عاشوراء مدد وحياة

دور المرأة في كربلاء

دور المرأة في كربلاء

دور المرأة في كربلاء

السيدة زينب(ع) نموذجاً


إن التحاق السيدة زينب بنت علي(ع) بحركة الإمام الحسين(ع) منذ انطلاقتها من المدينة المنورة هو جزء لا يتجزأ من خطة تحقيق الهدف، فهي أخت الإمام(ع) المتزوجة من عبد الله بن جعفر وليست جزءاً من عياله كزوجته وأولاده ليكون وجودها عادياً وضرورياً، وهي تعلم نتيجة هذا المسار للروايات المعروفة عن النبي(ص) وأمير المؤمنين(ع) وما ذكره الإمام الحسين(ع) في جوابه لأخيه محمد بن الحنفية:" إن الله شاء أن يراهن سبايا"(1)، وهي قادرة على تقديم مساهمة كبيرة في إيضاح أهداف الإمام(ع) وكشف انحراف الحكم بسبب سعة علمها وقوة منطقها وتبنيها لهذا المنهج.

وقد بدأ دورها من اللحظة الأولى في كونها محوراً للنساء والأطفال لتخفف بذلك عن الحسين(ع)، وفي تشجيعها لأولادها بالمشاركة في كربلاء. ولم تبرز مواقفها ما قبل كربلاء لأنها ارتبطت بالأداء الداخلي للموكب الحسيني، ولم تنقل لنا كتب السيرة ما جرى من تفاصيل إلاَّ ما ارتبط بالبارز منها، والذي انعكس من التواصل مع الآخرين، أو شكل مجالاً لاطلاع يمكن نقله، أو لأحداث يعتبر ذكرها عاملاً مساعداً في فهم خطوات النهضة الحسينية.

كانت العقيلة زينب(ع) تملك تلك العاطفة الجياشة للأخت والأم والإنسانة النبيلة، وقد عبَّرت عنها بكلماتها وبكائها، لكنها لم تقع أسر تلك العاطفة ولم تسقطها المأساة، إنما استجمعت عقلها وإيمانها وعلمها ورساليتها وتابعت المسيرة، لتكون حلقة الاتصال بين عاشوراء وما بعدها، فيتحقق للإمام(ع) ما أراده بنقل كربلاء من محطة في التاريخ إلى إشعاع متواصل يسري في الأمة ويصلح حالها ويؤثر في مستقبلها.

إن هدف الخليفة الجائر يتحقق باسقاط أهداف الثورة وذلك بقتل رمزها والمشاركين فيها، لكنه لم يتحقق بسبب ما أدَّته زينب(ع) ومن معها، وكما قال بعضهم: لقد انتصرت الثورة الحسينية بدماء سيد الشهداء(ع) وإعلام زينب(ع)، بما شكلت هذه السيدة الجليلة من رمزية نسائية تصعب مواجهتها من قبل جماعة يزيد، ومن أداء تعبوي وصل إلى كل الأقطار ولم يكن بإمكان السلطة منعه.

إن إجرام الحاكم وزبانيته لم يتوقف عند مأساة كربلاء بل تواصل بعده، فعندما أحضر القوم السبايا وآل الحسين(ع) إلى قصر الإمارة سأل ابن زياد الإمام زين العابدين(ع) عن اسمه، فقال: أنا علي بن الحسين.
فقال: أليس قد قتل الله علي بن الحسين؟
فقال: قد كان لي أخ يسمى علياً قتله الناس.
فقال: بل الله قتله.

فقال الإمام(ع): الله يتوفى الأنفس حين موتها. فأشار ابن زياد لقتله، فتعلقت به زينب(ع) وقالت: يا بن زياد، حسبك من دمائنا، والله لا أفارقه فإن قتلته فاقتلني معه؟ فتركه.
وأراد ابن زياد أن يعلن نتيجة المعركة فجمع الناس في مسجد الكوفة، وقال: الحمد الله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه، وقتل"الكذاب" الحسين بن علي وشيعته. فتصدى له عبد الله بن عفيف الأزدي وقال له: يا بن مرجانة! إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه، أتقتلون أبناء النبيين وتكلمون بكلام الصديقين. فأمر ابن زياد بقتله وصلبه(2).

