لأن من يخرج من هذه الدنيا من دون أن يكون سعيداً يصعب أن يصل إلى جنة الله تعالى على الارض ، وسعادة الدنيا بالطاعة والايمان والاستقامة ، وهي التي علينا أن نحققها وقد شرَّفنا المجاهدون والمجاهدات بتحقيقها .
قال الله في كتابه العزيز : ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون .
هذا الزواج هو نصف الدين ، أي أنه بمجرد أن يلتقي الزوج بالزوجة في هذا العقد الشرعي ويجتمعان على طاعة الله ، يكونان قد قطعا نصف التكليف الشرعي المطلوب منهما في هذه الدنيا ، أي أن الزواج يحقق نصف المسافة إلى كل أوامر الله تعالى ونواهيه ، وقد قال الرسول (ص) :" من تزوج فقد أحرز نصف دينه " يعني نصف الطريق يقطعها بالزواج ، أما النصف الثاني " فليتق الله في النصف الباقي " ، هذا علينا نحن ، عليكم أيها الازواج أن تتقوا الله في النصف الباقي ، أعطاكم الله بمجرد الزواج نصف المسافة ، بقيَ عليكم أن تقطعوا النصف الآخر على مهل في مدى الحياة . بلحظة واحدة سامحكم بنصف الطريق وترككم لسنوات طوال حتى تنجحوا في النصف الآخر، هذا عدلٌ، "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا" لماذا"لتسكنوا إليها"، فبمجرد الزواج يحصل السكن، والاستقرار، والراحة النفسية والمعنوية، بمجرد الزواج تتحقق الحصانة للمرء، قال رسول الله(ص):"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج(يعني من استطاع أن يعد عدة الزواج) فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج" وهذا يظهر فلسفة الزواج وعظمته، وبعد أن جعل الله السكن بهذا الزواج بقيَ أن نقوم بالمهمة الأخرى التي هي على الزوجين، " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها " والنصف الثاني من الآية" وجعل بينكم مودة ورحمة" ربما تساءل البعض: ماذا تعني المودة؟ المودة هي الحب، المودة هي الحنان والعطف، المودة تلك النسمات اللطيفة العظيمة التي تخرج من القلب إلى القلب ، من قلب الزوج إلى الزوجة وبالعكس، فنحن لم نتعود أن نتكلم عن الحب، أن علينا أن نمشي بشكل جدي ورسمي ، حتى ولو وجد بعض الأشخاص أحياناً زوجان يظهر عليهما أنهما متحابان قد يستنكرون ذلك ، ويعتبرون أنها ظاهرة معاصرة وتقليد للآخرين . فالله تعالى يقول مودة وحباً وتفاعلاً ، وشرفٌ لك أن تحب زوجتك وشرفٌ لكِ أن تحبي زوجك عندها في الأداء اليومي يصبح الكلام طهراً والحركة نسمات لطيفة، والعلاقة قدس الأقداس والملائكة تظلِّلكم في بيت تسوده المحبة وهذا ينعكس على الأولاد وعلى التربية، وتعطوننا نموذجاً في طاعة الله تعالى ، أحبوا بعضكم قربة لله تعالى،" تتنزل عليكم الملائكة من السماء أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون".
فجعل الله المودة الحب والرحمة ، والرحمة عبارة عن عطاء وتنازل، فعندما يرحم الزوج زوجته يتغاضى عن أخطائها، وعندما ترحم الزوجة زوجها تتنازل عن بعض مطالبها، هذه رحمة، الرحمة هي العطاء والبذل، ولا يمكن أن تسعد الحياة الزوجية من دون بذل وتضحية وعطاء، فلاً يقف الزوج منكم غداً ويفتح الصفحة المكتوب فيها حقوق الزوج و تفتح الزوجة الصفحة الموجود فيها حقوق الزوجة، فيأتي الزوج ويقول : المادة رقم خمسة في التشريع الإسلامي تقول بأن الإمرة لي والقوامية لي ، فافعلي يا مخلوقة الله بأمرٍ من الله تعالى في المادة الخامسة في حقوق الزوج، أو تأتي الزوجة فتقول: لكن المادة السابعة في حقوق الزوجة تقول بأني لست مسؤولة عن شيء فرتب وضعك أيها الزوج ولو أصبحت لا تقوى على الحراك من كثرة النفقات والمسؤوليات، فإذا بدأت المحاسبات القانونية بين الزوج والزوجة، فلا مودة ولا رحمة وإنما تصبح الحياة فحمة، ولذلك عندما قال تعالى"وجعل بينكم مودة ورحمة"، المودة والرحمة هي جعل من الله تعالى بتشريعه شرط أن نعرف كيف نتعاطى مع التشريع الإلهي لنجعل المودة والرحمة من سلوكنا وأدائنا، فالله تعالى قال أن هذه نصف الطريق ، فالسكن من عندنا والمودة والرحمة من عندكم.
