تؤكد الروايات عن الرسول(ص) وآل بيته(ع)، على حصول فساد كبير، وانحراف خطير، مع اقتراب الزمان من آخره، وقرب ظهور الإمام المهدي(عج).
ففي الحديث عن رسول الله(ص) يحدثنا عن انقلاب المقاييس بين الحق والباطل:
"كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر.
فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟
فقال: نعم وشر من ذلك، فكيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف.
فقيل له:يا رسول الله ويكون ذلك؟
فقال: نعم، وشر من ذلك، فكيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً"(1).
وقال(ص) في حديث آخر عن تسلط الحكام الظلمة على رقاب العباد:
" وإنَّ رحى الإسلام دائرة، وإنَّ الكتاب والسلطان سيفترقان، فدوروا مع الكتاب حيث دار، وستكون عليكم أئمة، إن اطعتموهم أضلوكم، وإن عصيتموهم قتلوكم.
فقيل: فكيف نصنع يا رسول الله ؟
قال(ص):كونوا كأصحاب عيسى (ع)، نُصبوا على الخشب(أي صلبوا)، ونُشروا بالمناشير، موتٌ في طاعة الله خيرٌ من حياة في معصية"(2).
فإذا فسد السلطان في حكمه، وظلمَ الناس في أعمالهم وحقوقهم وممتلكاتهم، وضاعت البلاد بسبب الخيانة والفساد، وتمَّ تشجيع الانحراف بأشكاله المختلفة، وتسلَّط المستكبرون على المستضعفين، وانتشرت الحروب الطاغية على الأرض، فحلَّ الفساد على جميع المستويات، حتى وصل الأمر إلى حياة الناس الفردية والاجتماعية، فضاعت الحرمات، وزالت الحدود والضوابط، فهذا يعني أن البشرية تتجه نحو خرابها ودمارها.
وفي وصف الفساد في آخر الزمان الذي يمهد لظهور الإمام المهدي(عج)، قال الإمام الصادق(ع): "فإذا رأيتَ الحق قد مات وذهب أهله، ورأيتَ الجور قد شمل البلاد، ورأيتَ القرآن قد خَلَقَ وأُحدِثَ فيه ووجِّهَ على الأهواء، ورأيتَ الدين قد انكفأ كما ينكفئ الماء، ورأيتَ أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق، ورأيتَ الشر ظاهراً لا يُنهى عنه ويُعذر أصحابه، ورأيتَ الفسق قد ظهر، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ورأيتَ المؤمن صامتاً لا يُقبَل قولُه، ورأيتَ الفاسق يكذب ولا يُردُّ عليه كذبه وفرِيَّته، ورأيتَ الصغير يستحقر بالكبير، ورأيتَ الأرحام قد تقطعت...
ثم قال(ع): ورأيتَ الجار يؤذي جاره وليس له مانع، ورأيتَ الكافر فرحاً لما يرى في المؤمن، مرحاً لما يرى في الأرض من الفساد، ورأيتَ الخمور تُشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله عزَّ وجل، ورأيتَ الآمر بالمعروف ذليلاً، ورأيتَ الفاسق فيما لا يحب الله قوياً محموداً...
ثم قال(ع): ورأيتَ الحدود قد عُطِّلت وعُمل فيها بالأهواء، ورأيتَ المساجد قد زُخرفت، ورأيتَ أصدق الناس المفتري الكذب، ورأيتَ الشر قد ظهر والسعي بالنميمة، ورأيتَ البغي قد فشا، ورأيتَ الغيبة تُستملح ويبشر بها الناس بعضهم بعضاً، ورأيتَ طلب الحج والجهاد لغير الله، ورأيتَ السلطان يذلُّ للكافر المؤمن، ورأيتَ الخراب قد أُديل من العمران، ورأيتَ الرجل في معيشته من بخس المكيال والميزان، ورأيتَ سفكُ الدماء يُستخفُّ بها، ورأيتَ الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدنيا ويشهر نفسه بخبث اللسان ليتقى وتسند إليه الأمور، ورأيتَ الصلاة قد استُخف بها، ورأيتَ الرجل عنده المال الكثير ثم لم يزكِّه منذ مَلَكَهُ، ورأيتَ الناس همهم بطونُهم وفروجهم، لا يبالون بما أكلوا وما نكحوا، ورأيت الدنيا مقبلةً عليهم، ورأيتَ أعلامَ الحق قد دُرِسَتْ، فكن على حذر، واطلب إلى الله عزَّ وجل النجاة..."(12).
ومع مراقبتنا للتطورات الحاصلة في زماننا، نجد أن الانحراف والطغيان يزدادان بشكل كبير وسريع، وأن المحاولات حثيثة لجر العالم من خلال النظام العالمي الجديد والسيطرة الأمريكية إلى منظومة الثقافة المنحلة والمائعة، والسلوك المشين، وتعميم الرذائل، وهذا ما يوصل البشرية إلى أدنى وأحطِّ مستوياتها.
وبهذا نكون أمام ما نبَّهنا إليه رسول الله(ص) من انتشارٍ للفساد:"يأتي على الناس زمان همَّهم بطونهم، وشرفهم متاعهم، وقبلتهم نساؤهم، ودينهم دراهمهم ودنانيرهم، أولئك شرار الخلق، لا خَلاقَ لهم عند الله"(3).