من هنا فإن أهمية الدور الزينبي يتمثل في قدرتها على التصريح والتوضيح والتعبئة، فهي شاهدة على ما جرى، وهي تملك شجاعة تؤهلها للتصدي، وهي عالمة يمكنها شرح الموقف وتحليل أبعاده ونتائجه، وهي صاحبة النسب الشريف المؤثر في النفوس، وهي امرأة يصعب على السلطة قتلها ولا يمنعها الأسر والتضييق من إيصال صوتها.

كانت رحلة السبايا طويلة وشاقة، بدأت من نقلهم أسارى إلى الكوفة في الحادي عشر من محرم وإدخالهم إلى قصر الإمارة عند واليها عبيد الله بن زياد، ثم إرسالهم إلى الشام في مسير شاق ومتعب ومأساوي مع الرؤوس المقطوعة وإدخالهم إلى قصر الخلافة عند يزيد بن معاوية، ثم إعادتهم إلى المدينة المنورة وقد مروا في طريقهم إلى كربلاء في العشرين من صفر سنة احدى وستين للهجرة. وكان قصد السلطة المزيد من الإذلال، وإعطاء العبرة للناس،لكن السيدة زينب(ع) أسقطت هذا الهدف بمواقفها الجريئة في كل المحطات، فقد خطبت في أهل الكوفة ثم في مجلس ابن زياد ثم في مجلس يزيد، واتضح ليزيد أن المزيد من الضغط لن ينفع، فترك لآل الحسين(ع) مجالاً للإقامة في دار قريبة وتقبل العزاء لثلاثة أيام، لكن تردد الناس عليهم سبب إرباكا للخليفة، مما دفعه أن يكلف من يصحبهم ليعيدهم إلى المدينة المنورة، ولم تدع العقيلة مجلساً منها أو اجتماعاً أو فرصة إلاَّ وشرحت فيه أهداف الثورة ومأساة كربلاء.
إنَّ تتبع كلمات العقيلة زينب(ع) في المواقع المختلفة، والمضامين المتينة، يجعلنا نتلمس بوضوح ما أرادت إيصاله وتحقيقه. وأول خطبها بعد كربلاء كانت في أهل الكوفة، حيث اجتمعوا حول موكب السبايا وجعلوا يبكون ويظهرون الحزن، فأومأت لهم بالسكوت، وقالت:

" أما بعد، يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر، أتبكون! فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعدة قوة أنكاثاً تتخذون إيمانكم دخلاً بينكم، وهل فيكم إلاّ الصلف النطف، والصدر الشنف، وملق الاماء، وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون".

واجهتهم السيدة زينب(ع) بسلوكهم فهم أهل غدر، ودعت عليهم بأن لا تجف دمعتهم ولا يهدأ نواحهم بالتعرض لبلاءات مختلفة، ومثَّلت واقعهم بامرأة تغزل لصنع ثوب وبعد إنهائه تنقضه فتخربه وتعيده خيطاناً إلى أصله، فعملهم تخريبي، وإيمانهم خيانة بينهم. أما مواصفاتهم ففيهم الصلف الذي يتكبر ويدَّعي ما ليس عنده، والنطِف البارز بعيوبه، وصاحب الصدر المملوء بغضاً، والمتملق المداهن كما الإماء مع أسيادهن، والذي يطعن في الظهر كما الأعداء، أو كمن يرعى على مزبلة، أو كقطعة براقة توضع على القبر لكن ما تحتها ميت، هذه المواصفات تُنتج أعمالاً سيئة تسجل في صحيفة أعمالهم، وهم مسؤولون عنها، وهي تغضب الله تعالى وتدخلهم إلى جهنم.

ثم قالت:" أتبكون وتنتحبون! إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها (تزيلوها) بغسل بعدها أبداً، وأنَّى ترحضون قتل سليل النبوة، ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة، وملاذ(ملجأ) حيرتكم، ومفزع نازلتكم( الذي تلجأون إليه في المحنة)، ومنار حجتكم، ومدرة ألسنتكم، ألا ساء ما تزرون، وبعداً لكم وسحقاً. فلقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة.

ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي دم له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم! لقد جئتم بها(بعملكم) صلعاء عنقاء سوداء فقماء خرقاء شوهاء، كطلاع(ما حوته) الأرض أو كمعىء السماء، أفعجبتم أن مطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون. فلا يستخفنكم المهل(الفرص)، فإنه لا يحفزه(يدفعه) البدار (المسارعة)، ولا يخاف فوت الثأر، وإنَّ ربكم لبالمرصاد"(3).