لذلك أقول للزوج: أنت قوامٌ على الأسرة بحسب تشريع الإسلام، لكن القوامية إدارة ومسؤولية وليست تسلطاً وتجبراً، أحسن إدارتك تكن ناجحاً في زواجك، فكر كيف تسعد هذه الحياة الزوجية، قدِّم كل ما أمكنك من تحسينات وخيرات وما يتناسب مع إدارة هذه الحياة تكن ناجحاً.
وأقول للزوجة: لكِ الحق في أن يُنفق عليكِ ، لكن عظمة الإنفاق أن تعيش الرضا، حاولي أن تراعي قدرته وإمكاناته ولا تضعيه في زاوية يُحشر فيها على قاعدة أن يرتب نفسه كيفما كان، كيف يرتب؟ له رزق محدود، عليه أن يسعى ولكن التوفيق على الله، فإذا أردتِ أن تحسني في هذا الحق فلا تقارني نفسك بالآخرين ، بل قومي بما عليك واطلبي المدد من الله تعالى وقارني نفسك بالقيام بأكمل وجه بالسيدة الزهراء(ع).
نحن بحاجة إلى أن نجعل حياتنا الزوجية نموذجية ، ولذلك يجب أن نفكر كيف نسعد هذه الحياة، فغداً الزوج لا يأتي إلى البيت، لماذا؟ لأنه مشغول، فإذا كان مشغولاً ندعوكنَّ أن ترضينَّ بذلك، ولكن لا خلق له للقعود في المنزل ويقضي كل وقته مع أصحابه، لماذا ؟ لأنه يحب أن يسهر،فهل أنت مخلوق وهي ليست كذلك! آنسها بحضورك في المنزل أو اذهب معها إلى بعض الأماكن للزيارة ولا تتركها وحيدة فلها حقٌ عليك.
وأقول لها : إذا كانت انشغالاته تضطره إلى بعض الأعمال فلا بدَّ أن تصبري ولا تقفي موقفاً سلبياً يحاول أن يتجاوز واقع العمل والضرورات الميدانية، فإذا فعل كل واحد منكما ما يجعله ملتفتاً إلى الآخر، فدائماً يجب أن يكون في الذهن كيف يسعد الواحد الآخر، وكيف يعزز المودة بينه وبين الآخر ، كيف يعمم الرحمة بينه وبين الآخر ، عندها تأتي التفاصيل كنتيجة طبيعية لهذا الهدف. هذا هو شرع الله هكذا علمنا وهذه إرادة الله تعالى فينا عندما أمرنا بالاهتمام بالزواج وجعله مستحباً استحباباً أكيداً وعظيماً في الإسلام.
وهنا أهنئ الزوجين الكريمين على هذه الخطوة الإسلامية، وأهنئ جمعية الكوثر على مساعيها وأعمالها وكل الذين ساهموا وقدموا وعلى رأسهم قائد الأمة الإمام الخامنئي (حفظه الله ورعاه) وسيد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله، وكل الذين قدموا وساهموا من أجل إنجاح هذه الفكرة، لأننا بحاجة مع هذه الأجواء الاجتماعية الضاغطة والاقتصادية المعقدة والظروف الفاسدة التي يعيشها المجتمع بحاجة إلى أن نوفر الحصانة المناسبة من أجل أن نجمع الأزواج على طاعة الله، فهذا عملٌ عظيم .
وهنا بالمناسبة ، نحن في أجواء عيد المقاومة والتحرير ، والزواج اليوم باسم هذا العيد، من حق المجاهدين أن يعيشوا حياتهم، ومن حق المجاهدين والمجاهدات أن يبنوا أسرهم وأن يكونوا أشخاصاً يتفاعلون مع المجتمع ويقومون بوظيفتهم في هذا المجتمع، هم أشرف من على الأرض لأنهم جمعوا بين مسؤولياتهم في داخل مجتمعهم ومسؤولياتهم في الدفاع عن الوطن وفي القتال من أجل الأرض، وعليه فهذا التحريرالذي حصل هو نعمة كبرى وشرفٌ عظيم.
نحن نرى اليوم أن سهاماً كثيرة تتوجه نحو السلاح ونحو المقاومة من أجل أن يضعوها في دائرة المساءلة والاستفسار والاستفهام، لكننا نقول لهم هذه المقاومة شرف لبنان والعرب والمسلمين ، هذه المقاومة رفعت رأس الجميع ، هذه المقاومة حررت الأرض، وهذه المقاومة بذلت دماء عزيزة طاهرة من أبنائنا وأولادنا ، هذه المقاومة حررت ما لم تستطع عليه جيوش وجحافل في منطقتنا العربية، هذه المقاومة دونت للتاريخ وأسست للحاضر وصنعت للمستقبل، معنويات جعلتنا نذوق طعم الاستقلال الحقيقي، ونشعر بأننا معنيون بالمحافظة عليه، ولذا بعد التحرير لا مكان للاحتلال في بلدنا وبعد الانتصار لا يمكن أن نخضع لا لقرارات دولية جائرة ولا لمطالب إسرائيلية بنزع السلاح ، سنبقى على الأرض مجاهدين ومجاهدات لنحمي وطننا ونحمي هذا التحرير الذي حصل بالدماء والعطاءات.
