سبيلك إلى مكارم الأخلاق

مقدمة الطبعة الخامسة

مقدمة الطبعة الخامسة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الخالق الهادي، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء(ص) والأئمة الأطهار(عم) مشاعل النور للبشرية نحو الكمال.
دعاء "مكارم الأخلاق" من الأدعية الجليلة للإمام زين العابدين(ع)، التي وردت في الصحيفة السجادية، وهو يجمع بين تعزيز الصلة بالله تعالى وتهذيب النفس وسمو الروح، وبين التوجيهات الأساسية لبناء الشخصية الفاضلة والكاملة. إنَّه منظومةٌ تربويةٌ فرديةٌ ومجتمعية لتثبيت الأصالة في الشخصية المؤمنة، وتعزيز الاتجاه نحو الرقي الإنساني، بما يحقق السعادة في الدنيا، والثواب في الآخرة.
ليست المكارم أوامر جافة للتنفيذ، بل هي أفقٌ رحب يعيش فيه القلبُ طهارتَه، والعقلُ نقاوتَه، والسلوكُ استقامتَه، وهي بلسمُ الروح تحميها من مزاحمة الملذات للجسد، وتداويها لتعيد الفطرة إلى أصالتها، عندها يهون كل شيء في هذه الدنيا، فتتفكك الحجب، وتسقط قضبان سجن الدنيا، فيصبح صاحب المكارم إنساناً يعيش لذة إنسانيته الكاملة، من دون أي نقص أو حرمان، بل يكون مفعماً بالرضى والطمأنينة.
بين يديك عزيزي القارئ:"سبيلك إلى مكارم الأخلاق"، وهو شرح ميَّسر لدعاء الإمام زين العابدين(ع) في مكارم الأخلاق. وقد حرصنا على توضيح المعنى، وتقديم الشواهد من القرآن الكريم وأحاديث ومواقف الرسول(ص) والأئمة الأطهار(عم)، بطريقة خالية من التعقيد والإطناب، رغبة منا بانسياب مضمون الدعاء إلى القلب، وعدم الإغراق في التحليل الفكري والنظري له، كما تمَّ استخدام أسلوب المحاكاة المباشرة ما يساعد على تلمُّس الذات، في خطاب وجداني يساعدها على الاهتداء إلى سبيل المكارم.
تمَّت كتابة الدعاء بعد المقدمة مباشرة، لتسهيل قراءته كاملاً، تحقيقاً للعمل بالمستحب في قراءة الدعاء، وتيسيراً للاطلاع عليه بشكل إجمالي، ثم تلاه توزيع فقرات الدعاء بحسب ترابط معانيها، وتمَّ تفسيرها، واختيار مجموعة من العناوين التي تشير إلى ما ركَّز الدعاء عليه، مرفقة بتوضيحات تسلط الضوء على النظرة الإسلامية للقضايا المطروحة، بإيجاز يتناسب مع الهدف، في التركيز على السلوك والأداء العملي.
وقد تمَّت كتابة محتويين للكتاب في أوَّله:
الأول: المحتوى العام، وهو عبارة عن عناوين الموضوعات التي تمَّ بحثها.
الثاني: فهرس مطالع الفقرات، الذي يشير إلى بداية فقرة الدعاء التي تمَّ تفسيرها.
أنصحك أيها العزيز، أن تتأمل جيداً في مضمون الدعاء، وتقرأه مراراً وتكراراً، في كل الأوقات، ولا تستعجل قراءة تفسيره دفعة واحدة وبسرعة، فإذا انسجمت في قراءة"سبيلك إلى مكارم الأخلاق" فتابعته إلى أن انهيت قراءته، احرص على إعادة القراءة بالتدريج، فقرة بعد أخرى، في أيام متعددة، لتتأمل في مضمون كل فقرة أو عنوان فيها، وتُخضع نفسك لمناقشةٍ ومراجعةٍ تساعدك على تبيان موقعك من المكرمة أو المكارم المذكورة، ثم تحدِّد برنامجاً عملياً يساعدك على الرقي نحو الأفضل، وهكذا يتكوَّن لديك مجموعة من البرامج التي يكون الدعاء أساساً لها، ما ينقلك من النظرية والتمنيات، إلى التغيير في السلوك والتفاعل.
هذه الطبعة الخامسة للكتاب بعد نفاد الطبعات السابقة، وكانت الملاحظة الأساسية التي سمعتها من بعض القراء، شعورهم بأنَّ الخطاب في الكتاب موجَّهٌ إليهم، ويحاكي مفاتيح المعالجة لقضاياهم، ما ينسجم مع هدف الإمام زين العابدين(ع) في بناء الشخصية الإسلامية بكل جوانبها.
أسأل الله تعالى، أن يوفقنا للتطبيق والعمل، وأن يتماهى سلوكنا مع قلوبنا، في تناغمٍ ينعكس على حياتنا، إنَّه نِعْمَ المولى ونِعْمَ المعين.
 نعيم قاسم
03 جماد الثاني 1431هـ
17 أيار 2010م