بينت العقيلة زينب(ع) لأهل الكوفة أن مساندتهم للحاكم الظالم بقتلهم ابن بنت رسول الله(ص) الذي يتمتع بمواصفات جليلة، ألحق بهم عاراً لا يُغسل، وأدى إلى خسارة لا تمحى، وأوصل إلى الذلة والمسكنة. لكنَّ الله يمهل ولا يهمل، فلا يحل عذابه مباشرة على المسيئين، لكنه لهم بالمرصاد لمعاقبتهم على ما فعلوا.

يتضح التحريض وتحميل المسؤولية لأهل الكوفة من كلامها عليها السلام، فلا ينفع البكاء، وهم سيجنون نتيجة أعمالهم في المستقبل، وستكون حياتهم جحيماً بخلاف ما توقعوا. إنها دعوة لمحاسبة الذات، ومرآة لكشف الحقائق، كي لا يبقى عذر لمعتذر، وكي تؤتي ثورة الحسين(ع) نتائجها في إثارة ردات الفعل عندهم من أجل التغيير.

أما موقفها في قصر الإمارة بمواجهة ابن زياد، فقد تميز بالجرأة وتصحيح المفاهيم ووضع الأمور في نصابها الصحيح، كي لا يشعر الوالي بالإنجاز المدَّعى، وكي يعلم أن المعركة طويلة.
قال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.
فقالت: الحمد لله الذي أكرمنا بحمد وطهرنا تطهيرا، لا كما تقول أنت، إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر.
قال: فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟
فقالت: كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتخاصمون عنده(4).

ما أروع كلمة الحق عند سلطان جائر، وما أمتن وقعها عندما تطلقها عالمة مجاهدة كالسيدة زينب(ع) في محضر يزيد. لم تخش بنت بيت النبوة من الطاغية، ولم تثنها آلامها عن إتمام الرسالة وإلقاء الحجة، وهي التي قدمت أفكاراً دقيقة ورؤية متكاملة لما فعله يزيد، طلبت الكلام وقالت:" الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله سبحانه حيث يقول:" ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ". أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض، وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله هوانا، وبك عليه كرامة، وإن ذلك لعظم خطرك عنده؟ فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان مسرورا، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى:" وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ".

إنها نظرة خاطئة في اعتبار كربلاء معركة رابحة ليزيد، وذلك بميزان الحساب الإلهي والنتائج المستقبلية، وأن الإمساك بالأمور وأسر السبايا لا تدل على كرامة للفاعل عند الله تعالى، فالله يعطي المؤمن والكافر، أما المؤمن فليبتليه بلاءً حسناً بتكريمه أو بلاءً سلبياً لامتحان ثباته ثم يكافئه في يوم القيامة، وأما الكافر فليبتليه بلاءً حسناًً بإعطائه في الدنيا حتى لا يحمل أي مكرمة يطالب بها في الآخرة أو بلاء سيئاً علَّه يستيقظ وتكون له عبرة ولإلقاء الحجة عليه. فكسب يزيد هو زيادة عطاء من الله تعالى ليزداد إثماً لأنه لم يعمل وفق أوامر الله تعالى.
إلى أن قالت زينب(ع):" ولئن اتخذتنا مغنماً، لتجدنا وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلاَّ ما قدمت وما ربك بظلام للعبيد، فإلى الله المشتكى وعليه المعول".

"فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلاَّ فند، وأيامك إلاَّ عدد، وجمعك إلاَّ بدد، يوم يناد المناد ألا لعنة الله على الظالمين".

"فالحمد لله رب العالمين، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود، حسبنا الله ونعم الوكيل"(5).

فالعبرة بيوم الحساب، وشكوى المظلومية لا تكون إلاَّ لله تعالى. ومهما فعل يزيد من كيد وعداء فليس باستطاعته محو ذكر محمد وآل محمد(ص) المرتبط بالرسالة الإسلامية الخالدة، وعطاءاتهم التي تعتبر أنواراً ساطعة في تاريخ البشرية، وسيكون عطاء الله تعالى أكبر بالشهادة والرحمة، ولا كسب إلاَّ مع الله تعالى.

