الحمد لله الذي انعم علينا بهديه، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد(ص) قدوة البشرية ومرشد الإنسان إلى سعادته، وعلى آل بيته الأطهار مصابيح الدجى وبيارق الحق.
هذا هو الجزء السابع من سلسلة شرح رسالة الحقوق للإمام الرابع من أئمة أهل البيت(عم) علي بن الحسين زين العابدين(ع)، تلك الرسالة القيِّمة التي فيها من الغنى الإيماني والفكري والتربوي والأخلاقي والاجتماعي ما يشكِّل دستوراً سلوكياً هاماً في حياة الأفراد والمجتمع، والتي تضمَّنت خمسين حقاً مختلفاً شملت بالعنوان العام علاقات الإنسان الثلاث مع ربِّه ونفسه ومجتمعه.
يتضمن الجزء ثمانية عشر حقاً من حقوق الناس، تعالج التوجيهات المناسبة لأداءٍ أفضل من أجل حياة اجتماعية وإنسانية سعيدة، وتتجه إلى طرفي العلاقة في المجتمع بالتوجيه، فحقٌ للمدعي وآخر للمدعى عليه، حقٌ للمستشير وحقٌ للمشير، حقٌ للمستنصح وحقٌ للناصح، حقٌ للكبير وحقٌ للصغير، حقٌ للسائل وحقٌ للمسؤول، حقٌ لمن سرَّك وحقٌ لمن أساء إليك. وهذا ما ينسجم مع الدور التكاملي للأفراد بالتزام كلٍّ منهم بواجباته تجاه الآخرين، ما يؤدي إلى استقرار المجتمع.
لكن لا يقتصر الأمر على العلاقات الثنائية بين الأفراد فحسب، وإنما يمتد إلى كل نواحي الحياة، فهناك حقٌ للمال وهو عصبٌ مركزي في توجه الأفراد والدولة، يستلزم الاهتمام به، بعدم التفريط به أو خيانة أمانته، وكسبه عن طريق الحلال، وصرفه فيما يُرضي الله تعالى. وهناك أهل الملَّة بما لهم من حق في إطار المحافظة على الجماعة متآزرة ومتعاونة، لتكون يداً واحدة على من اعتدى عليها أو أساء إلى منهجها وخياراتها. ولا تكتمل صورة الاجتماع الإنساني من دون الحديث عن حق أهل الذمة بما لهم من خصوصية الكتاب السماوي، الذي يرتب علاقة منفتحة وإيجابية مع المسلمين، على قاعدة الاعتراف بحق الاختلاف وممارسة العبادات الخاصة، في إطار"كلمة سواء" تجمع وتنظم وتحمي الجميع في إطار المواطنة والمشاركة، وذلك برسم قواعد هذا الحق بصورة إجمالية، تستفيد منها المجتمعات المختلفة.
لقد سبق الإسلام بأربعة عشر قرناً الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، التي أخذت حيزاً دعائياً كبيراً في القرن العشرين، وجسَّدت رسالة الحقوق للإمام زين العابدين(ع) أروع وأرقى آداب التعامل بين الناس، ما يضفي على الاجتماع الإنساني والعلاقات الاجتماعية صفاءً واستقراراً وبهجة، وهذا ما يؤكد حاجتنا الماسَّة للتعرف على هذا الرصيد الكبير، الذي لا غنى عنه لكل فرد مهما كان موقعه، والذي يساعد على بناءٍ معرفي وسلوكي لتنظيم حياة الإنسان بشكل سليم مع ربه ونفسه ومجتمعه.
مع اكتمال كتابة هذا الجزء، نكون قد انجزنا شرح الحقوق الخمسين الواردة في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين(ع)، حيث اعتمدنا تقسيماً فنياً للأجزاء السبعة التي أصدرناها يتناسب مع العنوان الذي ركَّزنا عليه في كل جزء، بحيث تندرج فيها الحقوق الخمسون، فأصبحت الأجزاء كالتالي:
1-حقوق الجوارح.
2-حقوق الوالدين والولد.
3-حقوق الأفعال.
4-حقوق الزوج والزوجة.
5-حقوق المعلم والمتعلم .
6-الحقوق الثلاثة.
7-حقوق الناس.
سيلاحظ القارئ بأن بعض الحقوق صيغت بطريقة السؤال والجواب، فهي التي عُرضت على شاشة تلفزيون المنار منذ سنوات ضمن برنامج خُصِّص لرسالة الحقوق، وقد أجرينا عليها التعديلات والتطوير المناسب بما يتلاءم مع الكتابة وزمانها، أمَّا البعض الآخر فقد كتبناه حديثاً، فلم نجد حاجة لترتيبه على نسق الحلقات المتلفزة، ولذا اكتفينا بالعنونة الفرعية والتبويب الملائم معها، والله ولي التوفيق.
نعيم قاسم
25 صفر 1431هـ
10 شباط 2010م