هذه المقاومة لم تُعطَ إجازة للمرور، هي مرت على غفلة من الزمن، ووجدت بإرادة من الله تعالى، وكبرت بالسهر والعناء والعطاءات والدماء، هذه المقاومة لم تكن يوماً لفئة أو جماعة أو طائفة، ولم تكن يوماً مدينة لأحد على وجه الأرض بموقف يقايض به ما يعطيه أو يدعم به هذه المقاومة، هذه المقاومة هي من الأرض وإلى الأرض، في سبيل الله ومن أجل راية الحق، ولذا كانت عصية وستبقى عصية ، لن تكون خاضعة للابتزاز أو للمساومة، ولن تكون خاضعة لرؤى سياسية باعت نفسها للأمريكي وتخدم بذلك المشروع الإسرائيلي، هذه المقاومة لن تكون في بازار السياسة، ولا نريد مقابلها لا مراكز ولا مناصب ولا إدارات ولا تزفيت طرقات ولا مستشفيات، فمن واجب الدولة أن تقدم كل هذا ، ومن واجب العالم أن يخضع لإرادة هذا الشعب اللبناني الأبي فيقبل بما قبله، ولا يمكن أبداً أن تكون هذه المقاومة في يوم من الأيام في بازار المساومة.
نحن ننبه ، بالأمس تم اغتيال أحد مسؤولي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، والاغتيال حصل في لبنان، وفي بوابة الجنوب من صيدا الأبية المجاهدة، هذا الحدث ليس مجرد إغتيال ، كل الأصابع والبصمات تدل على أن إسرائيل وراءه ، لكن من دلالات هذا الحدث أن إسرائيل لها عملاء في لبنان يسرحون ويمرحون ، ولها زبانية يعملون لرؤيتها السياسية والعملية، ولها استفادات كثيرة من الأجواء السياسية الموبوءة التي يسببها البعض في لبنان، ولها محلٌ في عمليات كثيرة سبقت هذا الاغتيال، هل يلتفت المعنيون في كل المواقع إلى أن إسرائيل لا زالت موجودة وأنها تشكل خطراً على لبنان، ويزيحون البوصلة قليلاً من المحل الخطأ إلى المحل الصحيح ، بأن يقولوا بأن إسرائيل تعيث فساداً في لبنان، وأنها خطرٌ حقيقي وعلينا جميعاً سياسيين وقوى أمنية وأحزاب أن نلتفت إلى هذا الخطر الإسرائيلي وأن نحسب له حساباً، لنتوجه من أجل الإعداد كي لا يدخل إلى المزيد من ساحتنا وكي لا يخرب بلدنا، هذه مسؤولية الجميع فعليهم أن يلتفتوا وأن يراعوا.
في الواقع نعيش مرارة كبرى لأن الدولة اللبنانية ألغت عيد التحرير بحجج واهية ، وإذا كان البعض يعتقد أنه بإلغاء هذا اليوم من التعطيل الاحتفالي سيسبب نسيان الأجيال لما أُنجز، وعندما نرى بعض وسائل الإعلام وبعض السياسيين وبعض المؤسسات وبعض القوى غائبين عن السمع كلياً في يوم التحرير وكأنه ليس موجوداً في هذا البلد ، فإن ظنوا أنهم بذلك يرفعون هذا اليوم من التأثير والبناء والفعالية وعيش الأجواء المعنوية الحقيقية التي تؤسس للمستقبل فهم واهمون، هذا اليوم هو يوم التحرير الأعظم الذي سجل فيه منعطفاً في تاريخ لبنان ، وسيبقى يوماً للتحرير عطلوا أو لم يعطلوا ، نحن نبني في العطلة وفي غيرها بالدماء والعطاءات وستثبت الأيام أن لبنان بعد التحرير ليس كلبنان قبل التحرير، لا عودة إلى الوراء ، سنبقى شامخي الرأس وسنبقى بالمرصاد لإسرائيل ولو كره الكافرون ولو كره المشركون ولو كره المنافقون، إسرائيل شرٌ مطلق وستبقى كذلك ، بورك بسواعد المجاهدين والمجاهدات لطرد إسرائيل.
هنيئاً للأزواج والزوجات وإن شاء الله تكونوا سعداء في هذا اليوم وفي كل حياتكم، واعلموا أن هذا اليوم هو بداية السعادة فلا تجعلوها آخر العهد من سعادتكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.