وقد تابعت السيدة زينب(ع) حركتها في المدينة المنورة، واستمرت في لقاءاتها وحواراتها وتوجيهاتها لتوضيح ما جرى وأهداف الثورة الحسينية.

إن الدور النسائي في كربلاء لم يقتصر على السيدة زينب(ع)، وإن كانت الشخصية المحورية والأبرز وذلك لخصوصيات في شخصيتها ودورها وموقعها. وقد روت كتب السيرة لقطات معبِّرة عن الشخصيات النسائية المشاركة في كربلاء.

فزوجة زهير بن القين حرضت زوجها على اللقاء مع الإمام الحسين(ع) في الطريق إلى الكوفة بعدما كان رافضاً للقاء، وعندما عاد إليها مقتنعاً ومصمماً على السير مع الإمام الحسين(ع) ، شجعته مجدداً وقالت له:" خار الله لك وأسألك أن تذكرني يوم القيامة عند جد الحسين(ع)(6).

وطوعة(7) التي أعتقها الأشعث بن قيس وتزوجها اسيد الحضرمي فولدت له بلالاً، فقد سقت مسلم بن عقيل واستضافته خفية عن ولدها بلال في بيت قريب من بيتها حين لم يبق معه أحد من أهل الكوفة، وكان ملاحقاً من جماعة ابن زياد، ولم تخبر ولدها إلاَّ عندما لاحظ انتقالها المتتالي إلى المكان الآخر مع الطعام والشراب وحلف لها بالكتمان، لكنه أخلف حلفه، وكان ما كان من اعتقال مسلم من هذا البيت.

وأم وهب زوجة عبد الله بن عمير الكلبي الذي رأى في النخيلة أناساً يلتحقون بالإمام الحسين(ع) وهو في طريقه إلى الكوفة فأعلم زوجته برغبته الالتحاق بركب الحسين(ع) فقالت له: أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك افعل وأخرجني معك. وفي بداية معركة كربلاء برز زوجها للقتال، فلحقت به أم وهب وحملت عاموداً بيدها وقالت: فداك أبي وأمي ، قاتل دون الطيبين ذرية محمد. فأقبل إليها يردها نحو النساء فأخذت تجذب ثوبها وتقول: إني لن أدعك دون أن أموت معك. فناداها الحسين(ع): جزيتم من أهل بيت خيراً، ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهن فإنه ليس على النساء قتال. فانصرفت إليهن(8).

وفاطمة بنت الحسين(ع) التي خطبت في أهل الكوفة خطبة طويلة تبين عن جرأتها ووعيها، جاء فيها:" أما بعد، يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر والخيلاء، فإنا أهل بيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسنا، وجعل علمه عندنا، وفهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، ووعاء فهمه وحكمته وحجته على الأرض في بلاده لعباده، أكرمنا الله بكرامته، وفضلنا بنبيه محمد(ص) على كثير ممن خلق تفضيلا بيّنا. فكذبتمونا وكفرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالاً، وأموالنا نهباً، وكأننا أولاد ترك وكابل، كما قتلتم جدنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت، لحقد متقدم، قرّت لذلك عيونكم، وفرحت قلوبكم افتراء على الله، ومكراً مكرتم، والله خير الماكرين، فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا، فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة، والرزايا العظيمة، في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير(9).

إن مشاركة المرأة في الدفاع عن الإسلام والجهاد في سبيل الله والحضور في ساحات العمل والتضحية لا يرتبط بالقتال وحمل السلاح، فهي غير مكلفة بالقتال العسكري، بل يرتبط بعملها التربوي لأولادها وحثهم على الجهاد، ووعيها لحاجات الأمة ومتطلباتها ومساهمتها فيها، ودفع زوجها كي يقوم بواجبه، وإمداد المعركة بالتعبئة الإيمانية والإعلامية اللازمة، وإبراز جانب المظلومية لاستثارة المشاعر الجامدة. إننا بحاجة لأن تبقى المرأة إلى جانب الرجل في كل الميادين والساحات وبحسب قدراتها وتكليفها، ولا يمكن الاستهانة بما تملكه من طاقات لمصلحة المعركة، فالإمام الحسين(ع) ومن معه من أصحابه وأهل بيته حضروا بشهادتهم في كربلاء فكانت المنعطف والمغيِّر، والسيدة زينب(ع) ومن معها كانت حاضرة بنقل الصورة وتوضيح الموقف وتأكيد الاستمرارية.