بعض المحرمات ذكرت تعليلاتها والبعض الآخر لم يذكر وفق الشريعة السمحاء،كيف نبرر ما لا نعلم تعليله ؟
توجد محرمات في الشريعة ذُكرت تعليلات تحريمها ، ونحن نتقيد بما ذُكر، مثل الخمر والقمار، فعندما ذكر لنا القرآن الكريم سبب تحريمهما بيّن بأن مفاسدهما ومضارهما أكثر من منافعهما، " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ..."(2)، وأن الخمر وغيره رجس، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "(3)، إن الخمر يسيء إلى العلاقات الاجتماعية ويصرف عن العبادة، "إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ"(4).
لكن توجد محرمات أخرى لا تعليل لها من خلال القرآن الكريم أو الأحاديث الشريفة ، ونحن نلتزم بالامتناع عن المحرمات عُلِّلت أم لم تُعلَّل ، فإذا لم تُعلِّلها الشريعة يعتبر أي احتمال نضعه كتعليل لا يُحتسب في دائرة اليقين وقد يبرز مع الزمن أنه غير صحيح ، أو لا يكون السبب الكامل للتحريم،.. أذكر مرة أن أحد الأطباء كان يريد أن يثبت لأخ مسلم متدين خطأ حرمة أكل لحم الخنزير ، لأنه اطلع على بعض التعليلات التي ثبت علمياً عدم صحتها، فقال له : ماذا تقول في لحم الخنزير؟ إن كنت تقول: إن فيه الدودة الوحيدة أو الديدان التي لا تقتلها إلا درجة حرارية عالية، ولا ينفع الطبخ العادي فيسبب أمراضاً ومشاكل، أقول لك: أننا توصلنا إلى حلول نستخدم معها درجة حرارية مرتفعة جداً وتحل لنا المشكلة . فأجابه الأخ: ومن قال لك أنني أمتنع عن الطعام لهذه الأمور التي ذكرتها، فلو اكتشفت لاحقاً أنه يوجد سبب مضر بالإنسان ومن أجله يمكن أن يكون التحريم ، ثم تبين أن هذا المضر له علاج تفادياً للضرر، أقول لك : ما حرمه الله تعالى لن آكله لأنه أمرني بذلك ولم يبين لي سبب التحريم، وما ذُكر من احتمالات التحريم لا يُعبِّر عن الاحتمالات الحقيقية التي نجهلها.
ولكن لماذا لم يبين الله تعالى لنا هذه الاحتمالات؟ أعتبر أن هناك سببين أساسيين لعدم تبيان الأسباب:
السبب الأول: سبب تربوي، ليعوّد الإنسان على عدم ربط الامتناع عن المحرم بسوق الأدلة التفصيلية والإقناع ، إذ أن الإقناع مطلوب في العقيدة، أما التفاصيل التشريعية الإجرائية الروتينية والعادية في حياة الإنسان فهي لا تستلزم أن يبين الله تعالى لنا تفاصيلها.
السبب الثاني: سبب عملي، فهناك بعض الأسرار التي لا يستوعبها الإنسان في حياته البشرية أو في فترة منها،والبعض قد لا يفهم معناها فيبدأ التفسيرات والتحليلات التي تشوشه. وهل كلما ذهب المريض إلى الطبيب،فيسأل عن التفاصيل المرتبطة بالدواء ومكوناته يمكنه الوصول إلى تحقيق رغبته بالإجابات الشافية؟ وهل بإمكان الإنسان أن يستوعب في لحظات ما غاب عنه من أمهات المطالب التي تحتاج إلى مقدمات وسنوات طويلة من الدراسة؟! هذا ما ينطبق على بعض ما فهمه المختصون بالنسبة لعامة الناس، علماً أن بعض أسرار المحرمات قد يكون عصياً على الإنسان إلى فترة متقدمة جداً من تاريخ البشرية بل إلى فناء البشرية.
إن الله هو الخبير الذي يعرف مصلحة الإنسان بالكامل، ويعرف ما يضره وما ينفعه، وليس مطلوباً أن يعلل الله لنا كل شيء، وإلا أصبحنا وكأننا نسأله عن كل شيء فإذا اقتنعنا نعمل وإذا لم نقتنع لا نعمل ، وهذا لا يساعد على الالتزام . المطلوب أن نؤمن ونقتنع بالالتزام العام ، بعد ذلك لا قيمة للتفاصيل والجزئيات، فننفذ الأوامر وهذا ما يؤدي إلى السعادة الحقيقية.