سماحة الشيخ في حديث الإمام (ع):" أما حق فرجك فحفظه مما لا يحل لك والاستعانة عليه بغض البصر فإنه من أعون الأعوان ".ما هو انعكاس غض البصر على حفظ الفرج؟
الأمر الأول:"فحفظه مما لا يحل لك". هناك محرمات يجب أن يبتعد عنها الإنسان وأساس هذه المحرمات في العلاقة مع الجنس الآخر هو الزنى،وقد حرم الإسلام الزنى، وحرم كل الأمور المرتبطة به أي المقدمات التي تؤدي إليه،وحرّم أيضاً كل الشذوذ الذي نراه اليوم في العالم الغربي. وعليه عندما نتحدث عن الحفظ، إنما يكون حفظه عن كل هذه المحرمات وعن كل مقدماتها، سواء أكانت تحت دائرة الزنى أو تحت دائرة الشذوذ بشكل عام ، هذا الحفظ يجعل الإنسان مستقراً في حياته.
ولكن هل يعني الحفظ منع الإنسان من لذته؟ في الواقع لا .لأن المطلوب حفظه مما لا يحل لك، ببقاء الخيار بيدك لما يحل لك ،إذ تستطيع أن تتزوج وأن تؤدي لغريزتك حاجتها ويكون الأمر طبيعياً ، وتكون بذلك قد أطعت الله تعالى مع تحقيق اللذة، لأنك سلكت الطريق الصحيح ولم تسلك طريقاً خاطئاً أو منحرفاً ، وبالتالي ليس المطلوب عقاب الإنسان في هذا الأمر ،بل توجيهه لتأدية متطلبات غريزته بالطريق الحلال. أما بغير الزواج فالسلوك مرفوض ولا يوجد أي طريق آخر غير الزواج فهو الطريق الوحيد في حفظ الفرج وقاية للإنسان وإعطاء للغريزة لذتها ومتطلباتها . وكل المقدمات أو الخطوات التي لا تأخذ بعين الاعتبار الوصول إلى الزواج ، وهي تؤثر في إغراء الإنسان أو ميلان قلبه نحو الطرف الآخر أو تثير لذته وشهوته فهي محرمة . فالحفظ يكون بالزواج وبالامتناع عن المقدمات المثيرة للشهوة والتي تؤدي إلى الحرام .
الأمر الثاني:"والاستعانة عليه بغض البصر فإنه من أعون الأعوان"،وقد تحدثنا في حلقة سابقة عن أهمية غض البصر، وهنا يؤكد مجدداً على غض البصر بما يتعلق بحفظ الفرج، وفي هذا يقول تعالى "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ..."(2) إن النظر ينقل صفحات الإثارة والمشاهد الخارجية الى الدماغ، الذي يصدر الأوامر الداخلية وبالتالي يؤثر على تحرك الغريزة .إن غريزة الإنسان -كما ذكرت في البداية -تتحرك من الخارج بشكل كبير، فالنظر إلى المشاهد الخلاعية ، وعيش أجواء الاختلاط،وطريقة اللباس غير المحتشم ، والاحتكاك بالجنس الآخر بشكل كبير ومستمر ، ينقل صوراً إلى الدماغ،و يعطي انطباعات تحرك الغريزة ، وكلما خفّت هذه الصور وتضاءلت كلما خفّت متطلبات الإنسان الغرائزية. لاحظ كيف يركز الغرب كثيراً على الأفلام الخلاعية والمشاهد الماجنة لماذا ؟ يمكنه أن يكتفي بالأفلام الاجتماعية أو التربوية أو الإنسانية ، لكنه يركز على هذا الأمر لأنه يستقطب ويحرك الغريزة ، وهو يريد عمل أي شيء لتحريك غرائز الناس، ليتمكن من خلال تحريكها، أن يسير على منهجه المادي الذي يركز على اللذة والشهوات لا على إنسانية الإنسان المتكاملة. إضافة الى ذلك فالغريزة جذابة ومغرية ، فإذا اندمج وانساق معها ازداد انحرافاً باتجاهها .