وسيشهد الواقع ارتفاع الحكم الإسلامي عن إدارة شؤون البلاد بشكل عام، ثم يضعف الارتباط بالحكم الإسلامي الأصيل، إلى أن يصل الأمر لترك الالتزام بالصلاة التي هي عامود الدين، عندها يكون المؤمنون الصادقون قلةً في هذا العالم، قال رسول الله(ص): "لتنقض عرى الإسلام عروة عروة، كلما نقضت عروة تشبَّث الناس بالتي تليها، فأولُّهن نقضُ الحكم، وآخرهُن الصلاة"(4).
وسيكون مظهر المسلمين ضعيفاً، على الرغم من كثرتهم، وذلك بسبب انكبابهم على الدنيا، وعدم اهتمامهم بالسعي إلى الآخرة، قال رسول الله(ص):
"يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة على قصعتها.
قال الحاضرون في المجلس: يا رسول الله، أمِنْ قلةٍ بنا يومئذٍ؟
قال(ص):أنتم يومئذٍ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، ينزع المهابة من قلوب عدوِّكم، ويجعل في قلوبكم الوهن.
قالوا: وما الوهن؟
قال(ص):حب الدنيا، وكراهية الموت"(5).
وهل يعني ذلك أن تنتهي البشرية إلى شقائها الأبدي؟
وهل يؤدي ذلك إلى إخماد صوت العدالة، وإلغاء مقولة الصلاح الإنساني؟
كلاَّ، فإن هذه التطورات المتلاحقة والسريعة نذير وصول الفساد إلى أقصى مداه، بحيث يتآكل وينحدر ويُصاب بانتكاسات كبيرة، وهذا ما يتأكد من خلال أمور عدة، أبرزها:
1- الهلاك الطبيعي للأمم الكافرة بأنبيائها، والشقية بأعمالها وأدائها، والعاصية لربها، فالسنَّة الإلهية قائمة على سقوط الظالمين وخسرانهم في الدنيا قبل الآخرة. قال تعالى: "وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً"(6).
2-حفظُ الله تعالى لدين الإسلام كتاباً وحضوراً، قال تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"(7)، ولا يتوقف الحفظ على حفظ صورة الكتاب من خلال أبدية القرآن الكريم وحفظه من التحريف، بل يتعداه إلى حفظ مسيرة الإسلام لتعلو عبر التاريخ مع كل الصعوبات والعقبات، قال تعالى: "وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"(8).
3- الوعد الإلهي بظهور الإمام المهدي(عج) لينشر العدل ويحكم بدين الله على مستوى الكرة الأرضية، ويكسر شوكة الكفر والانحراف، ويحطم طواغيت الأرض. قال رسول الله(ص): "كائنٌ في أمتي ما كان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، وأنَّ الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يُرى، ويأتي على أمتي زمن لا يبقى من الإسلام إلاَّ اسمه، ولا يبقى من القرآن إلاَّ رسمه، فحينئذ يأذن الله تبارك وتعالى له بالخروج، فيُظهر الله الإسلام به، ويجدده، طوبى لمن أحبهم وتبعهم، والويل لمن أبغضهم وخالفهم، وطوبى لمن تمسك بهداهم"(9).
فإذا راقبنا بدقة ما يجري على الساحة العالمية اليوم، نجد بروز الاتجاه الإيماني الذي بدأ بالانتشار على مستوى العالم الإسلامي، ببركة حركة الإمام الخميني(قده)، الذي نهض بهذه الأمة وأعاد لها اعتبارها، وبسبب ما عاناه الناس من الأفكار المنحرفة والضالة ، والممارسات الخاطئة والظالمة، فكان ملجأهم دين الله تعالى، الذي يلائم فطرتهم، ويعيدهم إلى أصالتهم، ويشعرهم بإنسانيتهم، ويحقق لهم آمالهم، ويطمئنهم إلى آخرتهم.
هنا نتذكَّر البشارة النبوية للمتمسكين بدين الله تعالى عند فساد البشرية، بأنهم غرباء، لكن طوبى لهم، وهنيئاً لصلاحهم إذا فسد الناس، وسيرجع الحق إلى أهله. فعن رسول الله(ص):
"إنَّ الإسلام بدأ غريباً ، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء.
فقيل: ومن هم يا رسول الله؟
قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس"(10).
وفي رواية أخرى: "إنَّ الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً ، فطوبى للغرباء. قيل: يا رسول الله، ثم يكون ماذا؟
قال(ص): ثم يرجع الحق إلى أهله"(11).
إنَّ انتشار الظلم والفساد مؤشر إلى نهايتهما، وكلما كان استعدادنا أكبر لنكون من جند الإمام المهدي(عج) كلما عجَّلنا بظهوره الذي يؤدي إلى تحطيم الطغيان على مستوى البشرية جمعاء. ومع البلاء الكبير الذي يسببه الانحراف، يجب أن لا يثنينا أي شيء عن عزمنا للطاعة والجهاد والثبات والانتظار، فإنَّ الفرج قريب بإذن الله تعالى.