" أما حق السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقاً الى قلبك إلى لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا أو تكسب خلقاً كريماً " ، نرى الامام زين العابدين (ع) يطرح معادلة الكلمة الطيبة من متحدث كريم كما في ظاهر الحديث تنتج خيراً للقلب وتنتج الخلق الكريم أيضاً فتفضلوا علينا بشرح ما ورد عند الامام زين العابدين (ع) ؟
"أما حق السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقاً الى قلبك الا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا أو تكسب خلقاً كريماً " هذا هو الأساس والهدف الذي يصبو إليه الإمام(ع) في توجيه سمع الإنسان .إن كل كلمة وكل صوت وكل ما يصل الى هذه الأذن أي كل ما يسمعه الإنسان ، له تأثير مباشر على أمرين كبيرين وأساسيين يذكرهما باختصار معبّر إمامنا زين العابدين (ع):
الأمر الأول:" تحدث في قلبك خيرا" أي التأثير على القلب ، على المضمون الداخلي للإنسان. وعندما نتحدث عن القلب لا نتحدث عن العضو الموجود في داخل الإنسان،إنما القلب هو داخل الإنسان الذي يتقلب ويتأثر،وهو المحرك الأساس في شخصيته على المستوى الروحي والنفسي والعقلي وعلى كل المستويات ، إذاً هو الموجه والدافع ، إن أول تأثير من الاستماع إلى الخير إنه يحدث في القلب خيرا .
أما الأمر الثاني:" تكسب خلقاً كريماً " وهو الانعكاس الظاهري والخارجي للإنسان في حياته اليومية، هذا الانعكاس الخارجي الذي يتمثل في طريقة التعاطي مع الآخرين يتأثر بالاستماع .
إذاً للاستماع أثران: أثر داخلي في تكوين الشخصية، وأثر خارجي في تصرفات الإنسان ، من هنا عندما يتم التشجيع للاستماع إلى الأمور الخيرة والصحيحة والاستئناس بها والتفاعل معها، فذلك لأنها تنعكس مباشرة على الشخصية داخلياً وخارجياً .أما إذا كان الاستماع استماعاً سيئا للمنكرات والمحرمات، كأن يستمع الإنسان إلى الغيبة والنميمة والى الفحشاء والغناء والموسيقى المحرمة وغيرها من الأمور المحرمة ، فسينتقل مضمون الكلام وأثره الى القلب ليختزن الخبائث ، وعندما يختزن الخبائث تبدأ المرحلة الثانية في التعبير وفي الانعكاس حيث"كل إناء بما فيه ينضح"، فإذا تربى الإنسان على الخبائث وترسخت في القلب، فسيتحدث بشكل طبيعي عن أمور سيئة وينقل معلومات خاطئة ،
يستغيب ويتصرف بدون لباقة مع الآخرين ، لأن المخزون الموجود في داخله مخزون سيئ .
عندما يحاول بعض الناس الفصل بين المخزون الداخلي والانعكاس الخارجي،يكشفهم السلوك اليومي في المجتمع بسرعة والذي يُبرز الترابط الوثيق بينهما. بعضهم يقول : والله لو أنك تشق قلوبنا لتجد أننا مؤمنون أكثر من غيرنا، لكن تصرفاتهم في الخارج لا تدل على ذلك فلا " سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ"(4) ولا على ألسنتهم من أثر الطاعة لله، ولا تجد أي أثر للإيمان في حياتهم العامة . ويقول لك أحدهم:إن قلبي أبيض وهو أفضل من كل هؤلاء الذي تقول عنهم بأنهم مؤمنون ؟! لنفترض جدلاً أنه كما يقول ! كيف لا يصدر عن هذا القلب المؤمن سلوك إيماني إلى الخارج ؟! هذه الازدواجية هي ازدواجية هروب من المسؤولية ، فالإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل ، ولا يوجد إيمان في القلب من دون أثر له في العمل،ولا تنفع الكلمات المنمقة والادعاءات اللفظية في إثبات حسن النية، فالعمل هو الحاكم وهو ظاهر لا يحتاج إلى عناء.
بصراحة عندما يحتاج الإنسان الى الكثير من الأدلة ليقنع الآخرين بأمر مخالف لما يدل عليه سلوكه فهذا يعني أنه لا يتكلم الحق ، وإذا احتاج شخص إلى الكثير ليقنع الناس بأن أخلاقه جيدة خلافاً لما يرون منه من سلبيات يومية فهو يتعب نفسه ، لأن الأخلاق الحميدة تبرز من صاحبها ويتكلم الناس عنها دون حاجة إلى إثبات ذلك . إذاً جوهر المسألة هو أن آثار الاستماع تنعكس أولاً على البنية الداخلية أي القلب وثانياً على البنية الخارجية أي الخلق والعلاقات مع الآخرين . فالترابط بين النفس والسلوك موجود .
وإذا أجرينا استفتاء بين الناس ونظرنا إلى أصحاب الخلق الحسن في تعاطيهم مع الآخرين سنرى في الأغلب أن مجالسهم مجالس طيبة ولطيفة ولا يديرون أسماعهم الى الأمور المنكرة والمحرمة ، أما السيئون في أخلاقهم وفي طريقة تعاملهم فالمناخ الذي يعيشون فيه مناخ سيئ في الاستماع إلى المنكرات والمحرمات من الأحاديث.إننا نريد لهذا القلب وهذا الداخل أن يستقبل الأمور النظيفة والطيبة ، وأن يبتعد عن الأمور السيئة التي تعيق وتؤثر وتؤذي، ولنعترف بأن الإنسان يتغذى من كل ما يحيط به . فكما أن الجسم ينمو بسبب الطعام فإذا كان الطعام جيداً كان النمو جيداً ، وإذا كان الطعام سيئا انعكس أمراضاً وأحدث آلاماً .كذلك ما يدخل الى السمع ليصل إلى القلب فإذا كان نظيفاً يؤثر فيه تأثيراً سليماً. إن الإنسان الذي يغذي سمعه بأشياء مفيدة ستنعكس على شخصيته حتماً.