حقوق الجوارح

اتجاهان للاستماع

اتجاهان للاستماع

سماحة الشيخ كيف تتعاطى الآيات القرآنية الكريمة بحق السمع ؟
يتوجه القرآن إلى حاسة السمع ليحسن من أدائها وليدل الإنسان على كيفية التعاطي معها ، وبما أنه يوجد توجيه لهذه الحاسة الأساسية ، لا بد أن تذخر الآيات القرآنية بالحديث عن هذا التوجيه الذي يكون في اتجاه إيجابي عندما يصل الأمر إلى الطاعة، ويكون في الاتجاه السلبي عندما يصل الأمر إلى المعصية. وحتى لا نستعرض كل الآيات الكريمة أكتفي بآيتين ، واحدة في الجانب الإيجابي وواحدة في الجانب السلبي . يقول تعالى في القرآن الكريم عن المؤمنين :" رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ"(2)ربنا إن الذي أرسلته إلينا ، هذه النداءات والوحي والتوجيهات التي أردت أخبارنا بها حتى نسير على طريق الطاعة ،قد سمعناها وحصل الانعكاس، فلولا الاستماع لما آمنا ، وبعد أن آمنا سرنا على الطريق الصحيح، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار بإعانتنا على المراحل الأخرى ، طالما أننا بدأنا في المرحلة الأولى الصحيحة التي كانت نتيجة استماعنا لنداء الإيمان.

أما الآية التي تتحدث عن الجانب السلبي ، يقول تعالى عن أولئك الذين يحضرون مجالس الكفر والاستهزاء :" وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ"(3)، لأن البحث الذي يطرحونه يروج للكفر بإنكار آيات الله تعالى بطريقة غير موضوعية ، ويستهزئون كتعويض عن عجزهم لمواجهة الحقائق ولإسقاط فعالية الآيات عن التأثير بهذه الطريقة المستهترة والمستخفة،وللتجريح وليس للنقاش أو التحليل أو الاستفادة ، وإلا عندما يكون الهدف المناقشة والاستفادة فلا إشكال في أن يطرح الإنسان أي سؤال يريده على قاعدة الاستفهام أو الاستيضاح أو محاولة الوصول الى الحقيقة .لكن إذا أراد الإنسان أن يقف الموقف السلبي سلفاً،ويحاول الخوض في الحديث لمجرد التهكم والاستهزاء وإيجاد الضوضاء دون رغبة الوصول إلى نتيجة إيجابية ،عندها يحذِّر رب العالمين من الجلوس مع هؤلاء والاستماع لهم وهم يتهكمون ،على قاعدة أن هذا الاستماع لا منفعة فيه طالما أن الطريقة استهزائية وفيها نوع من الإهانات المتكررة ، ولا فائدة من صرف العمر على هذه المجالس، أو تشجيعها للتمادي ، خاصة أن ما يجري فيها يؤذي قلب الإنسان ونفسيته بسبب الأجواء المقيتة التي تحيط بمثل هذه المجالس.