قال الإمام زين العابدين(ع):
"وأمَّا حق الخصم المدَّعى عليه، فإنْ كان ما تدَّعيه حقاً، أجملتَ في مقاولته بمخرَج الدعوى، فإنَّ للدعوى غِلظةً في سمع المدعى عليه، وقصدتَ قصد حجتك بالرفق، وأمهلَ المهلة، وأبينَ البيان، وألطفَ اللطف، ولم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال، فتذهبَ عنك حجتك، ولا يكون لك في ذلك دَرَك، ولا قوة إلاَّ بالله".
الادعاء مزعج للمدعى عليه، سواء اعتقد بأنه صاحب الحق، أو كان مدركاً لحق المدعي، ولكن لا تُحل الخصومة والاختلاف في بعض الحالات إلاَّ بالادعاء عند الحاكم أو القاضي، وهو حق مشروع على ان يُراعى حق الطرف الآخر، وأن يُعتمد على الوسائل المعتمدة شرعياً في التحاكم واسترداد الحق.
ذكر الإمام زين العابدين(ع) فرضية لو كان ما تدَّعيه حقاً من وجهة نظرك، ولم يذكر الاحتمال الآخر في إدعاء ما ليس حقاً لك، لأنَّه لا يجوز لك أن تدَّعي على احد مع علمك بحقِّه عليك، فالتوجيهات مرتبطة بسلامة أصل الدعوى، وإلاَّ لا نفع لها مع الظلم الناشئ عن الادعاء بغير حق.
إذاً أنت صاحب الحق الذي ادعى على خصمه، فلا تتذرع بحقك لتتصرف بطريقة غير شرعية أو غير لائقة، واتبع التعليمات التالية التي تخفف من وطأة غلظة الدعوى، وتساعدك على إنصاف خصمك بحصر الخلاف في استحصالك على الحق:
أ-أجمل في مقاولته أي في مجادلته، فلا تكثر من الكلام، ولا تُطيل فيما لا فائدة منه، وليكن تركيزك على الكلام النافع والمختصر الذي يبيِّن حجتك، ويوضح مجال الخصومة، ويخفف من غلظة الدعوى، إذ يكون المدعى عليه في حالة انزعاج، فلا تزدها عليه بالمبالغة في الكلام والتهمة.
ب-قدِّم حجتك بالرفق واللين، لتكون دليلك عليه، من دون المؤثرات السلبية في غلظة التصرف أو الكلام أو التعاطي، وامهل المهلة الكافية لاستكمال ملف الدعوى للاطمئنان على حسن سيرها، فإذا احتاج إلى وقت لتوفير الأدلة بحسب زعمه، فاعطه الفرصة لذلك كي لا تكون لديه حجة. وليكن بيانك واضحاً وبيِّناً من دون التباس في مضمونه وآثاره، وكن لطيفاً إلى أبعد حد، فلا شيء يستدعي خروجك عن الأخلاق الإسلامية الرفيعة في التعاطي مع الآخرين، خاصة عندما تنشأ خصومة بسبب ادعائك عليه، فإذا آلمه ادعاؤك فلتسعه اخلاقك.
ج-لا تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال، فالدعوى مرتبطة بالأدلة، وهي التي تنفعك في حسم الخصومة، إذاً ما الداعي للقيل والقال، تقول ويقول، تطرح مسائل لا علاقة لها بالدعوى ويناقشك بها، فتصرفان وقتاً طويلاً بالمنازعة حول مسائل لا علاقة لها بالموضوع. وهذا ما يحصل غالباً بين المتخاصمين، فيثير أحدهما أصل العلاقة المتعثرة بينهما، ويتحدث عن النوايا الخبيثة وراء هذه الدعوى، ويناقش هواجسه منه وعدم ثقته به، ويطلق عبارات وألفاظاً تسيء إليه. لا داعي لهذه المنازعة طالما أن حجتك معك، وقد تفتح على نفسك أبواباً جديدة فتفقد حجتك قيمتها، ومثل هذا الأداء لا يكون لك فيه درك أي نهاية، فهو لا يؤدي إلى إنهاء الدعوى، بل يفتح أبواباً لا تُغلق، ويثير نزاعات لا تنته.
إنَّ الادعاء اثبات للخصومة وفتحها على ازمة علاقة مع المدعى عليه، لكنَّ مراعاة حق المدعى عليه بما ذكره الإمام زين العابدين(ع) يقلل غلظة وخسائر الدعوى إلى أقصى حد ممكن، وقد يفتح الباب للمصالحة والتفاهم والحل.