سماحة الشيخ حبذا لو تحدثنا عن الغريزة بشكل عام ؟
فطر الله تعالى الإنسان على خلق معين،في داخله حاجات عضوية كالحاجة إلى الطعام والشراب وغرائز كغريزة الجنس وغريزة حب البقاء وعنده عقل ومشاعر ،وله وظيفة يقوم بها في هذه الحياة في اعمار الكون .إن كل متطلبات اعمار الكون موجودة في شخصية وجسد هذا الإنسان كمقدمات ومقومات ، ومنها الغرائز وهي مغروزة غرزاً فيه، أي لو فكر شخص أن يقتلعها منه لكان المطلوب أن يزيل شيئاً من الجذور ، بل المطلوب أن نكون أمام مخلوق آخر تختلف فطرته عن فطرة الإنسان الحالي. أقول هذا لأوضح أن الغرائز التي نتحدث عنها ليست مسألة منكرة نقف في مواجهتا ، فهي " فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ "(1)ففي وقت من الأوقات كان البعض يعتبر الحديث عن غريزة الجنس أو ما شابه بأنه أمر خطير ومعيب ، بينما هي جزء لا يتجزأ من حياتنا ، ويجب أن نتعاطى معها بواقعية وإيجابية ، وأن نتفاعل معها بما يمكنها من تأدية الدور السليم المطلوب لها . إن المشكلة الأساسية تكمن في كيفية التعاطي مع هذه الغريزة وليس في أصل وجودها ، لأن وجودها محدد الأهداف ومرتبط بإعمار الكون.
إن الفرق بين الحاجات العضوية والغرائز هو أن الأولى تتحرك من داخل الإنسان ، بينما الثانية تتأثر بفعل المؤثرات الخارجية بشكل كبير . مثلاً عندما يجوع الإنسان يشعر بالحاجة إلى الطعام ، وهذا يتحرك من داخله ومن بطنه ، وعليه أن يأكل ، هذه حاجة عضوية يموت الإنسان بدونها، لأنه إذا لم يأكل أو يشرب لفترة طويلة يموت ،فالأعضاء تتقوم بهذا الأمر . بينما إذا لم يلب متطلبات الغرائز بالطريقة الصحيحة والسليمة فهذا يؤدي به إلى الشقاء والتعاسة، فالإنسان لا يموت إذا لم يلب غريزته إنما يشقى ويتعب ، وكذا إذا لبّاها بطريقة خاطئة أو حرم نفسه بشكل كامل .أما كيفية تحرك الغريزة الجنسية، فهي مرتبطة بسن معينة حيث تتغير عوامل في جسده مع اقترابه من سن البلوغ ليصبح مؤهلاً لهذا الأمر ، ولكن المحرك الكبير هو ما يتعرض له الإنسان من الخارج .لذا كلما خفف الإنسان من التعرض لأمور تجذبه وتشده وتغريه وتحرك غريزته ، كلما كان هذا أقوم وأفضل وأسلم للإنسان في طريقة التعاطي مع الغريزة ، لأن المحرك الخارجي مؤثر جداً.
نستنتج أنه في موضوع الغريزة يوجد مطلب داخلي تكويني وطبيعي، وتوجد محركات خارجية، وكلما قويت المحركات الخارجية كلما زاد المطلب الداخلي للغريزة ، وكلما خفت المحركات الخارجية كلما كان المطلب الداخلي بحدود معقولة، ويتصرف الإنسان بعدها لتصريف متطلبات جسده بحسب إجراءاته التربوية والضوابط والقناعات الموجودة لديه. إذاً الغريزة غرز الله تعالى وفطرته في الإنسان لا لتقمع ولا لتمنع بل لتنظم بطريقة يحصل منها على اللذة المحللة وعلى اعمار المجتمع والحياة ، فالمطلوب أن نعطي الغريزة حقها، لا أن نرفضها أو أن نطلق العنان لها ، إنما أن نوازن بما تتطلبه وفق ضوابط تجعلها تعيش حالة الراحة النفسية والطمأنينة في الحياة .