أذكر نقاشاً دار بيني وبين أحد الأشخاص ، كان عنده قناعة إلحادية ،وكان ينتقد الإسلام في أنه يكبت الإنسان.قلت له :إن الإسلام لا يكبت الإنسان ، إنما ينظم تصريف غريزته عن طريق الزواج. فقال : سأقول لك كيف يمكن للإنسان أن يكون مرتاحاً أكثر. لو كان عندنا بالوناً له عشر فتحات وكان منتفخاً ، ألا ينفس بسرعة أكثر مما لو كانت له فتحة واحدة ؟! كذلك الغريزة إذا أطلقنا لها الحرية فسرعان ما ترتاح ويتنفس الاحتقان ولا تعود متطلبة، ثم يصبح الأمر عادياً بل غير مطلوب، أما مع الحدود والضوابط فسيتولد الكبت والشقاء . قلت له : فرق كبير بين المادة الجامدة والإنسان المتحرك الحيوي صاحب الروح ، فالبالون يصرف كمية الهواء بعشر فتحات بدقيقة واحدة ويتطلب عشر دقائق بفتحة واحدة، هذه مادة والتعامل معها تعامل رقمي وهذه حقيقة علمية ، أما الإنسان فغريزته مبنية على قاعدة أنها كلما تفلتت كلما طلبت المزيد ،وهذه حقيقة علمية ثبتت بالتجربة ، فالعلاج ليس بترك الغريزة لتحل المشكلة ،ولكن بضبطها مع تلبية متطلباتها وتهيئة العوامل والظروف الخارجية المساعدة لذلك.
انتقد الغربيون والمتأثرون بهم من المثقفين الشرقيين هذا الانضباط في إطار العلاقة الزوجية ، ونظّروا لحق الشاب والفتاة للقيام بتجارب جنسية قبل الزواج ، بل لم يعلقوا أهمية كبرى على الخيانة الزوجية واعتبروها مشروعة بلحاظ الظروف الموضوعية التي يمر بها الزوجان ، أضف إلى ذلك فإن الزنى حق طبيعي لا يتطلب منعاً ولا عقاباً ، كل هذا تحت عنوان حرية الإنسان الشخصية ومسؤوليته فيما يترتب عليها من نتائج!! لكن ماذا كانت النتيجة في المجتمعات الغربية ؟ أين أصبحت الأسرة ؟ ما هي النظرة إلى الجنس الآخر ؟ أين إنسانية المرأة ؟ لو كانت هذه الانتقادات منذ خمسين سنة أو مئة سنة لأمكن للبعض القول لو جربتم لوجدتم صحة ما نقول .. أما وقد انكشفت النتائج المريعة والمرعبة بحق الإنسانية فماذا عساهم يقولون بحق المرأة والطفولة والسعادة البشرية والاستقرار النفسي والاجتماعي ؟!.
اليوم لا يوجد أسرة في الغرب بمعنى الأسرة ، بل نجد أولاد الزنى منتشرين في المياتم بأعداد كبيرة ، وهم معروضون للبيع بدل الإنجاب ، لم يعد هناك خصوصية للزوجية والبنوة، ووصل الأمر إلى حد تجاوز الزنى الى الشذوذ الذي يضعون له القوانين لحفظه وتشريعه وحماية الشاذين وتوفير الضمانات الاجتماعية والحقوقية لهم ، بدل معالجتهم بالتوجيه والعقوبة والضوابط. لقد وصل الفلتان إلى أقصى حد، والآن تعلو الصرخات في الغرب: كيف يمكن أن نحفظ البنات في سن العاشرة أو في سن الحادية عشرة وليس في سن الثامنة عشر؟هذه مصائب الانفلات الغريزي يضج منها المجتمع ، عدا عن الأمراض الجسدية والنفسية والتصرفات السيئة ،كل هذا بسبب عدم الحفظ وبسبب التفلت الذي يحصل من المقدمات، وعلى رأسها تعريض المجتمع لكثير من المشاهد والاغراءات والأمور الإباحية التي تسعّر الغريزة عند الإنسان، وعندما تتسعر الغريزة عنده يفتش عن طريقة لتصريفها وإطفاء جذوتها ،فإذا سلك مسلك الحرام استنفرت أكثر ، أما إذا سلك طريق الحلال بواسطة الزواج فإنها تتجه وتهدأ وتحصل على متطلباتها في إطار شرعي نظيف ومريح على كل المستويات الجسدية والنفسية والاجتماعية .